البابا تواضروس الثانى يصلى الجمعة العظيمة فى الكاتدرائية بالعباسية..صور    إسكان النواب: مدة التصالح فى مخالفات البناء 6 أشهر وتبدأ من الثلاثاء القادم    أحمد التايب لبرنامج "أنباء وآراء": موقف مصر سد منيع أمام مخطط تصفية القضية الفلسطينية    أمين اتحاد القبائل العربية: نهدف لتوحيد الصف ودعم مؤسسات الدولة    نشرة الحصاد الأسبوعي لرصد أنشطة التنمية المحلية.. إنفوجراف    الشكاوى الحكومية: التعامُل مع 2679 شكوى تضرر من وزن الخبز وارتفاع الأسعار    وزارة الصحة توضح خطة التأمين الطبي لاحتفالات المصريين بعيد القيامة وشم النسيم    برواتب تصل ل7 آلاف جنيه.. «العمل» تُعلن توافر 3408 فرص وظائف خالية ب16 محافظة    أبرزها فريد خميس.. الأوقاف تفتتح 19 مسجدا في الجمعة الأخيرة من شوال    الذهب يرتفع 15 جنيها في نهاية تعاملات اليوم الجمعة    محافظ المنوفية: مستمرون في دعم المشروعات المستهدفة بالخطة الاستثمارية    حركة تداول السفن والحاويات والبضائع العامة في ميناء دمياط    عضو «ابدأ»: المبادرة ساهمت باستثمارات 28% من إجمالي الصناعات خلال آخر 3 سنوات    الاستعدادات النهائية لتشغيل محطة جامعة الدول بالخط الثالث للمترو    المنتدى الاقتصادي العالمي يُروج عبر منصاته الرقمية لبرنامج «نُوَفّي» وجهود مصر في التحول للطاقة المتجددة    نعم سيادة الرئيس    السفارة الروسية بالقاهرة تتهم بايدن بالتحريض على إنهاء حياة الفلسطينيين في غزة    المحكمة الجنائية الدولية تفجر مفاجأة: موظفونا يتعرضون للتهديد بسبب إسرائيل    حاكم فيينا: النمسا تتبع سياسة أوروبية نشطة    المقاومة الفلسطينية تقصف تجمعا لجنود الاحتلال بمحور نتساريم    سموحة يستأنف تدريباته استعدادًا للزمالك في الدوري    بواسطة إبراهيم سعيد.. أفشة يكشف لأول مرة تفاصيل أزمته مع كولر    الغندور: حد يلعب في الزمالك ويندم إنه ما لعبش للأهلي؟    مؤتمر أنشيلوتي: عودة كورتوا للتشكيل الأساسي.. وسنحدث تغييرات ضد بايرن ميونيخ    تشافي: نريد الانتقام.. واللعب ل جيرونا أسهل من برشلونة    «فعلنا مثل الأهلي».. متحدث الترجي التونسي يكشف سبب البيان الآخير بشأن الإعلام    "لم يحدث من قبل".. باير ليفركوزن قريبا من تحقيق إنجاز تاريخي    بسبب ركنة سيارة.. مشاجرة خلفت 5 مصابين في الهرم    مراقبة الأغذية تكثف حملاتها استعدادا لشم النسيم    كشف ملابسات واقعة مقتل أحد الأشخاص خلال مشاجرة بالقاهرة.. وضبط مرتكبيها    إعدام 158 كيلو من الأسماك والأغذية الفاسدة في الدقهلية    خلعوها الفستان ولبسوها الكفن.. تشييع جنازة العروس ضحية حادث الزفاف بكفر الشيخ - صور    تعرف على توصيات مؤتمر مجمع اللغة العربية في دورته ال90    لأول مرة.. فريدة سيف النصر تغني على الهواء    فيلم "فاصل من اللحظات اللذيذة" يتراجع ويحتل المركز الثالث    الليلة.. آمال ماهر فى حفل إستثنائي في حضرة الجمهور السعودي    في اليوم العالمي وعيد الصحافة.."الصحفيين العرب" يطالب بتحرير الصحافة والإعلام من البيروقراطية    عمر الشناوي ل"مصراوي": "الوصفة السحرية" مسلي وقصتي تتناول مشاكل أول سنة جواز    مواعيد وقنوات عرض فيلم الحب بتفاصيله لأول مرة على الشاشة الصغيرة    دعاء يوم الجمعة المستجاب مكتوب.. ميزها عن باقي أيام الأسبوع    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة.. فيديو    خطيب المسجد الحرام: العبادة لا تسقط عن أحد من العبيد في دار التكليف مهما بلغت منزلته    مديرية أمن بورسعيد تنظم حملة للتبرع بالدم بالتنسيق مع قطاع الخدمات الطبية    بعد واقعة حسام موافي.. بسمة وهبة: "كنت بجري ورا الشيخ بتاعي وابوس طرف جلابيته"    خطبة الجمعة اليوم.. الدكتور محمد إبراهيم حامد يؤكد: الأنبياء والصالحين تخلقوا بالأمانة لعظم شرفها ومكانتها.. وهذه مظاهرها في المجتمع المسلم    بيان عاجل من المصدرين الأتراك بشأن الخسارة الناجمة عن تعليق التجارة مع إسرائيل    قوات أمريكية وروسية في قاعدة عسكرية بالنيجر .. ماذا يحدث ؟    ضبط 2000 لتر سولار قبل بيعها بالسوق السوداء في الغربية    التعليم العالي: مشروع الجينوم يهدف إلى رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري    محافظ المنوفية: 47 مليون جنيه جملة الاستثمارات بمركز بركة السبع    إصابة 6 سيدات في حادث انقلاب "تروسيكل" بالطريق الزراعي ب بني سويف    وزير الصحة: تقديم 10.6 آلاف جلسة دعم نفسي ل927 مصابا فلسطينيا منذ بداية أحداث غزة    نقيب المهندسين: الاحتلال الإسرائيلي يستهدف طمس الهوية والذاكرة الفلسطينية في    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    رئيس اتحاد الكرة: عامر حسين «معذور»    الغدة الدرقية بين النشاط والخمول، ندوة تثقيفية في مكتبة مصر الجديدة غدا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفسير سورة البقرة (الآيات من 25 إلى 29) للإمام الطبري
نشر في المشهد يوم 28 - 02 - 2014


البقرة
{25} وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات أَنَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } أَمَّا قَوْله تَعَالَى : { وَبَشِّرْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : أَخْبَرَهُمْ . وَالْبِشَارَة أَصْلهَا الْخَبَر بِمَا يَسُرّ الْمُخْبَر بِهِ , إذَا كَانَ سَابِقًا بِهِ كُلّ مُخْبِر سِوَاهُ . وَهَذَا أَمْر مِنْ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِبْلَاغِ بِشَارَته خَلْقَهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَاءٍ جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّه , وَصَدَّقُوا إيمَانهمْ ذَلِكَ وَإِقْرَارهمْ بِأَعْمَالِهِمْ الصَّالِحَة , فَقَالَ لَهُ : يَا مُحَمَّد بَشِّرْ مَنْ صَدَّقَك أَنَّك رَسُولِي وَأَنَّ مَا جِئْت بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالنُّور فَمِنْ عِنْدِي , وَحَقَّقَ تَصْدِيقه ذَلِكَ قَوْلًا بِأَدَاءِ الصَّالِح مِنْ الْأَعْمَال الَّتِي افْتَرَضْتهَا عَلَيْهِ وَأَوْجَبْتهَا فِي كِتَابِي عَلَى لِسَانك عَلَيْهِ , أَنَّ لَهُ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَاصَّة , دُون مَنْ كَذَّبَ بِك وَأَنْكَرَ مَا جِئْت بِهِ مِنْ الْهُدَى مِنْ عِنْدِي وَعَانَدَك , وَدُون مَنْ أَظَهَرَ تَصْدِيقك وَأَقَرَّ بِأَنَّ مَا جِئْته بِهِ فَمِنْ عِنْدِي قَوْلًا , وَجَحَدَهُ اعْتِقَادًا وَلَمْ يُحَقِّقهُ عَمَلًا . فَإِنَّ لِأُولَئِكَ النَّار الَّتِي وَقُودهَا النَّاس وَالْحِجَارَة مُعَدَّة عِنْدِي . وَالْجَنَّات جَمْع جَنَّة , وَالْجَنَّة : الْبُسْتَان . وَإِنَّمَا عَنَى جَلَّ ذِكْره بِذِكْرِ الْجَنَّة مَا فِي الْجَنَّة مِنْ أَشْجَارهَا وَثِمَارهَا وَغُرُوسِهَا دُون أَرْضهَا , فَلِذَلِكَ قَالَ عَزَّ ذِكْره : { تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْخَبَر عَنْ مَاء أَنَهَارهَا أَنَّهُ جَارٍ تَحْت أَشْجَارهَا وَغُرُوسِهَا وَثِمَارهَا , لَا أَنَّهُ جَارٍ تَحْت أَرْضهَا ; لِأَنَّ الْمَاء إذَا كَانَ جَارِيًا تَحْت الْأَرْض , فَلَا حَظّ فِيهَا لِعُيُونِ مَنْ فَوْقهَا إلَّا بِكَشَفِ السَّاتِر بَيْنهَا وَبَيْنه . عَلَى أَنَّ الَّذِي تُوصَف بِهِ أَنَهَار الْجَنَّة أَنَّهَا جَارِيَة فِي غَيْر أَخَادِيد . كَمَا : 425 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : نَخْل الْجَنَّة نَضِيد مِنْ أَصْلهَا إلَى فَرْعهَا , وَثَمَرهَا أَمْثَال الْقِلَال , كُلَّمَا نُزِعَتْ ثَمَرَة عَادَتْ مَكَانهَا أُخْرَى , وَمَاؤُهَا يَجْرِي فِي غَيْر أَخُدُود . * وَحَدَّثَنَا مُجَاهِد , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا مِسْعَر بْن كِدَامٍ , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة بِنَحْوِهِ . * وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن مَهْدِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : سَمِعْت عَمْرو بْن مُرَّة يُحَدِّث عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , فَذَكَرَ مِثْله . قَالَ : فَقُلْت لِأَبِي عُبَيْدَة : مَنْ حَدَّثَك , فَغَضِبَ وَقَالَ : مَسْرُوق . فَإِذَا كَانَ الْأَمْر كَذَلِكَ فِي أَنَّ أَنَهَارهَا جَارِيَة فِي غَيْر أَخَادِيد , فَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِي أُرِيدَ بِالْجَنَّاتِ أَشْجَار الْجَنَّات وَغُرُوسِهَا وَثِمَارهَا دُون أَرْضهَا , إذْ كَانَتْ أَنَهَارهَا تَجْرِي فَوْق أَرْضهَا وَتَحْت غروسها وَأَشْجَارهَا , عَلَى مَا ذَكَرَهُ مَسْرُوق . وَذَلِكَ أَوْلَى بِصِفَةِ الْجَنَّة مِنْ أَنْ تَكُون أَنَهَارهَا جَارِيَة تَحْت أَرْضهَا . وَإِنَّمَا رَغَّبَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهَذِهِ الْآيَة عِبَاده فِي الْإِيمَان وَحَضَّهُمْ عَلَى عِبَادَته , بِمَا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ أَعَدَّهُ لِأَهْلِ طَاعَته وَالْإِيمَان بِهِ عِنْده , كَمَا حَذَّرَهُمْ فِي الْآيَة الَّتِي قَبْلهَا بِمَا أَخْبَرَ مِنْ إعْدَاده مَا أَعَدَّ لِأَهْلِ الْكُفْر بِهِ الْجَاعِلِينَ مَعَهُ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد مِنْ عِقَابه عَنْ إشْرَاك غَيْره مَعَهُ , وَالتَّعَرُّض لِعُقُوبَتِهِ بِرُكُوبِ مَعْصِيَته وَتَرْك طَاعَته .

{25} وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَة رِزْقًا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا } مِنْ الْجَنَّات , وَالْهَاء رَاجِعَة عَلَى " الْجَنَّات " , وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَشْجَارهَا , فَكَأَنَّهُ قَالَ : كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْ أَشْجَار الْبَسَاتِين الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّه لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات فِي جَنَّاته مِنْ ثَمَرَة مِنْ ثِمَارهَا رِزْقًا قَالُوا : هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل .

{25} وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل } فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيل ذَلِكَ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل هَذَا فِي الدُّنْيَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 426 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا : { هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل } قَالَ : إنَّهُمْ أُتُوا بِالثَّمَرَةِ فِي الْجَنَّة , فَلَمَّا نَظَرُوا إلَيْهَا قَالُوا : هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل فِي الدُّنْيَا . 427 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , قَالُوا : هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل : أَيْ فِي الدُّنْيَا . 428 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم عَنْ عِيسَى بْن مَيْمُون عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالُوا : { هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل } يَقُولُونَ : مَا أَشَبَهه بِهِ . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 429 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , قَالُوا : { هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل } فِي الدُّنْيَا , قَالَ : { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } يَعْرِفُونَهُ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ تَأْوِيل ذَلِكَ : هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ ثِمَار الْجَنَّة مِنْ قَبْل هَذَا , لِشِدَّةِ مُشَابَهَة بَعْض ذَلِكَ فِي اللَّوْن وَالطَّعْم بَعْضًا . وَمِنْ عِلَّة قَائِل هَذَا الْقَوْل أَنَّ ثِمَار الْجَنَّة كُلَّمَا نُزِعَ مِنْهَا شَيْء عَادَ مَكَانه آخَر مِثْله . كَمَا : 430 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن مَهْدِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : سَمِعْت عَمْرو بْن مُرَّة يُحَدِّث عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , قَالَ : نَخْل الْجَنَّة نَضِيد مِنْ أَصْلهَا إلَى فَرْعهَا , وَثَمَرهَا مِثْل الْقِلَال , كُلَّمَا نُزِعَتْ مِنْهَا ثَمَرَة عَادَتْ مَكَانهَا أُخْرَى . قَالُوا : فَإِنَّمَا اشْتَبَهَتْ عِنْد أَهْل الْجَنَّة , لِأَنَّ الَّتِي عَادَتْ نَظِيره الَّتِي نُزِعَتْ فَأُكِلَتْ فِي كُلّ مَعَانِيهَا . قَالُوا : وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } لِاشْتِبَاهِ جَمِيعه فِي كُلّ مَعَانِيه . وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ قَالُوا : { هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل } لِمُشَابَهَتِهِ الَّذِي قَبْله فِي اللَّوْن وَإِنْ خَالَفَهُ فِي الطَّعْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 431 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن دَاوُد , قَالَ : حَدَّثَنَا شَيْخ مِنْ الْمِصِّيصَة عَنْ الْأَوْزَاعِيّ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , قَالَ : يُؤْتَى أَحَدهمْ بِالصَّحْفَةِ فَيَأْكُل مِنْهَا , ثُمَّ يُؤْتَى بِأُخْرَى فَيَقُول : هَذَا الَّذِي أُتِينَا بِهِ مِنْ قَبْل , فَيَقُول الْمَلِك : كُلْ فَاللَّوْن وَاحِد وَالطَّعْم مُخْتَلِف . وَهَذَا التَّأْوِيل مَذْهَب مَنْ تَأَوَّلَ الْآيَة . غَيْر أَنَّهُ يَدْفَع صِحَّته ظَاهِر التِّلَاوَة وَالَّذِي يَدُلّ عَلَى صِحَّته ظَاهِر الْآيَة وَيُحَقِّق صِحَّته قَوْل الْقَائِلِينَ إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل فِي الدُّنْيَا . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ : { كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَة رِزْقًا } فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ مِنْ قَيْل أَهْل الْجَنَّة كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْ ثَمَر الْجَنَّة رِزْقًا أَنْ يَقُولُوا : هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل . وَلَمْ يُخَصَّص بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَيْلهمْ فِي بَعْض ذَلِكَ دُون بَعْض . فَإِذْ كَانَ قَدْ أَخْبَرَ جَلَّ ذِكْره عَنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَيْلهمْ فِي كُلّ مَا رُزِقُوا مِنْ ثَمَرهَا , فَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَيْلهمْ فِي أَوَّل رِزْق رُزِقُوهُ مِنْ ثِمَارهَا أَتَوْا بِهِ بَعْد دُخُولهمْ الْجَنَّة وَاسْتِقْرَارهمْ فِيهَا , الَّذِي لَمْ يَتَقَدَّمهُ عِنْدهمْ مِنْ ثِمَارهَا ثَمَرَة . فَإِذْ كَانَ لَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَيْلهمْ فِي أَوَلَهُ , كَمَا هُوَ مِنْ قَيْلهمْ فِي وَسَطه وَمَا يَتْلُوهُ , فَمَعْلُوم أَنَّهُ مُحَال أَنْ يَكُون مِنْ قَيْلهمْ لِأَوَّلِ رِزْق رُزِقُوهُ مِنْ ثِمَار الْجَنَّة : { هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل } هَذَا مِنْ ثِمَار الْجَنَّة . وَكَيْفَ يَجُوز أَنْ يَقُولُوا لِأَوَّلِ رِزْق رُزِقُوهُ مِنْ ثِمَارهَا وَلَمَّا يَتَقَدَّمهُ عِنْدهمْ غَيْره : هَذَا هُوَ الَّذِي رُزِقْنَاهُ مِنْ قَبْل ; إلَّا أَنْ يَنْسُبهُمْ ذُو غُرَّة وَضَلَال إلَى قِيلَ الْكَذِب الَّذِي قَدْ طَهَّرَهُمْ اللَّه مِنْهُ , أَوْ يَدْفَع دَافِع أَنْ يَكُون ذَلِكَ مِنْ قَيْلهمْ لِأَوَّلِ رِزْق رُزِقُوهُ مِنْهَا مِنْ ثِمَارهَا , فَيَدْفَع صِحَّة مَا أَوَجَبَ اللَّه صِحَّته بِقَوْلِهِ : { كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَة رِزْقًا } مِنْ غَيْر نَصَب دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ مَعَنِي بِهِ حَال مِنْ أَحْوَال دُون حَال . فَقَدْ تَبَيَّنَ بِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مَعْنَى الْآيَة : كُلَّمَا رُزِقَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات مِنْ ثَمَرَة مِنْ ثِمَار الْجَنَّة فِي الْجَنَّة رِزْقًا , قَالُوا : هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل هَذَا فِي الدُّنْيَا . فَإِنْ سَأَلَنَا سَائِل فَقَالَ : وَكَيْفَ قَالَ الْقَوْم : { هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل } وَاَلَّذِي رُزِقُوهُ مِنْ قَبْل قَدْ عَدِم بِأَكْلِهِمْ إيَّاهُ ؟ وَكَيْفَ يَجُوز أَنْ يَقُول أَهْل الْجَنَّة قَوْلًا لَا حَقِيقَة لَهُ ؟ قِيلَ : إنَّ الْأَمْر عَلَى غَيْر مَا ذَهَبْت إلَيْهِ فِي ذَلِكَ , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : هَذَا مِنْ النَّوْع الَّذِي رُزِقْنَاهُ مِنْ قَبْل هَذَا مِنْ الثِّمَار وَالرِّزْق , كَالرَّجُلِ يَقُول لِآخَر : قَدْ أَعَدَّ لَك فُلَان مِنْ الطَّعَام كَذَا وَكَذَا مِنْ أَلْوَان الطَّبِيخ وَالشِّوَاء وَالْحَلْوَى , فَيَقُول الْمَقُول لَهُ ذَاكَ : هَذَا طَعَامِي فِي مَنْزِلِي . يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ النَّوْع الَّذِي ذَكَرَ لَهُ صَاحِبه أَنَّهُ أَعَدَّهُ لَهُ مِنْ الطَّعَام هُوَ طَعَامه , لِأَنَّ أَعْيَانَ مَا أَخْبَرَهُ صَاحِبه أَنَّهُ قَدْ أَعَدَّهُ لَهُ هُوَ طَعَامه . بَلْ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوز لِسَامِعٍ سَمِعَهُ يَقُول ذَلِكَ أَنْ يُتَوَهَّم أَنَّهُ أَرَادَهُ أَوْ قَصَدَهُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَاف مَخْرَج كَلَام الْمُتَكَلِّم ; وَإِنَّمَا يُوَجِّه كَلَام كُلّ مُتَكَلِّم إلَى الْمَعْرُوف فِي النَّاس مِنْ مَخَارِجه دُون الْمَجْهُول مِنْ مَعَانِيه . فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْله : { قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل } إذْ كَانَ مَا كَانُوا رُزِقُوهُ مِنْ قَبْل قَدْ فَنِيَ وَعَدِم ; فَمَعْلُوم أَنَّهُمْ عَنَوْا بِذَلِكَ هَذَا مِنْ النَّوْع الَّذِي رُزِقْنَاهُ مِنْ قَبْل , وَمِنْ جِنْسه فِي السِّمَات وَالْأَلْوَان عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ فِي كِتَابنَا هَذَا .

{25} وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْهَاء فِي قَوْله : { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } عَائِدَة عَلَى الرِّزْق , فَتَأْوِيله : وَأُتُوا بِاَلَّذِي رُزِقُوا مِنْ ثِمَارهَا مُتَشَابِهًا وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل الْمُتَشَابِه فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : تَشَابَهَهُ أَنَّ كُلّه خِيَار لَا رَذْل فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 432 * حَدَّثَنَا خَلَّاد بْن أَسْلَمَ , قَالَ : أَخْبَرَنَا النَّضْر بْن شُمَيْلٍ , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِر عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { مُتَشَابِهًا } قَالَ : خِيَارًا كُلّهَا لَا رَذْل فيها . 433 - وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء : قَرَأَ الْحَسَن آيَات مِنْ الْبَقَرَة , فَأَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَة : { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } قَالَ : أَلَمْ تَرَوْا إلَى ثِمَار الدُّنْيَا كَيْف تُرْذَلُونَ بَعْضه ؟ وَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ رَذْل ! ! 434 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : قَالَ الْحَسَن : { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } قَالَ : يُشْبِه بَعْضه بَعْضًا لَيْسَ فِيهِ مِنْ رَذْل . 435 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } أَيْ خِيَارًا لَا رَذْل فِيهِ , وَإِنَّ ثِمَار الدُّنْيَا يُنَقَّى مِنْهَا وَيُرْذَل مِنْهَا , وَثِمَار الْجَنَّة خِيَار كُلّه لَا يُرْذَل مِنْهُ شَيْء . 436 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : ثَمَر الدُّنْيَا مِنْهُ مَا يُرْذَل وَمِنْهُ نَقَاوَة , وَثَمَر الْجَنَّة نَقَاوَة كُلّه يُشْبِه بَعْضه بَعْضًا فِي الطَّيِّب لَيْسَ مِنْهُ مَرْذُول . وَقَالَ بَعْضهمْ : تَشَابَهَهُ فِي اللَّوْن وَهُوَ مُخْتَلِف فِي الطَّعْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 437 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ , عَنْ أَبِي مَالِك وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } فِي اللَّوْن وَالْمَرْأَى , وَلَيْسَ يُشْبِه الطَّعْم . 438 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } مِثْل الْخِيَار . * وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } لَوْنه , مُخْتَلِفًا طَعْمه , مِثْل الْخِيَار مِنْ الْقِثَّاء . 439 - وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس : { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } يُشْبِه بَعْضه بَعْضًا وَيَخْتَلِف الطَّعْم 440 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَنْبَأَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { مُتَشَابِهًا } قَالَ : مُشْتَبَهًا فِي اللَّوْن وَمُخْتَلِفًا فِي الطَّعْم . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد : { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } مِثْل الْخِيَار . وَقَالَ بَعْضهمْ : تَشَابَهَ فِي اللَّوْن وَالطَّعْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 441 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع . قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { مُتَشَابِهًا } قَالَ : اللَّوْن وَالطَّعْم . 442 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ الثَّوْرِيّ , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد وَيَحْيَى بْن سَعِيد : { مُتَشَابِهًا } قَالَا : فِي اللَّوْن وَالطَّعْم . وَقَالَ بَعْضهمْ : تُشَابِههُ تَشَابُهَ ثَمَر الْجَنَّة وَثَمَر الدُّنْيَا فِي اللَّوْن وَإِنْ اخْتَلَفَ طُعُومهمَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 443 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَنْبَأَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } قَالَ : يُشْبِه ثَمَر الدُّنْيَا غَيْر أَنَّ ثَمَر الْجَنَّة أَطْيَب . 444 - وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : قَالَ حَفْص بْن عُمَر , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَكَم بْن أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } قَالَ : يُشْبِه ثَمَر الدُّنْيَا , غَيْر أَنَّ ثَمَر الْجَنَّة أَطْيَب وَقَالَ بَعْضهمْ : لَا يُشْبِه شَيْء مِمَّا فِي الْجَنَّة مَا فِي الدُّنْيَا إلَّا الْأَسْمَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ 445 - حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيّ ح , وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بِشَارِّ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُؤَمَّل , قَالَا جَمِيعًا : حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي ظَبْيَانِ , عَنْ ابْن عَبَّاس - قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ فِي حَدِيثه عَنْ الْأَشْجَعِيّ - : لَا يُشْبِه شَيْء مِمَّا فِي الْجَنَّة مَا فِي الدُّنْيَا إلَّا الْأَسْمَاء وَقَالَ ابْن بِشَارِّ فِي حَدِيثه عَنْ مُؤَمَّل قَالَ : لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الْجَنَّة إلَّا الْأَسْمَاء . * حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن مُحَمَّد , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْد عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي ظَبْيَانِ عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْجَنَّة شَيْء إلَّا الْأَسْمَاء . 446 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَنْبَأَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد فِي قَوْله : { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } قَالَ : يَعْرِفُونَ أَسَمَاءَهُ كَمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا , التُّفَّاح بِالتُّفَّاحِ , وَالرُّمَّان بِالرُّمَّانِ , قَالُوا فِي الْجَنَّة : { هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل } فِي الدُّنْيَا , { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } يَعْرِفُونَهُ , وَلَيْسَ هُوَ مِثْله فِي الطَّعْم . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ التَّأْوِيلَات بِتَأْوِيلِ الْآيَة , تَأْوِيل مَنْ قَالَ : { وَأُوتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } فِي اللَّوْن وَالْمَنْظَر , وَالطَّعْم مُخْتَلِف . يَعْنِي بِذَلِكَ اشْتِبَاه ثَمَر الْجَنَّة وَثَمَر الدُّنْيَا فِي الْمَنْظَر وَاللَّوْن , مُخْتَلِفًا فِي الطَّعْم وَالذَّوْق ; لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ الْعِلَّة فِي تَأْوِيل قَوْله : { كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَة رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل } وَأَنَّ مَعْنَاهُ : كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْ الْجِنَان مِنْ ثَمَرَة مِنْ ثِمَارهَا رِزْقًا قَالُوا : هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل هَذَا فِي الدُّنْيَا . فَأَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ أُتُوا بِمَا أُتُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ فِي الْجَنَّة مُتَشَابِهًا , يَعْنِي بِذَلِكَ تَشَابَهَ مَا أُتُوا بِهِ فِي الْجَنَّة مِنْهُ وَاَلَّذِي كَانُوا رُزِقُوهُ فِي الدُّنْيَا فِي اللَّوْن وَالْمَرْأَى وَالْمَنْظَر وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الطَّعْم وَالذَّوْق فَتَبَايَنَا , فَلَمْ يَكُنْ لِشَيْءٍ مِمَّا فِي الْجَنَّة مِنْ ذَلِكَ نَظِير فِي الدُّنْيَا . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى فَسَاد قَوْل مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل } إنَّمَا هُوَ قَوْل مِنْ أَهْل الْجَنَّة فِي تَشْبِيههمْ بَعْض ثَمَرَات الْجَنَّة بِبَعْضٍ , وَتِلْكَ الدَّلَالَة عَلَى فَسَاد ذَلِكَ الْقَوْل هِيَ الدَّلَالَة عَلَى فَسَاد قَوْل مَنْ خَالَفَ قَوْلنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْله قَالَ الْقَوْم : { هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل } بِقَوْلِهِ : { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } . وَيَسْأَل مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ فَيَزْعُم أَنَّهُ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون شَيْء مِمَّا فِي الْجَنَّة نَظِير الشَّيْء مِمَّا فِي الدُّنْيَا بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوه , فَيُقَال لَهُ : أَيَجُوزُ أَنْ يَكُون أَسَمَاء مَا فِي الْجَنَّة مِنْ ثِمَارهَا وَأَطْعِمَتهَا وَأَشْرِبَتهَا نَظَائِر أَسَمَاء مَا فِي الدُّنْيَا مِنْهَا ؟ فَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ خَالَفَ نَصَّ كِتَاب اللَّه , لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا عَرَّفَ عِبَاده فِي الدُّنْيَا مَا هُوَ عِنْده فِي الْجَنَّة بِالْأَسْمَاءِ الَّتِي يُسَمَّى بِهَا مَا فِي الدُّنْيَا مِنْ ذَلِكَ . وَإِنْ قَالَ : ذَلِكَ جَائِز , بَلْ هُوَ كَذَلِكَ قِيلَ : فَمَا أَنْكَرْت أَنْ يَكُون أَلْوَان مَا فِيهَا مِنْ ذَلِكَ نَظَائِر أَلْوَان مَا فِي الدُّنْيَا مَعَهُ بِمَعْنَى الْبَيَاض وَالْحُمْرَة وَالصُّفْرَة وَسَائِر صُنُوف الْأَلْوَان وَإِنْ تَبَايَنَتْ فَتَفَاضَلَتْ بِفَضْلِ حُسْنِ الْمِرْآة وَالْمَنْظَر , فَكَانَ لِمَا فِي الْجَنَّة مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْبَهَاء وَالْجَمَال وَحُسْن الْمِرْآة وَالْمُنْظِر خِلَاف الَّذِي لِمَا فِي الدُّنْيَا مِنْهُ كَمَا كَانَ جَائِزًا ذَلِكَ فِي الْأَسْمَاء مَعَ اخْتِلَاف الْمُسَمَّيَات بِالْفَضْلِ فِي أَجْسَامهَا ؟ ثُمَّ يَعْكِس عَلَيْهِ الْقَوْل فِي ذَلِكَ , فَلَنْ يَقُول فِي أَحَدهمَا شَيْء إلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخِر مِثْله . وَكَانَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ يَقُول فِي ذَلِكَ بِمَا : 447 - حَدَّثَنِي بِهِ ابْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي عَدِيّ وَعَبْد الْوَهَّاب , وَمُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ عَوْف عَنْ قَسَامَة عَنْ الْأَشْعَرِيّ , قَالَ : إنَّ اللَّه لَمَا أَخَرَجَ آدَم مِنْ الْجَنَّة زَوَّدَهُ مِنْ ثِمَار الْجَنَّة , وَعَلَّمَهُ صَنْعَة كُلّ شَيْء , فَثِمَاركُمْ هَذِهِ مِنْ ثِمَار الْجَنَّة , غَيْر أَنَّ هَذِهِ تَغَيَّرَ وَتِلْكَ لَا تَغَيَّرَ وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } أَنَّهُ مُتَشَابِه فِي الْفَضْل : أَيْ كُلّ وَاحِد مِنْهُ لَهُ مِنْ الْفَضْل فِي نَحْوه مِثْل الَّذِي لِلْآخَرِ فِي نَحْوه . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَلَيْسَ هَذَا قَوْلًا نستجيز التَّشَاغُل بِالدَّلَالَةِ عَلَى فَسَاده لِخُرُوجِهِ عَنْ قَوْل جَمِيع عُلَمَاء أَهْل التَّأْوِيل , وَحَسَب قَوْل بِخُرُوجِهِ عَنْ قَوْل أَهْل الْعِلْم دَلَالَة عَلَى خَطَئِهِ

{25} وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاج مُطَهَّرَة } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْهَاء وَالْمِيم اللَّتَانِ فِي " لَهُمْ " عَائِدَتَانِ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات , وَالْهَاء وَالْأَلِف اللَّتَانِ فِي " فِيهَا " عَائِدَتَانِ عَلَى الْجَنَّات . وَتَأْوِيل ذَلِكَ : وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات أَنَّ لَهُمْ جَنَّات فِيهَا أَزْوَاج مُطَهَّرَة . وَالْأَزْوَاج جَمْع زَوْج , وَهِيَ امْرَأَة الرَّجُل , يُقَال : فُلَانَة زَوْج فُلَان وَزَوْجَته . وَأَمَّا قَوْله { مُطَهَّرَة } فَإِنَّ تَأْوِيله أَنَّهُنَّ طَهُرْنَ مِنْ كُلّ أَذًى وَقَذًى وَرِيبَةٍ , مِمَّا يَكُون فِي نِسَاء أَهْل الدُّنْيَا مِنْ الْحَيْض وَالنِّفَاس وَالْغَائِط وَالْبَوْل وَالْمُخَاط وَالْبُصَاق وَالْمَنِيّ , وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ مِنْ الْأَذَى وَالْأَدْنَاس وَالرَّيْب وَالْمَكَارِه . كَمَا : 448 - حَدَّثَنَا بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمَّا { أَزْوَاج مُطَهَّرَة } فَإِنَّهُنَّ لَا يَحِضْنَ وَلَا يُحْدِثْنَ وَلَا يَتَنَخَّمْنَ 449 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنَا مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلَيَّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { أَزْوَاج مُطَهَّرَة } يَقُول : مُطَهَّرَة مِنْ الْقَذَر وَالْأَذَى . 450 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى الْقَطَّان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاج مُطَهَّرَة } قَالَ : لَا يَبُلْنَ وَلَا يَتَغَوَّطْنَ وَلَا يُمْذِيَن . 451 - وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد نَحْوه , إلَّا أَنَّهُ زَادَ فِيهِ : وَلَا يُمْنِينَ وَلَا يَحِضْنَ . 452 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاج مُطَهَّرَة } قَالَ : مُطَهَّرَة مِنْ الْحَيْض وَالْغَائِط وَالْبَوْل والنخام وَالْبُزَاق وَالْمَنِيّ وَالْوَلَد . * وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْن نَصْر , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 453 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : لَا يَبُلْنَ وَلَا يَتَغَوَّطْنَ , وَلَا يَحِضْنَ , وَلَا يَلِدْنَ , وَلَا يُمْنِينَ , وَلَا يَبْزُقْنَ . * أَخْبَرَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد نَحْو حَدِيث مُحَمَّد بْن عَمْرو , عَنْ أَبِي عَاصِم . 454 - وَحَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاج مُطَهَّرَة } إي وَاَللَّه مِنْ الْإِثْم وَالْأَذَى . 455 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاج مُطَهَّرَة } قَالَ : طَهَّرَهُنَّ اللَّه مِنْ كُلّ بَوْل وَغَائِط وَقَذَر , وَمِنْ كُلّ مَأْثَم . 456 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : مُطَهَّرَة مِنْ الْحَيْض وَالْحَبَل , وَالْأَذَى . 457 - وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن أَبِي جَعْفَر عَنْ أَبِيهِ , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْمُطَهَّرَة مِنْ الْحَيْض وَالْحَبَل . 458 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد : { وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاج مُطَهَّرَة } قَالَ الْمُطَهَّرَة : الَّتِي لَا تَحِيض ; قَالَ : وَأَزْوَاج الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِمُطَهَّرَةٍ , أَلَا تَرَاهُنَّ يُدْمِينَ وَيَتْرُكْنَ الصَّلَاة وَالصِّيَام ؟ قَالَ ابْن زَيْد : وَكَذَلِكَ خُلِقَتْ حَوَّاء حَتَّى عَصَتْ , فَلَمَّا عَصَتْ قَالَ اللَّه : إنِّي خَلَقَتْك مُطَهَّرَة وَسَأُدْمِيك كَمَا أَدْمَيْت هَذِهِ الشَّجَرَة 459 - وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله { وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاج مُطَهَّرَة } قَالَ : يَقُول : مُطَهَّرَة مِنْ الْحَيْض . * حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِد بْن يَزِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيُّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاج مُطَهَّرَة } قَالَ : مِنْ الْحَيْض . 460 - وَحَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء قَوْله : { لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاج مُطَهَّرَة } قَالَ : مِنْ الْوَلَد وَالْحَيْض وَالْغَائِط وَالْبَوْل , وَذَكَرَ أَشْيَاء مِنْ هَذَا النَّحْو .

{25} وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات فِي الْجَنَّات خَالِدُونَ , فَالْهَاء وَالْمِيم مِنْ قَوْله { وَهُمْ } عَائِدَة عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات , وَالْهَاء وَالْأَلِف فِي " فِيهَا " عَلَى الْجَنَّات , وَخُلُودهمْ فِيهَا : دَوَام بَقَائِهِمْ فِيهَا عَلَى مَا أَعْطَاهُمْ اللَّه فِيهَا مِنْ الْحِبَرَة وَالنَّعِيم الْمُقِيم .

{26} إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِ أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا بَعُوضَة فَمَا فَوْقهَا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي أَنَزَلَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِ هَذِهِ الْآيَة وَفِي تَأْوِيلهَا . فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 461 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَمَا ضَرَبَ اللَّه هَذَيْنِ الْمَثَلَيْنِ لِلْمُنَافِقِينَ , يَعْنِي قَوْله : { مَثَلهمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا } وَقَوْله : { أَوْ كَصَيِّبٍ مِنْ السَّمَاء } الْآيَات الثَّلَاث , قَالَ الْمُنَافِقُونَ : اللَّه أَعَلَى وَأَجَلّ مِنْ أَنْ يَضْرِب هَذِهِ الْأَمْثَال . فَأَنْزَلَ اللَّه { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِ أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا بَعُوضَة } إلَى قَوْله : { أُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ } . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 462 - حَدَّثَنِي بِهِ أَحْمَد بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا قُرَاد عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيُّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , فِي قَوْله تَعَالَى : { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا بَعُوضَة فَمَا فَوْقهَا } قَالَ : هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِلدُّنْيَا , إنَّ الْبَعُوضَة تَحْيَا مَا جَاعَتْ , فَإِذَا سَمِنَتْ مَاتَتْ , وَكَذَلِكَ مَثَل هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ ضَرَبَ اللَّه لَهُمْ هَذَا الْمَثَل فِي الْقُرْآن , إذَا امْتَلَئُوا مِنْ الدُّنْيَا رِيًّا أَخَذَهُمْ اللَّه عِنْد ذَلِكَ . قَالَ : ثُمَّ تَلَا { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَاب كُلّ شَيْء } 6 44 الْآيَة . 463 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق بْن الْحَجَّاج , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس بِنَحْوِهِ , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : فَإِذَا خَلَتْ آجَالَهُمْ , وَانْقَطَعَتْ مُدَّتهمْ , صَارُوا كَالْبَعُوضَةِ تَحْيَا مَا جَاعَتْ وَتَمُوت إذَا رَوِيَتْ ; فَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ضَرَبَ اللَّه لَهُمْ هَذَا الْمَثَل إذَا امْتَلَئُوا مِنْ الدُّنْيَا رِيًّا أَخَذَهُمْ اللَّه فَأَهْلَكَهُمْ , فَذَلِكَ قَوْله : { حَتَّى إذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَة فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } 6 44 وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 464 - حَدَّثَنَا بِهِ بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا بَعُوضَة فَمَا فَوْقهَا } أَيْ إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقّ أَنْ يَذْكُر مِنْهُ شَيْء مَا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ إنَّ اللَّه حِين ذَكَرَ فِي كِتَابه الذُّبَاب وَالْعَنْكَبُوت , قَالَ أَهْل الضَّلَالَة : مَا أَرَادَ اللَّه مِنْ ذِكْر هَذَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه : { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا بَعُوضَة فَمَا فَوْقهَا } . * وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ : لَمَّا ذَكَرَ اللَّه الْعَنْكَبُوت وَالذُّبَاب , قَالَ الْمُشْرِكُونَ : مَا بَال الْعَنْكَبُوت وَالذُّبَاب يُذْكَرَانِ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه : { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا بَعُوضَة فَمَا فَوْقهَا } وَقَدْ ذَهَبَ كُلّ قَائِل مِمَّنْ ذَكَرْنَا قَوْله فِي هَذِهِ الْآيَة وَفِي الْمَعْنَى الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ مَذْهَبًا , غَيْر أَنَّ أَوْلَى ذَلِكَ بِالصَّوَابِ وَأَشْبَهَهُ بِالْحَقِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْل ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ذِكْره أَخْبَرَ عِبَاده أَنَّهُ لَا يَسْتَحْيِ أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا بَعُوضَة فَمَا فَوْقهَا عَقِيب أَمْثَال قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي هَذِهِ السُّورَة ضَرْبهَا لِلْمُنَافِقِينَ دُون الْأَمْثَال الَّتِي ضَرَبَهَا فِي سَائِر السُّوَر غَيْرهَا . فَلَأَنْ يَكُون هَذَا الْقَوْل , أَعْنِي قَوْله : { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا } جَوَابًا لِنَكِيرِ الْكُفَّار وَالْمُنَافِقِينَ مَا ضَرَبَ لَهُمْ مِنْ الْأَمْثَال فِي هَذِهِ السُّورَة أَحَقّ وَأَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُون ذَلِكَ جَوَابًا لِنَكِيرِهِمْ مَا ضَرَبَ لَهُمْ مِنْ الْأَمْثَال فِي غَيْرهَا مِنْ السُّوَر . فَإِنْ قَالَ قَائِل : إنَّمَا أَوَجَبَ أَنْ يَكُون ذَلِكَ جَوَابًا لِنَكِيرِهِمْ مَا ضَرَبَ مِنْ الْأَمْثَال فِي سَائِر السُّوَر ; لِأَنَّ الْأَمْثَال الَّتِي ضَرَبَهَا اللَّه لَهُمْ وَلِآلِهَتِهِمْ فِي سَائِر السُّوَر أَمْثَال مُوَافَقَة الْمَعْنَى , لَمَّا أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبهُ مَثَلًا , إذْ كَانَ بَعْضهَا تَمْثِيلًا لِآلِهَتِهِمْ بِالْعَنْكَبُوتِ وَبَعْضهَا تَشْبِيهًا لَهَا فِي الضَّعْف وَالْمَهَانَة بِالذُّبَابِ , وَلَيْسَ ذِكْر شَيْء مِنْ ذَلِكَ بِمَوْجُودٍ فِي هَذِهِ السُّورَة فَيَجُوز أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا فَإِنَّ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ظَنَّ , وَذَلِكَ أَنَّ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا بَعُوضَة فَمَا فَوْقهَا } إنَّمَا هُوَ خَبَر مِنْهُ جَلَّ ذِكْره أَنَّهُ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب فِي الْحَقّ مِنْ الْأَمْثَال صَغِيرهَا وَكَبِيرهَا ابْتِلَاء بِذَلِكَ عِبَاده وَاخْتِبَارًا مِنْهُ لَهُمْ لِيُمَيِّز بِهِ أَهْل الْإِيمَان وَالتَّصْدِيق بِهِ مِنْ أَهْل الضَّلَال وَالْكُفْر بِهِ , إضْلَالًا مِنْهُ بِهِ لِقَوْمِ وَهِدَايَة مِنْهُ بِهِ لِآخَرِينَ كَمَا : 465 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { مَثَلًا مَا بَعُوضَة } يَعْنِي الْأَمْثَال صَغِيرهَا وَكَبِيرهَا , يُؤْمِن بِهَا الْمُؤْمِنُونَ , وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ , وَيُهْدِيهِمْ اللَّه بِهَا , وَيَضِلّ بِهَا الْفَاسِقِينَ . يَقُول : يَعْرِفهُ الْمُؤْمِنُونَ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ , وَيَعْرِفهُ الْفَاسِقُونَ فَيَكْفُرُونَ بِهِ . * وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد بِمِثْلِهِ . * وَحَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . قَالَ أَبُو جَعْفَر : لَا أَنَّهُ جَلَّ ذِكْره قَصَدَ الْخَبَر عَنْ عَيْن الْبَعُوضَة أَنَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ ضَرْب الْمَثَل بِهَا , وَلَكِنَّ الْبَعُوضَة لَمَّا كَانَتْ أَضْعَف الْخَلْق - كَمَا : 466 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ : الْبَعُوضَة أَضَعْف مَا خَلَقَ اللَّه 467 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ بِنَحْوِهِ . خَصَّهَا اللَّه بِالذِّكْرِ فِي الْقِلَّة , فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب أَقَلَّ الْأَمْثَال فِي الْحَقّ وَأَحْقَرهَا وَأَعْلَاهَا إلَى غَيْر نِهَايَة فِي الِارْتِفَاع جَوَابًا مِنْهُ جَلَّ ذِكْره لِمَنْ أَنْكَرَ مِنْ مُنَافِقِي خَلْقه مَا ضَرَبَ لَهُمْ مِنْ الْمَثَل بِمَوْقِدِ النَّار وَالصَّيِّب مِنْ السَّمَاء عَلَى مَا نَعَتَهُمَا بِهِ مِنْ نَعْتهمَا فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَأَيْنَ ذِكْر نَكِير الْمُنَافِقِينَ الْأَمْثَال الَّتِي وُصِفَتْ الَّذِي هَذَا الْخَبَر جَوَابه , فَنَعْلَم أَنَّ الْقَوْل فِي ذَلِكَ مَا قُلْت ؟ قِيلَ : الدَّلَالَة عَلَى ذَلِكَ بَيْنهَا جَلَّ ذِكْره فِي قَوْله : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّه بِهَذَا مَثَلًا } وَإِنَّ الْقَوْم الَّذِينَ ضَرَبَ لَهُمْ الْأَمْثَال فِي الْآيَتَيْنِ الْمُقَدَّمَتَيْنِ , اللَّتَيْنِ مَثَل مَا عَلَيْهِ الْمُنَافِقُونَ مُقِيمُونَ فِيهِمَا بِمُوقِدِ النَّار وَبِالصَّيِّبِ مِنْ السَّمَاء عَلَى مَا وُصِفَ مِنْ ذَلِكَ قَبْل قَوْله { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا } قَدْ أَنْكَرُوا الْمَثَل وَقَالُوا : { مَاذَا أَرَادَ اللَّه بِهَذَا مَثَلًا } , فَأَوْضَحَ خَطَأ قَيْلهمْ ذَلِكَ , وَقَبَّحَ لَهُمْ مَا نَطَقُوا بِهِ وَأَخْبَرَهُمْ بِحُكْمِهِمْ فِي قَيْلهمْ مَا قَالُوا مِنْهُ , وَأَنَّهُ ضَلَال وَفُسُوق , وَأَنَّ الصَّوَاب وَالْهُدَى مَا قَالَهُ الْمُؤْمِنُونَ دُون مَا قَالُوهُ . وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي } فَإِنَّ بَعْض الْمَنْسُوبِينَ إلَى الْمَعْرِفَة بِلُغَةِ الْعَرَب كَانَ يَتَأَوَّل مَعْنَى : { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي } إنَّ اللَّه لَا يَخْشَى أَنْ يَضْرِب مَثَلًا , وَيَسْتَشْهِد عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَوْله بِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى : { وَتَخْشَى النَّاس وَاَللَّه أَحَقّ أَنْ تَخْشَاهُ } 33 37 وَيَزْعُم أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : وَتَسْتَحْيِي النَّاس وَاَللَّه أَحَقّ أَنْ تَسْتَحِيهُ ; فَيَقُول : الِاسْتِحْيَاء بِمَعْنَى الْخَشْيَة , وَالْخَشْيَة بِمَعْنَى الِاسْتِحْيَاء وَأَمَّا مَعْنَى قَوْله : { أَنْ يَضْرِب مَثَلًا } فَهُوَ أَنْ يُبَيِّن وَيَصِف , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسكُمْ } 30 28 بِمَعْنَى وَصَفَ لَكُمْ , وَكَمَا قَالَ الْكُمَيْت : وَذَلِكَ ضَرْب أَخْمَاس أُرِيدَتْ لِأَسْدَاسٍ عَسَى أَنْ لَا تَكُونَا بِمَعْنَى وَصْف أَخْمَاس . وَالْمَثَل : الشَّبَه , يُقَال : هَذَا مَثَل هَذَا وَمِثْله , كَمَا يُقَال : شَبَهه وَشِبْهه , وَمِنْهُ قَوْل كَعْب بْن زُهَيْر : كَانَتْ مَوَاعِيد عُرْقُوب لَهَا مَثَلًا وَمَا مَوَاعِيدهَا إلَّا الْأَبَاطِيل يَعْنِي شَبَهًا . فَمَعْنَى قَوْله إذَا : { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا } : إنَّ اللَّه لَا يَخْشَى أَنْ يَصِف شَبَهًا لِمَا شُبِّهَ بِهِ ; وَأَمَّا " مَا " الَّتِي مَعَ " مَثَل " فَإِنَّهَا بِمَعْنَى " الَّذِي " , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب الَّذِي هُوَ بَعُوضَة فِي الصِّغَر وَالْقِلَّة فَمَا فَوْقهَا مَثَلًا . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَإِنْ كَانَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ كَمَا قُلْت فَمَا وَجْه نَصْب الْبَعُوضَة , وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ تَأْوِيل الْكَلَام عَلَى مَا تَأَوَّلْت : { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا } الَّذِي هُوَ بَعُوضَة , فَالْبَعُوضَة عَلَى قَوْلك فِي مَحَلّ الرَّفْع , فَأَنَّى أَتَاهَا النَّصْب ؟ قِيلَ : أَتَاهَا النَّصْب مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا أَنَّ مَا لَمَا كَانَتْ فِي مَحَلّ نَصْب بِقَوْلِهِ : { يَضْرِب } وَكَانَتْ الْبَعُوضَة لَهَا صِلَة أُعْرِبَتْ بِتَعْرِيبِهَا فَأُلْزِمَتْ إعْرَابهَا كَمَا قَالَ حَسَّان بْن ثَابِت : وَكَفَى بِنَا فَضْلًا عَلَى مَنْ غَيْرنَا حُبّ النَّبِيّ مُحَمَّد إيَّانَا فَعُرِّبَتْ غَيْر بِإِعْرَابِ " مَنْ " , فَالْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ خَاصَّة فِي " مَنْ " و " مَا " تُعْرِب صِلَاتهمَا بِإِعْرَابِهِمَا لِأَنَّهُمَا يَكُونَانِ مَعْرِفَة أَحْيَانًا وَنَكِرَة
أَحْيَانًا . وَأَمَّا الْوَجْه الْآخَر , فَأَنْ يَكُون مَعْنَى الْكَلَام : إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا بَيْن بَعُوضَة إلَى مَا فَوْقهَا , ثُمَّ حَذَفَ ذِكْر " بَيْن " و " إلَى " , إذْ كَانَ فِي نَصْب الْبَعُوضَة وَدُخُول الْفَاء فِي " مَا " الثَّانِيَة دَلَالَة عَلَيْهِمَا , كَمَا قَالَتْ الْعَرَب : " مُطِرْنَا مَا زُبَالَة فَالثَّعْلَبِيَّة " و " لَهُ عِشْرُونَ مَا نَاقَة فَجَمْلًا " وَهِيَ أَحَسَن النَّاس مَا قَرْنًا فَقَدَمًا يَعْنُونَ : مَا بَيْن قَرْنهَا إلَى قَدَمهَا , وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِي كُلّ مَا حَسُنَ فِيهِ مِنْ الْكَلَام دُخُول " مَا بَيْن كَذَا إلَى كَذَا " , يَنْصِبُونَ الْأَوَّل وَالثَّانِي لِيَدُلّ النَّصْب فِيهِمَا عَلَى الْمَحْذُوف مِنْ الْكَلَام . فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْله : { مَا بَعُوضَة فَمَا فَوْقهَا } . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّ " مَا " الَّتِي مَعَ الْمَثَل صِلَة فِي الْكَلَام بِمَعْنَى التَّطَوُّل , وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب بَعُوضَة مَثَلًا فَمَا فَوْقهَا . فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل يَجِب أَنْ تَكُون بَعُوضَة مَنْصُوبَة ب " يَضْرِب " , وَأَنْ تَكُون " مَا " الثَّانِيَة الَّتِي فِي " فَمَا فَوْقهَا " مَعْطُوفَة عَلَى الْبَعُوضَة لَا عَلَى " مَا " . وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { فَمَا فَوْقهَا } : فَمَا هُوَ أَعْظَم مِنْهَا عِنْدِي لِمَا ذَكَرْنَا قَبْل مِنْ قَوْل قَتَادَةَ وَابْن جُرَيْجٍ أَنَّ الْبَعُوضَة أَضَعْف خَلْق اللَّه , فَإِذَا كَانَتْ أَضَعْف خَلْق اللَّه فَهِيَ نِهَايَة فِي الْقِلَّة وَالضَّعْف , وَإِذْ كَانَتْ كَذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنَّ مَا فَوْق أَضَعْف الْأَشْيَاء لَا يَكُون إلَّا أَقْوَى مِنْهُ , فَقَدْ يَجِب أَنْ يَكُون الْمَعْنَى عَلَى مَا قَالَاهُ فَمَا فَوْقهَا فِي الْعِظَم وَالْكِبَر , إذْ كَانَتْ الْبَعُوضَة نِهَايَة فِي الضَّعْف وَالْقِلَّة . وَقِيلَ فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَمَا فَوْقهَا } فِي الصِّغَر وَالْقِلَّة , كَمَا يُقَال فِي الرَّجُل يَذْكُرهُ الذَّاكِر فَيَصِفهُ بِاللُّؤْمِ وَالشُّحّ , فَيَقُول السَّامِع : نَعَمْ , وَفَوْق ذَاكَ , يَعْنِي فَوْق الَّذِي وُصِفَ فِي الشُّحّ وَاللُّؤْم . وَهَذَا قَوْل خِلَاف تَأْوِيل أَهْل الْعِلْم الَّذِينَ تُرْتَضَى مَعْرِفَتهمْ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآن , فَقَدْ تَبَيَّنَ إذًا بِمَا وَصَفْنَا أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَصِف شَبَهًا لَمَّا شَبَّهَ بِهِ الَّذِي هُوَ مَا بَيْن بَعُوضَة إلَى مَا فَوْق الْبَعُوضَة . فَأَمَّا تَأْوِيل الْكَلَام لَوْ رُفِعَتْ الْبَعُوضَة فَغَيْر جَائِز فِي مَا إلَّا مَا قُلْنَا مِنْ أَنْ تَكُون اسْمًا لَا صِلَة بِمَعْنَى التَّطَوُّل .

{26} إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّه بِهَذَا مَثَلًا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْره : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا } فَأَمَّا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله . وَقَوْله : { فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ } يَعْنِي فَيَعْرِفُونَ أَنَّ الْمَثَل الَّذِي ضَرَبَهُ اللَّه لَمَا ضَرَبَهُ لَهُ مَثَل . كَمَا . 468 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق بْن الْحَجَّاج قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ } أَنَّ هَذَا الْمَثَل الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ أَنَّهُ كَلَام اللَّه وَمِنْ عِنْده . وَكَمَا : 469 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , قَوْله : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ } : أَيْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَلَام الرَّحْمَن وَأَنَّهُ الْحَقّ مِنْ اللَّه . { وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّه بِهَذَا مَثَلًا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَوْله : { وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا } يَعْنِي الَّذِينَ جَحَدُوا آيَات اللَّه وَأَنْكَرُوا مَا عَرَفُوا وَسَتَرُوا مَا عَلِمُوا أَنَّهُ حَقّ . وَذَلِكَ صِفَة الْمُنَافِقِينَ , وَإِيَّاهُمْ عَنَى اللَّه جَلَّ وَعَزَّ وَمَنْ كَانَ مِنْ نُظَرَائِهِمْ وَشُرَكَائِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَغَيْرهمْ بِهَذِهِ الْآيَة , فَيَقُولُونَ : مَاذَا أَرَادَ اللَّه بِهَذَا مَثَلًا , كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْل مِنْ الْخَبَر الَّذِي رَوَيْنَاهُ عَنْ مُجَاهِد الَّذِي : 470 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد عَنْ عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ } الْآيَة , قَالَ : يُؤْمِن بِهَا الْمُؤْمِنُونَ , وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ , وَيَهْدِيهِمْ اللَّه بِهَا وَيُضِلّ بِهَا الْفَاسِقُونَ . يَقُول : يَعْرِفهُ الْمُؤْمِنُونَ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ , وَيَعْرِفهُ الْفَاسِقُونَ فَيَكْفُرُونَ بِهِ . وَتَأْوِيل قَوْله : { مَاذَا أَرَادَ اللَّه بِهَذَا مَثَلًا } مَا الَّذِي أَرَادَ اللَّه بِهَذَا الْمَثَل مَثَلًا , ف " ذَا " الَّذِي مَعَ " مَا " فِي مَعْنَى " الَّذِي " وَأَرَادَ صِلَته , وَهَذَا إشَارَة إلَى الْمَثَل .

{26} إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُضِلّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ : { يُضِلّ بِهِ كَثِيرًا } يُضِلّ اللَّه بِهِ كَثِيرًا مِنْ خَلْقه وَالْهَاء فِي " بِهِ " مِنْ ذِكْر الْمَثَل . وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُبْتَدَأ , وَمَعْنَى الْكَلَام : أَنَّ اللَّه يُضِلّ بِالْمَثَلِ الَّذِي يَضُرّ بِهِ كَثِيرًا مِنْ أَهْل النِّفَاق وَالْكُفْر . كَمَا : 471 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يُضِلّ بِهِ كَثِيرًا } يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ , { وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا } يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ ; فَيَزِيد هَؤُلَاءِ ضَلَالًا إلَى ضَلَالهمْ لِتَكْذِيبِهِمْ بِمَا قَدْ عَلِمُوهُ حَقًّا يَقِينًا مِنْ الْمَثَل الَّذِي ضَرَبَهُ اللَّه لِمَا ضَرَبَهُ لَهُ وَأَنَّهُ لِمَا ضَرَبَهُ لَهُ مُوَافِق , فَذَلِكَ إضْلَال اللَّه إيَّاهُمْ بِهِ . { وَيَهْدِي بِهِ } يَعْنِي بِالْمَثَلِ كَثِيرًا مِنْ أَهْل الْإِيمَان وَالتَّصْدِيق , فَيَزِيدهُمْ هُدًى إلَى هُدَاهُمْ وَإِيمَانًا إلَى إيمَانهمْ , لِتَصْدِيقِهِمْ بِمَا قَدْ عَلِمُوهُ حَقًّا يَقِينًا أَنَّهُ مُوَافِق مَا ضَرَبَهُ اللَّه لَهُ مَثَلًا وَإِقْرَارهمْ بِهِ , وَذَلِكَ هِدَايَة مِنْ اللَّه لَهُمْ بِهِ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ ذَلِكَ خَبَر عَنْ الْمُنَافِقِينَ , كَأَنَّهُمْ قَالُوا : مَاذَا أَرَادَ اللَّه بِمَثَلٍ لَا يَعْرِفهُ كُلّ أَحَد يُضِلّ بِهِ هَذَا وَيَهْدِي بِهِ هَذَا . ثُمَّ اُسْتُؤْنِفَ الْكَلَام وَالْخَبَر عَنْ اللَّه فَقَالَ اللَّه : { وَمَا يُضِلّ بِهِ إلَّا الْفَاسِقِينَ } وَفِيمَا فِي سُورَة الْمُدَّثِّر - مِنْ قَوْل اللَّه : { وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّه بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلّ اللَّه مَنْ يَشَاء وَيَهْدِي مَنْ يُشَاء } 74 31 مَا يُنْبِئ عَنْ أَنَّهُ فِي سُورَة الْبَقَرَة كَذَلِكَ مُبْتَدَأ , أَعْنِي قَوْله : { يُضِلّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا }

{26} إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا يُضِلّ بِهِ إلَّا الْفَاسِقِينَ } وَتَأْوِيل ذَلِكَ مَا : 472 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ , عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَمَا يُضِلّ بِهِ إلَّا الْفَاسِقِينَ } : هُمْ الْمُنَافِقُونَ . 473 - وَحَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { وَمَا يُضِلّ بِهِ إلَّا الْفَاسِقِينَ } فَسَقُوا فَأَضَلَّهُمْ اللَّه عَلَى فِسْقهمْ . 474 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس : { وَمَا يُضِلّ بِهِ إلَّا الْفَاسِقِينَ } : هُمْ أَهْل النِّفَاق . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَصْل الْفِسْق فِي كَلَام الْعَرَب : الْخُرُوج عَنْ الشَّيْء , يُقَال مِنْهُ : فَسَقَتْ الرُّطَبَة , إذَا خَرَجَتْ مِنْ قِشْرهَا ; وَمِنْ ذَلِكَ سُمِّيَتْ الْفَأْرَة فُوَيْسِقَة , لِخُرُوجِهَا عَنْ جُحْرهَا . فَكَذَلِكَ الْمُنَافِق وَالْكَافِر سُمِّيَا فَاسِقَيْنِ لِخُرُوجِهِمَا عَنْ طَاعَة رَبّهمَا , وَلِذَلِكَ قَالَ جَلَّ ذِكْره فِي صِفَة إبْلِيس : { إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْر رَبّه } 18 50 يَعْنِي بِهِ : خَرَجَ عَنْ طَاعَته وَاتِّبَاع أَمْره . كَمَا : 475 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة ة , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق عَنْ دَاوُد بْن الْحَصِين , عَنْ عِكْرِمَة مَوْلَى ابْن عَبَّاس , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } 2 59 أَيْ بِمَا بَعِدُوا عَنْ أَمْرِي . فَمَعْنَى قَوْله : { وَمَا يُضِلّ بِهِ إلَّا الْفَاسِقِينَ } : وَمَا يُضِلّ اللَّه بِالْمَثَلِ الَّذِي يَضْرِبهُ لِأَهْلِ الضَّلَال وَالنِّفَاق إلَّا الْخَارِجِينَ عَنْ طَاعَته وَالتَّارِكِينَ اتِّبَاع أَمْره مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَأَهْل الضَّلَال مِنْ أَهْل النِّفَاق .

{27} الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْد اللَّه مِنْ بَعْد مِيثَاقه } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا وَصْف مِنْ اللَّه جَلَّ ذِكْره الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُضِلّ بِالْمَثَلِ الَّذِي ضَرَبَهُ لِأَهْلِ النِّفَاق غَيْرهمْ , فَقَالَ : { وَمَا يُضِلّ } اللَّه بِالْمَثَلِ الَّذِي يَضْرِبهُ عَلَى مَا وَصَفَ قَبْل فِي الْآيَات الْمُتَقَدِّمَة إلَّا الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْد اللَّه مِنْ بَعْد مِيثَاقه . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل الْمَعْرِفَة فِي مَعْنَى الْعَهْد الَّذِي وَصَفَ اللَّه هَؤُلَاءِ الْفَاسِقِينَ بِنَقْضِهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ وَصِيَّة اللَّه إلَى خَلْقه , وَأَمْره إيَّاهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ طَاعَته , وَنَهْيه إيَّاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَته فِي كُتُبه وَعَلَى لِسَان رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَنَقْضهمْ ذَلِكَ تَرْكهمْ الْعَمَل بِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : إنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَات فِي كُفَّار أَهْل الْكِتَاب وَالْمُنَافِقِينَ مِنْهُمْ , وَإِيَّاهُمْ عَنَى اللَّه جَلَّ ذِكْره بِقَوْلِهِ { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتهمْ } وَبِقَوْلِهِ : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول آمَنَّا بِاَللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِر } فَكُلّ مَا فِي هَذِهِ الْآيَات فَعَذْل لَهُمْ وَتَوْبِيخ إلَى انْقِضَاء قَصَصهمْ . قَالُوا : فَعَهْد اللَّه الَّذِي نَقَضُوهُ بَعْد مِيثَاقه : هُوَ مَا أَخَذَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاة مِنْ الْعَمَل بِمَا فِيهَا , وَاتِّبَاع مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا بُعِثَ , وَالتَّصْدِيق بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّهمْ . وَنَقْضهمْ ذَلِكَ هُوَ جُحُودهمْ بِهِ بَعْد مَعْرِفَتهمْ بِحَقِيقَتِهِ , وَإِنْكَارهمْ ذَلِكَ , وَكِتْمَانهمْ عِلْم ذَلِكَ عَنْ النَّاس , بَعْد إعْطَائِهِمْ اللَّه مِنْ أَنْفُسهمْ الْمِيثَاق لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ . فَأَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُمْ نَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا . وَقَالَ بَعْضهمْ : إنَّ اللَّه عَنَى بِهَذِهِ الْآيَة جَمِيع أَهْل الشِّرْك وَالْكُفْر وَالنِّفَاق وَعَهْده إلَى جَمِيعهمْ فِي تَوْحِيده مَا وَضَعَ لَهُمْ مِنْ الْأَدِلَّة الدَّالَّة عَلَى رُبُوبِيَّته وَعَهْده إلَيْهِمْ فِي أَمْره وَنَهْيه مَا احْتَجَّ بِهِ لِرُسُلِهِ مِنْ الْمُعْجِزَات الَّتِي لَا يَقْدِر أَحَد مِنْ النَّاس غَيْرهمْ أَنْ يَأْتِي بِمِثْلِهَا الشَّاهِدَة لَهُمْ عَلَى صَدْقهمْ . قَالُوا : وَنَقْضهمْ ذَلِكَ تَرْكهمْ الْإِقْرَار بِمَا قَدْ تَبَيَّنَتْ لَهُمْ صِحَّته بِالْأَدِلَّةِ , وَتَكْذِيبهمْ الرُّسُل وَالْكُتُب , مَعَ عِلْمهمْ أَنَّ مَا أَتَوْا بِهِ حَقّ وَقَالَ آخَرُونَ : الْعَهْد الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه جَلَّ ذِكْره , هُوَ الْعَهْد الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ حِين أَخَرَجَهُمْ مِنْ صُلْب آدَم , الَّذِي وَصَفَهُ فِي قَوْله : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّتهمْ وَأَشْهَدهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ } 7 172 : 173 الْآيَتَيْنِ , وَنَقْضهمْ ذَلِكَ , تَرْكهمْ الْوَفَاء بِهِ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال عِنْدِي بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ , قَوْل مَنْ قَالَ : إنَّ هَذِهِ الْآيَات نَزَلَتْ فِي كُفَّار أَحْبَار الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَا قَرُبَ مِنْهَا مِنْ بَقَايَا بَنِي إسْرَائِيل , وَمَنْ كَانَ عَلَى شِرْكه مِنْ أَهْل النِّفَاق الَّذِينَ قَدْ بَيَّنَّا قَصَصهمْ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاء عَلَيْهِمْ } وَقَوْله : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول آمَنَّا بِاَللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِر } فِيهِمْ أُنْزِلَتْ , وَفِيمَنْ كَانَ عَلَى مِثْل الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الشِّرْك بِاَللَّهِ . غَيْر أَنَّ هَذِهِ الْآيَات عِنْدِي وَإِنْ كَانَتْ فِيهِمْ نَزَلَتْ , فَإِنَّهُ مَعَنِي بِهَا كُلّ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْل مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الضَّلَال وَمَعَنِي بِمَا وَافَقَ مِنْهَا صِفَة الْمُنَافِقِينَ خَاصَّة جَمِيع الْمُنَافِقِينَ , وَبِمَا وَافَقَ مِنْهَا صِفَة كُفَّار أَحْبَار الْيَهُود جَمِيع مَنْ كَانَ لَهُمْ نَظِيرًا فِي كُفْرهمْ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ يَعُمّ أَحْيَانًا جَمِيعهمْ بِالصِّفَّةِ لِتَقْدِيمِهِ ذِكْر جَمِيعهَا فِي أَوَّل الْآيَات الَّتِي ذَكَرَتْ قَصَصهمْ , وَيَخُصّ أَحْيَانًا بِالصِّفَّةِ بَعْضهمْ لِتَفْصِيلِهِ فِي أَوَّل الْآيَات بَيْن فَرِيقَيْهِمْ , أَعْنِي فَرِيق الْمُنَافِقِينَ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان وَأَهْل الشِّرْك بِاَللَّهِ , وَفَرِيق كُفَّار أَحْبَار الْيَهُود , فَاَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْد اللَّه : هُمْ التَّارِكُونَ مَا عَهِدَ اللَّه إلَيْهِمْ مِنْ الْإِقْرَار بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا جَاءَ بِهِ وَتَبَيَّنَ نُبُوَّته لِلنَّاسِ الْكَاتِمُونَ بَيَان ذَلِكَ بَعْد عِلْمهمْ بِهِ وَبِمَا قَدْ أَخَذَ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ , كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ ذِكْره : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ } 3 187 وَنَبْذهمْ ذَلِكَ وَرَاء ظُهُورهمْ : هُوَ نَقْضهمْ الْعَهْد الَّذِي عَهْد إلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاة الَّذِي وَصَفْنَاهُ , وَتَرْكهمْ الْعَمَل بِهِ . وَإِنَّمَا قُلْت : إنَّهُ عَنَى بِهَذِهِ الْآيَات مَنْ قُلْت إنَّهُ عَنَى بِهَا , لِأَنَّ الْآيَات مِنْ ابْتِدَاء الْآيَات الْخَمْس وَالسِّتّ مِنْ سُورَة الْبَقَرَة فِيهِمْ نَزَلَتْ إلَى تَمَام قَصَصهمْ , وَفِي الْآيَة الَّتِي بَعْد الْخَبَر عَنْ خَلْق آدَم وَبَيَانه فِي قَوْله : { يَا بَنِي إسْرَائِيل اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } 2 40 وَخِطَابه إيَّاهُمْ جَلَّ ذِكْره بِالْوَفَاءِ فِي ذَلِكَ خَاصَّة دُون سَائِر الْبَشَر مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ قَوْله : { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْد اللَّه مِنْ بَعْد مِيثَاقه } مَقْصُود بِهِ كُفَّارُهُمْ وَمُنَافِقُوهُمْ , وَمَنْ كَانَ مِنْ أَشْيَاعهمْ مِنْ مُشْرِكِي عَبَدَة الْأَوْثَان عَلَى ضَلَالهمْ . غَيْر أَنَّ الْخِطَاب وَإِنْ كَانَ لِمَنْ وَصَفْت مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فَدَاخِل فِي أَحْكَامهمْ وَفِيمَا أَوَجَبَ اللَّه لَهُمْ مِنْ الْوَعِيد وَالذَّمّ وَالتَّوْبِيخ كُلّ مَنْ كَانَ عَلَى سَبِيلهمْ وَمِنْهَاجهمْ مِنْ جَمِيع الْخَلْق وَأَصْنَاف الْأُمَم الْمُخَاطَبِينَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي فَمَعْنَى الْآيَة إذًا : وَمَا يُضِلّ بِهِ إلَّا التَّارِكِينَ طَاعَة اللَّه , الْخَارِجِينَ عَنْ اتِّبَاع أَمْره وَنَهْيه النَّاكِثِينَ عُهُود اللَّه الَّتِي عَهِدَهَا إلَيْهِمْ فِي الْكُتُب الَّتِي أَنَزَلَهَا إلَى رُسُله وَعَلَى أَلْسُن أَنْبِيَائِهِ بِاتِّبَاعِ أَمْر رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ , وَطَاعَة اللَّه فِيمَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاة مِنْ تَبْيِين أَمْره لِلنَّاسِ , وَإِخْبَارهمْ إيَّاهُمْ أَنَّهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ أَنَّهُ رَسُول مِنْ عِنْد اللَّه مُفْتَرِضَة طَاعَته . وَتَرْك كِتْمَان ذَلِكَ لَهُمْ وَنَكْثهمْ ذَلِكَ وَنَقْضهمْ إيَّاهُ , هُوَ مُخَالَفَتهمْ اللَّه فِي عَهْده إلَيْهِمْ فِيمَا وَصَفْت أَنَّهُ عَهِدَ إلَيْهِمْ بَعْد إعْطَائِهِمْ رَبّهمْ الْمِيثَاق بِالْوَفَاءِ بِذَلِكَ كَمَا وَصَفَهُمْ بِهِ جَلَّ ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف وَرِثُوا الْكِتَاب يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَض مِثْله يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذ عَلَيْهِمْ مِيثَاق الْكِتَاب أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّه إلَّا الْحَقّ } 7 169 وَأَمَّا قَوْله : { مِنْ بَعْد مِيثَاقه } فَإِنَّهُ يَعْنِي مِنْ بَعْد تَوَثُّق اللَّه فِيهِ بِأَخَذِ عُهُوده بِالْوَفَاءِ لَهُ بِمَا عَهِدَ إلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ , غَيْر أَنَّ التَّوَثُّق مَصْدَر مِنْ قَوْلك : تَوَثَّقْت مِنْ فُلَان تَوَثُّقًا , وَالْمِيثَاق اسْم مِنْهُ , وَالْهَاء فِي الْمِيثَاق عَائِدَة عَلَى اسْم اللَّه . وَقَدْ يَدْخُل فِي حُكْم هَذِهِ الْآيَة كُلّ مَنْ كَانَ بِالصِّفَّةِ الَّتِي وَصَفَ اللَّه بِهَا هَؤُلَاءِ الْفَاسِقِينَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَالْكُفَّار فِي نَقْضِ الْعَهْد وَقَطْع الرَّحِم وَالْإِفْسَاد فِي الْأَرْض . كَمَا : 476 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْد اللَّه مِنْ بَعْد مِيثَاقه } فَإِيَّاكُمْ وَنَقْض هَذَا الْمِيثَاق , فَإِنَّ اللَّه قَدْ كَرِهَ نَقْضه وَأَوْعَدَ فِيهِ وَقَدَّمَ فِيهِ فِي آي الْقُرْآن حُجَّة وَمَوْعِظَة وَنَصِيحَة , وَإِنَّا لَا نَعْلَم اللَّه جَلَّ ذِكْره أَوْعَدَ فِي ذَنْب مَا أَوْعَدَ فِي نَقْض الْمِيثَاق , فَمَنْ أَعْطَى عَهْد اللَّه وَمِيثَاقه مِنْ ثَمَرَة قَلْبه فليف بِهِ لِلَّهِ . 477 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْد اللَّه مِنْ بَعْد مِيثَاقه وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ أَنْ يُوصَل وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض أُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ } فَهِيَ سِتّ خِلَال فِي أَهْل النِّفَاق إذَا كَانَتْ لَهُمْ الظُّهْرَة أَظَهَرُوا هَذِهِ الْخِلَال السِّتّ جَمِيعًا : إذَا حَدَّثُوا كَذَبُوا , وَإِذَا وَعَدُوا أَخْلَفُوا , وَإِذَا اُؤْتُمِنُوا خَانُوا , وَنَقَضُوا عَهْد اللَّه مِنْ بَعْد مِيثَاقه , وَقَطَعُوا مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ أَنْ يُوصَل , وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْض . وَإِذَا كَانَتْ عَلَيْهِمْ الظُّهْرَة أَظَهَرُوا الْخِلَال الثَّلَاث : إذَا حَدَّثُوا كَذَّبُوا , وَإِذَا وَعَدُوا أَخْلَفُوا , وَإِذَا اُؤْتُمِنُوا خَانُوا .

{27} الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ أَنْ يُوصَل } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَاَلَّذِي رَغَّبَ اللَّه فِي وَصْله وَذَمَّ عَلَى قَطْعه فِي هَذِهِ الْآيَة : الرَّحِم , وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي كِتَابه فَقَالَ تَعَالَى : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامكُمْ } 47 22 وَإِنَّمَا عَنَى بِالرَّحِمِ : أَهْل الرَّجُل الَّذِينَ جَمَعَتْهُمْ وَإِيَّاهُ رَحِم وَالِدَة وَاحِدَة , وَقَطَعَ ذَلِكَ ظُلْمه فِي تَرْك أَدَاء مَا أَلْزَمَ اللَّه مِنْ حُقُوقهَا وَأَوْجَبَ مِنْ بِرّهَا وَوَصْلهَا أَدَاء الْوَاجِب لَهَا إلَيْهَا : مِنْ حُقُوق اللَّه الَّتِي أَوَجَبَ لَهَا , وَالتَّعَطُّف عَلَيْهَا بِمَا يَحِقّ التَّعَطُّف بِهِ عَلَيْهَا . و " أَنَّ " الَّتِي مَعَ " يُوصَل " فِي مَحَلّ خَفْض بِمَعْنَى رَدّهَا عَلَى مَوْضِع الْهَاء الَّتِي فِي " بِهِ " فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام : وَيَقْطَعُونَ الَّذِي أَمَرَ اللَّه بِأَنْ يُوصَل . وَالْهَاء الَّتِي فِي " بِهِ " هِيَ كِنَايَة عَنْ ذِكْر " أَنْ يُوصَل " . وَبِمَا قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ أَنْ يُوصَل } وَأَنَّهُ الرَّحِم كَانَ قَتَادَةَ يَقُول 478 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ أَنْ يُوصَل } فَقَطَعَ وَاَللَّه مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ أَنْ يُوصَل بِقَطِيعَةِ الرَّحِم وَالْقَرَابَة . وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضهمْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّه ذَمَّهُمْ بِقَطْعِهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَأَرْحَامهمْ , وَاسْتُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ بِعُمُومِ ظَاهِر الْآيَة , وَأَنْ لَا دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ مَعَنِي بِهَا : بَعْض مَا أَمَرَ اللَّه وَصْله دُون بَعْض . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا مَذْهَب مِنْ تَأْوِيل الْآيَة غَيْر بِعِيدٍ مِنْ الصَّوَاب , وَلَكِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ ذَكَرَ الْمُنَافِقِينَ فِي غَيْر آيَة مِنْ كِتَابه , فَوَصَفَهُمْ بِقَطْعِ الْأَرْحَام . فَهَذِهِ نَظِيرَة تِلْكَ , غَيْر أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ فَهِيَ دَالَّة عَلَى ذَمّ اللَّه كُلّ قَاطِع قَطَعَ مَا أَمَرَ اللَّه بِوَصْلِهِ رَحَمًا كَانَتْ أَوْ غَيْرهَا .

{27} الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَفَسَادهمْ فِي الْأَرْض هُوَ مَا تَقَدَّمَ وَصَفْنَاهُ قَبْل مِنْ مَعْصِيَتهمْ رَبّهمْ وَكُفْرهمْ بِهِ , وَتَكْذِيبهمْ رَسُوله , وَجَحْدهمْ نُبُوَّته , وَإِنْكَارهمْ مَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه أَنَّهُ حَقّ مِنْ عِنْده .

{27} الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْخَاسِرُونَ جَمْع خَاسِر , وَالْخَاسِرُونَ : النَّاقِصُونَ أَنْفُسهمْ حُظُوظهَا بِمَعْصِيَتِهِمْ اللَّه مِنْ رَحْمَته , كَمَا يَخْسَر الرَّجُل فِي تِجَارَته بِأَنْ يُوضَع مِنْ رَأْس مَاله فِي بَيْعه . فَكَذَلِكَ الْكَافِر وَالْمُنَافِق خَسِرَ بِحِرْمَانِ اللَّه إيَّاهُ رَحْمَته الَّتِي خَلَقَهَا لِعِبَادِهِ فِي الْقِيَامَة أَحْوَج مَا كَانَ إلَى رَحْمَته , يُقَال مِنْهُ : خَسِرَ الرَّجُل يَخْسَر خُسْرًا وَخُسْرَانًا وَخَسَارًا , كَمَا قَالَ جَرِير بْن عَطِيَّة : إنَّ سَلِيطًا فِي الْخَسَار إنَّهُ أَوْلَاد قَوْم خُلِقُوا أَقِنَّهْ يَعْنِي بِقَوْلِهِ فِي الْخَسَار : أَيْ فِيمَا يوكسهم حُظُوظهمْ مِنْ الشَّرَف وَالْكَرَم . وَقَدْ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى { أُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ } : أُولَئِكَ هُمْ الْهَالِكُونَ . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون قَائِل ذَلِكَ أَرَادَ مَا قُلْنَا مِنْ هَلَاك الَّذِي وَصَفَ اللَّه صِفَته بِالصِّفَّةِ الَّتِي وَصَفَهُ بِهَا فِي هَذِهِ الْآيَة بِحِرْمَانِ اللَّه إيَّاهُ مَا حَرَمَهُ مِنْ رَحْمَته بِمَعْصِيَتِهِ إيَّاهُ وَكُفْره بِهِ . فَحُمِلَ تَأْوِيل الْكَلَام عَلَى مَعْنَاهُ دُون الْبَيَان عَنْ تَأْوِيل عَيْن الْكَلِمَة بِعَيْنِهَا , فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل رُبَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ لِعِلَلٍ كَثِيرَة تَدْعُوهُمْ إلَيْهِ . وَقَالَ بَعْضهمْ فِي ذَلِكَ بِمَا : 479 - حُدِّثْت بِهِ عَنْ المنجاب , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : كُلّ شَيْء نَسَبَهُ اللَّه إلَى غَيْر أَهْل الْإِسْلَام مِنْ اسْم مِثْل " خَاسِر " , فَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ الْكُفْر , وَمَا نَسَبَهُ إلَى أَهْل الْإِسْلَام فَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ الذَّنْب .

{28} كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
يُمِيتكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ " الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَيْف تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ . فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 480 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { كَيْف تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } يَقُول : لَمْ تَكُونُوا شَيْء فَخَلَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ يَوْم الْقِيَامَة . 481 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه فِي قَوْله : { أَمَتّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتنَا اثْنَتَيْنِ } 40 11 قَالَ : هِيَ كَاَلَّتِي فِي الْبَقَرَة : { كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } 482 - وَحَدَّثَنِي أَبُو حُصَيْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن يُونُس , قَالَ : حَدَّثَنَا عبثر , قَالَ : حَدَّثَنَا حُصَيْن عَنْ أَبِي مَالِك فِي قَوْله : { أَمَتّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتنَا اثْنَتَيْنِ } 40 11 قَالَ : خَلَقْتنَا وَلَمْ نَكُنْ شَيْء , ثُمَّ أَمَتّنَا , ثُمَّ أَحْيَيْتنَا . * وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْم , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك فِي قَوْله : { أَمَتّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتنَا اثْنَتَيْنِ } 40 11 قَالَ : كَانُوا أَمْوَاتًا فَأَحْيَاهُمْ اللَّه , ثُمَّ أَمَاتَهُمْ , ثُمَّ أَحْيَاهُمْ . 483 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن دَاوُد , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { كَيْف تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } قَالَ : لَمْ تَكُونُوا شَيْئًا حِين خَلَقَكُمْ , ثُمَّ يُمِيتكُمْ الْمَوْتَة الْحَقّ , ثُمَّ يُحْيِيكُمْ . وَقَوْله : { أَمَتّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتنَا اثْنَتَيْنِ } 40 11 مِثْلهَا . 484 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج عَنْ ابْن جُرَيْجٍ قَالَ : حَدَّثَنِي عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : هُوَ قَوْله : { أَمَتّنَا اثْنَيْنِ وَأَحْيَيْتنَا اثْنَيْنِ } 40 11 485 - وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو الْعَالِيَة فِي قَوْل اللَّه : { كَيْف تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا } يَقُول : حِين لَمْ يَكُونُوا شَيْئًا , ثُمَّ أَحْيَاهُمْ حِين خَلَقَهُمْ , ثُمَّ أَمَاتَهُمْ , ثُمَّ أَحْيَاهُمْ يَوْم الْقِيَامَة , ثُمَّ رَجَعُوا إلَيْهِ بَعْد الْحَيَاة . 486 - وَحُدِّثْت عَنْ المنجاب قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { أَمَتّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتنَا اثْنَتَيْنِ } قَالَ : كُنْتُمْ تُرَابًا قَبْل أَنْ يَخْلُقكُمْ فَهَذِهِ مَيْتَة , ثُمَّ أَحْيَاكُمْ فَخَلَقَكُمْ فَهَذِهِ إِحْيَاءَة , ثُمَّ يُمِيتكُمْ فَتَرْجِعُونَ إلَى الْقُبُور فَهَذِهِ مَيْتَة أُخْرَى , ثُمَّ يَبْعَثكُمْ يَوْم الْقِيَامَة فَهَذِهِ إِحْيَاءَة ; فَهُمَا مَيْتَتَانِ وَحَيَاتَانِ , فَهُوَ قَوْله : { كَيْف تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ } . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا 487 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي صَالِح : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ } قَالَ : يُحْيِيكُمْ فِي الْقَبْر , ثُمَّ يُمِيتكُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 488 - حَدَّثَنَا بِهِ بِشْر بْن مُعَاذ قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { كَيْف تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا } الْآيَة . قَالَ : كَانُوا أَمْوَاتًا فِي أَصْلَاب آبَائِهِمْ , فَأَحْيَاهُمْ اللَّه وَخَلَقَهُمْ , ثُمَّ أَمَاتَهُمْ الْمَوْتَة الَّتِي لَا بُدّ مِنْهَا , ثُمَّ أَحْيَاهُمْ لِلْبَعْثِ يَوْم الْقِيَامَة ; فَهُمَا حَيَاتَانِ وَمَوْتَتَانِ . وَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 489 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس , قَالَ : أَنْبَأَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { رَبّنَا أَمَتّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتنَا اثْنَتَيْنِ } 40 11 قَالَ : خَلَقَهُمْ مِنْ ظَهْر آدَم حِين أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق . وَقَرَأَ : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّتهمْ } حَتَّى بَلَغَ : { أَوْ تَقُولُوا إنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْل وَكُنَّا ذُرِّيَّة مِنْ بَعْدهمْ أَفَتُهْلِكنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ } 7 172 : 173 قَالَ : فَكَسَبَهُمْ الْعَقْل وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق . قَالَ : وَانْتَزَعَ ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاع آدَم الْقَصِيرَيْ , فَخَلَقَ مِنْهُ حَوَّاء , ذَكَرَهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ : وَذَلِكَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النَّاس اتَّقُوا رَبّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء } 4 1 قَالَ : وَبَثَّ مِنْهُمَا بَعْد ذَلِكَ فِي الْأَرْحَام خَلْقًا كَثِيرًا , وَقَرَأَ : { يَخْلُقكُمْ فِي بُطُون أُمَّهَاتكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْد خَلْق } 39 6 قَالَ : خَلْقًا بَعْد ذَلِكَ . قَالَ : فَلَمَّا أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق أَمَاتَهُمْ ثُمَّ خَلَقَهُمْ فِي الْأَرْحَام , ثُمَّ أَمَاتَهُمْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ يَوْم الْقِيَامَة , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه : { رَبّنَا أَمَتّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا } 40 11 وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } 33 7 قَالَ : يَوْمئِذٍ . قَالَ : وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقه الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } 5 7 قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَلِكُلِّ قَوْل مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي حَكَيْنَاهَا عَمَّنْ رَوَيْنَاهَا عَنْهُ وَجْه وَمَذْهَب مِنْ التَّأْوِيل . فَأَمَّا وَجْه تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَ قَوْله : { كَيْف تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ } أَيْ لَمْ تَكُونُوا شَيْئًا , فَإِنَّهُ ذَهَبَ إلَى نَحْو قَوْل الْعَرَب لِلشَّيْءِ الدَّارِس وَالْأَمْر الْخَامِل الذِّكْر : هَذَا شَيْء مَيِّت , وَهَذَا أَمْر مَيِّت ; يُرَاد بِوَصْفِهِ بِالْمَوْتِ خُمُول ذِكْره وَدُرُوس أَثَره مِنْ النَّاس . وَكَذَلِكَ يُقَال فِي ضِدّ ذَلِكَ وَخِلَافه : هَذَا أَمْر حَيّ , وَذِكْر حَيّ ; يُرَاد بِوَصْفِهِ بِذَلِكَ أَنَّهُ نَابَهُ مُتَعَالِم فِي النَّاس كَمَا قَالَ أَبُو نُخَيْلَة السَّعْدِيّ : فَأَحْيَيْت لِي ذِكْرِي وَمَا كُنْت خَامِلًا وَلَكِنْ بَعْض الذِّكْر أَنْبَه مِنْ بَعْض يُرِيد بِقَوْلِهِ : " فَأَحْيَيْت لِي ذِكْرِي " : أَيْ رَفَعْته وَشَهَّرْته فِي النَّاس حَتَّى نَبِهَ فَصَارَ مَذْكُورًا حَيًّا بَعْد أَنْ كَانَ خَامِلًا مَيِّتًا . فَكَذَلِكَ تَأْوِيل قَوْل مَنْ قَالَ فِي قَوْله : { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا } لَمْ تَكُونُوا شَيْئًا : أَيْ كُنْتُمْ خُمُولًا لَا ذِكْر لَكُمْ , وَذَلِكَ كَانَ مَوْتكُمْ , فَأَحْيَاكُمْ فَجَعَلَكُمْ بَشَرًا أَحْيَاء تُذْكَرُونَ وَتُعْرَفُونَ , ثُمَّ يُمِيتكُمْ بِقَبْضِ أَرْوَاحكُمْ وَإِعَادَتكُمْ كَاَلَّذِي كُنْتُمْ قَبْل أَنْ يُحْيِيكُمْ مِنْ دُرُوس ذِكْركُمْ , وَتَعَفِّي آثَاركُمْ , وَخُمُول أُمُوركُمْ ; ثُمَّ يُحْيِيكُمْ بِإِعَادَةِ أَجْسَامكُمْ إلَى هَيْئَاتهَا وَنَفْخ الرُّوح فِيهَا وَتَصْيِيركُمْ بَشَرًا كَاَلَّذِي كُنْتُمْ قَبْل الْإِمَاتَة لِتَعَارَفُوا فِي بَعْثكُمْ وَعِنْد حَشْركُمْ . وَأَمَّا وَجْه تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ أَنَّهُ الْإِمَاتَة الَّتِي هِيَ خُرُوج الرُّوح مِنْ الْجَسَد , فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُون ذَهَبَ بِقَوْلِهِ : { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا } إلَى أَنَّهُ خِطَاب لِأَهْلِ الْقُبُور بَعْد إحْيَائِهِمْ فِي قُبُورهمْ . وَذَلِكَ مَعْنًى بَعِيد , لِأَنَّ التَّوْبِيخ هُنَالِكَ إنَّمَا هُوَ تَوْبِيخ عَلَى مَا سَلَف وَفَرْط مِنْ إجْرَامهمْ لَا اسْتِعْتَاب وَاسْتِرْجَاع وَقَوْله جَلَّ ذِكْره : { كَيْف تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا } تَوْبِيخ مُسْتَعْتَب عِبَاده , وَتَأْنِيب مُسْتَرْجَع خَلْقه مِنْ الْمَعَاصِي إلَى الطَّاعَة وَمِنْ الضَّلَالَة إلَى الْإِنَابَة , وَلَا إنَابَة فِي الْقُبُور بَعْد الْمَمَات وَلَا تَوْبَة فِيهَا بَعْد الْوَفَاة . وَأَمَّا وَجْه تَأْوِيل قَوْل قَتَادَةَ ذَلِكَ : أَنَّهُمْ كَانُوا أَمْوَاتًا فِي أَصْلَاب آبَائِهِمْ . فَإِنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا نُطَفًا لَا أَرْوَاح فِيهَا , فَكَانَتْ بِمَعْنَى سَائِر الْأَشْيَاء الْمَوَات الَّتِي لَا أَرْوَاح فِيهَا . وَإِحْيَاؤُهُ إيَّاهَا تَعَالَى ذِكْره : نَفْخه الْأَرْوَاح فِيهَا وَإِمَاتَته إيَّاهُمْ بَعْد ذَلِكَ قَبْضه أَرْوَاحهمْ , وَإِحْيَاؤُهُ إيَّاهُمْ بَعْد ذَلِكَ : نَفْخ الْأَرْوَاح فِي أَجْسَامهمْ يَوْم يَنْفُخ فِي الصُّوَر وَيَبْعَث الْخَلْق لِلْمَوْعُودِ . وَأَمَّا ابْن زَيْد فَقَدْ أَبَانَ عَنْ نَفْسه مَا قَصَدَ بِتَأْوِيلِهِ ذَلِكَ , وَأَنَّ الْإِمَاتَة الْأُولَى عِنْد إعَادَة اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَاده فِي أَصْلَاب آبَائِهِمْ بَعْد مَا أَخَذَهُمْ مِنْ صُلْب آدَم , وَأَنَّ الْإِحْيَاء الْآخَر : هُوَ نَفْخ الْأَرْوَاح فِيهِمْ فِي بُطُون أُمَّهَاتهمْ , وَأَنَّ الْإِمَاتَة الثَّانِيَة هِيَ قَبْض أَرْوَاحهمْ لِلْعَوْدِ إلَى التُّرَاب وَالْمَصِير فِي الْبَرْزَخ إلَى الْيَوْم الْبَعْث , وَأَنَّ الْإِحْيَاء الثَّالِث : هُوَ نَفْخ الْأَرْوَاح فِيهِمْ لِبَعْثِ السَّاعَة وَنَشْر الْقِيَامَة . وَهَذَا تَأْوِيل إذَا تَدَبَّرْهُ الْمُتَدَبِّر وَجَدَهُ خِلَافًا لِظَاهِرِ قَوْل اللَّه الَّذِي زَعَمَ مُفَسِّره أَنَّ الَّذِي وَصَفْنَا مِنْ قَوْله تَفْسِيره . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ فِي كِتَابه عَنْ الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ مِنْ خَلْقه أَنَّهُمْ قَالُوا : { رَبّنَا أَمَتّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتنَا اثْنَتَيْنِ } 40 11 وَزَعَمَ ابْن زَيْد فِي تَفْسِيره أَنَّ اللَّه أَحْيَاهُمْ ثَلَاث إِحْيَاءَات , وَأَمَاتَهُمْ ثَلَاث إِمَاتَات . وَالْأَمْر عِنْدنَا وَإِنْ كَانَ فِيمَا وَصَفَ مِنْ اسْتِخْرَاج اللَّه جَلَّ ذِكْره مِنْ صُلْب آدَم ذُرِّيَّته , وَأَخْذه مِيثَاقه عَلَيْهِمْ كَمَا وَصَفَ , فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ تَأْوِيل هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ , أَعْنِي قَوْله : { كَيْف تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا } الْآيَة , وَقَوْله : { رَبّنَا أَمَتّنَا
اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتنَا اثْنَتَيْنِ } 40 11 فِي شَيْء ; لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَدَّعِ أَنَّ اللَّه أَمَاتَ مَنْ ذَرَأَ يَوْمئِذٍ غَيْر الْإِمَاتَة الَّتِي صَارَ بِهَا فِي الْبَرْزَخ إلَى يَوْم الْبَعْث , فَيَكُون جَائِزًا أَنْ يُوَجَّه تَأْوِيل الْآيَة إلَى مَا وَجَّهَهُ إلَيْهِ ابْن زَيْد . وَقَالَ بَعْضهمْ : الْمَوْتَة الْأُولَى : مُفَارَقَة نُطْفَة الرَّجُل جَسَده إلَى رَحِم الْمَرْأَة , فَهِيَ مَيْتَة مِنْ لَدُنْ فِرَاقهَا جَسَده إلَى نَفْخ الرُّوح فِيهَا , ثُمَّ يُحْيِيهَا اللَّه بِنَفْخِ الرُّوح فِيهَا فَيَجْعَلهَا بَشَرًا سَوِيًّا بَعْد تَارَات تَأْتِي عَلَيْهَا , ثُمَّ يُمِيتهُ الْمَيْتَة الثَّانِيَة بِقَبْضِ الرُّوح مِنْهُ . فَهُوَ فِي الْبَرْزَخ مَيِّت إلَى يَوْم يَنْفُخ فِي الصُّور فَيَرُدّ فِي جَسَده رُوحه , فَيَعُود حَيًّا سَوِيًّا لِبَعْثِ الْقِيَامَة ; فَذَلِكَ مَوْتَتَانِ وَحَيَاتَانِ . وَإِنَّمَا دَعَا هَؤُلَاءِ إلَى هَذَا الْقَوْل لِأَنَّهُمْ قَالُوا : مَوْت ذِي الرُّوح مُفَارَقَة الرُّوح إيَّاهُ , فَزَعَمُوا أَنَّ كُلّ شَيْء مِنْ ابْن آدَم حَيّ مَا لَمْ يُفَارِق جَسَده الْحَيّ ذَا الرُّوح , فَكُلّ مَا فَارَقَ جَسَده الْحَيّ ذَا الرُّوح فَارَقَتْهُ الْحَيَاة فَصَارَ مَيِّتًا , كَالْعُضْوِ مِنْ أَعْضَائِهِ مِثْل الْيَد مِنْ يَدَيْهِ , وَالرِّجْل مِنْ رِجْلَيْهِ لَوْ قُطِعَتْ وَأُبِينَتْ , وَالْمَقْطُوع ذَلِكَ مِنْهُ حَيّ , كَانَ الَّذِي بَانَ مِنْ جَسَده مَيِّتًا لَا رُوح فِيهِ بِفِرَاقِهِ سَائِر جَسَده الَّذِي فِيهِ الرُّوح . قَالُوا : فَكَذَلِكَ نُطْفَته حَيَّة بِحَيَاتِهِ مَا لَمْ تُفَارِق جَسَده ذَا الرُّوح , فَإِذَا فَارَقَتْهُ مُبَايِنَة لَهُ صَارَتْ مَيِّتَة , نَظِير مَا وَصَفْنَا مِنْ حُكْم الْيَد وَالرِّجْل وَسَائِر أَعْضَائِهِ , وَهَذَا قَوْل وَوَجْه مِنْ التَّأْوِيل لَوْ كَانَ بِهِ قَائِل مِنْ أَهْل الْقُدْوَة الَّذِينَ يُرْتَضَى لِلْقُرْآنِ تَأْوِيلهمْ . وَأَوْلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَقْوَال الَّتِي بَيَّنَّا بِتَأْوِيلِ قَوْل اللَّه جَلَّ ذِكْره : { كَيْف تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ } الْآيَة , الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ ابْن عَبَّاس , مِنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا } : أَمْوَات الذِّكْر خُمُولًا فِي أَصْلَاب آبَائِكُمْ نُطَفًا لَا تُعْرَفُونَ وَلَا تُذْكَرُونَ , فَأَحْيَاكُمْ بِإِنْشَائِكُمْ بَشَرًا سَوِيًّا , حَتَّى ذُكِرْتُمْ وَعُرِفْتُمْ وَحَيِيتُمْ , ثُمَّ يُمِيتكُمْ بِقَبْضِ أَرْوَاحكُمْ وَإِعَادَتكُمْ رُفَاتًا لَا تُعْرَفُونَ وَلَا تُذْكَرُونَ فِي الْبَرْزَخ إلَى يَوْم تُبْعَثُونَ , ثُمَّ يُحْيِيكُمْ بَعْد ذَلِكَ بِنَفْخِ الْأَرْوَاح فِيكُمْ لِبَعْثِ السَّاعَة وَصَيْحَة الْقِيَامَة , ثُمَّ إلَى اللَّه تُرْجَعُونَ بَعْد ذَلِكَ , كَمَا قَالَ : { ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ } لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ يُحْيِيهِمْ فِي قُبُورهمْ قَبْل حَشْرهمْ , ثُمَّ يَحْشُرهُمْ لِمَوْقِفِ الْحِسَاب , كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْره : { يَوْم يَخْرُجُونَ مِنْ الْأَجْدَاث سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إلَى نُصُب يُوفِضُونَ } 70 43 وَقَالَ : { وَنُفِخَ فِي الصُّور فَإِذَا هُمْ مِنْ الْأَجْدَاث إلَى رَبّهمْ يَنْسِلُونَ } 36 51 وَالْعِلَّة الَّتِي مِنْ أَجْلهَا اخْتَرْنَا هَذَا التَّأْوِيل , مَا قَدْ قَدَّمْنَا ذِكْره لِلْقَائِلِينَ بِهِ وَفَسَاد مَا خَالَفَهُ بِمَا قَدْ أَوْضَحْنَاهُ قَبْل . وَهَذِهِ الْآيَة تَوْبِيخ مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْقَائِلَيْنِ : { آمَنَّا بِاَللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِر } الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ أَنَّهُمْ مَعَ قَيْلهمْ ذَلِكَ بِأَفْوَاهِهِمْ غَيْر مُؤْمِنِينَ بِهِ , وَأَنَّهُمْ إنَّمَا يَقُولُونَ ذَلِكَ خِدَاعًا لِلَّهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ . فَعَذَلَهُمْ اللَّه بِقَوْلِهِ : { كَيْف تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ } وَوَبَّخَهُمْ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ فِي نَكِيرهمْ مَا أَنْكَرُوا مِنْ ذَلِكَ , وَجُحُودهمْ مَا جَحَدُوا بِقُلُوبِهِمْ الْمَرِيضَة فَقَالَ : كَيْف تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ فَتَجْحَدُونَ قُدْرَته عَلَى إحْيَائِكُمْ بَعْد إمَاتَتكُمْ وَإِعَادَتكُمْ بَعْد إفْنَائِكُمْ وَحَشْركُمْ إلَيْهِ لِمُجَازَاتِكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ . ثُمَّ عَدَّدَ رَبُّنَا عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنْ أَحْبَار الْيَهُود الَّذِينَ جَمَعَ بَيْن قَصَصهمْ وَقَصَص الْمُنَافِقِينَ فِي كَثِير مِنْ آيِ هَذِهِ السُّورَة الَّتِي افْتَتَحَ الْخَبَر عَنْهُمْ فِيهَا بِقَوْلِهِ : { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتهمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } : نِعَمه الَّتِي سَلَفَتْ مِنْهُ إلَيْهِمْ وَإِلَى آبَائِهِمْ الَّتِي عَظُمَتْ مِنْهُمْ مَوَاقِعهَا , ثُمَّ سَلَبَ كَثِيرًا مِنْهُمْ كَثِيرًا مِنْهَا بِمَا رَكِبُوا مِنْ الْآثَام وَاجْتَرَمُوا مِنْ الْإِجْرَام وَخَالَفُوا مِنْ الطَّاعَة إلَى الْمَعْصِيَة , يُحَذِّرهُمْ بِذَلِكَ تَعْجِيل الْعُقُوبَة لَهُمْ كَاَلَّتِي عَجَّلَهَا لِلْأَسْلَافِ وَالْإِفْرَاط قَبْلهمْ , وَيُخَوِّفهُمْ حُلُول مُثُلَاته بِسَاحَتِهِمْ كَاَلَّذِي أَحَلَّ بِأَوَّلِيِّهِمْ , وَيُعَرِّفهُمْ مَا لَهُمْ مِنْ النَّجَاة فِي سُرْعَة الْأَوْبَة إلَيْهِ , وَتَعْجِيل التَّوْبَة مِنْ الْخَلَاص لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة مِنْ الْعِقَاب .

{29} هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
فَبَدَأَ بَعْد تَعْدِيده عَلَيْهِمْ مَا عَدَّدَ مِنْ نِعَمه الَّتِي هُمْ فِيهَا مُقِيمُونَ بِذِكْرِ أَبِينَا وَأَبِيهِمْ آدَم أَبِي الْبَشَر , صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ , وَمَا سَلَفَ مِنْهُ مِنْ كَرَامَته إلَيْهِ وَآلَائِهِ لَدَيْهِ , وَمَا أَحَلَّ بِهِ وَبِعَدُوِّهِ إبْلِيس مِنْ عَاجِل عُقُوبَته بِمَعْصِيَتِهِمَا الَّتِي كَانَتْ مِنْهُمَا , وَمُخَالِفَتهمَا أَمْره الَّذِي أَمَرَهُمَا بِهِ , وَمَا كَانَ مِنْ تَغَمُّده آدَم بِرَحْمَتِهِ إذْ تَابَ وَأَنَابَ إلَيْهِ , وَمَا كَانَ مِنْ إحْلَاله بِإِبْلِيسَ مِنْ لَعْنَته في الْعَاجِل , وَإِعْدَاده لَهُ مَا أَعَدَّ لَهُ مِنْ الْعَذَاب الْمُقِيم فِي الْآجِل إذْ اسْتَكْبَرَ وَأَبَى التَّوْبَة إلَيْهِ وَالْإِنَابَة , مُنَبِّهًا لَهُمْ عَلَى حُكْمه فِي الْمُنِيبِينَ إلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ , وَقَضَائِهِ فِي الْمُسْتَكْبِرِينَ عَنْ الْإِنَابَة , إعْذَارًا مِنْ اللَّه بِذَلِكَ إلَيْهِمْ وَإِنْذَارًا لَهُمْ , لِيَتَدَبَّرُوا آيَاته وَلِيَتَذَكَّر مِنْهُمْ أُولُو الْأَلْبَاب . وَخَاصًّا أَهْل الْكِتَاب بِمَا ذُكِرَ مِنْ قَصَص آدَم وَسَائِر الْقَصَص الَّتِي ذَكَرَهَا مَعَهَا وَبَعْدهَا مِمَّا عَلِمَهُ أَهْل الْكِتَاب وَجَهِلَتْهُ الْأُمَّة الْأُمِّيَّة مِنْ مُشْرِكِي عَبَدَة الْأَوْثَان , بِالِاحْتِجَاجِ عَلَيْهِمْ دُون غَيْرهمْ مِنْ سَائِر أَصْنَاف الْأُمَم الَّذِينَ لَا عِلْم عِنْدهمْ بِذَلِكَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِيَعْلَمُوا بِإِخْبَارِهِ إيَّاهُمْ بِذَلِكَ , أَنَّهُ لِلَّهِ رَسُول مَبْعُوث , وَأَنَّ مَا جَاءَهُمْ بِهِ فَمِنْ عِنْده , إذْ كَانَ مَا اقْتَصَّ عَلَيْهِمْ مِنْ هَذِهِ الْقَصَص مِنْ مَكْنُون عُلُومهمْ , وَمَصُون مَا فِي كُتُبهمْ , وَخَفِيَ أُمُورهمْ الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَدَّعِي مَعْرِفَة عِلْمهَا غَيْرهمْ وَغَيْر مَنْ أَخَذَ عَنْهُمْ وَقَرَأَ كُتُبهمْ . وَكَانَ مَعْلُومًا مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطّ كَاتِبًا وَلَا لِأَسْفَارِهِمْ تَالِيًا , وَلَا لِأَحَدٍ مِنْهُمْ مُصَاحِبًا وَلَا مُجَالِسًا , فَيُمْكِنهُمْ أَنْ يَدَّعُوا أَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ كُتُبهمْ أَوْ عَنْ بَعْضهمْ , فَقَالَ جَلَّ ذِكْره فِي تَعْدِيده عَلَيْهِمْ مَا هُمْ فِيهِ مُقِيمُونَ مِنْ نِعَمه مَعَ كُفْرهمْ بِهِ , وَتَرَكَهُمْ شُكْره عَلَيْهَا مِمَّا يَجِب لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ طَاعَته : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْع سَمَوَات وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيم } . فَأَخْبَرَهُمْ جَلَّ ذِكْره أَنَّهُ خَلَقَ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا , لِأَنَّ الْأَرْض وَجَمِيع مَا فِيهَا لِبَنِي آدَم مَنَافِع . أَمَّا فِي الدِّين فَدَلِيل عَلَى وَحْدَانِيَّة رَبّهمْ , وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَمَعَاش وَبَلَاغ لَهُمْ إلَى طَاعَته وَأَدَاء فَرَائِضه ; فَلِذَلِكَ قَالَ جَلَّ ذِكْره : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا } وَقَوْله : " هُوَ " مَكْنِي مِنْ اسْم اللَّه جَلَّ ذِكْره , عَائِد عَلَى اسْمه فِي قَوْله : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ } . وَمَعْنَى خَلْقه مَا خَلَقَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إنْشَاؤُهُ عَيْنه , وَإِخْرَاجه مِنْ حَال الْعَدَم إلَى الْوُجُود . و " مَا " بِمَعْنَى " الَّذِي " . فَمَعْنَى الْكَلَام إذًا : كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ وَقَدْ كُنْتُمْ نُطُفًا فِي أَصْلَاب آبَائِكُمْ , فَجَعَلَكُمْ بَشَرًا أَحْيَاء , ثُمَّ يُمِيتكُمْ , ثُمَّ هُوَ مُحْيِيكُمْ بَعْد ذَلِكَ , وَبَاعِثكُمْ يَوْم الْحَشْر لِلثَّوَابِ وَالْعِقَاب , وَهُوَ الْمُنْعِم عَلَيْكُمْ بِمَا خَلَقَ لَكُمْ فِي الْأَرْض مِنْ مَعَايِشكُمْ وَأَدِلَّتكُمْ عَلَى وَحْدَانِيَّة رَبّكُمْ . و " كَيْفَ " بِمَعْنَى التَّعَجُّب وَالتَّوْبِيخ لَا بِمَعْنَى الِاسْتِفْهَام , كَأَنَّهُ قَالَ : وَيْحكُمْ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ , كَمَا قَالَ : { فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ } 81 26 وَحَلَّ قَوْله : { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ } مَحَلّ الْحَال , وَفِيهِ إضْمَار " قَدْ " , وَلَكِنَّهَا حُذِفَتْ لِمَا فِي الْكَلَام مِنْ الدَّلِيل عَلَيْهَا . وَذَلِكَ أَنَّ " فَعَلَ " إذَا حَلَّتْ مَحَلّ الْحَال كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهَا مُقْتَضِيَة " قَدْ " , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَوْ جَاءُوكُمْ حُصِرَتْ صُدُورهمْ } 4 90 بِمَعْنَى : قَدْ حُصِرَتْ صُدُورهمْ وَكَمَا تَقُول لِلرَّجُلِ : أَصْبَحَتْ كَثُرَتْ مَاشِيَتك , تُرِيد : قَدْ كَثُرَتْ مَاشِيَتك . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا } فِي قَوْله : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا } كَانَ قَتَادَةَ يَقُول : 490 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا } نَعَمْ وَاَللَّه سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض .

{29} هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْع سَمَوَات } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيل قَوْله : { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى اسْتَوَى إلَى السَّمَاء , أَقْبَلَ عَلَيْهَا , كَمَا تَقُول : كَانَ فُلَان مُقْبِلًا عَلَى فُلَان ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى يُشَاتِمنِي واستوى إلي يُشَاتِمنِي , بِمَعْنَى : أَقْبَلَ عَلَيَّ وَإِلَيَّ يُشَاتِمنِي . وَاسْتُشْهِدَ عَلَى أَنَّ الِاسْتِوَاء بِمَعْنَى الْإِقْبَال بِقَوْلِ الشَّاعِر : أَقُول وَقَدْ قَطَعْنَ بِنَا شَرَوْرَي سَوَامِدَ وَاسْتَوَيْنَ مِنْ الضَّجُوع فَزَعَمَ أَنَّهُ عَنَى بِهِ أَنَّهُنَّ خَرَجْنَ مِنْ الضَّجُوع , وَكَانَ ذَلِكَ عِنْده بِمَعْنَى أَقْبَلْنَ . وَهَذَا مِنْ التَّأْوِيل فِي هَذَا الْبَيْت خَطَأ , وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْله : " وَاسْتَوَيْنَ مِنْ الضَّجُوع " عِنْدِي : اسْتَوَيْنَ عَلَى الطَّرِيق مِنْ الضَّجُوع خَارِجَات , بِمَعْنَى اسْتَقَمْنَ عَلَيْهِ . وَقَالَ بَعْضهمْ : لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ اللَّه جَلَّ ذِكْره بِتَحَوُّلٍ , وَلَكِنَّهُ بِمَعْنَى فِعْله , كَمَا تَقُول : كَانَ الْخَلِيفَة فِي أَهْل الْعِرَاق يُوَالِيهِمْ ثُمَّ تَحَوَّلَ إلَى الشَّام , إنَّمَا يُرِيد تَحَوُّل فِعْله . وَقَالَ بَعْضهمْ : قَوْله { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء } يَعْنِي بِهِ : اسْتَوَتْ كَمَا قَالَ الشَّاعِر : أَقُول لَهُ لَمَا اسْتَوَى فِي تُرَابه عَلَى أَيّ دِين قَتَّلَ النَّاس مُصْعَب وَقَالَ بَعْضهمْ : { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء } : عَمِدَ إلَيْهَا . وَقَالَ : بَلْ كُلّ تَارِك عَمَلًا كَانَ فِيهِ إلَى آخِره فَهُوَ مُسْتَوٍ لِمَا عَمِدَ وَمُسْتَوٍ إلَيْهِ . وَقَالَ بَعْضهمْ : الِاسْتِوَاء : هُوَ الْعُلُوّ , وَالْعُلُوّ : هُوَ الِارْتِفَاع . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الرَّبِيع بْن أَنَس . 491 - حُدِّثْت بِذَلِكَ عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر عَنْ أَبِيهِ عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس : { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء } يَقُول : ارْتَفَعَ إلَى السَّمَاء . ثُمَّ اخْتَلَفَ مُتَأَوِّلُو الِاسْتِوَاء بِمَعْنَى الْعُلُوّ وَالِارْتِفَاع فِي الَّذِي اسْتَوَى إلَى السَّمَاء , فَقَالَ بَعْضهمْ : الَّذِي اسْتَوَى إلَى السَّمَاء وَعَلَا عَلَيْهَا : هُوَ خَالِقهَا وَمُنْشَئِهَا . وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ الْعَالِي إلَيْهَا الدُّخَان الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه لِلْأَرْضِ سَمَاء . قَالَ أَبُو جَعْفَر : الِاسْتِوَاء فِي كَلَام الْعَرَب مُنْصَرِف عَلَى وُجُوه : مِنْهَا انْتِهَاء شَبَاب الرَّجُل وَقُوَّته , فَيُقَال إذَا صَارَ كَذَلِكَ : قَدْ اسْتَوَى الرَّجُل , وَمِنْهَا اسْتِقَامَة مَا كَانَ فِيهِ أَوَدٌ مِنْ الْأُمُور وَالْأَسْبَاب , يُقَال مِنْهُ : اسْتَوَى لِفُلَانٍ أَمْره : إذَا اسْتَقَامَ لَهُ بَعْد أَوَدٍ . وَمِنْهُ قَوْل الطِّرِمَّاح بْن حَكِيم : طَالَ عَلَى رَسْم مَهْدَدٍ أَبَدُهْ وَعَفَا وَاسْتَوَى بِهِ بَلَدُهْ يَعْنِي : اسْتَقَامَ بِهِ . وَمِنْهَا الْإِقْبَال عَلَى الشَّيْء بِالْفِعْلِ , كَمَا يُقَال : اسْتَوَى فُلَان عَلَى فُلَان بِمَا يَكْرَههُ وَيَسُوءهُ بَعْد الْإِحْسَان إلَيْهِ . وَمِنْهَا الِاحْتِيَاز وَالِاسْتِيلَاء كَقَوْلِهِمْ : اسْتَوَى فُلَان عَلَى الْمَمْلَكَة , بِمَعْنَى احْتَوَى عَلَيْهَا وَحَازَهَا . وَمِنْهَا الْعُلُوّ وَالِارْتِفَاع , كَقَوْلِ الْقَائِل : اسْتَوَى فُلَان عَلَى سَرِيره , يَعْنِي بِهِ عُلُوّهُ عَلَيْهِ . وَأَوْلَى الْمُعَافِي بِقَوْلِ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ } عَلَا عَلَيْهِنَّ وَارْتَفَعَ فَدَبَّرَهُنَّ بِقُدْرَتِهِ وَخَلَقَهُنَّ سَبْع سَمَوَات . وَالْعَجَب مِمَّنْ أَنْكَرَ الْمَعْنَى الْمَفْهُوم مِنْ كَلَام الْعَرَب فِي تَأْوِيل قَوْل اللَّه : { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء } الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْعُلُوّ وَالِارْتِفَاع هَرَبًا عِنْد نَفْسه مِنْ أَنْ يُلْزِمهُ بِزَعْمِهِ إذَا تَأَوَّلَهُ بِمَعْنَاهُ الْمُفْهِم كَذَلِكَ أَنْ يَكُون إنَّمَا عَلَا وَارْتَفَعَ بَعْد أَنْ كَانَ تَحْتهَا , إلَى أَنْ تَأَوَّلَهُ بِالْمَجْهُولِ مِنْ تَأْوِيله الْمُسْتَنْكِر , ثُمَّ لَمْ يَنْجُ مِمَّا هَرَبَ مِنْهُ . فَيُقَال لَهُ : زَعَمْت أَنَّ تَأْوِيل قَوْله : { اسْتَوَى } أَقْبَلَ , أَفَكَانَ مُدْبِرًا عَنْ السَّمَاء فَأَقْبَلَ إلَيْهَا ؟ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِقْبَالِ فِعْل وَلَكِنَّهُ إقْبَال تَدْبِير , قِيلَ لَهُ : فَكَذَلِكَ فَقُلْ : عَلَا عَلَيْهَا عُلُوّ مُلْك وَسُلْطَان لَا عُلُوّ انْتِقَال وَزَوَال . ثُمَّ لَنْ يَقُول فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا إلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَر مِثْله , وَلَوْلَا أَنَّا كَرِهْنَا إطَالَة الْكِتَاب بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسه لَأَنْبَأْنَا عَنْ فَسَاد قَوْل كُلّ قَائِل قَالَ فِي ذَلِكَ قَوْلًا لِقَوْلِ أَهْل الْحَقّ فِيهِ مُخَالِفًا , وَفِيمَا بَيَّنَّا مِنْهُ مَا يُشْرِف بِذِي الْفَهْم عَلَى مَا فِيهِ لَهُ الْكِفَايَة إنَّهُ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : أَخْبِرْنَا عَنْ اسْتِوَاء اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إلَى السَّمَاء , كَانَ قَبْل خَلْق السَّمَاء أَمْ بَعْده ؟ قِيلَ : بَعْده , وَقَبْل أَنْ يُسَوِّيهِنَّ سَبْع سَمَوَات , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا } 41 11 وَالِاسْتِوَاء كَانَ بَعْد أَنْ خَلَقَهَا دُخَانًا , وَقَبْل أَنْ يُسَوِّيهَا سَبْع سَمَوَات . وَقَالَ بَعْضهمْ : إنَّمَا قَالَ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء وَلَا سَمَاء , كَقَوْلِ الرَّجُل لِآخَر : " اعْمَلْ هَذَا الثَّوْب " وَإِنَّمَا مَعَهُ غَزْل . وَأَمَّا قَوْله { فَسَوَّاهُنَّ } فَإِنَّهُ يَعْنِي هَيَّأَهُنَّ وَخَلَقَهُنَّ وَدَبَّرَهُنَّ وَقَوَّمَهُنَّ , وَالتَّسْوِيَة فِي كَلَام الْعَرَب : التَّقْوِيم وَالْإِصْلَاح وَالتَّوْطِئَة , كَمَا يُقَال : سَوَّى فُلَان لِفُلَانٍ هَذَا الْأَمْر : إذَا قَوَّمَهُ وَأَصْلَحَهُ وَوَطَّأَهُ لَهُ . فَكَذَلِكَ تَسْوِيَة اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ سَمَوَاته : تَقْوِيمه إيَّاهُنَّ عَلَى مُشِيئَته , وَتَدْبِيره لَهُنَّ عَلَى إرَادَته , وَتَفْتِيقهنَّ بَعْد ارْتِتَاقهنَّ كَمَا : 492 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس : { فَسَوَّاهُنَّ سَبْع سَمَوَات } يَقُول : سَوَّى خَلَقَهُنَّ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيم . وَقَالَ جَلَّ ذِكْره : { فَسَوَّاهُنَّ } فَأَخْرَجَ مكنيهن مَخْرَج مكني الْجَمْع . وَقَدْ قَالَ قَبْل : { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء } فَأَخْرَجَهَا عَلَى تَقْدِير الْوَاحِد . وَإِنَّمَا أَخَرَجَ مكنيهن مَخْرَج مكني الْجَمْع ; لِأَنَّ السَّمَاء جَمْع وَاحِدهَا سَمَاوَة , فَتَقْدِير وَاحِدَتهَا وَجَمْعهَا إذًا تَقْدِير بَقَرَة وَبَقَر وَنَخْلَة وَنَخْل وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ ; وَلِذَلِكَ أُنِّثَتْ مَرَّة , فَقِيلَ : هَذِهِ سَمَاء , وَذُكِّرَتْ أُخْرَى فَقِيلَ : { السَّمَاء مُنْفَطِر بِهِ } 73 18 كَمَا يُفْعَل ذَلِكَ بِالْجَمْعِ الَّذِي لَا فَرْق بَيْنه وَبَيْن وَاحِدَة غَيْر دُخُول الْهَاء وَخُرُوجهَا , فَيُقَال : هَذَا بَقَر وَهَذِهِ بَقَر , وَهَذَا نَخْل وَهَذِهِ نَخْل , وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَزْعُم أَنَّ السَّمَاء وَاحِدَة , غَيْر أَنَّهَا تَدُلّ عَلَى السَّمَوَات , فَقِيلَ : { فَسَوَّاهُنَّ } يُرَاد بِذَلِكَ الَّتِي ذُكِّرَتْ , وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ سَائِر السَّمَوَات الَّتِي لَمْ تَذَّكَّر مَعَهَا . قَالَ : وَإِنَّمَا تُذَكَّر إذا ذُكِّرَتْ وَهِيَ مُؤَنَّثَة , فَيُقَال : { السَّمَاء مُنْفَطِر بِهِ } كَمَا يُذَكَّر الْمُؤَنَّث , وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَلَا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَهَا وَلَا أَرْضٌ أَبْقَلَ إبْقَالُهَا وَكَمَا قَالَ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : فَإِمَّا تَرَيْ لِمَّتِي بُدِّلَتْ فَإِنَّ الْحَوَادِث أَزَرَى بِهَا وَقَالَ بَعْضهمْ : السَّمَاء وَإِنْ كَانَتْ سَمَاء فَوْق سَمَاء , وَأَرْضًا فَوْق أَرْض , فَهِيَ فِي التَّأْوِيل وَاحِدَة إنْ شِئْت , ثُمَّ تَكُون تِلْكَ الْوَاحِدَة جِمَاعًا , كَمَا يُقَال : ثَوْب أَخْلَاق وَأَسْمَال , وَبُرْمَة أَعْشَار لِلْمُتَكَسِّرَةِ , وَبُرْمَة أَكْسَار وَأَجْبَار , وَأَخْلَاق : أَيْ أَنَّ نَوَاحِيه أَخْلَاق . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَإِنَّك قَدْ قُلْت : إنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان قَبْل أَنْ يُسَوِّيهَا سَبْع سَمَوَات , ثُمَّ سَوَّاهَا سَبْعًا بَعْد اسْتِوَائِهِ إلَيْهَا , فَكَيْف زَعَمْت أَنَّهَا جِمَاع ؟ قِيلَ : إنَّهُنَّ كُنَّ سَبْعًا غَيْر مُسْتَوِيَات , فَلِذَلِكَ قَالَ جَلَّ ذِكْره : فَسَوَّاهُنَّ سَبْعًا ; كَمَا : 493 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل , قَالَ : قَالَ مُحَمَّد بْن إسْحَاق : كَانَ أَوَّل مَا خَلَقَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : النُّور وَالظُّلْمَة , ثُمَّ مَيَّزَ بَيْنهمَا فَجَعَلَ الظُّلْمَة لَيْلًا أَسْوَد مُظْلِمًا , وَجَعَلَ النُّور نَهَارًا مُضِيئًا مُبْصِرًا , ثُمَّ سَمَكَ السَّمَوَات السَّبْع مِنْ دُخَان - يُقَال وَاَللَّه أَعْلَم مِنْ دُخَان الْمَاء - حَتَّى اسْتَقْلَلْنَ وَلَمْ يَحْبُكهُنَّ , وَقَدْ أَغْطَشَ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا لَيْلهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا , فَجَرَى فِيهَا اللَّيْل وَالنَّهَار , وَلَيْسَ فِيهَا شَمْس وَلَا قَمَر وَلَا نُجُوم , ثُمَّ دَحَى الْأَرْض , وَأَرْسَاهَا بِالْجِبَالِ , وَقَدَّرَ فِيهَا الْأَقْوَات , وَبَثَّ فِيهَا مَا أَرَادَ مِنْ الْخَلْق , فَفَرَغَ مِنْ الْأَرْض وَمَا قَدَّرَ فِيهَا مِنْ أَقْوَاتهَا فِي أَرْبَعَة أَيَّام . ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان كَمَا قَالَ فحبكهن , وَجَعَلَ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا شَمْسهَا وَقَمَرهَا وَنُجُومهَا , وَأَوْحَى فِي كُلّ سَمَاء أَمْرهَا , فَأَكْمَلَ خَلْقهنَّ فِي يَوْمَيْنِ . فَفَرَغَ مِنْ خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام , ثُمَّ اسْتَوَى فِي الْيَوْم السَّابِع فَوْق سَمَوَاته , ثُمَّ قَالَ لِلسَّمَوَاتِ وَالْأَرْض : { ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا } لَمَّا أَرَدْت بِكُمَا , فَاطْمَئِنَّا عَلَيْهِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا , قَالَتَا : أَتَيْنَا طَائِعِينَ . فَقَدْ أَخْبَرَ ابْن إسْحَاق أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء بَعْد خَلْقه الْأَرْض وَمَا فِيهَا وَهُنَّ سَبْع مِنْ دُخَان , فَسَوَّاهُنَّ كَمَا وَصَفَ . وَإِنَّمَا اسْتَشْهَدْنَا لِقَوْلِنَا الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ ابْن إسْحَاق لِأَنَّهُ أَوْضَح بَيَانًا عَنْ خَبَر السَّمَوَات أَنَّهُنَّ كُنَّ سَبْعًا مِنْ دُخَان قَبْل اسْتِوَاء رَبّنَا إلَيْهَا بِتَسْوِيَتِهَا مِنْ غَيْره , وَأَحْسَن شَرْحًا لِمَا أَرَدْنَا الِاسْتِدْلَال بِهِ مِنْ أَنَّ مَعْنَى السَّمَاء الَّتِي قَالَ اللَّه فِيهَا : { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء } بِمَعْنَى الْجَمْع عَلَى مَا وَصَفْنَا , وَأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَسَوَّاهُنَّ } إذْ كَانَتْ السَّمَاء بِمَعْنَى الْجَمْع عَلَى مَا بَيَّنَّا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَمَا صِفَة تَسْوِيَة اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ السَّمَوَات الَّتِي ذَكَرهَا فِي قَوْله : { فَسَوَّاهُنَّ } إذْ كُنَّ قَدْ خُلِقْنَ سَبْعًا قَبْل تَسْوِيَته إيَّاهُنَّ ؟ وَمَا وَجْه ذِكْر خَلْقهنَّ بَعْد ذِكْر خَلْق الْأَرْض
, أَلِأَنَّهَا خُلِقَتْ قَبْلهَا , أَمْ بِمَعْنًى غَيْر ذَلِكَ ؟ قِيلَ : قَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي الْخَبَر الَّذِي رَوَيْنَاهُ عَنْ ابْن إسْحَاق , وَنَزِيد ذَلِكَ تَوْكِيدًا بِمَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِنْ أَخْبَار بَعْض السَّلَف الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَقْوَالهمْ . 494 - فَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْع سَمَوَات } : قَالَ : إنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء , وَلَمْ يَخْلُق شَيْئًا غَيْر مَا خَلَقَ قَبْل الْمَاء , فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُق الْخَلْق أَخَرَجَ مِنْ الْمَاء دُخَانًا , فَارْتَفَعَ فَوْق الْمَاء فَسَمَا عَلَيْهِ , فَسَمَاهُ سَمَاء , ثُمَّ أَيْبَسَ الْمَاء فَجَعَلَهُ أَرْضًا وَاحِدَة , ثُمَّ فَتَقَهَا فَجَعَلَ سَبْع أَرَضِينَ فِي يَوْمَيْنِ فِي الْأَحَد وَالِاثْنَيْنِ , فَخَلَقَ الْأَرْض عَلَى حُوت , وَالْحُوت هُوَ النُّون الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي الْقُرْآن : { ن وَالْقَلَم } 68 1 وَالْحُوت فِي الْمَاء وَالْمَاء عَلَى ظَهْر صَفَاة , وَالصَّفَاة عَلَى ظَهْر مَلَك , وَالْمَلَك عَلَى صَخْرَة , وَالصَّخْرَة فِي الرِّيح - وَهِيَ الصَّخْرَة الَّتِي ذَكَرَ لُقْمَان - لَيْسَتْ فِي السَّمَاء وَلَا فِي الْأَرْض . فَتَحَرَّكَ الْحُوت فَاضْطَرَبَ , فَتَزَلْزَلَتْ الْأَرْض , فَأَرْسَى عَلَيْهَا الْجِبَال فَقَرَّتْ , فَالْجِبَال تَفْخَر عَلَى الْأَرْض , فَذَلِكَ قَوْله : { وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيد بِكُمْ } وَخَلَقَ الْجِبَال فِيهَا وَأَقْوَات أَهْلهَا وَشَجَرهَا وَمَا يَنْبَغِي لَهَا فِي يَوْمَيْنِ فِي الثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء , وَذَلِكَ حِين يَقُول : { أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِاَلَّذِي خَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقهَا وَبَارَكَ فِيهَا } يَقُول : أَنْبَتَ شَجَرهَا { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتهَا } يَقُول أَقْوَاتهَا لِأَهْلِهَا { فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء لِلسَّائِلِينَ } يَقُول : قُلْ لِمَنْ يَسْأَلك هَكَذَا الْأَمْر { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان } 41 11 وَكَانَ ذَلِكَ الدُّخَان مِنْ تَنَفُّس الْمَاء حِين تَنَفَّسَ , فَجَعَلَهَا سَمَاء وَاحِدَة , ثُمَّ فَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْع سَمَوَات فِي يَوْمَيْنِ فِي الْخَمِيس وَالْجُمُعَة , وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَوْم الْجُمُعَة لِأَنَّهُ جَمَعَ فِيهِ خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض { وَأَوْحَى فِي كُلّ سَمَاء أَمْرهَا } قَالَ : خَلَقَ فِي كُلّ سَمَاء خَلْقهَا مِنْ الْمَلَائِكَة وَالْخَلْق الَّذِي فِيهَا , مِنْ الْبِحَار وَجِبَال الْبَرَد وَمَا لَا يُعْلَم . ثُمَّ زَيَّنَ السَّمَاء الدُّنْيَا بِالْكَوَاكِبِ , فَجَعَلَهَا زِينَة وَحِفْظًا تُحْفَظ مِنْ الشَّيَاطِين . فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ خَلْق مَا أَحَبَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش , فَذَلِكَ حِين يَقُول : { خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام } 7 54 يَقُول : { كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا } 21 30 495 - وَحَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء } قَالَ : خَلَقَ الْأَرْض قَبْل السَّمَاء , فَلَمَّا خَلَقَ الْأَرْض ثَارَ مِنْهَا دُخَان , فَذَلِكَ حِين يَقُول : { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْع سَمَوَات } قَالَ : بَعْضهنَّ فَوْق بَعْض , وَسَبْع أَرَضِينَ بَعْضهنَّ تحت بعض . 496 - وحدثنا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَنْبَأَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { فَسَوَّاهُنَّ سَبْع سَمَوَات } قَالَ : بَعْضهنَّ فَوْق بَعْض , بَيْن كُلّ سَمَاءَيْنِ مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام . 497 - وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله حَيْثُ ذَكَرَ خَلْق الْأَرْض قَبْل السَّمَاء , ثُمَّ ذَكَرَ السَّمَاء قَبْل الْأَرْض , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه خَلَقَ الْأَرْض بِأَقْوَاتِهَا مِنْ غَيْر أَنْ يَدْحُوهَا قَبْل السَّمَاء , ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْع سَمَوَات , ثُمَّ دَحَا الْأَرْض بَعْد ذَلِكَ فَذَلِكَ قَوْله : { وَالْأَرْض بَعْد ذَلِكَ دَحَاهَا } 79 30 498 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو مَعْشَر , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي سَعِيد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَام أَنَّهُ قَالَ : إنَّ اللَّه بَدَأَ الْخَلْق يَوْم الْأَحَد , فَخَلَقَ الْأَرَضِينَ فِي الْأَحَد وَالِاثْنَيْنِ , وَخَلَقَ الْأَقْوَات وَالرَّوَاسِي فِي الثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء , وَخَلَقَ السَّمَوَات فِي الْخَمِيس وَالْجُمُعَة , وَفَرَغَ فِي آخِر سَاعَة مِنْ يَوْم الْجُمُعَة , فَخَلَقَ فِيهَا آدَم عَلَى عَجَل ; فَتِلْكَ السَّاعَة الَّتِي تَقُوم فِيهَا السَّاعَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَمَعْنَى الْكَلَام إذًا : هُوَ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ , فَخَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا وَسَخَّرَهُ لَكُمْ تَفَضُّلًا مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَيْكُمْ , لِيَكُونَ لَكُمْ بَلَاغًا فِي دُنْيَاكُمْ , وَمَتَاعًا إلَى مُوَافَاة آجَالكُمْ , وَدَلِيلًا لَكُمْ عَلَى وَحْدَانِيَّة رَبّكُمْ . ثُمَّ عَلَا إلَى السَّمَوَات السَّبْع وَهِيَ دُخَان , فَسَوَّاهُنَّ وحبكهن , وَأَجْرَى فِي بَعْضهنَّ شَمْسه وَقَمَره وَنُجُومه , وَقَدَّرَ فِي كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ مَا قَدَّرَ مِنْ خَلْقه .

{29} هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيم } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ جَلَاله : { وَهُوَ } نَفْسه وَبِقَوْلِهِ : { بِكُلِّ شَيْء عَلِيم } : أَنَّ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا , وَسَوَّى السَّمَوَات السَّبْع بِمَا فِيهِنَّ , فَأَحْكَمَهُنَّ مِنْ دُخَان الْمَاء وَأَتْقَنَ صُنْعهنَّ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَيّهَا الْمُنَافِقُونَ وَالْمُلْحِدُونَ الْكَافِرُونَ بِهِ مِنْ أَهْل الْكِتَاب , مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ فِي أَنْفُسكُمْ , وَإِنْ أَبْدَى مُنَافِقُوكُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ قَوْلهمْ : { آمَنَّا بِاَللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِر } وَهُمْ عَلَى التَّكْذِيب بِهِ مُنْطَوُونَ . وَكَذَبَتْ أَحْبَاركُمْ بِمَا أَتَاهُمْ بِهِ رَسُولِي مِنْ الْهُدَى وَالنُّور وَهُمْ بِصِحَّتِهِ عَارِفُونَ , وَجَحَدُوا وَكَتَمُوا مَا قَدْ أَخَذْت عَلَيْهِمْ بِبَيَانِهِ لِخَلْقِي مِنْ أَمْر مُحَمَّد وَنُبُوَّته الْمَوَاثِيق , وَهُمْ بِهِ عَالِمُونَ ; بَلْ أَنَا عَالَم بِذَلِكَ وَغَيْره مِنْ أُمُوركُمْ , وَأُمُور غَيْركُمْ , إنِّي بِكُلِّ شَيْء عَلِيم . وَقَوْله : { عَلِيم } بِمَعْنَى عَالِم . وَرُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقُول : هُوَ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عِلْمه . 499 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنَا مُعَاوِيَة بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : الْعَالِم الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عِلْمه .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.