هل كان شاعرنا المتنبى محقا فى عرض فلسفته عن الشقاء والنعيم، والتى ذهب فيها إلى أن صاحب العقل شقى، ولو أحاطت به أسباب النعيم، بينما يحيا الجاهل فى سعادة، ولو كان فى ظل الشقاء!! هل التفكير عند ذوى العقل شقاوة، والجهالة عند الجاهلين نعيم؟؟!! مفارقة غريبة!! جاء بها المتنبى فى بيته الشعرى الشهير: ذو العقل يشقى فى النعيم بعقلِهِ وأخو الجهالةِ فى الشّقاوة ينعمُ إن عقول البشر تتفاوت فى مقدار استعدادها لإدراك الحقائق والوصول إلى المعارف، وقد ذكر بعضالعلماء أنها على درجات مختلفة ومراتب متباينة، وأن هناك عقلا أكمل من عقل وعقلا أرجح من عقل، هذا التفاوت ناشئ عن اختلاف البشر فى مقدار انتفاعهم بتجاربهم واستعمالهملعقولهم . ومن هنا ندرك فلسفة المتنبى، فإن ما ذهب إليه به قدر كبير من الحقيقة، ولعل ما نراه فى عصرنا الحاضر،من معاناة أصحاب الفكر فى مجتمعاتهم ما يؤكد أن أصحاب العقل أكثر شقاء وبلاء فى هذا الزمن،وفى المقابل نجد أخا الجهالة ينعم فى نفس الحياة التى يشقى فيها ذو العقل !! فهل يكون الجهل وأحوالنا تلك نعيما لأصحاب العقول؟؟ هل نترك عقولنا لكى نعيش مع جهل الجاهلين فننعم ونحن أشقياء؟؟ سيظل أصحاب العقول فى شقاء بعقولهم، ولن ينعموا إلا بخلق مسار ومنطلق لوعى جديد يهديهم إلى بر الأمان، سينعمون إذا ما بعثوا الرماد الذى أحرقه الجاهلون، سينعمون إذا ما أحيوا المبادئ والقيم، سينعمون متى حصلوا العلم بحظ وافر، سينعمون عندما يرفضون أن يكونوا مكسورى الأجنحة، خائرى الهمم والعزائم، سينعمون إذا قضوا على النرجسية ورواسب إملاءات الماضى، سينعمون بالبناء والنهضة، ساعتها سينعمون بالعقل ويتنعمون به ويعيشون فى هديه، فالجهل موت لصاحبه، والعقل حياة للقلوب، ولله در القائل: وفى الجهل قبل الموت موت لأهله *** وأجسامهم قبل القبور قبور وأرواحهم فى وحشة من جسومهم *** فليس لهم حتى النشور نشور المشهد .. درة الحرية المشهد .. درة الحرية