لا يغيب عن الجميع أن أهم عنصر فى إجراء انتخابات برلمانية نزيهة وشفافة هو توفير الأمن فى مناخ مستقر، فتحقيق النزاهة وعدم تزوير صناديق الانتخابات يستلزم قاضيًا عادلاً، ولكى يقوم القاضى بمهامه على أكمل وجه لابد من توفير عنصر حماية شرطية تقيه شر البلطجة، ومن دون تلك الحماية فتحقيق انتخابات نزيهة صعب، وفى الانفلات الأمنى غير المسبوق الذى تعيش فيه البلاد والذى أوشك أن نعتاده وصار جزءًا من حياتنا اليومية، قرر المجلس العسكرى إجراء الانتخابات قبل إقرار الأمن، ووافقت قوى جاهزة وطامعة فى السلطة على هذا الوضع دونما سؤال عن كيفية تحقيق الأمن؟ ولم تطالب باستكمال مطالب الثورة قبل إجراء الانتخابات، المهم مقاعد البرلمان ولو فوق تلال من جثث الشهداء. وإدراكًا لهذه المشكلة المعضلة أعلن السيد وزير التنمية الإدارية تشكيل لجان شعبية من شباب الثورة لمساعدة قوات الأمن فى حماية الانتخابات، وافترض فيهم الحيادية، كيف والانتخابات صراع وتنافس وانحياز؟ وقرر منح مكافأة مالية لهؤلاء الشباب، ونحن ندرك خطورة تلك الخطوة، نحذر من استخدامها، فما فشلت فيه الدولة يصعب أن يقيمه أفراد، ولو كانت عقيدة السلطة أنه بالإمكان إحلال اللجان الشعبية محل الشرطة وإقرار الأمن، فعلى الدولة أن تقر بهذا وتحل جهاز الشرطة ويقوم هؤلاء الشباب بتشكيل جهاز الأمن الواقى للدولة. ومما هو لافت للنظر أن المجلس العسكرى ومجلس وزرائه لم يحققا شيئًا من مطالب الثورة للشباب، وأراداهم عبيدًا يقومون بعبء التغيير لصالح مجموعة مختبئة خلف زى عسكرى، ثم أراداهم خفرًا وحرسًا لحماية انتخابات البهوات والباشوات البرلمانية، والشباب خارج المعادلة السياسية، هذا تفكير سلطوى جهنمى له مغزى وهو التخلص من الشباب الثورى من خلال الوقيعة بينه وبين الشعب ومواجهته مع بلطجية المرشحين، بلطجية عجزت أجهزة الدولة من شرطة وقوات مسلحة عن مطاردتهم وإيقاف نشاطهم والقبض عليهم، فكيف يمكن أن تقوم لجان شعبية سلمية بأداء هذا الدور لإيقاف البلطجية؟ إنها طريقة للتخلص من الشباب الثورى لينتهى الصراع بين القوى الثورية والقوى الرجعية الحاكمة والساعية للانتخابات البرلمانية دونما ضمانات أمنية، ومن الطبيعى لن تسمح السلطة الحاكمة بتسليح اللجان الشعبية لمواجهة البلطجية بينما يُسلح ضباط الشرطة وعساكرها وعساكر الجيش للدفاع عن أنفسهم، الدولة بحاجة إلى عبيد يقومون بالمهمات الانتحارية والمسؤولون يتفرجون ويحملون المصائب للجان الشعبية، يا سادة هذا عبث بمستقبل الوطن ولعب بالنار، وضع لجان شعبية غير مسلحة يسهل قضاء البلطجية عليهم، ونحن لا نطالب بتسليحهم بل نطالب بالرحمة فى التعامل مع شباب الوطن وعدم دفعه إلى الهاوية، وهذا ما يريده المجلس العسكرى لتكون لديه الحجة على تبعثر الدولة ويقوم بإحكام السيطرة على الدولة، كل من يشارك فى انتخابات غير مضمونة التأمين هو مشارك فى حرق الوطن وقيام حرب قبلية، من يقتنع باللجان الشعبية عليه بأن يضمها إلى وزارة الداخلية ويعينها فيها حتى يصبح لهم حق التأمين الصحى والمواجهة وحق الدفاع عن النفس بشرط أن يُقال كل المدعوين رجال الداخلية، وتوفير رواتب للجان الشعبية ما دمنا نعترف بأهمية دور اللجان الشعبية فما المشكلة فى تحويل دور اللجان من هواة إلى محترفين فى جهاز وظيفته أمن الوطن؟ ما زلتُ أحذر من استغلال حب الوطن عند الشباب واستعدادهم للتضحية من أجله فى تحقيق مصالح شخصية، إنهم يضحون من أجل وطن عشقوه وحماية ثورة صنعوها بدمائهم، وليس من أجل الحفاظ على جهاز الشرطة المتراخى بأمر المجلس العسكرى، ولا منح المجلس العسكرى شرعية أبدية. شباب ثار واختطفت ثورته بالقوة والتواطؤ، ولم يتحقق له شيء مما ثار من أجله، ويضحكون عليه باسم الوطنية لحماية انتخابات السادة الذين لم يدفعوا ثمن الوطن من دمائهم، يا شباب مصر دفعتم الثمن ولا تسمحوا لأحد أن يضحك عليكم، ورأيتم كيف تم القبض عليكم وحوكمتم عسكريًا، بينما اللصوص والبلطجية فى ملاعبهم يمرحون، أرجو التريث وكفانا ضحكًا على الشباب ودفعهم إلى محرقة معدودة إعدادًا جيدًا بالاتفاق مع المجلس العسكرى وكل من يدخل الانتخابات، أين حقوق الشباب الذى ثار؟ أم أنه ثار من أجل تقنين أوضاع الفاسدين بشرعية الثورة وإعادتهم إلى أماكنهم بطريقة شرعية؟ وتمكين قوى عجزت عن الدفاع عن نفسها أيام البطش وها هى تستغل الظرف لتحقق مقاعد على أشلاء الشهداء؟.. والله العظيم عيب وألف عيب على من يقودون البلاد ومن يستغلون الظرف لإجراء انتخابات على دماء الشباب، أحذّر من بحر الدماء المقبل، وما تعجز عنه مؤسسة احترافية لا يمكن ينجح فيه شباب عُزل، وإلا كان المقصود التخلص من هؤلاء الشباب والوقيعة بين اللجان الشعبية وقوى أخرى وتصير فتنة وحربًا أهلية. وفى النهاية هناك فرق بين حماية ثورة وتأمينها وحماية انتخابات أنتم مبعدون عنها، وأين القوى الحزبية المحترمة التى أفردت لكم مقاعد على قوائمها؟ وكم مقعدًا وفى أى ترتيب؟ ساعتها تتأكدون أن الجميع يضحك عليكم، قاتلهم الله، وعلينا أن ندافع عن الثورة حتى النصر، وهذه الانتخابات هى أضغاث أحلام وسراب للظمآن بمقاعد برلمانية وسلطة كاذبة.