أحياناً أتخيل أن سعد باشا يمشى فى شوارعنا ويعيش معنا، يأكل من طعامنا ويشترى فاكهتنا وخضارنا ويأكل من خبزنا ويدفع أثمان كل هؤلاء ويشرب من مياهنا، بل ويشترى المياة المعدنية لأنه فى النهاية سعد باشا بجلالة قدره، ويرسل أولاده أوأحفاده للمدارس المحترمة حالياً ( إن كان هذا النوع من المدارس لايزال موجوداً أصلاً!) ويدفع أسعارها ويذهب إلى إجتماعات أولياء الأمور مع المدرسين ويشترى الكتب الخارجية ويأتى بالمدرسين الخصوصى إلى المنزل أو يصطحب أولاده إلى الدروس ويدفع أثمان كل ذلك. اتخيله أيضاً يركب المواصلات العامة ويتعرض للسباب والتحرش والتلوث السمعى والبصرى ليخبر بنفسه كيف يعيش الشعب أو يوقف التاكسى الأبيض ( المفروض لونه أبيض ومكيف ومافيهوش تدخين وبالعداد!) ولو "بشرق" الباشا نفسه وصفيته وأخذ تاكسى لندن أو أى من تطبيقات المواصلات الحديثة واستمتع بالنظافة والخصوصية ثم لسعه السعر ودفعه راضياً أو كارهاً، وأتخيله جالساً أمام التليفزيون يتابع نشرات الأخبار متنقلاً بين قنوات التليفزيون المحلى مشمئزاً أوالقنوات العالمية متحسراً أومتابعاً لبرامج التحليلات السياسية والاقتصادية وبرامج التوك شو وأراه امامى فارغ الفاه وهو يتلقى الضربات عن اليمين والشمال من هذا الاعلامى أو ذاك وهو يدرك فى قرارة نفسه لى الحقائق وتذهله قوة الاعلام فى العصر الحديث ويوجعه قلبه من تخبط الناس من حوله وحيرتهم. أتخيل سعد باشا كرجل سياسى قديم ومحنك وهو يحاول التفكير جلياً فى سياسة البلد الداخلية، وكيف يتغلب على فساد أصبح مثل الشبكة لاتعرف بدايته من نهايته ولا أوله من آخره وتحتار من أين تبدأ فى تفكيكه لأنك تدرك أنه اختلط مع لحم البشر وعظامهم إلا من رحم ربى كما اختلط يوماً بمائهم وطعامهم وانه ربما من الأصلح أن يرحل القلة القليلة التى رفضت الفساد لمكان آخر يبدأون فيه حياتهم من جديد، أتخيله يحاول أن يصلح قطاعات بعينها فيحتارهل يبدأ بالتعليم ليحصد بعد عشرين عاماً أم يبدأ بالصحة ليوقف تدهور صحة المواطن أم يبدا بالزراعة ليوفر الغذاء السليم بسعر جيد أم يبدأ بملف نهر النيل الذى يهدد أمن مصر السنين القادمة دون أن ينتبه احد أم يبدأ بالصناعة فينشىء المصانع ويوفر فرص العمل والعملة الصعبة من التصدير أم يبدأ بالخارجية ليحسن علاقات مصر بالخارج ويخوض حروباً تؤرقها أم يبدأ بالداخلية التى فسدت علاقتها بالمواطن فى العقدين الأخيرين من الزمن أم يبدأ بالثقافة التى تدهورت وانحدر مستواها؟ أتخيل أن سعد باشا سيصيبه صداع قاتل لكنه لن يقول "مافيش فايدة؟" لأن سعد باشا لم يكن ليقول هذا، لكنه ربما سينظر إلى صفيته وينعقد حاجبيه ويقول " أتعرفين ماهو المرارالطافح يا صفية؟ هو أن تعيشى فى مصر وتتجرعى مرار الحياة فيها ولكنك تعشقيها فلا يتسنى لكِ أن تيأسى منها أو تقولى لافائدة؟" المشهد .. درة الحرية المشهد .. درة الحرية