أكدت مؤسسة الخليج للاستثمار أن الاقتصاد العالمي بنهاية العام 2011 ودخول 2012، ما زال يعاني تحت وطأة مجموعة من الأعباء التي يجسدها تراكم أزمة المديونية السيادية في الاتحاد الأوروبي؛ فضلاً عن استمرار شح السيولة، وانكشاف البنوك الأوروبية على المديونيات السيادية من جهة، وتآكل نوعية أصولها من ناحية أخرى. وأضافت المؤسسة في تقريرها الشهري الصادر اليوم - السبت -: " لقد فشل قادة الاتحاد الأوروبي الذين اجتمعوا في بروكسل في أوائل ديسمبر في الخروج بحلول محددة تتصدى وبشكل فعال للمشاكل الآنية، والتي يعاني منها اقتصاد القارة الأوروبية، فضلاً عن خروج بريطانيا عن الإجماع الخاص بتعديل اتفاقية الوحدة الأوروبية؛ خشيةً منها على ملاءة أسواقها المالية ". وبين أن القادة اكتفوا بالاتفاق على الدخول في نوع من " الاتحاد المالي " طويل الأجل، والذي تلتزم بمقتضاه حكومات الدول بموازنة ميزانياتها ضمن حدود معينة، بواقع 3% من الناتج المحلي، وبوضع سقف أعلى للمديونية السيادية لكل دولة على حدة لا يتجاوز 60% من حجم الناتج المحلي لها. ويرى تقرير المنظمة أنه لم تفلح هذه التعهدات طويلة المدى في استعادة ثقة الأسواق المالية، والتي كانت تتوقع أن يتم الاتفاق على آلية لشراء السندات الحكومية الأوروبية عن طريق البنك المركزي الأوروبي، ودعم موارد صندوق الاستقرار الأوروبي بما يكفي لمواجهة المديونيات السيادية، والمرجح أن تتعرض السندات الحكومية لاختبارات قاسية من قبل المستثمرين في الأسواق الدولية لاختبار مدى جدية الاتحاد الأوروبي في حماية الدول المعرضة للمخاطر؛ مما قد يعجل بإفلاس واحدة أو أكثر من الدول الأوروبية. وتشير التوقعات إلى احتمال تعرض قيمة اليورو وبعض العملات الأخرى لتقلبات حادة مع مطلع العام المقبل، مع احتمال أن تكون إنجلترا هي أول الدول المنسحبة من الاتحاد الأوروبي، كما أن كافة التوقعات تشير إلى انزلاق دول الاتحاد إلى ركود اقتصادي مع مطلع العام القادم، يستمر حتى منتصف عام 2013 على الأقل. وأوضح التقرير أنه إزاء هذه الأوضاع الاقتصادية والمالية المتردية قامت شركات التصنيف الائتماني الدولية الثلاثة بتخفيض توقعاتها للتوجهات المستقبلية، لا سيما لدول الاتحاد الأوروبي على خلفية عدم وجود حل سياسي أو فني للأزمة المديونية السيادية وفق آخر تقارير مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني. وقال التقرير: " على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي؛ فإن استمرار الجدل السياسي بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري قد خلق حالة من الجمود، وعدم فعالية للسياسات الاقتصادية؛ متزامنًا مع تعاظم مخاطر ". ولفت إلى الخشية من أن تنتقل عدوى الانكماش الأوروبي إلى الاقتصاد الأمريكي عن طريق ثلاث قنوات، والقناة الأولى تتمثل في إضعاف صادرات أمريكا إلى دول الاتحاد في حالة انكماش اقتصادات الدول الأوروبية. وقال " إن القناة الثانية تتمثل في احتمال تدهور قيمة اليورو في مقابل العملات الرئيسة؛ شاملة الدولار؛ مما يخفض القدرة التنافسية للسلع والخدمات الأمريكية، أما القناة الثالثة فيمثلها احتمال تدهور أرباح عدد كبير من الشركات الأمريكية والتي تتخذ من دول لالتحاد الأوروبي مقرًا لعملياتها الإنتاجية والخدماتية ". ونوه إلى أنه في الوقت الذي ما زال العالم يتطلع إلى الدول الناشئة، لاسيما الصين والهند والبرازيل وروسيا في استمرار انتشال الاقتصاد الدولي، وتحقيق معدلات نمو دولية موجبة لعام 2012؛ فإن هناك مؤشرات متزايدة على تسرب مظاهر الضعف إلى اقتصادات الدول الناشئة ذاتها؛ بسبب ارتفاع معدلات التضخم ووجود قرائن على ارتفاع معدلات المديونيات الحكومية؛ لاسيما في الصين، متزامنًا مع انخفاض معدلات نمو صادراتها إلى دول الاتحاد الأوروبية والولايات المتحدة، ومحاولة الدول الناشئة تفعيل منظومة الطلب المحلي على السلع والمنتجات الصينية والهندية بشكل خاص. وتوقعت مؤسسة الخليج للاستثمار أن تحقق دول مجلس التعاون الخليجية نموًا إجماليًا بمعدل 3,7% إلى 4% عام 2012؛ إلا أن تفاعل أزمة المديونية الدولية مع وجود مؤشرات على انحسار معدلات النمو الاقتصادي الدولية يثير احتمالات انخفاض الطلب على النفط الخام، ومن ثم تراجع أسعاره في الأشهر القادمة. وأوضح التقرير الاقتصادي للمؤسسة عن يناير 2012 أنه إذا كانت هذه الاحتمالات حقيقية؛ فإن أسعار البترول لا تزال ضمن حدود المئة دولار للبرميل؛ بفعل العوامل الجيوسياسية، إضافة إلى نمو الطلب في مواجهة إنتاج النفط الخام من دول سيما خارج مجموعة الأوبك. ولفت إلى أنه قد تمخضت آثار إيجابية عن استمرارية النمو الاقتصادي مع استمرار ثبات أسعار البترول عند معدلات عالية نسبيًا، ومع استمرار نهج السياسات المالية التوسعية على المجموعة من برامج الإنفاق الاستثماري والجاري، والتي كان آخر الأمثلة عليها الزيادات التي أقرتها الدولة الاتحادية في الإمارات في الذكرى الأربعين لتأسيس الاتحاد في نوفمبر الماضي. وأضاف التقرير: " بالرغم من التوسع الكبير في الإنفاق الحكومي؛ فإن دول مجلس التعاون ستحقق فوائض في الميزانيات الحكومية، إذ يتوقع أن يبلغ حجم الفائض في ميزانية السعودية مثلاً حوالي 185 بليون ريال ". ونوهت منظمة الخليج للاستثمار إلى أن من مظاهر استمرار الأوضاع الاقتصادية الحميدة ارتفاع حصيلة الصادرات ومعدلاته في دول مجلس التعاون، الأمر الذي أدى إلى تزايد أحجام الاحتياطات الأجنبية بمعدل 305 مليار دولار؛ ليصل إلى نحو 1,38 تريليون دولار لدول مجلس مجتمعة عام 2011 قياسًا بمستواه البالغ 1,075 تريليون دولار عام 2010، ليحقق نموًا 28,3%. وأوضح التقرير أنه وعلى الرغم من أن هذه الإضافات لها مدلولات إيجابية على اقتصادات دول المجلس؛ فإن الحصافة والتخطيط السليم تستوجب قدرًا كبيرًا من الحذر؛ خشية أن تنخفض القيم الحقيقية للاحتياطات الأجنبية بفعل تداعيات أزمة اليورو فضلاً عن الدولار. وقال: " هذا الأمر يتطلب البحث الدءوب عن مصادر للنمو عن طريق الاستثمار في إدخال الإصلاحات الاقتصادية، وتحسين بيئة الأعمال، فضلاً عن تحقيق تكامل اقتصادي خليجي أكبر باستيفاء متطلبات السوق الخليجية المشتركة، وزيادة التنسيق والعمل الاقتصادي المشترك ". وشدد على أهمية حسن توظيف هذه العوائد أسوة بموقف الصين، وهي أكبر دولة لديها احتياطيات تقدر، عام 2011، بحوالي 3.4 تريليون دولار، وتستمد هذه الحصافة مغزاها على خلفية إلحاح بعض الساسة ورجال الأعمال في أوروبا وغيرها بأن توظف الصين ودول مجموعة العشرين ودول مجلس التعاون فوائضها المالية من أجل تعزيز موارد صندوق النقد الدولي لكي يقوم الصندوق بدوره في تقديم المساعدة لدول الاتحاد الأوروبي ونشلها من المزالق الخطيرة، والتي آلت إليها بفعل أزمتها المالية الخانقة. وتوقعت المنظمة مزيدًا من التقلبات في الأسواق العالمية على المدى القصير والمتوسط، وذلك نتيجة للانكشاف على الأصول الأوربية من قبل العديد من المؤسسات والبنوك، الأمر الذي يؤدي إلى تذبذب أسعار الأصول بشكل عام. ولذلك " فنحن نوصي بحصر الشراء في السندات الخليجية ذات التصنيفات العالية وآجال الاستحقاق القصيرة والمتوسطة ". وحول آفاق طرح إصدارات جديدة؛ توقع تقرير " الخليج للاستثمار " تعافي سوق الإصدارات الأولية العام الجديد مع سعي العديد من المصدرين إلى استبدال ديونهم مستحقة السداد. وقال: " من بين العوامل الأخرى التي قد تزيد من حجم سوق الإصدارات الأولية للسندات تلك الحقيقة المتمثلة في أن البنوك الأوروبية التي تلعب دورًا كبيرًا في تمويل المشاريع الإقليمية؛ سوف نقوم بالحد من عمليات الإقراض بسبب انكشافها على الديون الأوروبية ". وأفادت منظمة الخليج للاستثمار بأن ديسمبر كان شهرًا إضافيًا في فترة عدم الاستقرار وخيبة الأمل في أسواق السندات، حيث أدركت الأسواق العالمية أن زعماء دول الاتحاد الأوروبي لا يزالون بعيدين جدًا عن وضع نهاية لأزمة الديون التي تعصف بالمنطقة منذ عامين. وحقق الزعماء الأوروبيون خلال قمتهم الأخيرة بعض التقدم، والذي تمثل في الموافقة على إقامة اتحاد مالي أكثر إحكامًا وترابطًا، وزيادة حجم صندوق الإنقاذ المالي للمنطقة، وتشديد قواعد تحديد سقف الديون. وقال: " بالرغم من ذلك فإن استمرار الخلافات حول تعديل معاهدة الاتحاد وضع سقف لزيادة حجم صندوق الإنقاذ حال دون تتويج مناقشات القمة بالنجاح الكامل ". وأوضح التقرير أنه، ونتيجة لذلك، خفضت مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني نظرتها السيادية المستقبلية لفرنسا، كما وضعت درجات تصنيفها لدول أوروبية أخرى بما فيها إسبانيا وإيطاليا قيد المراجعة، تمهيدًا لتخفيض محتمل. وفي الإطار نفسه أعلنت " وكالة موديز للتصنيف الائتماني " أنها ستراجع مستويات تصنيفها لكافة اقتصاديات دول الاتحاد الأوروبي، وبالتوازي مع ذلك، تراجعت قيم الأصول الأكثر خطورة مثل الأسهم وسندات الشركات عبر العالم، فيما ارتفعت سندات الخزانة الأمريكية إلى أعلى مستوى لها منذ أوائل نوفمبر.