كتبت آمنة وناس انتماءه لأرض حملت الإبداع عنوان، لتُفتح لها بوّابة التاريخ، لسفينة الحرف هو الرُبّان، بلسان ذو نطق بليغ و فصيح، يجيد ترجمة الوجدان، فنسجه للنفس يُريح، متعمّقا في قضايا الإنسان، بوصف دقيق و صريح، يرسم إحساسه بإتقان، فتارة فرح و أخرى جريح، يكتب الحياة عدل و طغيان، خليط ما بين الجميل و القبيح، تعابيره لم يخدشها النسيان، و لم تلهو بها زفرات الريح، فرغم مرور الزمان يبقى معنى كلماته للواقع طريح، عناق قلمه للورق رنّان، بين سؤال و جواب صحيح، فلا يقرأ شعره إلا بإمعان، للوقوف على السكّين و الذبيح، فكل جنازة يعرّفها الجثمان، و كل اسم في التراب يلقّب بالضريح، إلا لفظه زرع جنان، تعدّى عطرها الأرض للمريخ، هو الشاعر العراقي الراحل معروف الرصافي. س الشعر لمكنون النفس بوح و لعمق الذات مصباح، فالحرف ضمادا للجرح و المعنى لحال الروح إفصاح، للشاعر "معروف الرصافي" نظما في هذا المضمار، فماذا يعكس لنا قوله و لأي غرض ينسج مرقمه؟ ج لست على شعري أروم مثوبة و لكن نصح القوم جل مراميا، و ما الشعر إلا أن يكون نصيحة تنشّط كسلانا و تهض ثاويا، و ليس سريّ القوم من كان شاعرا و لكن سريُّ القوم من كان هاديا، فعلّمهم كيف التقدم في العُلى و من أي طرق يبتغون المعاليا. تركت من الشعر المديح لأهله و نزهت شعري أن يكون قذاعا، و أنشدته يجلو الحقيقة بالنُّهى و يكشف عن وجه الصواب قناعا، و أرسلته عفوا فجاء كما ترى قوافي تجتاب البلاد سراعا. طابقت لفظي بالمعنى فطابقه خلوا من الحشو مملوءا من العبر، إني لأنتزع المعنى الصحيح على عرى فأكسوه لفظا قد من درر، سل المنازل عني إذا نزلت بها ما بين بغداد و الشهباء في سفري. س يرى الفيلسوف الصيني "كنفوشيوس" " من يتكلم دون تواضع سيجد صعوبة في جعل كلماته مسموعة"، إلى أي مدى يوافق معتقد الشاعر معروف الرصافي" هذا القول؟ ج و ما الحمق إلا هو الاتكال على شرف جاء من والد، قالوا ابن من أنت يا هذا فقلت لهم أبي امرؤ جدّه الأعلى أبو البشر، قالوا فهل نال مجدا، قلت واعجبي أتسألوني بمجد ليس من ثمري، لا در در قصيد راح ينظمه من ليس يعرف معنى الدر و الدّرر. و أفحش القول منهم قول مفتخر، إن التمدح من عجب و من أشر و المرء في العجب ممقوت و في الأشر، و من يكن قائل شعرا عن مفاخرة فلست و لله في شعر بمفتخر، و إنما هي أنفاس مُصعدة ترمي بها حسراتي طائر الشرر، و هن إن شئت مني أدمع غزر، أبكي بهن على أيامنا الغرر، أبكي على أمة دار الزمان لها قبلا و دار عليها بعد بالغير. س يقول الشاعر العربي "أبو الطيب المتنبي" " ذو العقل يشقى في النعيم بعقله و أخو الجهالة في الشقاوة ينعم"، يقول الشاعر "معروف الرصافي" " ودَعوا التفهم جانبا، فالخيرُ ألاَّ تفهموا، وتثبتوا في جهلكم، فالشرَ أن تتعلموا"، لماذا هذه السخرية بقي متّفق عليها و لم ينجح الزمن في محو شعائرها رغم تقدّمه قرونا و قرونا؟ ج هي أوجاعنا من تزهر فينا هذه السخرية المؤلمة المحزنة، فالإحساس يبقى هو الإحساس لن يغيّره الزمن، فرغم أن العلم وجد طريقه فينا و حملت عقولنا أداته، لتشيّد الصروح و يعيا ذو الإحصاء عن حسبانها إلا أننا تدرّجنا نحو الهاوية لنجد أنفسنا في افتقار لما يجود به الأجنبي علينا، أليس هذا بؤس، ألا يحق للروح أن تنتكس، فبعد أن كنا أكبر أمّة مشهورة بفتوحاتها و علومها، يصبح للأجنبي سيادة فينا أما ابن البلاد فلا يسود، لننم و لا نستيقظ، ما فاز إلا النوم، فإن قيل هذا شهدكم مُر، فقولوا: علقم أو قيل أن نهاركم ليل ، فقولوا: مظلم س " أو قيل أن ثمادكم سيل، فقولوا: مُفعِم، أو قيل أن بلادكم يا قوم سوف تقسم، فتحمّدوا و تشكّروا، و ترنّحوا و ترنّموا"، أين الشاعر "معروف الرصافي" من نظرة نور نحو غد مشرق؟ ج ناح الحمام و غرّد الشحرور، هذا به شجن و ذا مسرور. س "جبلنا على حب الحياة و إنها مخيفة أحلام طافت بحالم"، كيف هي الحياة من منظور الشاعر "معروف الرصافي"؟ ج يسأل "المتنبي" "أين الذي الهرمان من بنيانه، ما قومه ما يومه ما المصرع"، فما أحد بالخالد و لا حادث الدهر بالراقد، فابق لك الذكر بالصالحات و خل النزوع إلى الفاسد و سر بين قومك في سيرة تميت الحقود من الحاقد، و لا تك مرمى بداء السكون فتصبح كالحجر الجامد، إذا اطّردت حركات الحياة و مرّت على نسق واحد و لم تتنوع أفانينها و دامت بوجه لها بارد و لم تتجدد لها شملة فما هي إلا حياة السّوام، و ما يرتجي من حياة امرئ كماء على سبخة راكد، و ليس له في غضون الحياة سوى النفس النازل الصاعد، يغضّ على الجهل أجفانه و يرتضى من العيش بالكاسد، فذاك هو الميت في قومه و إن كان في المجلس الحاشد، و ما المرء إلا فتى يغتدي إلى العلم في شرك صائد، سعى للمعارف فاحتازها و صاد الأنيس مع الآبد. س حسب "الإمام الشافعي" " من لم يذق مرّ التعلم ساعة، تجرّع ذل الجهل طول حياته"، هل يشارك الشاعر "معروف الرصافي" في هذا المعتقد و ما هي نظرته للعلم و التعلّم؟ ج ألا لفت منا إلى الزمن الخالد، فتغبط من أسلافنا كل مفضال، طلبتم صفو الحياة و أنتم بجهل، و هل تصفو الحياة لجهّال، و ما أنتم إلا كسكران طافح، تحسى من الصهباء عشرة أرطال، مشى بارتعاش في الطريق، فتارة يقوم و أخرى ينهوي فوق أوحال، يمد إلى الجدران كف استناده، فتقذفه الجدران قذيفة أذلال. إذا كان جهل الناس مدعاة غيّهم فليس سوى التعليم للرشد سلّم، فلو قيل من يستنهض الناس للعلا، إذا ساء محياهم قلت المعلّم. إن للعلم في الممالك سيرا مثل سيل الضياء في الأبعاد، إن للعلم دولة خضعت دوما استفاد الفتى و إن ملك الأرض بأعلى من علمه المستفاد، لا تُسابق في حلبة العزّ ذا العلم فما للهجين شأو جواد، إن أموات أمة العلم أحياء حياة الأرواح في الأجساد. س يقول العالم و الطبيب الفارسي "أبو بكر الرازي" "أنا لم أخصّ بالعلوم دون غيري لكني طلبتها و توانى الآخرون فيها و إنما حرموا منها لإضرابهم عن النظر فيها لا لنقص فيهم"، كيف يتفاعل الشاعر "معروف الرصافي" مع هذا الرأي؟ ج أبو بكر الرازي، عاش أعمالا جساما و إنما تقدر أعمار الرجال بأعمال، حكم، رياضي، طبيب، منجم، أديب و في الكيمياء حلال أشكال، لقد طبب الأرواح من داء جهلها كما طبب الأجسام من كل أغلال. استقى الرازي من العلم شربه، و سعى سعيه نحو التعلّم باديا بعلم لدى أهل التفلسف تفك به من جهلهم كل أغلال، فزاول أنواع العلوم تنقّلا نضا همّة في العلم مشحوذة الشبّا، و قد أكمل الطب المفيد قراءة على الطبريّ الحبر أحسن إكمال. كفى بالعلم في الظلمات نورا يبين في الحياة لنا الأمورا، فكم وجد به الذليل اعتزازا و كم لبس به الحزين سرورا، تزيد به العقول هدى و رشدا، و تستعلي به النفوس شعورا، لكن أين تلك العلوم و هي التي كانت ربوعي تذيعها في البلاد، كيف قضت خيامها زعزع الدهر و كانت رصينة الأوتاد، أقفرت سوحها و قد نعى العلم فلاحت تجرّ ثوب الحداد، أيها الدهر كما شئت فأفعل إذ حدا في ركائبي غير حاد. س يقول الشاعر العربي "أبو الحسن التهامي" " فالدهر يخدع بالمنى و يغضّ إن هنّا و يهدم ما بنى ببوار، ليس الزمان و إن حرصت مسالما خلق الزمان عداوة الأحرار"، هل يساند الشاعر "معروف الرصافي" هذا الرأي؟ ج تلونا أناسا في الزمان تقدموا و كم عبرة فيمن تقدّم للتالي، فالدهر يزمجر أحيانا و يضحك تارة، فيظهر في بردين للجد و اللعب، فلا هو في سلم فنأمن بطشه، يسالم حتى تأخذ القوم غرة، فيهجم زحفا في زعازعة النكب، الدهر كالميزان يصعد بالحصى و يهبط بالموزون ذي الثمن المربي. س على مرّ الزمن قالوا فيها الحكم، تعابير ما بين المدح و الذّم، ليتّفق الحرف و القلم بأن المرأة شمس و عَلمْ، الشاعر "معروف الصافي"، بهذه الفكرة، كيف يُلمْ؟ ج لقد أشقى المسلمون المسلمات، فقد سلكوا بهنّ سبيل خُسر و صدّوهنّ عن سبل الحياة، و قالوا شرعة الإسلام تقضي بتفضيل الذين على اللواتي، و قالوا الجاهلات أعفّ نفسا عن الفحشا من المتعلّمات، لقد كذبوا على الإسلام كذبا تزول الشمّ منه مزلزلات، أليس العلم في الإسلام فرضا على أبنائه و البنات، و كانت أمنا في العلم بحرا، تحل لسائليها المشكلات، ألم نرى في الحسان الغيد قبلا أوانس كاتبات و شاعرات، وقد كانت نساء القوم قدما يرحن إلى الحروب مع الغزاة، يكنّ لهم على الأعداء عونا و يضمّدن الجروح الداميات، و كم منهنّ من أسرت و ذاقت عذاب الهون في أسر العداة، فماذا اليوم ضرّ لو التفتنا إلى أسلافنا بعض التفات، فهم ساروا بنهج هدى و سرنا بمنهاج التفرّق و الشتات، نرى جهل الفتاة لها عفافا، كأن الجهل حصن للفتاة، و نحتقر الحلائل لا لجرم، فنؤذيهنّ أنواع الأذاة، و نلزمهنّ قعر البيت قهرا و نحسبهن فيه من الهنات. إن أخلاق الوليد تقاس حسنا بأخلاق النساء الوالدات، فكيف تظنّ بالأبناء خيرا إذا نشأوا بحضن الجاهلات، و هل يُرجى لأطفال كمال إذا ارتضعوا ثديّ الناقصات. س "لقد سمعوا من الوطن الأنينا لقد سمعوا من الوطن الأنينا"، كيف أيها الوطن أنينك يستكينا؟ ج إن التجارب للشيوخ و إنما أمل البلاد يكون في شباّنها، شباب كالصوارم في مضاء يُرون و كالشموس منوّرينا، بهم فقضت عن الوطن الديونا، هي الأوطان تجعل في بنيها و تتركهم أولي أنف و كبار، يرون حياة ذي ذل جنونا، و إن الموت خير من حياة يظل فيها المرء فيها مستكينا، و آية الله في التنزيل قائلة من كان يفسد في أوطانه صلبا. الله يحمي أوطاننا يا رب