مرة اخرى تتضاءل الأحلام وترتكز في بؤرة الاحتياج للأمن لدى الفرد والجماعة بعد حصيلة غير هينة من ارهاب الدولة وإرهاب الجماعة للفرد والمجتمع ، مصر التي انتفضت عن بكرة ابيها موحدة كل الطوائف أملا في الخلاص لا تزال على شفا حفرة من الخديعة ، التي أخذت ثلاث سنوات ولم تحقق إنجازا على اي صعيد لا أمني ولا اقتصادي ولا عسكري ولا حتى سياسي ، لم تمارس الديمقراطية طوال سنوات الثورة الثلاث العجاف الا وكان الجلاد بالمرصاد للساعين اليها ، في كل مرة كانت هناك آلة تنكيل بالمعارضة سواء ارتدت زيا عسكريا او التحت بزيف الدين . الحقيقة ان منظومة الخديعة التي يتداولها ذوي المصالح في مصر ، والتي نفثت سمومها في وحدة المجتمع وقسمته حد التكفير حيناً والإقصاء احيان كثيرة لا زالت تلعب على وتر الاحتياج للأمن تمهيدا لصناعة اله جديد ، او اعادة إنتاجه بكل عيوبه وممارساته الفاشلة على مدار ستة عقود عسكرية حكمت مصر . ولا تزال الاحتجاجات مستمرة على استنساخ النظام القديم ، والسؤال هنا ، كيف يتجاهل نظام ثورة على استبداد عسكري في لباس مدني سعى الى التوريث ، وهل يمكن ان يقبل الشعب بتوريث من نوع جديد ، توريث السلطة للعسكر ، وان اختيرت وجوه مدنية لإخفاء ذاك العبث ، الحاكم الفعلي للبلاد لا زال بحلته العسكرية قلبا وقالبا ، والقوى المعارضة لا زالت بين مطرقة الاحتياج للأمن كما تقتضيه الحاجة بعد فشل المنظومة الأمنية المنظم والمتعمد منذ الخامس والعشرين من سناير قبل ثلاث سنوات حتى الان ، وبين سندان الاحتجاج على اعادة انتاج ذاك النظام القمعي . في طريق اللا عودة تتجه البلاد نحو هذا الفخ المحكم من جديد ، والجزء الأفضل والأكثر حداثة هو تقنين تلك الأوضاع ووضع الدساتير والمواد التشريعية الحامية له وتحصينه بكل الطرق القانونية ، الا ان مشروعية ذلك لا تزال على المحك ، بدستور مؤقت ورئيس مؤقت لا يمكن ان يؤدوا قطعا الى حالة من الاستقرار والهدوء النسبي في بلد على صفيح ساخن ،حتى ان كل المؤشرات التي تستنبط من الوقائع المتجددة للمواجهات بين قوات الامن والقوى المعارضة وعلى رأسها الجماعة المحظورة ( جماعة الاخوان المسلمون ) تؤكد دخول البلاد في منعطف خطير سيزيد حدة التوتر والفوضى لسنوات ، ولا ادل على ذلك من استعراض القوى الذي تنتهجه القوات المسلحة بإنزال القوات للمدن الحيوية وإغلاق الميادين العامة وممارسة السيطرة أرضا وبحرا وجوا تحت شعار مواجهة الإرهاب . نتساءل هنا عن عدد الاعتقالات التي تزيد على الآلاف لطلاب الجامعات والنشطاء من كافة الاتجاهات دون تمييز ، وان اظهر الاعلام كعادته تلك المواجهات على انها جميعا مع إرهابي المحظورة ، حتى ان إطلاق لفظ إرهابي اصبح يقترن وأي مواطن يبدي اعتراضه على ممارسات العسكر ( جيش وشرطة ) في البلاد ولا سيما قتل المواطنين عشوائيا في المواجهات مع السلطات او عمليات التعذيب التي زادت في تلك الفترة رغم ان الثورة قامت من الأساس لمواجهة تلك الممارسات ، وقضية خالد سعيد اكبر دليل على ذلك وغيره من ضحايا القهر الأمني في مصر . مسلسل الاستفتاء على الدستور ، وما يليه من خطوات لشرعنة الحكم العسكري والترويج للاحتياج القسري اليه وعدم وجود بدائل ، ذلك الوهم الذي يسعى الاعلام لتكريسه في نفوس البسطاء سوف يخلق عهدا جديدا من العبودية المقنعة ، ولا سيما بعد اعادة جهاز الامن الوطني لكامل لياقته لمواجهة الإرهاب بمباركة السلطات والمفوضين المخدوعين، لممارسة أساليبه في الرقابة والملاحقة والاعتقال والتنكيل . مصر الى اين ، سؤال لم يعد من السهل إجابته ، رغم التفويض ، فعصر الخوف انتهى بالانقلاب على مبارك ، وجيل التكنو لن يثنيه ملاحقات السلطة ، لان أدوات مستحدثة ستعمل على توحيد الصفوف من جديد ، الرافضون للخضوع لن يقعون فريسة الاحتياج التي تكرس لها السلطة ، وسيظل الاحتجاج أيقونة الثورة ، من تحل بلد ديموقراطي وحكومة مدنية وحقوق وحريات للجميع على حد سواء دون تمييز على أساس الفكر او الانتماء السياسي .