فى أحد الممرات الصغيرة بشوارع القاهرة إلى جانب مقهى "التكعيبة" تجدها واقفة حتى الواحدة بعد منتصف الليل، تحمل ملامح البنت المصرية الفلاحة ، البنت المثقفة الواعية فى نفس الوقت ، ضربت مثلا تحتذى به الفتاة المصرية التى يمكنها أن تعمل بجد وكد دون خجل، تراها من الوهلة الأولى فتشعر أنها من الوجوه المألوفة التى قد تساعدك على فتح شهيتك . هى منال مصطفى محمود الحاصلة على بكالوريوس إدارة أعمال من كلية التجارة إلا أن ظروف المجتمع حالت دون أن تستطيع الحصول على وظيفة فى مكان يمكنها أن تنفق منه مثل كل الفتيات . دائما ما تصاحبها ابتسامة جميلة تبعث فى نفوس كل من حولها الأمل والتفاؤل ، رغم أنها قد يكون بداخلها علم أخر لا يعرفه الكثيرون ، فهناك الكثيرون ممن يحملون بداخلهم أحزان كثيرة ولكن لا يحاولون إظهارها حتى لا يشعر من حولهم بالضيق هى بالفعل مثال للبنت المصرية التى يجب ان تكرم بالفعل فلم تنتظر طابور الوظائف ولم تنتظر أن تنفق عليها أمها وهى جالسة فى المنزل ، بل قررت أن تنزل مع والدتها للعمل بهذا الكشك الصغير بجانب إحدى المقاهى ، وقد شكل الأمر فى البداية عائقا نفسيا ، حيث أن كل المتواجدون شباب وعادة ما يكونوا كثيرون الضحك واللهو وهى كانت جادة الطبع لا تتمكن من المعاملة مع هذه الطريقة إلأ أنها بعد ذلك اصبح تتعامل بطريقة لطيفة للغاية وأصبح لها زبائنها الذين يترددون عليها بإستمرار هى دهب بنت السيدة أم دهب صاحبة أشهر طبق محشى فى وسط البلد. تقول منال : كنت مثل أى فتاة حلمت بيوم التخرج من الجامعة حتى تجد فرصتها فى التعيين ، كما أننى كنت من المتميزين فى دراستى ، وكثيرا ما كانتى تراودنى فكرة المركز المرموق بإحدى الشركات ، لكن بعد تخرجى بحثت كثيرا عن وظيفة مناسبة لمؤهلى فلم أجد ، شعرت فى البداية بعض الضيق والملل وفقدان الأمل، لكنى لم استسلم، فكانت والدتى تعمل بهذا الكشك منذ فترة كبيرة ، فقررت أن أكون معها هنا فى هذا الكشك ، بالفعل جئت إلى هنا مع والدتى ، فى البداية كنت خجولة كثيرا من التعامل مع الزبائن وكثيرا ما كنت أقرر أننى لن أعود إلى العمل هنا ، ولكن لم أقتنع أن أترك والدتى تعمل وانا أجلس فى البيت ، بالفعل قررت الإستمرار ، وقدمت العديد من الوجبات الإضافية . الوجبات التى تقدمها " دهب " مذاق لا يمكن أن تنساه يوما ، بخلطة السيدة المصرية الفلاحة تجدها تصنع أطباقها المتميزة طعما ورائحة ، فهى تعد العديد من الوجبات التعى أضافتها بعد ان قررت أن يكون هذا هو مشروعها ، ومن أشهر الأطباق التى تميزت بها أم دهب هى " المحشى " فهو الأكلة المفضلة للمصريين، لكن دهب جعلتها الأكلة المفضلة لكل العرب والأجانب الذين يترددون على وسط القاهرة فأصبح الزائرون يأتون خصيصا لها كلما زارو القاهرة ، خاصة أن أم دهب تضع برنامجا خاصا للوجبات تقول أنه متوازن على حسب نصائح خبراء التغذية ، فهى تضيف مكوناتها بمعايير متناسبة لتحصل على مذاق مناسب وصحة جيدة كما تقول . رمضان طعم تانى من الطبيعى أن طقوس شهر رمضان تختلف كثيرا عن الشهور الأخرى فى كل طقوسه خاصة "الأكل". وتقول "دهب" أنها تضع برنامجا خاصا لرمضان فى نوعية الوجبات التى ستقدم خلال الأيام حتى يعرف الجميع مواعيد الوجبات التى يحبها ، فهى على سبيل المثال تحدد يوم الجمعة واليبت لطبق المحشى بكل أنواعه ، وباقى الأيام تقسمها على الأرز والمكرونة ، بالإضافة إلى باقى أنواع الخضروات مثل " الملوخية والبطاطس والفاصوليا والبسلة ، وبعض السلطات ، وتقوم دهب بصناعة أطباقها بنفسها بعدما لم تقدر والدتها على مساعدتها بحكم السن ، فهى طباخة ماهرة تعرف جيدا كيف تصنع طبقها حتى أصبحت من أحد المتميزين فى وسط البلد. فى الثورة بنصف الثمن شاركت دهب ليالى الثوار منذ ثورة الخامس والعشرين من البداية بتقديم بعض الوجبات بنصف الثمن كمشاركة فى الظروف التى قد يمر بها المتظاهرون فهى ضربت مثالا للبنت الوطنية المناضلة فكل مناضل يناضل بطريقته وعلى حسب إستطاعته ، عاشت أجواء الضرب والغاز المسيل للدموع ، عاشت لحظات الحلم عندما نجحة الشعب فى إسقاط نظام مبارك ، كما ا،ها حذرت كثيرا من حكم الإخوان عندما تولو الحكم فهى تقول : أكثر ما كنت أخشاه بعد تنحى مبارك أن يتولى الإخوان الحكم وللأسف هذا ماحدث ،ولم يكن تحذيرى لعداء شخصى مثلا ، بل أنى كنت أعرف جيدا أن خبرتهم لم تساعدهم فى إدارة الوطن خاصة دولة بحجم مصر ، لكن الآن بعد أن رحل نظام الإخوان أتمنى أن نعمل كلنا كمصريين من أجل رفعة الوطن حتى نستطيع أن نحقق ما نتمناه جميعا لمصر ولنا .