- كلما عرفت أكثر ازداد همك واشتد ألمك وهاجمتك العلل والأمراض تماماً مثل الطبيب الذى يشعر بكل الأعراض التى يقرأ عنها فى كتب الطب.. ربما أكثر بكثير من المريض نفسه الذى يعانيها.. - وأفضل الجهلاء الذين لا يدرون جهلهم، ولا يدرون أنهم لا يدرون، ويكرهون كل شخص يسألهم أو يثير نقاشاً معهم. يريدون البقاء على ما هم عليه، مفضّلين الاغتباط بالتفاهات. متبعين قول الشاعر: فلما رأيت الجهل فى الناس فاشيا.. تجاهلت حتى قيل لى أنت جاهل - أما جهل الغيب فهو الآخر نعمة عظيمة من نعم الله علينا تجعلنا فى ارتباط دائم به، وتوكل وخوف ورجاء واحتساب لأننا نجهل القادم فيما يخصنا ومن حولنا. - وكل الأطباء والخبراء يقدمون لنا النصيحة ابتعد عن الفكر الذى يجلب لك الهم وبعده العديد من الأمراض المزمنة.. والتقرير الذى نشره الطبيب الإسبانى فرانشيسكو خورسيه فلوريه عضو جمعية الصحافة الإسبانية يؤكد أن هناك مجموعة من الأمراض والاضطرابات القلبية الخطيرة، والقلق النفسى والتوتر وارتفاع ضغط الدم وانفجار المخ، ومشاكل الجهاز الهضمى وأيضاً التنفسى.. وكلها أمراض تقصف العمر.. وهذا كله بسبب العلم والمعرفة. - اعرف؛ تشقى.. ونحن أبناء العالم المسمى بالثالث همومنا كثيرة، يكتوى بنارها الأكثر معرفة والأشد التصاقاً بغرف المعلومات.. فكثير من المعلومات الآن تثير الألم والحزن خاصة تلك التى لاتملك إزاءها سوى التسليم والندم على السعى لمعرفتها. - وإذا كنا نقول إن معدلات الأعمار فى تناقص فذلك لأن وسائل المعرفة تتزايد والمسافات بيننا وبين الحقائق تتلاشى. - وزمااان.. كان يوجد عمالقة يمثلون القدوة والمثل للصبية الصغار.. والآن.. عرفنا أكثر واقتربنا أكثر.. اختفت الهالة التى يصنعها الجهل والدهشة التى يدعمها بعد المسافات؛ فظهروا أمامنا مجرد بشر مثلنا محملين بالأخطاء والعيوب والفضائح والسوءات: لصوص، انتهازيين، عراة من الموهبة والشرف. - العلم إذن هو الذى سرق من أبناء جيلنا القدوة والمثل، وأضاع من بين أيدينا عمالقة ونابغين عظاما استمتعت الأجيال السابقة بوجودهم بينهم ولا شىء سوى الجهل وعدم وجود قنوات للمعرفة، صنع هذه المتعة. - فأنت عندما تفهم كيف تعمل الأشياء تفقدها هالتها السحرية وغموضها وقدرتها على ملء فراغات حياتك عندئذ تفقد كل الأشياء قيمتها الرمزية السحرية السابقة وتصبح الحياة أمراً عارضاً مكرراً عندئذ قد تحسد الجهلاء على جهلهم والأطفال على طفولتهم وتتمنى لو لم تعلم يوما. - والعلم هو الذى أوجد السلاح والآفات والمجاعات والحروب وكل مظاهر المعاناة الإنسانية سببها العلم والمعرفة.. هى مربوطة بالشر والأنانية فى الإنسان تلك الغريزة التى نمتها شعوب تلو شعوب وزادت الطين بلة وجاءت على الأخضر واليابس.. ولم يسلم منها المتعلم المتحضر الواعى أو الجاهل المتخلف. ولكن المتعلم قرأ وعرف ووعى فتألم وهذه هى الكارثة التى حاول سقراط منذ القرن الخامس قبل الميلاد تفاديها فقال: «كل ما أعرفه أنى لا أعرف شيئا». وقول المتنبى من بعده: ذو العقل يشقى فى النعيم بعقله .. وأخو الجهالة بالشقاوة ينعمُ - وهؤلاء بالطبع ليسوا من الجهلاء أو السفهاء، بل هم من العلماء والحكماء، وما قولهم هذا إلا بعض من الحكمة التى اكتسبوها من دراستهم فى ميادين العلم والفلسفة والشعر والاجتماع. ومثلهم قول الشاعر الإنجليزى غراى (من الحماقة أن تصطنع الحكمة حيث يعتبرالجهل نعمة). - هل صدقتمونى إذن؟ الجهل نعمة كبرى.. والمعرفة نقمة هذا العصر.. ونصيحة لاتسألوا عن أشياء إن تبدَ لكم تسوؤكم، نصيحة غالية جداً ومفيدة للغاية.. وكلما كثرت وسائل المعرفة وسهل انتقال المعلومات كثرت تلك الأشياء التى تسوء وتشقى. - انظروا إلى ذلك الرجل البسيط الفقير الذى لايعرف من أمور الدنيا من حوله إلا حاجاته الأساسية البسيطة، ليس لديه دش يرى عن طريقه شعوباً مرفهة ولايسمع عن وجود تليفزيون ينقل إليه حياة سكان القصور ولا أنباء الصراعات والحروب فى بلدان بعيدة أو قريبة، ولا يعرف شيئاً عن الصحف إلا أنها أشياء تصلح للفرد على الأرض لتحجز الأتربة عن طعامه البسيط، هل تظنون أن مثل هذا الرجل قد جرب التوتر والقلق والأمراض الكثيرة التى نعانيها نحن أصحاب المعرفة والعلم؟! - هل مايزال هناك شك فى صحة كلامى؟ أنت وشأنك.. أما أنا فقد عرفت وندمت، ولكن بعد فوات الأوان وحيث لاينفع الندم الذى وياللهول جلبته المعرفة أيضاً.؟