في إطار جهود معهد الكويت للأبحاث العلمية المتواصلة للاهتمام بالبيئة ومكوناتها الحيوية المختلفة، ومواصلة لرسالته الهادفة للمحافظة على الكائنات الحيوانية والنباتية وحمايتها ورصدها وزيادة وعي المواطن والمقيم بها، وبأسلوب جذاب يتخذ من المنهجية العلمية أسسا للبحث والتوثيق، أصدر مساعد الأبحاث في مركز ابحاث البيئة والعلوم الحياتية بالمعهد أسعد الفارس مؤخرا، «دليل تصنيف الأفاعي الصحراوية ذات القرون في البيئة الكويتية»، ويقع الكتاب في 155 صفحة من القطع المتوسط باللغتين العربية والانجليزية، كما يحتوي على معلومات نوعية ودقيقة حول انواع وأماكن تواجد الأفاعي ذات القرون في البر الكويتي، مدعومة بالصور الحية والرسوم التشريحية والتوضيحية لها، ويعد الدليل بمنزلة دراسة علمية رصينة، ومرجعا مهما للباحثين والدراسين في هذا التخصص. واستهل الفارس كتابه بمقدمة لخص فيها مدى حاجة الإنسان للتنوع البيولوجي، مؤكدا ان جميع الأحياء تؤدي لنا خدمات كبيرة، وبدورها تتطلب منا الحماية والتنمية المستدامة، كما ان الأنشطة البشرية أدت الى تدمير موائلها الطبيعية، مثل ازالة الغطاء النباتي وتجريف التربة وانتشار التصحر، مما ادى الى انقراض الكثير من الكائنات الحية واندثارها، موضحا ان الحاجة أصبحت ملحة في الكويت لرصد وتوثيق تلك الكائنات وتوفير معلومات دقيقة عنها، وقد اختار الكاتب الأفاعي الصحراوية ذات القرون «c.cerastes» عينة ومادة للبحث لتنوعها وانتشارها في البر الكويتي. 3000 نوع: ويفتتح الكاتب الفصل الأول بتعريف الأفاعي، مشيرا الى انها من طائفة الزواحف والحيوانات الفقارية التي تتميز بقدرتها على التكيف والتعايش في مختلف البيئات خاصة الصحراوية، وهي كائنات خجولة تهرب بمجرد رؤية الإنسان ولا تلدغ الا عندما تثار او تؤذى، كما انها تتغذى على الجرابيع والفئران والحشرات والضفادع، لافتا الى ان هناك بين 2900 و3000 نوع من الأفاعي تم اكتشافها واعتمادها حتى الآن، منها 270-400 سام، مشيرا الى ان السلوك والتشريح الفسيولوجي وهندسة الحراشف في الجسم تعد الوسيلة الأسهل للتمييز بين مختلف تلك الأنواع، بالإضافة الى ان الغطاء المحيط بجسم الثعابين «الجلد والحراشف» غير دائم ومتجدد باستمرار، ويقدم لمحة سريعة عن التمايز في شكل الحراشف، مبينا ان منها حراشف الرأس، والجسم، والبطن والذيل، ومنتصف الظهر وغيرها. الأفاعي الكويتية: ومن العام الى الخاص، ينتقل الفارس في ختام الفصل الأول الى الكويت، ليحط رحاله في الصحراء الكويتية، ويرصد شتى أنواعها، ويؤكد ان المشكلة الأساسية لدى معظم الناس تكمن في عدم التمييز بين الأفاعي السامة وغير السامة، ويشير الى ان بيئة الكويت البرية او البحرية مناسبة لحياة أنواع محددة من الأفاعي، منها ما يلي: ٭ «الأفعى العمياء»: وهي غير مؤذية للإنسان ويبلغ طولها من 12-17 سم. ٭ «بوا الرمل»: وتسمى «الدساس» لأنها تدفن نفسها تحت الرمال وطولها 50 سم. ٭ «الثعبان ورقي الأنف»: وهو غير سام ويتراوح طوله بين 30 و40 سم ويطلق فحيحا عاليا عندما يشعر بالخطر. ٭ «ثعبان الفئران»: ويعرف بالثعبان الأرقط البطن كما انه غير سام ويسكن في المناطق الصخرية والمهجورة ويبلغ طوله من 70- 95 سم. ٭ «ثعبان الرمل الفحاح»: وهو سام، ولكنه غير خطير، يتراوح طوله بين 70 و90 سم ويسمى «ابو السيور» ويطارد السحالي الصغيرة والطيور والقوارض. ٭ «الكوبرا الكاذبة»: وتسمى الأفعى العربية خلفية الأنياب، وهي سامة نسبيا ويبلغ طول الجسم من 70-80 سم، وتنتشر في الصحراء والأودية الغنية بالشجيرات. ٭ «الكوبرا العربية»: يتراوح طولها بين 120 و150 سم وهي سامة وسمها سريع التأثير ويؤثر في الأعصاب. ٭ «الأفعى الصحراوية السوداء»: وتسمى بالكوبرا المصرية، ويصل طولها احيانا الى 1.4 متر، ولونها اسود لامع واكتشفت عينة واحدة منها في الكويت. ٭«الأفاعي البحرية»: وتعد من الأنواع السامة وتعيش في شواطئ المياه بالكويت. ذات القرون: ويبدأ المؤلف الفصل الثاني من الكتاب بلمحة عن الأفاعي ذات القرون، ويوضح انها تندرج تحت اسم عائلة افاعي الفيبر كما انها خشناء يجرشن بعضها بعضا ولها قرنان قابلان للثني فوق العينين، ودقيقة العنق عريضة الرأس وتظهر بكثرة في الصيف مع اوائل الليل اذا سكن وهج الرمل، فمن وطئ عليها او مسها نهشته، وتدعى بأم القرون يتراوح طولها بين 30 و80 سم، عيونها بارزة، وألوانها رمادية مصفرة او داكنة، ويعلو ظهرها نقوش بنية مميزة، تلف جسمها على شكل رحى فوق الرمال، وتبدو وديعة خجولة، وفي المساء تكون متحفزة ثائرة لتندفع بسرعة نحو الفريسة، وتذهب للبيات الشتوي ما بين شهري نوفمبر وابريل من كل عام، وتخرج بعد ذلك لتمارس نشاطاتها، وتضع ما بين 15و20 بيضة وتفقس بعد 8 اسابيع، وتصل صغارها الى سن البلوغ بعد عامين. ويقول: «بالعودة الى السلوك الدوري للأفاعي ذات القرون او ما يعرف بالساعة البيولوجية نجد انها تتغدى على الجرابيع والفئران، وهي موجودة في البيئة الكويتية، كما انها ليلة النشاط نظرا لارتفاع درجة الحرارة في الكويت نهارا، وتقوم بتخزين الدهون والأغذية في اعضاء خاصة من جسمها في اشهر الصيف والخريف، وهذا الغذاء يكفيها للعيش طوال فترة البيات الشتوي»، ومنها الأفاعي الفارسية ذات القرون الكاذبة، والأفاعي ذات القرون الكاذبة الحقلية. أفاعي هوفن: ويسلط الكاتب الضوء في جزء آخر من الكتاب على افاعي هوفن ذات القرون، مبينا ان طولها يبلغ 80 سم وتغطي رأسها حراشف مقلوبة، ويتباين لونها وفقا للبيئة التي تعيش فيها، ما بين الرمادي والبني والأسود واحيانا الوردي، وتكثر في جنوب غرب السعودية واليمن وشمال افريقيا وفي سيناء بمصر، بالإضافة الى انها كائنات مفترسة كامنة تعتمد في الصيد على التمويه وسرعة الهجوم للامساك بالفريسة. ويصف الفارس بعد ذلك الأفعى العربية ذات القرون، كاشفا عن ان طولها يصل الى 84 سم، وغالبا ما يكون لونها رمادي او بنى شاحب، هي من الأنواع واسعة الانتشار في الجزيرة العربية باستثناء المناطق الجبلية ووسط الربع الخالي، وتتغذى على الفقاريات الصغيرة والقوارض، وهي من الأنواع الليلية المفترسة، وعندما تشعر بالخطر تدور جسمها على شكل حدوة حصان استعدادا للمواجهة، وتبيض من 4-20 بيضة كبيرة مستطيلة وتتراوح فترة حضانة البيض بين 70 و80 يوما، ولدغاتها تهدد حياة البشر. الأفاعي السامة: ويخصص الفارس الفصل الأخير من كتابه للحديث عن الأفاعي السامة، مؤكدا ان هناك 9 أنواع منها في شبه الجزيرة العربية، بالإضافة الى بعض الأنواع البحرية السامة ايضا، ومنها منشارية الحراشف، وذات القرون الكاذبة، الأفعى النافخة، والكوبرا العربية، والأفعى السوداء الصحراوية، والأفعى السودانية، والثعبان السام اصفر البطن، وكلها انواع شديدة السمية، وتعد الكوبرا العربية الاكثر خطورة. ويشرح للقارئ الآثار المتنوعة لسموم الأفاعي، موضحا انها تختلف من نوع لآخر وفقا للبيئة ونوعية الفرائس، فهناك السموم المؤثرة على الأعصاب وهي التي تسبب تلفا في الجهاز العصبي للإنسان، والسموم المؤثرة على الخلايا وتؤثر في انسجة وخلايا الجسم وتدمرها خاصة في مكان اللدغة، ثم السموم المؤثرة في الدم وهي الأخطر والأكثر تهديدا لحياة الانسان، وتؤثر في آلية تجلط الدم، بالاضافة الى السموم المؤثرة في العضلات، وتؤثر على العضلات الناعمة في الجسم وتعرضها للشلل. ويعرج المؤلف بعد ذلك على كيفية المعالجة الأولية لسم الافاعي وانقاذ حياة من يتعرضون للدغاتها، لافتا الى ان هناك 30 الف شخص يموتون سنويا بسبب لدغ الثعابين، مؤكدا مدى الحاجة الى وجود امصال نوعية مضادة لمختلف انواع سموم الأفاعي المتواجدة في البيئة العربية، مقدما عدة نصائح للوقاية من شرور الأفاعي مثل ارتداء احذية جلدية طويلة عند المشي في المزارع او الأماكن الصحراوية، وعدم التحرش بالأفاعي، والإصغاء لصوت فحيح الثعابين، وربط مكان اللدغ لتأخر سريان السم ناحية القلب، والتأكد من خلو جسم المصاب من الحساسية قبل اعطائه المصل اللازم. أعداء الأفاعي: ويختتم المؤلف كتابه بنبذة مختصرة عن اعداء الأفاعي ذات القرون في البيئة الطبيعية، مشيرا الى انها تعيش بتوازن مع بقية الأحياء، فكما تتغذى على بعض الكائنات، فهناك كائنات اخرى تتغذى عليها، مبينا ان الانسان ذاته من اشد اعداء الأفاعي، فهو الذي يقتلها بدون استثناء. ومن ألد اعداء الافاعي في البيئة الكويتية الكائنات الآتية: ٭ الورل الصحراوي: وهو من الزواحف، ويألف السهول المفتوحة، والبيئات الرملية في شبه الجزيرة العربية، ويترافق مع انتشار الضب، ويفترس صغاره، ومختلف انواع الزواحف. ٭ عقاب الحيات: يعد من صغار العقبان، وهو من الطيور الجارحة، وتدخل الافاعي ضمن نظام تغذيته، ويعيش في السهول والصحاري العشبية ويمر بالكويت مهاجرا في فصلي الخريف والربيع. ٭ غرير العسل: حيوان ثديي شرس من اكلات اللحوم، قوي المخالب، ليلي النشاط، يتغذى على عموم الزواحف، ومنها الافاعي يطاردها ما بين شهري سبتمبر واكتوبر. ٭ النمس الهندي: يعد من الثدييات، وهو حيوان متوسط الطول، خشن الشعر، يستوطن البيئات الزراعية بالقرب من التجمعات البشرية، وبارع في مواجهة وافتراس الافاعي. في النهاية، يبقى القول ان «دليل تصنيف الافاعي الصحراوية ذات القرون في البيئة الكويتية» مادة علمية ثرية بالتفاصيل والمعلومات الدقيقة عن هذا النوع من الافاعي، ومؤلف جدير بالقراءة والاهتمام، فضلا عن انه اضافة ثرية للمكتبة الكويتية والعربية التي تعاني نقصا في ذلك النوع من الدراسات. ديكسون والأفاعي: من منطق ان التراث هو مرآة الشعوب ومستودع معارف الناس وثقافتهم، وان البيئة هي شغل الانسان الشاغل، فقد خصص المؤلف جزء من الكتاب للحديث عن الأفاعي في التراث الكويتي، موضحا ان المعتمد البريطاني السابع في الكويت هارولد ديسكون تحدث عن الافاعي في البر الكويتي بشكل عام، والافاعي ذات القرون بصفة خاصة، مؤكدا انها كانت تكثر في المناطق الساحلية جنوبيالكويت وشمال الاحساء ومنها «الكوبرا» و«الأفعى القرناء» و«الافعى منشارية الحراشف». ويقول ديكسون في مذكراته: يسمى عرب الكويت الافعى «حية» في حين يطلق عليها البدو «داب»، وكلتا الكلمتين تشير الى جميع انواع الأفاعي، مبينا ان من ضمن الأسماء التي اطلقها البدو على الثعابين «حنش» و«هام» و«زاروق» وغيرها. ثروة حيوية: وتحت هذا العنوان يستعرض الفارس طرق تربية الافاعي في حدائق الحيوان حول العالم بغرض الاثارة او تسلية الجمهور، وكذلك لحمايتها وضمان تكاثرها، والحفاظ عليها من الانقراض، او لجمع سمومها واستخدامها كأمصال، معلنا ان الافاعي ثروة حيوية طبيعية لو احسن استغلالها، مقترحا إقامة مزرعة خاصة لتربية الافاعي السامة بالكويت خارج حديقة الحيوان، وتخطط على أساس البيئة الكويتية كأن تفرش بتلال وفرشات من الرمال وتزرع بها شجيرات متناثرة لتأوي اليها الثعابين في الصيف الحار، كما يجب ان تحاط المزرعة بالزجاج او البلاستيك المقوى حتى لا تعزل تماما عن الجو الخارجي.