لم أكن من الذين تعجبوا أو تفاجأوا بالإقبال الضعيف على التصويت فى أولى جولات المرحلة الأولى للانتخابات النيابية، والتى جرت داخل بلادى مصر يومى الأحد والإثنين الماضيين، ولن أكون مندهشا إذا استمر الحال على هذا النحو من الإقبال الضعيف خلال جولة إعادة المرحلة الأولى وجولتى المرحلة الثانية. وليس من باب النظرة التشاؤمية للواقع السياسى الذى تمر به بلادى مصر منذ أحداث يناير 2011، ولكن من واقع متابعة متأنية ودراسة دقيقة لما قبل هذه الانتخابات أن أقول إننى لن أقبل بأى نتائج أو أرقام تتحدث عن نسبة المشاركة أكثر من 15 بالمائة على أقصى تقدير إن لم تكن أقل من ذلك بحدود 2 أو 3 بالمائة. وعندى الأسباب لما ذكرت وهى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها فى مقالة أو مقالتين، ولذلك ألخصها فى نقاط محددة منها: أن تلك الانتخابات تمثل الاستحقاق السابع الذى يتطلب ذهاب المواطن الى صناديق الاقتراع وقد تنوعت الاستحقاقات ما بين استفتاءات وانتخابات، حتى شعر المواطن بالارهاق من كثرة الذهاب الى صناديق الاقتراع دون أن يشعر المواطن بنتيجة مشاركته، وبجانب ذلك فإن قانون ونظام الانتخابات التى تم تفصيله ولأول مرة فى الانتخابات النيابية خلق حالة من الربكة بالنسبة للناخب والمرشح على حد سواء والجمع مابين القائمة المغلقة المطلقة والفردى وزيادة عدد النواب الى حوالى 600 نائب وفرض نظام قوائم والغاء نسبة 50 بالمائة عمال وفلاحين، كلها عوامل جعلت المواطن المصرى وخاصة البسطاء منهم يشعرون بأن حقا مكتسبا مارسوه طوال عقود ستة تم انتزاعها منه ولذلك يشعر بانتزاع حق من حقوقه ولذلك جاءت المشاركة ضعيفة. وبجانب كثرة الانتخابات وفشل القوانين المنظمة لها تأتى أزمة الأحزاب السياسية التى وصل عددها على الساحة لما يزيد على 90 حزبا كلها احزاب ضعيفة لا تستطيع ان تقدم فكرا أو نهجا أو نظاما للحكم وكلها تدور حول تحزبات للنفع الخاص بعيدا عن المشاركة السياسية وهو الأمر الذى بدا واضحا فى فكرة القوائم التى تضم عددا من الأحزاب الضعيفة حتى تستطيع التغلب على ضعفها وعدم معرفة الناخب بها فى كيان قد يبدو معروفا الى حد ما ، ويضاف الى ذلك أزمة المرشحين أنفسهم الذين يفتقد أغلبهم للفكر السياسى أو حتى الإلمام بالنظام السياسى او حتى بنظام الانتخابات الذى يخوضه لتكون أزمة الأحزاب والنواب وفشلهم فى التعريف بأنفسهم للناخب هو السبب الأكبر للعزوف عن المشاركة فى الانتخابات. وبقراءة سريعة فى النتائج التى تم الإعلان عنها للجولة الأولى يتضح أن هناك عودة وبقوة لحزب جديد هو أشبه بالحزب الوطنى الذى كان يسيطر على كل انتخابات فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك وقد تمثل هذه المرة فى قائمة هى اشبه بحزب الرئيس ولكن دون أن تكون حزبا رسميا وهو فى حقيقته الحزب المؤيد للرئيس ويسعى المرشحون على تلك القائمة أن يكونوا سندا للرئيس داخل المجلس النيابى القادم، فقد أعلن أحدهم أنهم داخل البرلمان فقط لمساندة الرئيس ووصل الأمر فى الإعلان أنه كشف عن عدم معارضة الرئيس. المجلس النيابى القادم – عندى – ووفقا للمعطيات السابقة، مجلس غامض يتسم بكل سلبيات العملية الانتخابية، والتى تمثلت فى قوانين مشوبة بعدم الدستورية، وعزوف عن المشاركة، وتشكيل لوبى لدعم الرئيس، ومثل هذا المجلس لا يمكن ان تنتظر منه الحياة السياسية فى بلادى مصر خيرا. الفائز الوحيد فى هذه الانتخابات هى قوات الجيش والشرطة التى نجحت فى تأمين وحماية العملية الانتخابية، وكذلك فى أجهزة الدولة التى استطاعت أن تجهز وتعد لها وذلك بغض النظر عن الأساس الواهى والضعيف الذى قامت عليه العملية الانتخابية.