غياب التوافق الوطني عن مليونيات التحرير التي تستهدف تحقيق بعض مطالب الثورة كان سببا كافيا لاختراق هذه المليونيات من قبل بلطجية منظمين تابعين لفلول النظام السابق سواء من السياسيين او البرلمانيين أو رجال الأعمال أو حتى رجال الأمن، وقد نجح هؤلاء البلطجية في التخفي في زي الثوار ليعيثوا فسادا وتخريبا للمنشآت العامة والخاصة كما حدث قبل أيام لمسرح البالون ولبعض المحال الخاصة في التحرير. كان التوافق من قبل هو الكفيل بتحقيق مظاهرات مليونية " بجد" وكانت تلك المظاهرات هي العمود الفقري لثورة 25 يناير التي أطاحت بأعتى نظام ديكتاتوري في المنطقة العربية والإسلامية، ووضعت رموز ذلك النظام خلف القضبان، وفي أقفاص المحاكم ، أو في حجز المستشفيات. لم يكن غريبا أن يكون عدد المشاركين فيما سمي بجمعة القصاص للشهداء في حدود 3 آلاف أو حتى 5 آلاف متظاهر وذلك بسبب غياب ذلك التوافق رغم قداسة الانتساب إلى حقوق الشهداء، فما حدث منذ يوم الثلاثاء الماضي في مسرح البالون ثم في التحرير لم يكن أبدا من فعل ثوار حقيقيين ولا من فعل أسر شهداء ضحوا بأغلى ما يملكون من أجل حرية شعبهم ووطنهم، بل الصحيح أن مدعي البطولة ومنتحلي صفة أسر شهداء هم الذين قاموا بتلك الأفعال المشينة بحق الثورة والثوار، وللتذكير فقط فقد حاول الكثيرون إبان أيام الثورة تسجيل بعض حالات الوفاة الطبيعية أو حالات الهروب من حجز أقسام الشرطة أو السجون باعتبارهم شهداء حتى يحصلوا على أي امتيازات تتقرر للشهداء الحقيقيين، وقد مارس هؤلاء ضغوطا وأعمال عنف وترهيب ضد الأطباء في العديد من العيادات والمستشفيات الخاصة لانتزاع تلك الشهادات المزورة، وهاهم اليوم يستخدمون هذه الشهادات للقيام بأعمال بلطجة وترويع للمجتمع، تسئ في المقام الأول للثورة ولدماء الشهداء الحقيقيين ولأسرهم المحترمين الذين يرفضون الابتزاز بدماء أبنائهم ولكنهم يصرون - ومعهم الحق ومعهم أيضا كل الأحرار - على ضرورة المحاكمة الشفافة لكل القتلة من رجال العهد البائد وعلى رأسهم مبارك وحبيب العادلي وبقية الرموز الفاسدة وكذا كل الضباط الذين شاركوا في قتل الشهداء والذين لايزالون حتى الآن في مواقع عملهم يمارسون ضغوطا وترهيبا على أسر بعض الشهداء لثنيهم عن المطالبة بمحاكمتهم. نعم من حق الشعب المصري وفي المقدمة منه أسر الشهداء أن يروا حبيب العادلي وحسن عبد الرحمن وغيرهم من قادة وزارة الداخلية السابقين وهم خلف القضبان بدون حراسة تمنع رؤيتهم وكأنهم لايزالون في مواقعهم محتفظين بسلطانهم، ومن حق الشعب وفي مقدمته أسر الشهداء أن ير " الكلابشات" في أيدي هؤلاء القتلة لحظة دخولهم إلى المحكمة، بل من حقه أن تنقل وقائع تلك المحاكمات عبر شاشات التليفزيون الرسمي ليرى الناس مصير جلاديه وقتلة أبنائه. أتمنى أن تتوحد المطالب الآن على هذا الهدف وهو المحاكمات العلنية والشفافة لرموز العهد البائد، واستكمال تطهير مؤسسات الدولة من فلول النظام سواء في جهاز الشرطة أو مجلس الوزراء او بقية دواليب الحكم والإدارة، فهذه المطالب يمكن أن تعيد اللحمة لقوى الثورة التي توحدت من قبل في ميدان التحرير وغيره من الميادين، والتي فرقتها التعديلات الدستورية، وما تبعها من معركة حول الدستور والإنتخابات.