لا شك ان الدارس للصحافة و علوم الاخبار و الممتهن لمهنة الصحفي هو المخول الوحيد لمعرفة اسرارها و خفاياها و لذّاتها و صعابها . و ليس من الاعتباطي ان تسمى مهنة الصحافة ب " مهنة المتاعب ". ان الصعاب جمّة منذ بداية التفكير في كتابة المقال الى حين نشره فالصحفي محكوم عليه ان يكون تحت الرقابة الذاتية منذ البدء في التخطيط لمقاله الى كتابته الى نشره . فهو مسكون بهاجس الخوف،الخوف من عدم الالتزام بالضوابط الاخلاقية و المهنية . وعليه فان الصحفي يجب عليه ان يتقيد بالحياد التام و الشفافية و النزاهة و الدقة في نقل المعلومة و نشر الخبر،ناهيك و انه ملزم على ان يكون على نفس المسافة من كل الاحزاب والتيارات الفكرية و السياسية،ملزم بقل الخبر على طبيعته دون تحريف او زيادة او نقصان وهو ملزم بنقل هواجس الشعب دون تدخل او تأثير. ان النجاح في عالم الصحافة يتطلب تضحيات جسام فالصحفي مدعو الى البحث عن الخبر من مصادر عدة و التدقيق في صحته من زيفه و كشف الحقيقة و تحقيق السبق الصحفي...و كل هذه الاعمال محاطة بالمخاطر ،و في كلتا الحالتين فهو في مرمى "النيران الصديقة " و النيران "غير الصديقة"فلو حضرت ايها القارئ الكريم لمكتب صحفي و قضيت معه فترة من الوقت وهو منشغل بكتابة مقال لأصبت بالملل و الارهاق و بالضيق و الضجر و لاستأذنت بالمغادرة لا شك دون اتمام كتابة المقال. و في فترة حضورك لو تأملت عمل الصحفي جيدا للاحظت عليه كم ادار القلم بين انامله،كم شطب من مفردة،كم شطب من جملة،كم استبدل من عبارة، كم احضر من عنوان،كم قلب بين دفاتره و امتعته .كم بدت عليه الحيرة، كم احتسى من قهوة؟ كم دخّن من سجارة،كم قطّع من مقال و القى به في سلّة المهملات،كل ذلك من اجل اسعاد القارئ من اجل تقديم مادّة اعلامية متكاملة،دقيقة،صحيحة ومثمرة. هل جزاء هذا العمل المتعب المرهق و العسير هو الاعتداء على صاحبه و محاولة النيل منه بدل شكره و الاعتراف له بالجميل...ناهيك و ان المستهدف هو رئيس تحرير و ما يتطلبه هذا العمل من دربة و خبرة و حنكة و دراية بأصول المهنة . فكم يلاقي صاحبه من مشقة في قراءة مقالات الصحفيين و حصرا لأخطاء الواردة بها و تصويبها و التثبت من محتواها و مدى انسحاب الضوابط الاخلاقية و المهنية عليها...اضف الى ذلك اذا كان لهذا الشخص كتابات محصّنة المبنى و المعنى و الدعائم،مقالات شعارها البناء و كلمتها الصدق و نصوص عمارها الحق. ان كل قارئ له من رهافة الحس و غوص في اعماق الكتابة و تجرّد من كل الافكار السقيمة سيرفض هذا الفعل المقيت و يزداد هذا الكاتب في نظره عظمة و سموّا.