المشكلة لم تعد في الحصول علي الشرعية الدولية من الأمريكان أو الأوربيين، بل في إقناع الأفارقة أولا . حين تكون منبوذا حتي داخل قارتك، وترسل رئيس حكومتك لبلاد مثل تشاد وتنزانيا لتتسول موافقتها علي إيقاف تعليق عضويتك في الإتحاد الأفريقي وأنت أهم مؤسسيه وأكبر مساهميه ب 13% من ميزانيته، فاعلم أنك في مأزق عميق. أما التصميم علي التصادم مع ميثاقه وتعهداتك، والإكتفاء بالهرب إلي نظرية "المؤامرة النيجيرية الجنوب أفريقية الأثيوبية" علي مصر، بعد الأمريكية الأوربية الإسرائيلية التركية الإيرانية القطرية، فهو يحول الأمر إلي مأساة. أزمة مصر مع الإتحاد الأفريقي الذي يضم 52 دولة بدأت في 5 يوليو 2013 ، مع إتخاذ "مجلس الأمن والسلم" التابع له قرارا بتعليق عضوية مصر في الإتحاد بشبه إجماع مع إعتراض جيبوتي فقط، إلتزاما بميثاقه الذي يرسخ الإستقرار في القارة ويمنع الإستيلاء علي السلطة بوسائل غير دستورية كما تنص الفقرة 16 في المادة الرابعة من القانون التأسيسي للإتحاد. وهو ما سبق أن تم مع الانقلابات العسكرية فى توجو وموريتانيا ومدغشقر وغينيا كوناكرى وغينيا بيساو والنيجر ومالى وأفريقيا الوسطى، فتم تعليق عضويتها، لحين إجراء الانتخابات الرئاسية وتولى "رئيس مدنى" للسلطة. والمثال الأقرب لنا هو تعليق عضوية النيجر التي شهدت إنقلابا عسكريا مدعوم شعبيا ضد الرئس "مامادو تانجا" في فبراير 2010 بعد مقاطعة المعارضة لإنتخاباته الصورية المعروفة نتائجها مسبقا، وتولي العسكريون السلطة لمرحلة إنتقالية لعامين، ولم يرفع التعليق إلا بعد مجيء "رئيس مدني" وعودة الجيش لثكناته. وقد وضع الإتحاد شروطا لعودة مصر أهمها "إستعادة الحكم الدستوري"، والتي تتضمن وضع دستور بصورة ديمقراطية، وإنتخابات ديمقراطية رئاسية وبرلمانية نزيهة تعيد الحكم المدني. وحاولت مصر مرارا إيقاف التعليق بعد الإستفتاء علي الدستور لكن رفض الإتحاد الأفريقي كان قاطعا، مع التشكك في الأجواء التي تم فيها، وفي أجواء إنتخابات الرئاسية، لدرجة أنه بينما قبل الإتحاد الأوربي إرسال مراقبيه لمراقبتها، إلا أن الإتحاد الأفريقي لم يقرر بعد إرسال مراقبيه من عدمه، رغم الطلب المصر الرسمي بالمشاركة. ما يزيد الأمور تعقيدا، أن المادة 93 من الدستور المصري الجديد تلزم الدولة بالإتفاقات الدولية التي صدقت عليها وتصبح لها قوة القانون، بينما المواد 23 و24 و25 في "ميثاق الإتحاد الأفريقي للإنتخابات والديمقراطية والحكم" التي صدقت عليه مصر تنطبق عليها. بل وأن الفقرة الرابعة من المادة 25 فقرة 4 تؤكد علي عدم أحقية من قاموا بخطوات غير دستورية لتغيير الحكم من الإستفادة من ذلك، ومن المشاركة في إنتخابات تمكنهم من الوصول للسلطة، أثناء العمل علي إستعادة النظام الديمقراطي. أي أنه ليس من حق المشير السيسي الترشح لإنتخابات الرئاسة، وبالتالي فإن التعليق قد يظل ساريا، بل أن الفقرات من 5 إلي 11 في المادة نفسها، تتحدث عن خطوات تصعيدية أكبر إقتصاديا وقانونيا. وبذا فإن "المشير السيسي" يعد جزءا من المشكلة وليس الحل، خاصة أنه هو نفسه كان قد وعد أنه لن يتولي السلطة ليؤكد كذب الإخوان وأنه ليس إنقلابا عسكريا، واللواء أحمد وصفي أكد أيضا أنه سيكون فعلا إنقلابا عسكريا لو تولي السيسي الرئاسة. بالتالي فهم لا يمكنهم إعتباره رئيسا مدنيا، بل مجبرون علي التعامل مع الأمر باعتباره حكما عسكريا جاء بعد إنقلاب .. حتي لو كان مدعوما شعبيا.