لاحت برأسى غيوم الأفكار، واعتذرت سمائى عن الإنهمار، وآسرت أن تحفَظ ذلك التاريخ عن ظهر قلب وتُدَون على حافظته عبارة ( شىء ما فى الأفق )، فليست كل الأحداث يُمكِن تركها فى خزانة الذاكرة ليطعنها النسيان .. هناك تفاصيل يبقى أثرها كالجُرح الغائر الذى لا يتوقف نزيفه الداخلى مهما غيبته الأيام. حين تندفع فطرتك فى الثقة بالجميع وتَهِب مَن لا يستحق ما لا يستحق، تُصاب وقتها بحالة من العَطب الانفعالى وتبقى ذاتك متجمدة من الخارج فقط، لكنها تحوى فى جوفها لهيب حارق، وقد يأتى الوقت الذى ينصهر فيه ذلك الجليد الكاذب ليعلن مع انهماره (كم أنك لا تُجيد أرتداء الأقنعة كالأخرين). مؤسف حقاً أن تكون ناصعاً وسط غيمة رمادية لا تختلف فى غدرها عن الدوامة التى تخطف ضحاياها الى القاع، ثم تعود تلفظهم جثثاً باردة على السطح، كما هو مؤسف أيضاً أن يحيط بعالمك حفنة من النفوس البشرية الرديئة التى تؤرق ملكوتك بحفيف أوراقها الجافة الصفراء التى تتطاير فى أركان مملكتك كى تنتزع نضارة إخضرارك وبهجة عالمك الفواح. إذن.. عليك أن تأخُذ مسافتك المتساوية من كافة الغادرين وتتأهب لتصفية حساباتك بحدس فتى لن يتآمر عليك مثل الجميع .. تُرى ما هى نواياك ؟ وماذا أنت بفاعلٍ مع هؤلاء ؟ وما هو الشىء الذى يختمر بالأفق ؟ وكيف لك أن تعيد قراءتك لهم بعد كل هذه الأقنعة المتساقطة ؟ فى الواقع تقف عبارة وحيدة على مِهبَط حروفى، ألا وهى (كُن على قدر ذاتك اللامعة البراقة ولا تُطفأها بلحظات ثأرية ساذجة) .. هناك بشر لابد أن تُصيبهم رغماً عنهم بصفعة تهدم غرور شرورهم، وتلقنهم بشرف الفرسان درساً لن يُبرح ردهات قلوبهم الخاوية وعقولهم المتزاحمة، ولكن الأدوات المستخدمة نحو تلك الغاية بالغة الأهمية. فقط إبقِ كما أنت شارعاً فى وجوههم أعلام نصرك وحَطِم كبرياءً متغطرساً يفقد حواسه الخمس، ليَسقُط سهواً بإعاقته الكاملة أسفل قدميك كالأبراج الشاهقة فى حماقتها، المنهارة فى ثوان معدودة بفعل (ديناميتك) الذكى المدهش . وما نصرهم فى حقيقة الأمر إلا بتقهقر قناعاتك وانضمامك للقطيع فى خنوع، لذا دع بَارودك الأنيق الذكى فى خزانة المدفع وأطلق بثبات شامخ ضرباتك السديدة على حصونهم الغبية الدنِسة، وسَجِل بين أوراقك (كم أن الصمت الوقور ينتصر على ثرثرة الأفاعى ذات الفحيح القاتل) .. فهم مجرد كائنات منبوذة مُصابة بالصمم وأسيرة للحركات الحمقاء طيلة الوقت.. تسعى باستماتة إلى مواراة ضعفها وقبحها بمثل هذه الجَلبة والهيبة المصطنعة، فمن ذا الذى يعزف للأفاعى والحيّات، ولا يحمل فى داخله رغبة عارمة فى قطع رؤوسهم . والأن دَع كل ما يتبَدى لك من أشياءٍ طاعنة مُعلقاً بالأفق.. دائماً أرمقها فى حضرة ذلك الشجن الباكى سراً، كى لا تنسِ الدرس قط، وانتظر لحظة تصفو بها سماؤك وتصحو فيها أجواؤك ويشرق معها نهارك بلا غيوم عالقة فى الأفق.. واحفظ فى عقلك الصابر وقلبك الغافر كم كنت مخلصاً لذاتك وفطرتك، وانتظرت إنصافاً حكيماً يلقن الحاقدين درساً أبداً لن يبرحهم طيلة رحلتهم المليئة بهمس الشياطين الواشى. المشهد .. درة الحرية المشهد .. درة الحرية