اليوم الجمعة ذكري وفاة النحات المصري الشهير محمود مختار صاحب تمثال نهضة مصر، ومحمود مختار ولد يوم 10 مايو 1891، وفارق دنيانا يوم 28 مارس 1934، وهو أحد الفنانين الرواد القلائل في فن النحت وصاحب تمثال نهضة مصر الشهير وله متحف باسمه قائم إلي الآن، متحف الفنان محمود مختار نشأ محمود مختار في نواحي مدينة المحلة الكبري وتحديدا بقرية طنباره، ووالده ' إبراهيم العيساوي ' كان عمدة القرية لكن مختار عاش مع جدته لأمه في بيت خاله في قرية نشا في المنصورة.، وعرف عنه انه عندما كان طفل صغير كان يقضي معظم وقته بجوار الترعة يشكل في الطين مناظر كان يراها حوله في القرية. قدم محمود مختار إلي القاهرة عام1902 وعاش في أحيائها القديمة، والتي علي مقربة منه افتتحت مدرسة الفنون الجميلة، أما 'درب الجماميز' عام 1908، فكانت مدخل الصبي إلي مستقبل غير متوقع، بعد أن التحق بصف أول دفعة، وهو في السابعة عشرة من عمره. بدت موهبة مختار ساطعة للأساتذة الأجانب، مما حدا بهم إلي تخصيص 'مرسم خاص' له، ضمن مبني المدرسة، لإعداد منحوتاته بها، من تماثيل، وأشكال تستعيد مشاهد الريف، وملامح رفاق الحي. موهبته أيضاً دفعت راعي المدرسة، الأمير يوسف كمال، إلي أن يبعث الصبي، إلي باريس، كي يتم دراسته هناك. ومثلما نشأ مايكل انجيلو في رعاية الأمير الفلورنسي لورنزو دي مديتشي، فقد نشأ محمود مختار في رعاية الأمير المصري يوسف كمال. وتلقي مختار أول الدروس في الفن في المدرسة الملحقة بقصر الأمير يوسف كمال بك ساهم محمود مختار في إنشاء مدرسة الفنون الجميلة العليا وكما شارك في إيفاد البعثات الفنية للخارج، كما اشترك في عدة معارض خارجية بأعمال فنية لاقت نجاحا عظيما وأقام معرضا خاصا لأعماله في باريس عام 1930 وكان ذلك المعرض سبباً في التعريف بالمدرسة المصرية الحديثة في الفن وسجلت مولدها أمام نقاد الفن العالميين. عاش الفنان الرائد حياة عريضة مملوءة بقصص النجاح والتفوق والصراع من اجل وضع فن النحت في أعلي مكانة من المجتمع الذي كان يعادي صناعة التماثيل ويعتبرها امتداداً لصناعة الأصنام. وقد وضع الفنان موهبته في خدمة الحركة الوطنية معبراً بتماثيله عن المرحلة الاجتماعية والسياسية التي عاشها: مرحلة النهضة والبحث عن الشخصية المحلية في أعقاب ثورة 1919. ولقد حظي فنه باحترام وتقدير الأوساط الفرنسية الرسمية في المجال الفني، واكتسب في نفس الوقت تأييداً حماسياً من جماهير الشعب المصري التي أشعلت هذه الثورة الوطنية. قد كان مختار أول فنان يعرض عملاً فنياً في معرض عالمي بباريس، كما كان أول فنان مصري يكسب جائزة من صالون باريس متفوقاً علي فنانيها، فقد نال الميدالية الذهبية لمعرض الفنانين الفرنسيين السنوي الذي يقام في السراي الكبري 'جراند باليه' عن نموذجه المصغر لتمثال نهضة مصر. الذي نفذه بعد ذلك منحوتاً في حجر الجرانيت الوردي ليقام في أكبر ميادين القاهرة. كما فاز بجائزة من معرض صالون باريس عام 1925 عن تمثاله 'لأم كلثوم'. وكان أول فنان عربي يقيم معرضاً شخصياً لتماثيله في باريس. وتمثل أعماله نقطة البداية الرائعة لحركة فن النحت الحديث، ليس في مصر وحدها ة لكن في البلاد العربية كلها، ذلك لأنه حقق في حياته القصيرة شهرة واسعة وحظي بتكريم جماهيري لم يفز به أي فنان مصري آخر، سواء في حياته أو بعد وفاته، فهو الفنان الوحيد الذي استقبلته مظاهرات الترحيب بالإسكندرية عند عودته إلي مصر من أوروبا ليقيم تمثالاً يخلد ثورتها الوطنية بعد أن كانت تماثيل الميادين لا تصور سوي الملوك والقادة من الأفراد.. وقد تبرع الفلاحون بملاليمهم وقروشهم لتغطية نفقات إقامة هذا التمثال. فبعد انتهاء الحرب العالمية '1914-1918' بدأت تتجمع نذر الثورة علي الاستعمار الإنجليزي في مصر تحت شعارات ثلاث: الاستقلال والعدالة والدستور، وبدأ يتكون حزب الوفد بزعامة سعد زغلول، وكان للحزب تنظيمه السري الذي أطلق علي نفسه اسم 'اليد السوداء'. نحت محمود مختار تمثالي الزعيم المصري الشعبي سعد زغلول بالقاهرة والإسكندرية في الفترة ما بين عامي 1930-1932. وعلي الرغم من أن عمره الفني كان قصيراً لوفاته مبكراً، إلا أنه نجح في أن يخلف تراثا كبيرا متميزاً من أعماله التي تضمنت تماثيل ميدانية وأعمال أخري تعبر عن حياة الريف والقرية المصرية التي تأثر بها، وتمثل صورا للحياة اليومية التي أجادها إبداعا وعبر عنها بشكل فني رائع. رغم ازدهار العديد من المدارس الفنية في ذلك العصر، إلا أنه لم ينساق وراءها، وفضل أن يعبر عن شخصيته وخلفيته بأسلوب خاص، فقد قام بإحياء تقاليد الفنية المصرية في مختلف عصورها دون أن يغفل تجارب الفن الحديث وأصبح رائد فن النحت المصري المعاصر. بدأ محمود مختار خطواته نحو العالمية عام 1913 حين عرض تمثال 'عايدة' في صالون باريس, الذي كان يعتبر الاشتراك في عروضه شهادة امتياز. وبعد سبع سنوات عرض نموذجاً مصغراً 'لتمثال نهضة مصر' فاستنفر اقلام كبار نقاد فرنسا واعلنوا ميلاد فنان جديد, يضيف ابعاداً مبتكرة لفن التمثال الحديث علي اسس من التراث المصري القديم, ثم عرض تمثالي 'الطاقية' و'كاتمة الاسرار' الذين علق عليهما ناقد فرنسي كبير قائلاً 'انها ظاهرة روحية فذة' وفي عام 1930 بعد اقامة نهضة مصر بعامين عرض اربعين تمثالاً في قاعة 'برنهايم' بباريس ممثلاً وجه الفن المصري المعاصر. وان كانت اعمال محمود مختار كلها ذات روعة خاصة مثل تمثال 'الخماسين' إلا أن تمثال 'نهضة مصر' استحوذ علي انتباه النقاد الأوروبيين فمصر تتقمص جسد الفلاح, تقف ممشوقة في عظمة واعتزاز تلفها غلالة من الخلود, اما القوي الوطنية فتتمثل في 'ابي الهول' تلمسها مصر الفتاة بيد سحرية لتبعث من جديد وتستيقظ بعد طول رقاد.. تعبيرات عميقة هادئة توحي بالتصميم علي المضي قدماً في طريق الثورة, التي اندلعت قبل عام واحد من ابداع مختار لتمثاله وعرضه في صالون باريس عام 1920. من اعماله النحتية العظيمة لوحتان من الرخام الأبيض منحوتتان علي جانبي تمثال ايزيس, يعتبران من معجزات النمنمة النحتية البارزة, إذا قورنت بمثيلاتها في الماضي عند الفراعنة أو الاغريق أو حتي في عصر النهضة, اما تمثال ايزيس نفسه الذي يعلو القاعدة فهو بدوره رائعة منحوتة في الرخام الأبيض يصور الآلهة المصرية تجلس القرفصاء وترفع ذراعيها خلف رأسها مجللة بالحزن واللوعة علي اوزوريس ومأساته في الأسطورة الفرعونية. وكأعمال كل العظماء كانت تماثيل محمود مختار ترديداً لنبض شعبه في حركته الاجتماعية نحو التغيير, مع الثراء قولاً وابداعاً حتي حين شكل تماثيله الصغيرة الشهيرة للفلاحات, أبدعها مفعمة بالقوة والحيوية والخصوبة وأنوثة المعتدة بنفسها حتي تمثال المفاجأة المنحوت في الرخام الأبيض بارتفاع قدم واحد يلتقي فيه الحبيبان بلا اسفاف أو ابتذال, تتدلل الفتاة في رقة وعذوبة بينما يبثها الفتي حبه. لم يكن مختار مجرد نحات عبقري بل مفكراً يحس قضايا شعبه ويعبر بتماثيله عن رغباته واحلامه وكان ينفذ تماثيله بالخامة المناسبة للشكل والمضمون, فالمناجاة بالرخام الأبيض ووجه الفلاحة بالصلصال المصبوب برونزاً حتي تكتمل ملامس الصلابة والمشقة رغم الجمال المصري الاصيل, والحجر الصناعي لتمثال الخماسين حتي يوحي بهبوب العاصفة.. وقد انجز معظم تماثيل الفلاحات بين عامي 1924 و1930 ومن أهمها 'الخماسين' والفلاحة التي تمسك جرتها بيد واحدة وتنحني عليها كأنها تملؤها, وغيرها من الاعمال التي توحي بالحركة وتنفجر بالديناميكية. وهكذا اثبت محمود مختار ان الواقعية قادرة علي اظهار القيم الفنية المطلقة. و بعد أن توفي عام 1934، ونظراً للقيمة الفنية للفنان محمود مختار، نادي الصحفيون ورواد الحياة الثقافية في مصر وعلي رأسهم هدي شعراوي بالحفاظ علي أعماله الفنية وجمعها لحمايتها من الاندثار والضياع، وكللت هذه الجهود بقيام وزارة المعارف عام1938 بإنشاء متحف لمختار ومقبرته علي نفقة الوزارة. في نفس العام تم استرجاع بعض اعماله إلي مصر وعرضت بمعرض المثالين الفرنسيين المهاجرين بالجمعية الزراعية وأقيمت بهذه المناسبة ندوات ومحاضرات عن قصة حياته وتناولت عبقريته الفنية بالنقد والتحليل. حدث أن اندلعت الحرب العالمية الثانية أثناء ذلك، وحال ذلك دون إعادة بقية التماثيل إلا ان جهود هدي شعراوي حققت نجاح عودة التماثيل، كما كان لجهود طه حسين 'وزير المعارف في الفترة من عام1950 حتي 1952' أثر كبير لإعادة أعمال محمود مختار إلي مصر. وفي عام 1952 تم افتتاح متحف مختار في ملحق خاص بمتحف الفن الحديث ليعرض 59 تمثالاً، وقام علي تأسيس وإعداد المتحف كل من الفنان راغب عياد زميل محمود مختار وصديقه، وكمال الملاخ الصحفي والأثري البارز، وقام المهندس رمسيس واصف بتصميم متحف مختار الحديث في حديقة الحرية بوسط القاهرة ونقلت رفات مختار إلي المقبرة الجديدة بالمتحف. تمثال نهضة مصر سافر محمود مختار عام 1911 إلي باريس ليعرض نموذج لتمثاله الشهير نهضة مصر، بمعرض شهير آنذاك وهو معرض الفنانين الفرنسيين 1920 ونال عليه شهادة الشرف من القائمين علي المعرض، ذلك التشريف الذي جعل بعض المفكرين البارزين في ذلك الوقت وحدا بهم إلي ضرورة إقامة التمثال في أحد ميادين القاهرة الكبري. لأنجاز ذلك الهدف الشعبي في ذلك الوقت، تمت الدعوة إلي تنظيم اكتتاب شعبي لإقامة التمثال وساهمت فيه الحكومة، وتحقق الحلم وأزيح الستار عن تمثال 'نهضة مصر' يوم 20 مايو 1928 أمام محطة السكك الحديدية بالقاهرة ليكون في استقبال الداخلين إلي العاصمة ثم انتقل عام 1955 إلي مكانه الحالي مطلا علي نهر النيل قريبا من جامعة القاهرة أمام حديقة الحيوان بالجيزة ليخلي مكانه لتمثال رمسيس. رغم الحماسة الشعبية التي ألهبها شعراء وأدباء ومؤرخون للاكتتاب لإقامة التمثال فإن الشاروني يسجل أن العقاد والمازني انتقدا التمثال 'علي صفحات مجلة السياسة بشدة.. هو أول نقد فني 'تشكيلي' في صحافتنا العربية' ثم شارك مختار في أنشطة فنية منها تكوينه 'جماعة الخيال' التي كان من أعضائها العقاد والمازني ومي زيادة. ساهم محمود مختار في إنشاء مدرسة الفنون الجميلة العليا وكما شارك في إيفاد البعثات الفنية للخارج، كما اشترك في عدة معارض خارجية بأعمال فنية لاقت نجاحا عظيما وأقام معرضا خاصا لأعماله في باريس عام 1930 وكان ذلك المعرض سبباً في التعريف بالمدرسة المصرية الحديثة في الفن وسجلت مولدها امام نقاد الفن العالميين. كما كان 'أول فنان مصري يكسب جائزة من صالون باريس متفوقا علي فنانيها فقد نال الميدالية الذهبية لمعرض الفنانين الفرنسيين السنوي الذي يقام في السراي الكبير 'جراند بالبيه' عن نموذجه المصغر لتمثال نهضة مصر' مشيرا إلي أن الفكرة الأولي للتمثال كانت امرأة جميلة تشبه جان دارك تمسك سيفا 'كما لو كانت ترد به الإنجليز المحتلين 'لكنه' نظر إلي تمثاله الذي أعجب به أساتذته الفرنسيون وأحس أنه تمثال فرنسي فحطمه ووضع تصميم تمثال نهضة مصر' وفيه تقف فلاحة مصرية مستندة بيمناها إلي ماض متحفز يهم بالنهوض ممثلا في أبو الهول في حين ترفع بيسراها حجابا لتنظر إلي أفق غير محدود.