كان في قديم الزمان.. بلد من البلاد، الجمل فيها دلاّل، والجربوع حلاق، و أنا في حضن أمي أهتز، و بكري مصطفى شيخ الإسلام، والجاويش إنجلي قائد عام، وكركوز رئيس وزراء، وكان حاكم البلاد، سلطان البلاد التي كانت تحت نفوذ هذا السلطان أشرقت شمس الحرية عليها، واخضوضرت شجرة الديمقراطية في تربتها ..الخير كثير والراحة أكثر، سكانها لا هم لهم ولا غم.. راحت أيام جاءت أيام، حل فيها - وقاكم الله - قحط لا يوصف. الذين كانو يأكلون الكثير واللذيذ، أصبحوا محرومين حتى من كسرة الخبز اليابس. وجد السلطان أن المجاعة ستفتك بالرعية، فبحث عن طريق للخلاص... أطلق المنادين في أنحاء البلاد، داروها بلدة بلدة، قرية قرية، حارة حارة، كان القرار الذي نادى به هكذا: - يا أهالي البلد ! الحاضر يعلم الغايب ! كل من قدم خدمة للسلطنة أو نفعا للوطن، فليسرع إلى القصر ليقدم له مولانا السلطان وساما. نسي الناس جوعهم، حرمانهم، همومهم، ديونهم، مصاريفهم… وهرعوا إلى السلطان هائمين بأوسمته.. فلكل شخص وسام حسب حجم خدماته.. وسام المرتبة الأولى مطلي بالذهب، وسام المرتية الثانية بماء الذهب، وسام المرتبة الثالثة بالفضة،وسام المرتبة الرابعة بالقصدير، والخامس توتياء، والسادس تنك و.. و.. و…..و هكذا فالأوسمة أنواع.. الذاهب يحصل على وسام والآيب يحصل على وسام، وبقي الحال على هذا، حتى أنه - من فرط صنع الأوسمة - لم يبق في بلاد السلطان شيء من خردة الحديد أو التوتياء أو التنك.. و كيف أن "الجنجل" المعلق في رقبة البغل يصدر باهتزازه صوتا "شنغر شنغر".. هكذا أخذت الأوسمة تهتز على الصدور المنفوخة كالمنافيخ. سمعت بقرة صوت الأوسمة "شنغر شنغر" تقرقع على صدور الناس، و أن السلطان يمنح قاصديه أوسمة، ففكرت: - الوسام في الواقع من حقي أنا! ووضعت في ذهنها فكرة الحصول على الوسام. و بالرغم من كون عمودها الفقري و قفصها الصدري ناقبين، وأنها تطب على الأرض كمن يزحف زحفا، فقد حضرت إلى باب القصر ركضا، قالت لرئيس البوابين: - أخبرو السلطان بأن بقرة تريد مقابلته. أرادوا صرفها، فبدأت تخور: - لا أخطو خطوة واحدة من أمام الباب قبل أن أواجه السلطان! أرسل رئيس البوابين للسلطان يقول: - مولانا.. بقرة من رعيتكم تسأل المثول أمامكم. أجاب السلطان: - لتأت لنرى بأية حال هي هذه البقرة! قال لها السلطان: - خوري لنرى ما ستخورين به! قالت البقرة: - مولاي، سمعت بأنك توزع أوسمة، أريد وساما. فصرخ السلطان: - بأي حق؟ وماذا قدمت؟ ما نفعك للوطن حتى نعطيك وساما!؟ قالت البقرة: - إذا لم أعط أنا وساما فمن يعطاه ؟؟؟، تأكلون لحمي وتشربون حليبي وتلبسون جلدي. حتى روثي لا تتركونه، بل تستعملونه. فمن أجل وسام من التنك ماذا عليّ أن أعمل أيضا ؟؟؟ وجد السلطان الحق في طلب البقرة، فأعطاها وساما من المرتبة الثانية. علقت البقرة الوسام في رقبتها، وبينما هي عائدة من القصر، ترقص فرحا.. التقت البغل.. ودار بينها الحديث: - مرحبا يا أختي البقرة.. - مرحبا يا أخي البغل! - ما كل هذا الإنشراح ؟ من أين أنت قادمة ؟ شرحت البقرة كل شيء بالتفصيل، وعندما قالت أنها أخذت وساما من السلطان، هاج البغل، وبهياجه وبنعاله الأربعة، ذهب إلى قصر السلطان: - سأواجه مولانا السلطان! - ممنوع. إلا أنه وبعناده الموروث عن أبيه، حرن وتعاطى على قائميه الخلفيين.. أبى التراجع عن باب القصر. نقلوا الصورة إلى السلطان, فقال: - البغل أيضا من رعيتي, فليأت ونرى!! مثل البغل بين يدي السلطان، ألقى سلاماً بغليا، قبّل اليد والثوب، ثم قال إنه يريد وساما فسأله السلطان: - ما الذي قدمته حتى تحصل على وسام ؟؟ - آآآآ … يا مولاي.. ومن قدم أكثر مما قدمت؟.. ألست من يحمل مدافعكم وبنادقكم على ظهره أيام الحرب؟ ألست من يركب أطفالكم وعيالكم ظهره أيام السلم؟.. لولاي ما استطعتم فعل شيء. أصدر السلطان إذ رأى البغل على حق قرارا: - أعطوا مواطني البغل وساما من المرتبة الأولى. وبينما كان البغل عائدا من القصر بنعاله الأربعة، وهو في حالة فرح قصوى.. التقى بالحمار. قال الحمار: - مرحبا يا ابن الأخ. قال البغل: - مرحبا أيها العم. - من أين أنت قادم وإلى أين أنت ذاهب ؟ حكى له البغل حكايته. حينها قال الحمار: - ما دام الأمر هكذا سأذهب أنا أيضا إلى سلطاننا وآخذ وساما.. وركض بنعاله الأربعة إلى القصر. صاح حراس القصر فيه.. لكنهم لم يستطيعوا صده بشكل من الأشكال.. فذهبوا إلى السلطان وقالوا له: - مواطنكم الحمار يريد المثول بين أيديكم.. هلا تفضلتم بقبوله أيها السلطان ؟ قال السلطان: - ماذا تريد يا مواطننا الحمار ؟ فأخبر الحمار السلطان رغبته. فقال السلطان و قد وصلت روحه إلى أنفه: - البقرة تنفع الوطن والرعية بلحمها وحليبها وجلدها وروثها... وإذا قلت البغل، فإنه يحمل الأحمال على ظهره في الحرب والسلم، وبالتالي فإنه ينفع وطنه... ماذا قدمت أنت حتى تأتي "بحمرنتك" وتمثل أمامي، دون حياء، وتطلب وساما؟.. ما هذا الخلط الذي تخلطه ؟ فقال الحمار و هو يتصدر مسرورا: - رحماك يا مولاي السلطان. إن أعظم الخدمات هي تلك التي تقدم إليكم من رعاياكم الحمير، فلو لم يكن الألوف من الحمير مثلي بين رعيتكم، أفكنتم تستطيعون الجلوس على العرش؟.. هل كانت استمرت سلطتكم؟.. احمد ربك على كون رعيتكم حميرا مثلي تماما... ومن ثم على استمرار سلطانكم وسلطتكم! أيقن السلطان أن الحمار الذي أمامه لن يرضى بوسام من التنك كغيره فقال: - إيه يا مواطني الحمار.. ليس عندي وسام يليق بخدماتكم الجليلة، لذا آمر بأن يقدم لك عدل من التبن يوميا في اسطبل القصر. كل... كل.….. كل................ حتى تستمر سلطنتي!!