اعرب السياسيون والمفكرون التونسيون عن قلقهم ازاء دعم قطر لحزب النهضة من جهة، ودعم السعودية للجماعات السلفية من جهة أخرى،والذي يهدد تماسك المجتمع وتسامحه ويمهد الأرضية لفتنة في تونس في غنى عنها خاصة وأنها تمر بمرحلة حرجة من تاريخها تستوجب "النضال من أجل "الوفاق الوطني" لا "الجهاد من أجل نصرة المذهب الحنبلي الخليجي على المذهب المالكي التونسي". ويوضح الباحث التونسي في الجماعات الإسلامية عبد الستار عميرة "أن الزيارات المتتالية للدعاة السعوديين لتونس لا يمكن فهمها خارج سياقها السياسي إذ تحاول السعودية بناء أرضية دينية سلفية مناهضة للنهضة ومن ثمة مناهضة لدور قطر في تونس". وأضاف أنه خلال الأشهر الأخيرة تحولت تونس إلى وجهة مفضلة للدعاة السعوديين والخليجيين عامة، إذ زارها العشرات من بينهم عائض القرني، وطلال الدوسري، وعبد العزيز بن نوفل، ومحمد موسى الشريف، وزكي اليحي، ومحمد بن عبد الله الدويش، وعبد المجيد المنصور، وفهد الزلفاوي، وأحمد بن عمر الحازمي، ومحمد العريفي، وخالد الحبشي، وهؤلاء محسوبون على الإخوان أو المتعاطفين معهم. من جهته، يوضح مراقب سعودي أن التونسيين لا يفرقون بين الإخوان والسلف في السعودية وما الدعاة الذين زاروا تونس سوى مقربون من الدوحة بل بعضهم يتمتعون بدعم مالي قطري. وزار الدعاة تونس بناء على دعوات من جمعيات سلفية نجحت في الاستيلاء على أكثر من 500 مسجد في مختلف أنحاء البلاد. ويقدم الدعاة دروسا في العقيدة وفي الفقه وفي العلوم الشرعية تروج للمذهب السلفي، وتدعو إلى مقاومة البدع وتحرم حرية المرأة وزيارة مراقد الأولياء، لتشحن قطاعات واسعة من الشباب الأمي والمهمش ضد قيم المجتمع التونسي. ولعله من الدلالة بمكان أن حي دوار هيشر ، الواقع شمال العاصمة تونس، الذي ألقى في مسجده الداعية السعودي عبد المجيد المنصور سلسلة من الدروس والمحاضرات شهد خلال الفترة الأخيرة اشتباكات مسلحة بين قوات الأمن وعناصر سلفية قال عنها رئيس الحكومة حمادي الجبالي إنها تسعى لإقامة إمارة إسلامية. كما أحرقت الجماعات السلفية خلال الأشهر الماضية 37 ضريحا من أضرحة الأولياء بعد أن أفتى الدعاة الخليجيون بأنها من البدع. ويمول السعوديون عشرات الجمعيات السلفية منها "جمعية أبي زيد القيرواني" التي أسست "معهدا للعلوم الشرعية" يتولى استقدام الدعاة السعوديين لتقديم دورات في العلوم الشرعية" و"جمعية الخير الإسلامية" و"جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" و"جمعية طريق الارتقاء". وتتركز دروس الدعاة السعوديين على شرح مبادئ دعوة محمد بن عبد الوهاب والترويج لأفكار بن تيمية، وابن قيم الجوزية، والشيخ بن باز، والشيخ ابن عثيمين اللذين يعتبران من أبرز فقهاء السلفية، كما ينظمون "دورات مغلقة" تستمر ثلاثة أشهر ويدفعون مقابلا ماديا للشبان الذين يتابعونها لأنهم "ينقطعون عن أعمالهم" طوال الدورات، وتتركز دروس الدعاة الخليجيون في الأحياء الشعبية وفي المدن السياحية. وإزاء اختراق السلفية للمجتمع التونسي حذر مفكرون وسياسيون من "فتنة قادمة لا محالة ما لم يتم لجم جماعات تسعى إلى فرض نمط مجتمعي خليجي على المجتمع التونسي". وحذر أستاذ الحضارة الإسلامية في الجامعة التونسية كمال الساكري من "بداية فتنة حقيقية تعيشها تونس نتيجة تنامي الحضور السلفي بفضل البترودولار والأئمة الذين يرسلونهم من دول الخليج". ويشدد الساكري على أنه "ثمة أطراف خليجية مثل قطر تمول عملية فتنة طائفية في تونس والرمي بالبلاد في أتون معركة بين المذاهب" مشددا على أن المذهب الحنبلي، "على الطريقة السعودية"، هو "من أشد المذاهب انغلاقا وابتعادا عن العقل وقد أصبح أيديولوجيا مغلقة لا تقبل العقل والاجتهاد". ويتفق الشيخ عبد الفتاح مورو أحد أبرز مؤسسي حركة الاتجاه الإسلامي، مع الساكري إذ حذر من "فتنة بسبب قيام دعاة سعوديين بتنظيم دورات لنشر الفكر السلفي المتشدد في تونس". ويرى مورو أن الدعاة السعوديين يستغلون "شباب ليس لديهم معرفة دينية سابقة وحديثي العهد بالصلاة ويعلمونهم قواعد المذهب الحنبلي ويهيئونهم لأن يكونوا طابورا في بلادنا". ويثير الدعم القطري المريب لحركة النهضة الإسلامية الحاكمة من جهة، وتوافد الدعاة الخليجيين على تونس لنشر الفكر السلفي المتشدد من جهة ثانية، قلقا واسعا في أوساط السياسيين والمفكرين من الزج بالبلاد في فتنة أهلية تستهدف نخر مؤسسات الدولة والمجتمع. فقد بدت تونس، منذ الإطاحة بنظام الرئيس بن علي في 14 يناير 2011 أرضا مستباحة لدولة قطر التي ما انفكت تتدخل في الشأن التونسي تحت يافطة مساعدة الشعب التونسي من خلال دعم سياسي ومالي لحركة النهضة. ومقابل دعم قطر التي تضطلع بدور مشبوه في المنطقة تجنّد الدعاة الخليجيين ليتقاطروا على تونس في ما يشبه الغزوات السلفية المتشددة التي عززت من استقواء الجماعات التابعة لها في تونس حتى أنها باتت تعلن ولاءها علنا للفكر السلفي الغريب عن مجتمع سني مالكي. ويبدو أن الصمت السعودي حيال العمل الدعوي لبعض مواطنيها أثار موجة من الشكوك التونسية حول الدور السعودي، حيث يشير الباحث في الجماعات الإسلامية عبد الستار عميرة، الذي أنجز دراسة عن علاقة سلفيي تونس بسلفيي السعودية، أن "الدعاة السعوديين تلقوا ما يشبه التعليمات من المسؤولين السياسيين بربط علاقات وثيقة مع الجماعات السلفية في تونس وأن يدعموهم علميا وماديا". ويذكر انه فور فوز حركة النهضة في انتخابات 23 أكتوبر 2011 سارع رئيسها راشد الغنوشي إلى زيارة قطر ليتحدث باسم الثورة ويقدم شكره وامتنانه لأميرها على دعمه لها، على الرغم من أن جماعات الإسلام السياسي بما فيها النهضة لم يكن لها دور يذكر في ثورة قادها فقراء الجهات الداخلية الفقيرة والأحياء الشعبية الأشد فقرا. لم تكن النخب السياسية والفكرية بغافلة عن خلفيات الدعم السياسي والضخ المالي السخي الذي تغدقه قطر على النهضة، بل كثيرا ما حذروا من خطورة التدخل في شؤون التونسيين، فقد وصف المفكر التونسي هشام جعيط حركة النهضة بأنها "حزب قطر في تونس" . وبدا الدور القطري في تونس التي كثيرا ما تفخر بسيادة دولتها وبلبرالية مجتمعها وحداثة نخبها "نوعا من إغراق البلاد سياسيا وماليا"، فقد أرجع السياسي والخبير في التنمية الاجتماعية عبد المجيد البدوي هذا "الدعم المريب" إلى ما أسماه ب"سياسة الإغراق، إغراق تونس في الإسلام السياسي من جهة لضرب القوى الحداثية ونخر المؤسسات السيادية للدولة، وإغراقها ماليا من خلال إثقالها بديون ذات فائدة مرتفعة". وبرأي البدوي فإن "تونس لم تتعرض، منذ استقلالها عن الاستعمار الفرنسي عام 1956، إلى انتهاك سيادتها مثلما تتعرض إليه اليوم من طرف أجندة قطرية أميركية تنفذها النهضة". ويلاحظ عبد المجيد البدوي أن "الهدف الإستراتيجي لهذه الأجندة يتمثل في إغراق المجتمع التونسي المنفتح والمتعدد سياسيا في نمط مجتمعي مغلق على ذاته ولا يرى في الحداثة سوى نوعا من الاغتراب عن الذات وهو نفس المجتمع الذي تسعى إلى إقامته حركة النهضة". أما الأمين العام لحركة الوطنيين الديمقراطيين شكري بلعيد فقد حذر رئيس النهضة راشد الغنوشي من "مغبة رهن تونس إلى مراكز نفوذ البترودولار" مشددا على أن دعم قطر للنهضة "لا يعني للتونسيين سوى تدخلا سافرا في الشأن الوطني ومحاولة يائسة لضرب القوى الديمقراطية التي ترفض المساس بقيم المجتمع التونسي وفي مقدمتها قيم التسامح والتعايش". ولم يتردد زعيم الحزب الجمهوري أحمد نجيب الشابي في اتهام النهضة ب"سعيها لنخر مؤسسات الدولة الحديثة من خلال الهيمنة عليها من أجل أسلمتها" في إطار تنفيذ مشروع إسلامي "تتبناه مختلف جماعات الإسلام السياسي التي تلقى دعما من بعض دول الخليج وخاصة من دولة قطر".