لم ينجح الفكر العربى والفكر الاسلامى مجتمعين فى افراد متون جادة لتأصيل عميق او تحليل منهجى لتفسير التمظهر المتعدد لثقافة العنف وسلوكيات الكراهية، تجاه الذات او نحو الآخر، وصولا الى فهم جذور وفروع لوثة الارهاب فى سياق تاريخى أيديولوجى وسيسولوجى للجماعات والتيارات، متناسين العنصر المؤسس أو المريد الملتحق وهو الفرد ، المواطن ، الانسان ، كمكون لتلك الكتل أو الكيانات أو المنظمات والجماعات العنيفة. لكن ظلا الى اللحظة الراهنة يقدمان تقييمات أمنية ووجهات نظر رفضوية وغالبا بشفاهة مبتذلة او بتدوينات مغردة وتصريحات متلفزة، كتلك الحملات من التعليقات الارتدادية على الأحداث الإجرامية، التى عادة ما تكون مفاجئة ومربكة، لأنها لم تكن تحت مراصد الدراسة او ضمن مفردات البحث، كونها ليست من أصول التفكير التى استحوذت عليها عناوين الحكمة والإصلاح والولاية والجهاد. وقد نجح البعض فى حصريتها وابعد عن مركزها وقطرها مبدأ الاشتغال والانشغال بقراءة واستقراء ما لدينا من غلو وشطط وتشدد وتطرف، تلبس بعض الدعاة والوعاظ والمفكرين الجدد. هم بالأساس من المجتهدين المهرة بترويج واشهار مناهج العنف والمتفرغين لجذب القلوب وتفريغ العقول وحشوهما بنتاجاتهم المنحرفة وتصوراتهم الشائهة عن الدين والدنيا والحياة والإنسان والمجتمع . إننا بحاجة الى الاعتراف بوجود خلل كبير وفساد خطير بالسلوك وداء عضال بالنفوس، وإننا بتنا نشكل بنِسَب معتبرة ومعايير وتقييمات مضطردة، خطرا على أنفسنا ومجتمعاتنا من هذه العنفية المستشرية والانتقامية المتفشية بيننا، فما يحصل من قتل وذبح وتنكيل ووحشية من العراق وسوريا شرقا ومجازر باليمن والصومال جنوبا ومذابح فى بر ليبيا وبحرها غربا، وما وصل مداه بالغرب الأوروبى وطال ضحايا ابرياء من اليابان وفى وسط افريقيا، يحمل طبعة المسلمين ويزعم فعلته انتماؤهم لديارنا ولدين الاسلام ما يصيبنا بالوصم ويضعنا بحالة تصنم لفظى وذهنى حياله، عدا التبرؤ والنبذ لتجاوز العطلة العقلية عن فهم الأسباب وتحديد المحفزات المنشطة لهذا العنف القهرى والارهاب الدموى الذى تجاوز حدود الانسانية الى البربرية، خاصة وانه يدعى المرجعية الفكرية ويزعم امتداده لمنهجية دينية كما يعلن على افعاله وأقواله صفتنا وهويتنا. لعل أفضل ما قدم لكبح دواليب الجهل الزاحف وتخريد مناهج التخلف وعقائد الإفساد والتصدى لحملات الاستلاب والتفريغ والحقن لأذهان وذهنيات الشباب اليافع لم يتجاوز الإعلانات الإرشادية واليافطات التعبوية من نخب الفكر أو مراجع التنظير، فكانوا أشبه بل هم كذلك محض خطباء بقراءات وعظية مكرورة توالى وتوازى خطابات التوجيه الأمنى للسلطة الحاكمة، فتقدم لها الاستشارة المبتسرة او الفتوى المختصرة التى تدور بين التحريم والإنكار مع انعدام للرؤية فى التفكير والمنهج فى التحليل. ومن ثم طرح المعالجة الشاملة باعتماد المساعدة من علوم الانسان الاخرى كالاجتماع والنفس حتى الاقتصاد والسياسة. الواقع أن ظاهرة الارهاب وتبعاتها العنفية وسلوكياتها الاجرامية تقف على ركام واسع من حطام الثقافة وحطام الانسان بمجتمعاتنا وتستمد وقودها المدمر من مظالم وغليات وأغلال وفرت للمنجمين بين تصدعاتنا الاجتماعية والنفسية الكشف عن الإحباطات الفردية والجمعية لشحن البشر بالشراسة وشحذ السيوف بِعد النفوس بالحدة والغلطة والقسوة. ويبقى ويظل لفكرنا المعاصر وسياساتنا الدارجة وحكوماتنا الراهنة عوز الحكمة وطفرة الجنون فهى ايضا متشددة ومتسلطة وقاهرة، وسنعود كما اعتدنا مالم نتجاوز تقاليدنا الفاشلة فى التفكير وخطواتنا التائهة فى التحليل نراوح بذات المغرز بطروحاتنا النافقة ومناظراتنا المنافقة نجتر الهوامش والمراجعات البالية حول تورخة الحضارة والمفاخرة بمنجز السلف والتساؤل عن إكسير النهضة ومشارب التغيير مع تدرعنا وتذرعنا بحجاج الخاسر ودفاعنا بأغلظ البراهين بان الأغيار هم سبب تخلفنا وهم داء علتنا وهم سؤالنا الجاهز وجوابنا الطازج . رغم خواء العقل من ومضة التنوير وضمور عَصّب التفكير ، فما ثبت فحصه ورصد وجوده محض وبائية الجموح والجنوح وحمى اغتراب عن الأنسنة فى جسد تفشى فيه عصاب التكفير وعضلات العنفية لتفريغ العقول من رصانتها ورزانتها. وزير الثقافة الليبى السابق لمزيد من مقالات الحبيب الامين