لجأ المستثمرون السوريون إلى مصر بأنفسهم وبأموالهم هربًا من جحيم بشار... جاءوا إلى مصر ليضخوا بعض الأموال في اقتصادها المتعثر، لكن الأغلبية العظمى من اللاجئين السوريين تبحث عن فرصة للرزق في بلد يعاني مواطنوه البطالة. قدر عدد الشركات الاستثمارية السورية التي أسست في مصر بنحو 365 شركة حتى أكتوبر 2012. وقال رئيس مجلس الأعمال السوري المصري خلدون الموقع إن "مجموعة من رجال الأعمال السوريين، بدأوا خطوات فعلية لضخ استثمارات جديدة في مصر تتجاوز 500 مليون دولار في مجالات الغزل والنسيج والملابس الجاهزة والخيوط والأقمشة في العديد من المدن الصناعية المصرية". وأضاف أن "هذه الاستثمارات تأتي كمرحلة أولى وتتركز بالمدن الصناعية المصرية مثل العبور والعاشر من رمضان بالإضافة إلى 6 أكتوبر والسادات". وتقول نائب رئيس هيئة الاستثمار المصرية نيفين الشافعي: "نصف الاستثمارات السورية في مصر اتجهت إلى قطاع الصناعات الغذائية الذي يبرع فيه السوريون". ويلي ذلك قطاع النسيج والملابس الجاهزة بسبب المهارة السورية في ذلك المجال ثم قطاع الصناعات الهندسية والمعدنية خاصة الألمونيوم، حسب "الشافعي". ويأتي أغلب المستثمرون السوريون إلى مصر من مدينة حلب، مركز سوريا التجاري والصناعي، والتي شهدت معارك مدمرة بين الجيش السوري والمعارضة السورية المناهضة للرئيس بشار الأسد. وانتشرت في القاهرة في الفترة الأخيرة مطاعم صغيرة تقدم الأكلات السورية الشهية، خاصة في حي المهندسين بالجيزة، حيث يتهافت المصريون على ما تقدمه من ساندويتشات الشاورما. ويقوم أصحاب هذه الأعمال بتوظيف إخوانهم من اللاجئين السوريين الباحثين عن عمل.. ولكن ليس كل اللاجئين من ميسوري الحال، كما أن صعوبة تحويل الأموال من البنوك في سوريا إلى الخارج، والمعارك المستعرة أجبرت الكثيرين على الفرار بالمبالغ النقدية التي كانت في متناول يدهم فقط. وقدر عدد اللاجئين السوريين في مصر بأكثر من 150 ألف شخص في أكتوبر الماضي حسب "محمد الديري" المتحدث باسم المفوض السامي للأمم المتحدة لشئون اللاجئين. ومن المتوقع ارتفاع العدد بعشرات الآلاف، الذين لجأوا إلى مصر خلال شهري نوفمبر وديسمبر. ومن هؤلاء 13 ألف فقط مسجلون لدى المفوضية التي تقدم لهم معونات من مأكل ومسكن ورعاية صحية وتعليم. واضطر الكثيرون للجوء إلى المؤسسات الخيرية المصرية والمنظمات الأهلية التي كونها سوريون لتنسيق وصول المعونات إلى اللاجئين السوريون ليتمكنوا من العيش في المنفى. في الشقة الصغيرة العارية جلس أبو مروان وأفراد عائلته يسحبون أطراف ملابسهم تحتهم في محاولة لعزل صقيع البلاط عن أجسادهم. أبو مروان كان صاحب متجر للمنسوجات في سوق حلب القديم الذي دمر بالكامل، فر مع زوجته وولده وابنتيه واصطحب معه أيضا إلى القاهرة والدته المسنة وعائلة صهره المكونة من 5 أفراد أحدهم رضيع. تقول زوجته أمنية "دمر منزلنا ومتجرنا وجئنا إلى مصر. في البدء استأجرنا منزلا لكن مع تعذر الحصول على عمل نفد المال". وتضيف "عندها اضطر أبو مروان - مثله مثل كثير من السوريين - للتوجه إلى جامع الحصري بمدينة 6 أكتوبر ووجد لنا إمام الجامع منزلا يملكه مصري يعيش في الخليج لنسكن فيه حتى يفرج الله كربنا". أحمد بسطاوي، سائق مصري، بسيط الحال يحاول مساعدة عائلة أبو مروان... أحضر لهم أغطية للشتاء الذي جاء قارسًا هذا العام على غير العادة، وجمع لهم تبرعات نقدية، وأقنع جيرانه بالتخلي عن مدفأة قديمة لتستخدمها الأسرة اللاجئة في انتظار الفراش والأدوات المنزلية التي ستأتيهم عن طريق الجامع. ويقول بسطاوي "لست ميسورا ولكن لدي ما يكفيني وينزف قلبي حينما أرى شعبا عزيزا مثل الشعب السوري يتعرض للجوء والحاجة". ويضيف بأسى: "أرى الانقسام في مصر والأوضاع المتردية، وأقول إنني قد أكون يوما في مكانهم، عندئذ لن ينفعني سوى ما قدمته من خير". وتقوم جمعيات خيرية مصرية ، خاصة إسلامية، واتحاد شباب الثورة ومبادرة "جسد واحد" بتقديم معونات وتوفير مساكن للاجئين السوريين. ويقول معاذ سعيد، وهو رجل أعمال سوري كون جمعية أهلية لتنسيق المعونات إن كثيرا من المصريين المقيمين في دول الخليج وضعوا منازلهم الخالية تحت تصرفنا لإيواء اللاجئين السوريين من غير القادرين. ويتركز العدد الأكبر من اللاجئين في مدينتي 6 أكتوبر والشيخ زايد القريبتين من القاهرة. وأدى تهافت السوريون على المنازل إلى ارتفاع الأسعار بنسبة تصل إلى 40 بالمئة في بعض الأحيان، حسب مهدي الأمير، سمسار عقارات. "يأتي الوافدون إلى هذه المناطق لأنها غير مكتظة بالسكان مثل باقي القاهرة، كما تتوافر فيها مساكن خالية كان قد اشتراها مصريون مقيمون في الخليج كاستثمار، أو اقتناها مصريون ميسورون قبل ثورة 25 يناير كمنازل ثانوية، وآثروا التخلي عنها بعد الأزمة الاقتصادية"، حسب الأمير. وإلى مدينة دمياط مركز صناعة الأثاث في مصر، اتجه أكثر من 1500 شاب للعمل نجارين في ورش يملكها مصريون، حسب سعيد. وأثار ذلك حنق بعض الشباب المصري الباحث عن عمل. يقول محمد الجمال - 22 سنة خريج هندسة: "يمثل اللاجئ السوري منافسة لنا حول فرص العمل النادرة أصلا فهو يقبل بأجر أقل وبساعات عمل أكثر، لكن في ظل البطالة يجب أن تعطى الأولوية للمصريين". ويضيف زميله منصور عبدالعال: "على الحكومة المصرية أن تضع ضوابط لذلك، فلا يعقل أن يكون لدينا كل هذا الشباب العاطل وكال هذا الفقر والنقص في الخدمات الصحية والتعليمية ونمنح اللاجئين نفس ما يحصل عليه أبناء البلد". وبلغ عدد العاطلين في مصر أكثر من 3 ملايين خلال عام 2011، بنسبة تبلغ 12% من إجمالي القوى العاملة، حسب جهاز التعبئة والإحصاء. ودعمًا للشعب السوري، أمر الرئيس المصري محمد مرسي في سبتمبر الماضي بمساواة الطلبة السوريين بالمصريين في المصاريف الدراسية. ويتوجب على الطلاب العرب والأجانب الذين يدرسون في مصر دفع مبالغ كبيرة لقاء حصولهم على خدمات تعليمية بالمدارس والجامعات المصرية تصل إلى ما يعادل 5 آلاف جنيه استرليني للعام الجامعي الواحد. وأشاد حسام سويد - طالب سوري يدرس بكلية الطب بالقاهرة - بهذا القرار، حيث إن مصاريف الدراسة "كانت تبلغ للطالب المستجد 3 آلاف جنيه إسترليني، لكن بعد تطبيق القرار يتم دفع 1500 جنيه مصري مثل الطلاب المصريين" أي 5 بالمئة فقط من المبلغ الأصلي.