لعله مشهد متكرر ومألوف في الحياة السياسية الافريقية منذ الاستقلال, اذ يقوم ثلة من الجنود بالتوجه الي قصر الحكم في العاصمة للاطاحة برئيس الدولة بينما يقصد فريق آخر منهم مبني الاذاعة والتليفزيون. للاعلان عن نجاح حركتهم الانقلابية وتأسيس مجلس أعلي للإنقاذ أو الخلاص الوطني بهدف تسيير أمور الدولة وتطهير البيت من فساد النظام البائد. وعادة ما يقوم الانقلابيون الافارقة بتعطيل الدستور, وحل معظم مؤسسات الحكم وإغلاق حدود الدولة الي أن تستقر لهم الأوضاع ويحكموا سيطرتهم علي زمام الأمور. هذا هو ما حدث بالضبط يوم18 فبراير الماضي في النيجر حينما قام الجيش بالاستيلاء علي السطة واعتقال الرئيس مامادو تانجا اثناء ترأسه اجتماعا لمجلس وزرائه وسرعان ما أعلن العسكر عن تشكيل المجلس الأعلي لاسترداد الديمقراطية بزعامة سالو ديجبو في نفس الوقت الذي أوقفوا فيه العمل بالدستور. وتشير المؤشرات المبدئية الي وجود درجة من الارتياح العام لهذا التغيير, وأن كانت كل من المعارضة الداخلية والقوي الاقليمية والدولية الفاعلة تضغط باتجاه سرعة العودة للديمقراطية واجراء انتخابات حرة في النيجر. ويلاحظ أن النيجر التي حصلت علي استقلالها من فرنسا عام1960, قد شهدت ثلاثة انقلابات عسكرية في أعوام1974 و1996 و1999 علي التوالي, وهو ما يجعل الجيش الوطني مسيسا بدرجة كبيرة وبرغم ان النيجر تنتج نحو8% من الانتاج العالمي من اليورانيوم وبها احتياطيات بترولية واعدة فانها تعد واحدة من أكثر الدول فقرا في العالم. وقد شهدت النيجر لحظة تحول فارقة في تاريخها المعاصر بعد اغتيال الرئيس ابراهيم ميناسارا عام1999 حيث سرعان ما قام العسكر بتسليم السلطة لحكومة مدنية بعد انتخابات تعددية فاز فيها ممادو تانجا. واستطاعت تجربة النيجر ان تصمد من خلال الانتخابات الديمقراطية الثانية عام2004 والتي ظفر من خلالها الرئيس تانجا بولاية ثانية. كان بمقدور النيجر ان تدعم وترسخ تقاليد تجربتها الديمقراطية وتصبح نموذجا يحتذي علي الصعيد الافريقي لولا جشع وحب السلطة الذي اظهرته القيادة السياسية الحاكمة, فقد أبي الرئيس ممادو تانجا الرحيل عن قصر الرئاسة بدعوي تمسك الشعب به رئيسا مدي الحياة. فقام بتعديل الدستور ليسمح له البقاء في السلطة ويعطيه سلطات واسعة, وفي اغسطس الماضي اقر استفتاء شعبي, قاطعته المعارضة, هذه التعديلات وعندما افتت المحكمة الدستورية بعدم شرعية التصويت في الاستفتاء لم يتردد الرئيس في حلها وتعيين قضاة من الموالين له, بل انه قام بحل البرلمان, وهو ما يعني واقعيا الانقلاب علي تجربة النيجر الديمقراطية. ويمكن الاشارة الي ثلاثة عوامل تساعد علي قراءة تدخل العسكر مرة أخري في النيجر: أولا: وجود حالة من الاحتقان السياسي الشديد والانقسام الحاد في صفوف الطبقة السياسية نتيجة الازمة الدستورية في البلاد منذ أغسطس الماضي وقد لوحظ خلال الفترة السابقة علي الانقلاب توزيع منشورات في ثكنات الجيش تدعو الي عدم شرعية بقاء الرئيس في السلطة بعد انتهاء آخر العام الماضي. ثانيا: عدم الرضا عن طريقة تعاطي الرئيس تانجا مع بعض الملفات المعقدة مثل متمردي الطوارق وخصوصا حركة النيجر للعدالة التي قامت بها ضد القوات الحكومية2007, كما ان النيجر اضحت هدفا لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي. بيد أن تحرك الرئيس مؤخرا لاقامة علاقات مع فنزويلا وايران, بالاضافة لتفاوضه مع الصين للاستثمار في مجال اليورانيوم قد نظر اليه علي أنه تهديد لمصالح واستثمارات فرنسا في النيجر. ثالثا: عدم الاستجابة للضغوط الدولية والاقليمية المطالبة بايجاد تسوية سلمية للازمة في النيجر, فالجماعة الاقتصادية لغرب افريقيا( الايكواس) قامت بتعليق عضوية النيجر وعينت الرئيس النيجيري السابق عبدالسلام أبوبكر مبعوثا لها هناك, في حين طلب الاتحاد الافريقي من الرئيس السنغالي عبدالله واد التوسط في هذه الازمة, بيد أن الرئيس تانجا ضرب بكل ذلك عرض الحائط واصر علي البقاء في السلطة وعدم الالتفات للمعارضة الداخلية أو الضغوط الدولية. وفي اطار ثقافة تسييس المؤسسة العسكرية في النيجر كان منطقيا أن ينظر العسكر الي انفسهم باعتبارهم حماة الامة والمدافعين عن مصالحها في مواجهة فساد الساسة, فهل يمكن القول بان انقلاب النيجر قد أظهر عودة موسم الانقلابات العسكرية الي افريقيا مرة أخري؟ وهل يعني ذلك ردة للوراء وانتكاسة لعملية التحول الديمقراطي. في مارس2009 قامت مجموعة من الجنود الغاضبين باغتيال الرئيس برنادو فييرا في غينيا الاستوائية الغنية بالنفط وقبل ذلك في ديسمبر2008 قامت مجموعة من العسكر بزعامة موسي كامارا بالاستيلاء علي السلطة في غينيا كوناكري بعد الاعلان عن وفاة الرئيس لانسانا كونتي. وفي مدغشقر قام الجيش العام الماضي بالانقلاب علي الشرعية الدستورية من خلال طرد الرئيس وتنصيب رئيس آخر مكانه, كما أن خبرة انقلاب الجنرال ولد عبدالعزيز في موريتانيا في اغسطس عام2008 تؤكد هذا التوجه الجديد لعسكرة السياسة الافريقية. ولا يخفي أن افريقيا قد ابتليت بهذه الظاهرة الانقلابية بعد حصول دولها علي الاستقلال في ستينيات القرن الماضي, فقد أطيح بالرئيس كوامي نكروما الذي كان يعد رمزا للتحرر الوطني عن طريق انقلاب عسكري عام1966, وهو ما دفع بالرئيس التنزاني جوليوس نيريري الي القول بأن الشيطان قابع في افريقيا, وقد ساد في تلك المرحلة جو من عدم الثقة في الجيش الموروث عن العهد الاستعماري. بيد أن العوامل الخارجية لعبت دورا مهما في تفسير الظاهرة الانقلابية في افريقيا, ففي عام2004 قامت قوات الشرطة في جنوب افريقيا باعتقال السير مارك تاتشر نجل رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر بتهمة تمويل وتسليح المرتزقة الذين كانوا يحاولون الاطاحة بحكومة غينيا الاستوائية. وعليه فان السؤال عن مستقبل الظاهرة الانقلابية في افريقيا يرتبط بطريقة التعامل مع الأسباب الحقيقية المؤدية اليها, فعلي الرغم من اتخاذ الاتحاد الافريقي اجراءات صارمة ضد جميع انواع التغييرات غير الدستورية في انظمة الحكم الافريقية, وهو ما أكدته مقررات القمة الافريقية الاخيرة في أديس أبابا في يناير الماضي, فان أوضاع عدم الاستقرار السياسي والفساد الحكومي وغياب فلسفة الحكم الصالح في معظم الدول الافريقية سوف تظل تمثل دوما بيئة حاضنة للانقلابات والتغييرات غير الدستورية في افريقيا. ومن جهة أخري فان سياسة التدافع الدولي الراهنة من أجل استغلال موارد افريقيا وثرواتها الطبيعية تجعل مسألة الديمقراطية وحقوق الانسان في الواقع الافريقي في مرتبة ثانوية بالنسبة للاجندة الدولية, وهو الأمر الذي يثير الشكوك حول التوجهات الحقيقية للقوي الدولية الساعية لاكتساب النفوذ والسيطرة في افريقيا.