اعتبرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية اليوم - الاثنين - أن الثورات والانتفاضات الشعبية التي شهدتها منطقتا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - فيما بات يعرف بالربيع العربي - أثبتت فشل استراتيجيات القوى الغربية الدبلوماسية تجاه العالم العربي. وذكرت الصحيفة - في سياق تعليق أوردته على موقعها على شبكة الإنترنت - أنه لم يكن أحد يتوقع أن يشهد هذا العام ثورات تجتاح أقطار العالم العربي، وتطيح بأنظمته في كبرى البلدان العربية؛ فحين بدأت الشرارة الأولى من تونس صعب التكهن بأنه سيأتي يوم نرى فيه الرئيس زين العابدين بن على خارج السلطة، والرئيس المصري السابق حسني مبارك ماثلًا أمام المحكمة، والعقيد السابق معمر القذافي مقتولًا، والرئيس السوري بشار الأسد يزهق آلاف الأرواح من بني وطنه ليحافظ على بقائه في سدة الحكم. وأردفت الصحيفة تقول: "إنه من المؤكد أن نتائج تلك الثورات تركت تأثيرها الأكبر على العالم العربي، إلا أن فشل القوى الغربية في تقييم المواقف، ورؤيتها بأن أربعًا من حلفائها في المنطقة - على الأقل - سينجحون في الصمود في أحلك الظروف؛ يجعل من الضروري إلقاء نظرة أكثر عمقًا وتحليلًا على سياسات تلك القوى إزاء المنطقة. وأشارت الصحيفة في هذا الصدد إلى خطاب وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "كونداليزا رايس" عام 2005 في القاهرة، حين نعت من خلاله "ما قدمه الغرب على مدى عقود طويلة في سبيل إحداث تغيير وإصلاحات في العالم العربي، فيما رأته الضامن الأكبر لتحقيق الاستقرار في المنطقة"، لكن تأتي ثورات العام الحالي لتثبت عكس ذلك، إذ لم يكن للقوى الغربية دور في اندلاع أي من تلك الثورات، وهو ما يفسر عجزها عن الاستيعاب السريع لحجم التغييرات الهائلة التي عصفت بالمنطقة. وقالت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية إن كلا من لندن وباريس - اللتين ربطتهما علاقات وطيدة مع الأنظمة البائدة طرحت العديد من التساؤلات حولها - هرولتا سريعًا لتبديل مواقفهما، وذلك من خلال التدخل العسكري لفرض منطقة حظر جوي فوق سماء ليبيا إبّان الثورة الليبية، موضحةً أن بريطانيا حالفها الحظ في ذلك، في ظل غياب حكومتها السابقة التي أسست تحالفًا مع "ليبيا القذافي"؛ لخدمة مصالحها التجارية، والزج بليبيا في الحرب التي يقودها الغرب على الإرهاب؛ مما استدعى تغافلها عن الانتهاكات التي ظل نظام القذافي يرتكبها ضد شعبه، في سبيل بلوغ أهدافها الخاصة، لذلك فإن احتضان الحكومة البريطانية الحالية لفرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا، تحت لواء مجلس الأمن الدولي، جاء بغرض محاولة التملص من بعض الأخطاء التي أضحت تلاحقها، بشأن تحالفها القديم مع نظام القذافي، وإنعاش "سياسة التدخل الليبرالية"، وأبدت حكومة رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون" إصرارًا في سبيل تنفيذ هذا القرار؛ على الرغم من شهور عجاف مرت على حلف شمال الأطلسي "الناتو" في ليبيا، وشكاوى المؤسسة العسكرية البريطانية من أنها ضلت أهدافها المرجوة من تدخلها العسكري في ليبيا، إلا أن التحديات التي فرضتها مجريات الربيع العربي أمام سياسات واستراتيجيات الغرب الغريبة تجاه المنطقة لم تقتصر على الشأن الليبي فحسب؛ فقد طرح الشأن المصري نفسه بقوة بعد أن عززت نتائج المرحلة الثانية من الانتخابات البرلمانية التي شهدتها مصر مؤخرًا من فوز جماعة الإخوان المسلمين بأغلبية في البرلمان القادم، يليها حزب النور السلفي؛ لتضع الغرب أمام تحدٍ صعبٍ حول كيفية التعاطي مع ديمقراطية أعطت التيار الإسلامي الأغلبية الساحقة. وذهبت الإندبندنت إلى القول بأن المتغيرات في منطقة الشرق الأوسط طرحت تساؤلًا قويًا بشأن إمكانية تعاون محتمل بين الغرب والإسلاميين في العالم العربي، لا سيما في ظل احتمال وصول الجمهوريين إلى البيت الأبيض خلال الانتخابات الأمريكية الرئاسية المقبلة؛ حيث استشعر الدبلوماسيون الأوروبيون خوفًا من أن المرشح الجمهورس "ميت رومني" - أكثر مرشحي الحزب اعتدالًا - لا يجد غضاضة في وصف "التيار الإسلامي" علانيةً بأنه خطر يتهدد السلام العالمي، في تناغمٍ إلى حدٍ ما مع خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكنسيت الإسرائيلي أواخر الشهر الماضي، والذي رأى أن "العالم العربي يتجه إلى الوراء وليس إلى الأمام". وتابعت الصحيفة؛ أنه حتى وإن غلبت نظرة تشاؤمية بشأن مرحلة ما بعد الربيع العربي؛ إلا أن العديد من الأسئلة ستبقى تلوح في الأفق حول كيف سيؤثر ذلك على مختلف الأصعدة الدولية، تتمحور بعضها بشكل أساسي حول الشأن الفلسطيني - الإسرائيلي؛ فمن الممكن أن يفضي التعامل مع الإخوان المسلمين في بعض الدول العربية إلى اضطرار الجانب الإسرائيلي للتعاطى بشكل مباشر مع حركة حماس، وإن أضحت تلك الاحتمالية تطرح نفسها بقوة، في ظل تكهنات عن إعلان الحركة تخليها عن فكرة الكفاح المسلح، كجزء من محاولة رأب الصدع مع حركة فتح. وعلى نطاق أوسع نجد تساؤلًا حول ما إذا كانت إسرائيل ستتمكن من إقناع العالم الغربي - لاسيما واشنطن - أن التغييرات التي تشهدها دول الجوار باتت تتهدد فرص إيجاد حل للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وفي ختام تعليقها؛ رأت الصحيفة أن أهم الدروس المستفادة للقوى الغربية من جراء تلك المتغيرات؛ هو التحلي ببعض التواضع؛ فهي لم تصنع تلك الثورات، ولن تستطيع إيقافها الآن، وليس أمامها سوى الاختيار بين تجاهل القوى الجديدة في العالم العربي أو التعامل معها بحذر.