تصريحات عبد الفتاح مورو، التى نقلتها وكالات الأنباء العالمية، حيال الدعاة السعوديين الذين ينقلون المذهب الوهابى إلى تونس، يجب أن نقف عندها طويلاً. مورو شخصية لها مكانتها الكبيرة فى الحركة الإسلامية بتونس، بل بات الرجل الثانى الآن ثقلاً بعد راشد الغنوشى، وما تضجّر منه أن ثمة دعاة سعوديين: "يأخذون شبابًا ليس لديهم معرفة دينية سابقة وحديثى العهد بالصلاة ويعلمونهم قواعد الفكر الحنبلى (...) ويهيئونهم لأن يصبحوا طابوراً فى بلدنا يدعو إلى استبعاد المذهب المالكى والفقه المالكى وإحلال المذهب الحنبلى محله"؛ يحتاج من المتابعين والمسئولين لدينا إلى تأمله. الاتهام استطال أنّ هؤلاء الدعاة يدفعون مبالغ مالية لهؤلاء الشبّان، وأنهم يحدثون فتنة مذهبية، وينتهى بتحذير للتوانسة منهم. بالتأكيد، للتصريح بُعد سياسى، مع حضور التيار السلفى فى تونس وممانعته لكثير من أداء حزب (النهضة) التونسى، عبر تظاهرات واحتجاجات، ومؤخراً منعوا (فى 15 أغسطس) فرقة موسيقية إيرانية من تقديم عرض فى اختتام المهرجان الدولى للموسيقى الصوفية والروحية بولاية (القيروان) لأن الفرقة "شيعية، بل وقامت مجموعة منهم بالاحتجاج على مهرجان "نصرة الأقصى" بمدينة (بنرزت) لحضور المعتقل اللبنانى السابق فى إسرائيل سمير القنطار، الذى اتهموه بتأييد نظام الرئيس السورى بشار الأسد، ومهاجمته الصريحة للسعودية وقطر، وأنه ضد الثورة فى سورية. من وجهة نظرى أن تصريحات مورو تأتى فى سياق غزل (النهضة) وغرامها الأزلى مع إيران، ومن أسوأ ما يقوم به بعض الإسلاميين فى العالم ابتزازنا بالعلاقة مع إيران، ففى تونس مركز ثقافى إيرانى كبير، يرعى حركة التشيّع فى تونس والشمال الأفريقى بكامله، ولم نسمع كلاماً من (النهضة) أو احتجاجاً من أحد قيادييها عليه. ولنكن صريحين يا محبى حركة (النهضة)، ولنضع النقاط على الحروف، فللغنوشى علاقته، بل وهيامه الكبير بالثورة الخمينية، فهو فى كتابه الشهير، الذى احتفلت به (النهضة) فى مؤتمرها الأخير: (الحريات العامة فى الدولة الإسلامية) سطّر فى الإهداء – ضمن من أهدى - اسم آية الله الخمينى، وقال نصاً إن: "الثورة الإيرانية ملهمة"، ودونكم مثالاً لهذا الغرام؛ دعوة (حزب الله) لمؤتمرها التاسع- العلنى الأول- فى تونس قبل شهر، رغم موقف نصر الله من الثورة فى سورية، ورغم كل السخط الكبير من الحركات الإسلامية السنيّة أجمع على موقف (حزب الله) وأمينها مما يحدث فى سورية، وتبرير ذلك الحزب، للمجازر والانتهاكات بحقّ الشعب السورى، والدفاع عن قاتل الأطفال والنساء وزمرته العلوية. ما تقوم به (النهضة) من محاولة "شيطنة" السلفيين، وربطهم بدعم السعودية لهم؛ له بُعده السياسى الحاضر، ومن أسفٍ أن تقوم بعض وسائل الإعلام الخليجية، بترسيخ ذلك، ليس فقط على مستوى تونس، بل على مستوى العالم، ودونكم تصريحات وزيرة العدل البلجيكية فى الأسبوع الماضى بأن ألف سلفى فى مدارس تروج للإسلام المتطرف، واتهمت الصحف الغربية مباشرة – تعليقاً على تصريحها - السعودية بأنها ترعى تلك المدارس، وتأتى وسائل إعلام الأشقاء لتنقل أمثال هذه الأخبار بطريقة شائهة، تسىء إلى بلادنا ومنهجنا المعتدل، الذى قدّمه خادم الحرمين الشريفين فى مؤتمرات حوار الأديان والثقافات. ستبقى هذه الاتهامات الإعلامية السخيفة تلاحقنا، وسنظل فى وجه مدفع الإعلام الغربى وأذنابه فى البلاد العربية، يتصيّدون الأخطاء، ويربطوننا بطريقة رخيصة بأى أحداث تقع من إسلاميين، رغبة منهم فى تشويه صورتنا، وابتزازنا، ولكن يجب فى مقابل ذلك، المبادرة إلى وضع خطة لحملات إعلامية مركزة، توضح صورتنا الناصعة والسلفية الحقّة، التى نحن عليها، والتى نقدمها للعالم، ولدينا ترسانتنا الإعلامية القوية، التى أثبتت الأحداث قوتها وأثرها، فى تفنيد أمثال هذه الاتهامات التى تطالنا وتطال منهجنا المعتدل. إذ لسنا معنيين بحركات التطرف فى العالم، ونحن من اصطلى بنارها عبر تلك الشرذمة الغالية من أصحاب المنهج الضال، التى قدّمت زوراً أنها السلفية، ولسنا معنيين كذلك بالسلفيين الجامدين الذين يحرّمون مباهج الحياة، والمزاحمة فى سلم الحضارة الإنسانية، والانفتاح والتماشى مع روح العصر بما لا يصادم ثوابتنا. نعتز حقاً فى السعودية بأننا أصحاب منهج سلفى معتدل ووسطى، لا ذلك المنهج المتطرف، الذى يحاولون إلصاقه بنا. إعلامى سعودى