تزداد يوماً بعد آخر التحديات التي تواجه بلدان العالم، والتي تسعى إلى التعاون أو التكتل للتخفيف من حدة الأزمات المتسارعة، حيث وجه الاتحاد الأوروبي في قمته الأسبوع الماضي إلى ضرورة الإسراع في إقامة منطقة للتجارة الحرة مع الولاياتالمتحدة الأميركية، مما يعني إقامة أكبر منطقة للتجارة في العالم، وتستحوذ على نصف الاقتصاد العالمي، وهو تطور مثير في العلاقات الاقتصادية الدولية. في المقابل تسعى البلدان العربية ومنذ خمسين عاماً لإيجاد شكل من أشكال التعاون الاقتصادي دون جدوى، فقرارات القمم العربية السابقة طغت عليها الخلافات السياسية، مما استدعى عقد قمم اقتصادية ثلاث حتى الآن في الكويت عام 2009 وشرم الشيخ عام 2011 ومؤخراً الرياض عام 2013. وفي الوقت الذي يتم التحضير فيه للتعاون الاقتصادي الأوروبي - الأميركي على أسس قوية من المصالح المشتركة، فإن الاتفاقيات العربية لا تستند على أسس موضوعية تعكس طبيعة الاقتصادات العربية وبنيتها التشريعية المتفاوتة بصورة كبيرة، مما لا يتيح تنفيذ هذه الاتفاقيات التي تتسم بطابع عاطفي بعيد عن المتطلبات الاقتصادية والتشريعية التي تضمن نجاح هذه التوجهات التعاونية. وإذا أخذنا أحد قرارات قمة الرياض الأخيرة، فقد صرح مدير عام الجمارك السعودية أن "تطبيق الاتحاد الجمركي بين البلدان العربية في عام 2015، كما هو متفق سيشكل المحك الحقيقي لقرارات القمة"، علماً بأنه لا تتوافر أبسط الأسس اللازمة لتطبيق الاتحاد الجمركي العربي، مما يعني أن الحديث السابق لا يعدو أن يكون تمنيات بعيدة عن الواقع. وأولى هذه المبادئ التي يستند عليها الاتحاد الجمركي، هي ضرورة أقامة منطقة للتجارة الحرة تتيح انتقال السلع المنتجة محلياً بين الأطراف المتعاقدة دون رسوم جمركية، في حين لا زالت منطقة التجارة الحرة العربية تراوح مكانها دون تطبيق منذ أن اتفق بشأنها في عام 2002، إذ لا يمكن القفز من فوقها والانتقال إلى طور أعلى من التعاون، كالاتحاد الجمركي دون تنفيذ هذا البند السابق له. وبما أن المتحدث يحتل منصب مدير الجمارك، فإنه يدرك تماماً هذه الحقيقة، فدول المجلس تملك خبرة طويلة في التعاون الاقتصادي، حيث اتفقت على منطقة التجارة الحرة في عام 1983، وتم تطبيقها في نهاية التسعينيات. أما الاتحاد الجمركي الخليجي، فقد اتفق على تطبيقه ابتدءاً من يناير عام 2003، حيث تم تأجيله سبع مرات واتفق أخيراً على البدء بتطبيقه في الأول من يناير من عام 2015. وإذا كان الأمر بهذه الصعوبة وبهذه التعقيدات بين ستة بلدان فقط وتتشابه أنظمتها الاقتصادية والجمركية إلى حد التطابق، فإن الأمر يبدو أكثر تعقيداً بين 22 دولة تتفاوت أنظمتها الاقتصادية والجمركية بصورة كبيرة، ويعتمد بعضها على الرسوم الجمركية في تمويل موازناتها السنوية، والتي ترتفع لتصل إلى نسبة 100 في المئة على بعض السلع المعمرة، كالمركبات، في حين تم توحيد التعرفة الجمركية بين دول المجلس عند 5 في المئة فقط. أما منطقة التجارة العربية الكبرى، فإنه أمر قابل للتطبيق، وذلك رغم العقبات التي تقف أمامه حتى الآن، إذ أنه يقتصر على المرور الحر للسلع المنتجة في البلدان العربية دون رسوم جمركية، حيث يتيح ذلك إمكانيات كبيرة لنمو التجارة العربية البينية، كما هو الحال مع نمو التجارة الخليجية البينية، والتي تضاعفت خلال العقدين الماضيين بعد استكمال منطقة التجارة الحرة وتوحيد الرسوم الجمركية بين دول المجلس. لذلك، من الأفضل لجامعة الدول العربية وأجهزتها، وبالأخص الخاصة بمتابعة الشأن الاقتصادي العربي والتركيز على تذليل العقبات، التي تعترض تنفيذ اتفاق التجارة العربية الحرة، والذي سيشكل إنجازاً ذا مردود اقتصادي على كافة البلدان العربية. وفي كل الأحوال، فإن تجربة مجلس التعاون الخليجي يمكن أن تقدم خدمة قيمة للتعاون الاقتصادي العربي، سواء فيما يتعلق بوضع الأسس الموضوعية اللازمة للتعاون المثمر أو في كيفية تذليل العقبات، التي تتيح نجاح تطبيق الاتفاقيات الموقعة بين البلدان العربية. *************************** (نقلا عن الاتحاد - الإمارات)