اتخذت شبكة الانترنيت وتقنية المعلومات منعطفا جديدا ذات أبعاد خطيرة، انعكست آثارها على المجتمع بأكمله،حيث أضحت أشبهما تكون بالثورة في حياةالبشرية جمعاء. ولعل أوامر النسخ واللصق، واحدة من تلك هذه التقنيات الخطيرة ، التي أصابت مجتمعاتنا في مقتل ، فأصبحت أداة سحرية للتقنع والتخفي خلف صور مزيفة ومشبوهة، فقدنا معها شخصياتنا وهوياتنا وثقافاتنا، ظهرت آثارها في كلامنا ، أفعالنا ، تصرفاتنا ، في أحلامنا ،أهدافنا وتطلعاتنا. لقد صارت منهجا يتبعه معظم البشر إن لم يكن كلهم بحثا عن إنجاز سريع ، ونجاحات يسيرة، فبحركة بسيطة على لوحة المفاتيح أصبحنا نزين باطلا، ونحلل محرما ، ونجمل قبحا. مع النسخ واللصق أصبحت عقول أبنائنا مملوءة بالكساد، مع النسخ واللصق أصبحت مجتمعاتنا في ملف التبعية والزيف والتقليد، مع النسخ واللصق ، أصيبت أمتنا بكسل ذهني وعقم حضاري، مع النسخ واللصق اعتمدنا أفكار الآخرين دون أن نكلف أنفسنا عناء التفكير فيها، مع النسخ واللصق ركنا إلى حياة الدعة في أودية التقليد والتبعية، مع النسخ واللصق عطلنا عقولنا وأخمدنا مواهبنا، مع النسخ واللصق حجمنا قرائحنا وأبهتنا عقائدنا ،مع النسخ واللصق أصبنا ببرود مشاعرنا و قساوة قلوبنا، مع النسخ واللصق استوردنا أفكارا إرهابية وضلالات فكرية وتعصبات عنصرية، مع النسخ واللصق تحولنا من آفاق الإبداع إلى حيز الإتباع ومن مناخ المساءلة إلى مناخ التسليم، ولهذا أصبنا بحالة من التيبس الفكري، فتتوقفنا عن النمو العقلي، وضمر انتماؤنا الوطني، واغتصبت هويتنا وأصبحت ثقافتنا العربية مهزومة، فكان التقهقر الحضاري والانحطاط الثقافي والاجتماعي، والضعف الديني ،هو الناتج الطبيعي على المستوى الفردي و الجمعي،فإلى متى سنظل نسخا مكرورة؟ متى سنحدد هويتنا ونعزفها منفردة على جدران حضارتنا؟ متى سنكون أصلا يسترشد به الآخرون؟ متى نشحذ أذواقنا بأقطاب الهمة والوعي ، ونتخلص من الجمود والعجز والكسل؟ متى نخرج من هذه الدوامة؟ إن حضور الوعي هو المهاد الفكري الضروري للانعتاق من قيود الاستنساخ، والانطلاق نحو استقلالية المعرفة ، وهذا لن يكون إلا بتعطيل ذر " النسخ واللصق" الكترونيا ، وتشغيل ذر التفكير والإبداع عقليا. فجر طاقاتك الكامنة ، عطل منهج النقل واتبع منهج العقل ،احترم عقلك وحصنه من الهكرز والاختراق ، اشحذ روحك بأقطاب الهمة والوعيولا تنساق خلف ثقافة بليدة يقودها الاستنساخ الذي يبعدنا عن الرؤية المنصفة ، جرد حياتك من ثقافة النسخ واللصق كي تعيش حياة حقيقية واضحة غير مغلوطة ،حياة ذاتك لا حياة غيرك . المشهد .. درة الحرية المشهد .. درة الحرية