بلدتنا كلها تعرف من هو عم محمد البيطار, هو رجل خبير, ويتعامل مع كل ذي حافر من الخيول والحمير بمهارة شديدة تلك التي ورثها عن آبائه وأجداده الواحد تلو الآخر, إلي أن وصلت هذه المهنة إليه, فقد كان ماهرا حقا, ويشاع في بلدتنا أن مهنته هذه في عائلته منذ مئات السنين, وأن جده الأكبر كان يحدو ويعالج خيول السلطان الناصر محمد بن قلاوون, وهكذا كان يشيع محمد هذه القصة متفاخرا بها أمام كل من جاءه يحدو حصانا, أو يعالج حافرا لحمار. عم محمد البيطار كان يعشق هذه المهنة عشقا شديدا, وكان يقوم بحدو أرجل الخيول والحمير, ويعالجها ويقلمها, ويلقحها ويجسها, أي يعرف بوجود الجنين من عدمه. ذات يوم قام عم محمد بتلقيح حمارة من حصان عربي أصيل, وكان يحب التجارب, وكان كل من يريد أن يهجن البغال يأتي إلي عم محمد لمهارته بذلك وبعد أن لقح الحمارة والحصان العربي الأصيل, وأخذ يتابع الحمارة إثني عشر شهرا قام عم محمد بتوليد الحمارة بمهارة واقتدار إلي أن ولدت الحمارة بسلام وأخذ يرعي الوليد الصغير. مرت أشهر وأشهر ولاحظ عم محمد أن هذا الجحش الصغير مختلف كل الاختلاف عن باقي صغار الحمير, إذ هو حمار من حيث الشكل والرأس والذيل وهيئة الحمار, ولكن الروح والطبع والتصرفات والخصال خصال الحصان, إذ يأخذ الحمار شكله من أمه, وخصاله وخصائصه البيولوجية من أبيه, كان هذا الحمار قريبا جدا من عم محمد أخذ يدربه ويكتشف مهاراته وما به من مواهب وصفات الخيول. كان إذا ركبه طار به وأسرع أكثر من أي حصان خلع عنه البردعة واستبدل بها السرج حتي إنه كان يركبه وكأنه يركب حصانا لا حمارا. كان الناس يصطفون ويشاهدون عم محمد وهو يتمشي بالحمار الحصان, كان إذا سار في الشارع لفت الأنظار جميعا حتي إن عم محمد كان يعلم هذا الحمار الرقص كالأحصنة وأجاده. كان الحمار يصدر صهيلا وصوتا في أثناء الرقص, وصوت أقدامه في أثناء الرقص يجذب كل من يسمعه, ويدربه علي الرقص علي أنغام المزمار البلدي والطبول. كان هذا الحمار بالفعل حصانا بالطبع والتصرفات. لقد شاهدته بنفسي وذات صباح قرر عم محمد أن يأخذ حصانه غدا إلي نادي أصحاب الجياد بالإسكندرية حيث إنه البيطار لخيول النادي ومدير النادي, وأصحاب الجياد يعرفونه معرفة جيدة استأجر عم محمد سيارة وأخذ حماره حصانه هذا إلي الإسكندرية ودخل به النادي بسهولة, وأنزله التراك وأعد له العدة وألبسه السرج, وأخذ يريضه في التراك والعاملون في الاسطبل مذهولون ومتعجبون, وبعد ذلك ترك عم محمد الحصان في رعاية ابنه الذي كان يصاحبه وذهب إلي مدير النادي, وطلب منه أن يأتي ويري بنفسه المعجزة, واصطحبه مدير النادي إلي التراك, وما أن رأي عفت بيه الحمار حتي وجه نظره إلي محمد البيطار وقال له باستغراب ودهشة: ما هذا حمار.. حمار في نادي أصحاب الجياد.. النادي الذي لم يدخله إلا كل حصان عربي أصيل.. يدخله حمار! هل يستوي الحمار بالحصان؟! يالك من مجنون. تركه عم محمد بسرعة وامتطي ظهر الحمار الحصان وأخذ يجري بالحمار الحصان ويراقصه أمام أعين عفت بيه وهو مذهول, وأشار إليه أن ينزل من علي هذا الحمار وقال له: إذا كان يتصرف كالحصان, ويجري كحصان فهو حمار, أخرج هذا الحمار من هنا فورا. اقترب أحد أعضاء النادي وقال له: تبيع هذا الشيء لي الذي ليس هو بحمار ولا حصان, فقال محمد البيطار: بكم تشتريه؟ قال الرجل: أدفع عشرين ألفا, وهنا حملق الواقفون ونظر عفت بيه مدير النادي إلي المشتري وقال له بصوت رخيم: أنت تلقي بأموالك علي الأرض.. تشتري حمارا ثمنه ألف جنيه بعشرين ألف جنيه؟ وافق عم محمد البيطار علي الفور وأعطاه الرجل الشيك بالمبلغ وعاد عم محمد البيطار إلي بلده بدون حماره المعجزة, وعاد بالعشرين ألف جنيه بعد أن صرف الشيك من أحد البنوك القريبة من النادي, وعاد وهو في غاية الفرح والسعادة وألقي المبلغ في حجر زوجته وقال لها: لقد بعته بهذا المبلغ الكبير, وهو لا يساوي ألف جنيه. ظل عم محمد عدة أشهر سعيدا ويتحدث مع الجميع عن المغفل الذي خدعه وباع له الحمار بعشرين ألف جنيه, وبعد عدة أشهر تناقلت الصحف والمجلات والقنوات الفضائية حكاية الحمار المعجزة النادر من نوعه في العالم, إذ أخذه الرجل الذي اشتراه من الخارج وعرف كيف يروج لهذا الشيء الجديد, وكانت الصحف ونشرات الأخبار تأتي بصور الحمار وهو يتصرف كالأحصنة, وأن أحد الأثرياء العرب أراد أن يشتريه بعشرين مليون دولار لأنه كان فصيلة نادرة لا مثيل لها, وأن أشهر حدائق الحيوان تريد أن تضمه إليها, وجلس عم محمد البيطار أمام البرامج التي أعدت خصيصا للحمار, وهو بين الجنون والعقل, وكلما جاءت صورة حماره أو حصانه علي الشاشة اقترب منه وأخذ يحملق فيه وهو يقول بصوت كالمجنون: ها هو ذا حماري حصاني لم يلتقط له صورة فوتوغرافية تذكره به, وبعد انتهاء البرنامج أخذ عم محمد البيطار يجري في شوارع بلدتنا ويردد ويولول: أنا السبب.. أنا السبب.. عشرين مليون دولار وهو يضرب كفا علي كف ويقول: منك لله يا عفت بيه.. أنت السبب.. أنت السبب. إبراهيم منسي علوان قلين كفر الشيخ رابط دائم :