قال الكاتب السياسي المصري محمد شومان، إن هناك 6 أسباب جعلت المصريين يعزفون عن الانتخابات البرلمانية المصرية التي دعا إليها الرئيس عبد الفتاح السيسي. وأوضح "شومان" في مقال له نشرته اليوم الأربعاء صحيفة "الحياة" السعودية، أن عدم وضوح الرؤيا بطبيعة النظام السياسي والتضييق العام وقصور قانون الانتخابات، أهم أسباب خلو اللجان الانتخابية من المواطنين. عدم وضوح الرؤيا وبيّن أن هناك رؤية غير واضحة في ما يتعلق بطبيعة النظام السياسي، والعلاقة بين السلطات ودور المعارضة فيها، وحقيقة التحول الديمقراطي في مصر. واعتبر أن تأخر إجراء الانتخابات البرلمانية لأكثر من عام نصف، وتضاربت المواعيد والترتيبات ومخاوف من الطعن بعدم دستورية قانون الانتخاب والإجراءات المكملة له، وتنافس الأحزاب القديمة والجديدة في الإعلان عن تأييدها للرئيس، وغابت أو غُيبت السياسة وبرز نواب الخدمات المستندون إلى المال السياسي أو العصبيات والأسر الكبيرة والقبائل في بعض المناط، تسبب كل ذلك برؤية غير واضحة المعالم عن طبيعة النظام السياسي في مصر. التضييق وقال إن من أهم عزوف المواطنين عن اللجان الانتخابية يعود إلى التضييق على المجال العام من جوانب عدة أهمها غياب التنوع في الإعلام والسياسة برغم تعدد الأحزاب والمنابر الإعلامية، وتعرض عشرات النشطاء السياسيين من رموز الثورة للسجن لمخالفتهم قانون التظاهر. علاوة على التشهير برموز أخرى واتهامها بالعمالة للخارج، ما دفع إلى اختفاء عشرات الحركات والائتلافات الشبابية، وبالتالي خسر الحراك السياسي اهتمام وقوة الشباب، ويلاحظ هنا الاختفاء الكبير للشباب من لجان الانتخابات، وهو امتداد لظاهرة عزوف الشباب عن التصويت في الاستفتاء على الدستور والانتخابات الرئاسية، ما يتطلب جهوداً حقيقية لتجسير الفجوة بين الشباب وإدماجهم ضمن مؤسسات النظام السياسي. قصور قانون الانتخابات واعتبر أن قصور قانون الانتخابات من زوايا عدة أهمها إضعاف الأحزاب، تعد من الأسباب الرئيسية التي جعلت المصريين يعزفون عن الانتخابات البرلمانية. وأضاف: "منح الأفراد المستقلين حقوقاً مساوية للأحزاب في التنافس على 448 مقعداً، واعتماد نظام للانتخاب بالقوائم يقوم على الغالبية المطلقة (50 في المئة+1) بحيث أن القائمة التي تفوز بثلاثة ملايين صوت تخسر ولا تمثل بنائب واحد لو فازت عليها قائمة منافسة بثلاثة ملايين وصوت واحد". كما وضعت لجنة الانتخابات شروطاً خاصة بتمويل الحملات الانتخابية وإنفاق الدعاية تحيزت فيها لصالح الأثرياء والأحزاب الكبيرة (الحد الأقصى للدعاية الانتخابية 60 ألف دولار للمرشح، وللقائمة الحزبية مليون دولار) وشرعنة حضور وتأثير المال السياسي، ما دفع بعض الرموز السياسية والشخصيات العامة إلى الإحجام عن خوض الانتخابات. عدم التجديد وقال إن السبب الرابع في عزوف الناخبين عن اللجان، تعود إلى عدم قدرة النخبة السياسية على تجديد نفسها. وبيّن أن الأحزاب القديمة والجديدة اعتمدت على طرق وأساليب العمل الجماهيري الموروثة من عصر مبارك، وتعمد عناصر الحزب الوطني (الفلول) العودة بقوة وفي شكل ثأري من ثورة 25 كانون الثاني (يناير) ورموزها، ومن ثم روَّجوا لمقولة أنها مؤامرة، بينما 30 حزيران (يونيو) هي الثورة الحقيقية. كما ترشح نحو ألفي عنصر من الفلول في الانتخابات البرلمانية، والمفارقة أن بعض الأحزاب والقوائم الانتخابية استعانت بنواب سابقين من الحزب الوطني، بما في ذلك قائمة «في حب مصر» القريبة من الحكومة والمرجح أن تفوز بكل المقاعد المخصصة للقوائم! وتضم هذه القائمة رجال دولة سابقين من أنصار الرئيس وعدداً من ممثلي الأحزاب الكبيرة. وأرجع سبب ذلك إلى قانون الانتخابات وتقسيم الدوائر الذي يمنح نواب الحزب الوطني السابقين ميزات تنافسية لأن غالبيتهم تستند إلى عائلات كبيرة كما أن لديهم خبرات في خوض الانتخابات وشراء الولاءات بطرق مختلفة. عدم جدوى المشاركة وأرجع السبب الخامس إلى شعور قطاعات واسعة من المصريين بعدم جدوى المشاركة في الانتخابات. وأوضح في هذا الصدد أن الأمل تبدد في إمكانية التغيير وإصلاح الأحوال المعيشية من خلال صندوق الاقتراع، بعد مشاركة المصريين بعد ثورة 2011 الناقصة في ثلاثة استفتاءات على الدستور، وثلاثة انتخابات برلمانية، وانتخبوا رئيسين. وبالرغم من ذلك، لم يخرج الاقتصاد من أزمته، أو يشعر المواطنون بحلحلة لمشكلات البطالة والغلاء وتدهور الخدمات، ما يعني أن هناك حاجة حقيقية لتجديد ثقة الغالبية في وجود علاقة بين المشاركة السياسية وتحسين الأوضاع المعيشية، وهو الدور المفقود الذي يتعين أن تقوم به الحكومة والأحزاب ووسائل الإعلام. الرهان على الرئيس ويرى الكاتب المصري محمد شومان، إن السبب السادس في عزوف المواطنين عن الانتخابات يعود لوجود قطاع محسوس ومؤثر من المواطنين يكتفي بوجود الرئيس السيسي ويراهن عليه كبطل منقذ. ويعتبر أن هذا القطاع، قد اختزلوا الفعل السياسي إلى مجرد تأييد الرئيس، وعدم الاهتمام بالبرلمان، لاسيما أن هناك مخاوف أطلقها البعض من مخاطر صدام البرلمان مع الرئيس، وضرورة تعديل الدستور للحد من صلاحيات البرلمان، ما يرجح أن هناك من يرى عدم جدوى وجود البرلمان. والواقع بحسب "شومان" أن هذا التفسير يعتمد على بعض المنطق لكنه يتعارض مع دعوة الرئيس السيسي للشعب للمشاركة في الانتخابات، من أجل المشاركة في صناعة المستقبل والحفاظ على صورة مصر أمام العالم الخارجي. وأجريت الانتخابات في المرحلة الأولى في 14 محافظة تضم 27 مليون ناخب يومي 18 و 19 من شهر أكتوبر الجاري. وتنطلق المرحلة الثانية والمقررة في 22 و23 نوفمبر المقبل في 13 محافظة تضم 28 مليون ناخب. ويتكون برلمان مصر، أكبر بلد عربي (88 مليون نسمة) من 596 مقعدًا، ويجري انتخاب 448 نائباً وفق النظام الفردي و120 نائبًا وفق نظام القوائم المغلقة، فيما سيختار الرئيس السيسي 28 نائبًا. ومصر بلا برلمان منذ عام 2012 عندما أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة وقت أن كان يدير شؤون البلاد بعد ثورة يناير 2011، قرارا بحل مجلس الشعب الذي كانت تهيمن عليه أغلبية إسلامية. وكان ذلك البرلمان أحد أهم نتائج الثورة التي أطاحت بحسني مبارك عام 2011 بعد 3 عقود قضاها في الحكم.