بالصور.. وزير العمل ومحافظ جنوب سيناء يسلمان عقود عمل لذوى الهمم    وزير المالية: تراجع الدين العام «محلي وأجنبي» بنسبة 9% في موازنة 2024 /2025    محافظ المنيا: توريد 12 ألف طن قمح إلى مراكز التجميع    "الرقابة المالية" تتيح حضور الجمعية العمومية العادية وغير العادية لصناديق التأمين الخاصة إلكترونيًا    أسامة ربيع يبحث مع السفير المصرى بكوريا الجنوبية سبل تعزيز التعاون فى الصناعات البحرية    ادفع مخالفات المرور 2024 برقم اللوحة عبر البوابة الإلكترونية.. بالخطوات    «مياه الإسكندرية» تستقبل وفد من الوكالة الألمانية للتعاون الدولي giz    وزير الخارجية السعودي: متفائلون باستقرار وأمن دول المنطقة    عدلي القيعي: نفتقد محمود الخطيب والأهلي يسير على نهج العالمية    مصدر يكشف ل «الشروق» حقيقة عروض إمام عاشور وفكرة رحيله    الهلال يواجه العين ب «حلم الريمونتادا» للثأر من الرباعية بدوري أبطال آسيا    وفد من الشباب والرياضة يجري جولة متابعة للهيئات الشبابية والرياضية بالمنيا    «نجم عربي إفريقي».. الأهلي يقترب من حسم صفقة جديدة (خاص)    النيابة تطلب تحريات إصابة شخصين بحريق شقة سكنية في الإسكندرية    مصرع طفلة سقطت من الطابق الرابع بأكتوبر    مصرع سائق في حادث تصادم بسوهاج    رئيس هيئة النيابة الإدارية يحضر مؤتمر وزارة العدل    احتفاء باليوم العالمي للكتاب.. خصومات متنوعة على إصدارات هيئة الكتاب لمدة أسبوع    من هو السيناريست الراحل تامر عبدالحميد؟.. توفي بعد صراع مع السرطان    دار الإفتاء: شم النسيم عادة مصرية قديمة والاحتفال به مباح شرعًا    علي ربيع في المركز الثالث جماهيريًا.. تعرف على إيرادات فيلم عالماشي في مصر    غدا.. صحة المنيا تنظم قافلة طبية في قرية الفقاعي بمركز أبوقرقاص    السفير طلال المطيرى: مصر تمتلك منظومة حقوقية ملهمة وذات تجارب رائدة    تراجع أداء مؤشرات البورصة تحت ضغط من مبيعات المستثمرين    اعتماد جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني بكفر الشيخ.. اعرف المواعيد والتفاصيل    الغزاوي: الأهلي استفاد كثيرا من شركة الكرة    رئيس شُعبة المصورين الصحفيين: التصوير في المدافن "مرفوض".. وغدًا سنبحث مع النقابة آليات تغطية الجنازات ومراسم العزاء    اللعبة الاخيرة.. مصرع طفلة سقطت من الطابق الرابع في أكتوبر    11 معلومة مهمة من التعليم للطلاب بشأن اختبار "TOFAS".. اعرف التفاصيل    تأجيل نظر 3 قضايا قتل والبراءة لآخر بمركز بني مزار في المنيا    أثليتك: إيمري يمدد عقده مع أستون فيلا إلى 2027    هل يستمر عصام زكريا رئيسًا لمهرجان الإسماعيلية بعد توليه منصبه الجديد؟    «النواب» يبدأ الاستماع لبيان وزير المالية حول الموازنة العامة الجديدة    احذر- الإفراط في تناول الفيتامينات يهددك بهذه الحالات المرضية    رئيس جامعة عين شمس والسفير الفرنسي بالقاهرة يبحثان سبل التعاون    خلال الاستعدادات لعرض عسكري.. مقتل 10 أشخاص جراء اصطدام مروحيتين ماليزيتين| فيديو    ناتاليا: درسنا أبيدجان جيدًا وهدفنا وضع الأهلي في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    جيش الاحتلال الإسرائيلي يقصف مناطق لحزب الله في جنوب لبنان    متحدث وزارة العمل: تعيين 14 ألف شخص من ذوي الهمم منذ بداية 2023    "ضربها بمزهرية".. تفاصيل مقتل مسنة على يد سباك بالحدائق    وزير الأوقاف من الرياض: نرفض أي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته    البرلمان يحيل 23 تقريرا من لجنة الاقتراحات والشكاوى للحكومة لتنفيذ توصياتها    قطاع الدراسات العليا بجامعة القناة يعلن مواعيد امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني    وزير الصحة: التوسع في الشراكة مع القطاع الخاص يضمن خلق منظومة صحية قوية    تحذيرات هيئة الأرصاد الجوية من ارتفاع درجات الحرارة ونصائح الوقاية في ظل الأجواء الحارة    الرئيس السيسى يضع إكليلا من الزهور على النصب التذكارى للجندى المجهول    بمناسبة اقتراب شم النسيم.. أسعار الرنجة والفسيخ اليوم الثلاثاء 23/4/2024    رئيس الأركان الإيراني: ندرس كل الاحتمالات والسيناريوهات على المستوى العملياتي    شعبة الأدوية: انفراجة في توفير كل أنواع ألبان الأطفال خلال أسبوع    نيللي كريم تثير فضول متابعيها حول مسلسل «ب100 وش»: «العصابة رجعت»    الدفاعات الأوكرانية: دمرنا جميع الطائرات المسيرة التي أطلقتها موسكو خلال الليل    الرئيس البولندي: منفتحون على نشر أسلحة نووية على أراضينا    طلاب الجامعة الأمريكية يطالبون الإدارة بوقف التعاون مع شركات داعمة لإسرائيل    الإفتاء: لا يحق للزوج أو الزوجة التفتيش فى الموبايل الخاص    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 23-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    مستدلاً بالخمر ولحم الخنزير.. علي جمعة: هذا ما تميَّز به المسلمون عن سائر الخلق    الإفتاء: التسامح في الإسلام غير مقيد بزمن أو بأشخاص.. والنبي أول من أرسى مبدأ المواطنة    علي جمعة: منتقدو محتوى برنامج نور الدين بيتقهروا أول ما نواجههم بالنقول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمل دنقل صاحب "لا تصالح" في دراسة لمؤسسة الفكر العربي
نشر في المشهد يوم 28 - 09 - 2015

أفردت نشرة أفق الصادرة عن مؤسسة الفكر العربي دراسة حول الشاعر الرحل أمل دنقل أعدها الناقد إبراهيم محمد الوكيل *متخصّص باللغة العربية، تحت عنوان "أمل دنقل شاعرا" تناول فيها حياة دنقل الشعرية.
وذكرت الدراسة أن محمد أمل فهيم أبو القسام محارب دنقل (1940 – 1983)، المعروف بأمل دنقل، ولد في أسرة صعيدية في قرية القلعة، مركز قفط، على مسافة قريبة من مدينة قنا في صعيد مصر. وقد لُقِّب دنقل بأمير شعراء الرفض أو شاعر الرفض، وذلك كنتيجة لأعماله العديدة الرافضة للقمع. ومن جملة هذا الرفض، مناهضته القويّة معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي عقدها السادات مع إسرائيل، والتي نتجت عنها إحدى أهمّ قصائده ”لا تصالح “. لذا حضرت أشعاره في الثورات العربية الأخيرة، أو ما سمّي ب” ثورات الربيع العربي “

وكان والد أمل دنقل عالماً من علماء الأزهر ما أثّر في شخصيته وقصائده بشكل واضح. سُمي أمل دنقل بهذا الاسم لأنه وُلد في السنة التي حصل فيها والده على إجازة العالمية فسمّاه باسم أمل تيمّناً بالنجاح. وكان هو مَن ورث عنه أمل دنقل موهبة الشعر فقد كان يكتب الشعر العمودي، وأيضاً كان يمتلك مكتبة ضخمة تضمّ كتب الفقه والشريعة والتفسير وذخائر التراث العربي ممّا أثّر كثيراً في أمل دنقل وأسهم في تكوين اللبنة الأولى للأديب فيه. بعد أن أنهى دنقل دراسته الثانوية في قنا، التحق بكلّية الآداب في القاهرة ولكنّه انقطع عن الدراسة منذ العام الأوّل لكي يحصّل عيشه. فعمل موظّفاً في محكمة قنا وجمارك السويس والإسكندرية، ثمّ عمل بعد ذلك موظّفاً في منظّمة التضامن الأفروآسيوي، ولكنّه كان دائماً ما يترك العمل وينصرف إلى كتابة الشعر.
أمل والتراث القديم
إن انفعال أمل دنقل بالتعامل مع التراث كان أقوى من معاصريه عندما فتح عينه على تراكم شعر دشّنه جيل الروّاد. فعنصر استخدام التراث تمثّل في شعره بنحو واضح، فضلاً عن مكوّناته الثقافية الخاصة، حيث إنّه قرأ كتب التراث منذ وقت مبكر وبحث عن القيم الجوهرية التي يوحي بها ذلك التراث. وهذه هي أرملة الشاعر عبلة الرويني تشهد أن الشاعر في هذه الفترة كان يطالع التراث العربي أحياناً كثيرة؛ فتقول: ”…. في تلك السنوات قرأ العديد من كتب التراث والملاحم والسير الشعبية، ثم أعاد قراءتها بعد ذلك مرّات عديدة، وفي طبعاتها المختلفة، يحرّكه حسّ تاريخي لاكتشاف الطبقات المتراكمة وراء الحكايات والمعلومات“ (علي عشري زايد، ”استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر“،2006).
وإن توظيف أمل للتراث لم يكن في الجانب الفنّي فحسب، بل بدأ باحثاً فيه وناقداً له ثمّ اهتمّ به منظّراً. فقد كتب بحثاً تاريخيّاً حول قبيلة قريش تحت عنوان ”قريش عبر التاريخ“، وكان يشمل دراسة مطوّلة في أربع مقالات قام بنشرها في مجلة ”أوراق“. كما أنه كتب دراسة عن أسباب نزول القرآن من المنظور التاريخي، إلّا أن جريدة ”الأهرام“ رفضت نشرها بسبب جرأة الطرح وبسبب ما كانت تحتوي عليه من آراء لا تتوافق مع ما جاءت به كتب التفسير المتدوَالة بين الناس. ومع أن احداً لا يستطيع أن يحدّد مصادر ثقافته العربية والأجنبية بالضبط، فإن ثقافته، وبخاصّة العربية،كانت جيّدة، حيث إنه قال في مقابلة، قبل وفاته بأسابيع: ” اكتشفتُ أنه لا يكفي للإنسان أن يكون شاعراً وقادراً على كتابة الشعر. فهناك كثيرٌ من التيّارات الفكرية والثقافية التي كانت تموج في ذلك الوقت (أي في الستينيّات من القرن الماضي )، وكان لا بدّ لي من الإلمام بها. وهكذا انقطعتُ عن قول الشعر من سنة 1962 حتّى سنة 1966، وكرّست هذه الفترة للقراءة“ (جهاد فاضل، ”قضايا الشعر الحديث“، 1997). وكان هدف دنقل من استدعاء التراث هو تربية الحسّ القومي والبطولي لدى المتلقّي والسامع، ولشعوره بالجهل المطبق الذي كان قد غلب على كثير من أشخاص عصره، كما أنه استخدم الشخصيات الرمزية في أعماله بسبب الجرأة التي كانت تتّسم بها أعماله ومراعاةً للظروف السياسية التي كانت في وقته.
المصادر التراثيّة عند دنقل
يُعَدّ القرآن مصدراً رئيساً بين المصادر التراثية الأخرى في أشعار أمل دنقل، کما أن كيفية توظيف هذا التراث تكون بأشكال مختلفة وطرق متنوّعة. فهو يستعيره على مستوى الكلمة المفردة حيناً، وعلى مستوى الجملة والآية حيناً، أو على مستوى إعادة جوّ القصص القرآني ضمن سياق قصائده أحياناً أخرى. وتحتوي مقاطع من أشعار أمل دنقل على بعض الآيات والعبارات القرآنية، سواء بشكل مباشر أم غير مباشر، من ذلك مثلاً:
”والتّينِ والزيتونْ
وطورِ سينينَ،
وهذا البلدِ المحزونْ
لقدْ رأيتُ يومَها: سفائنَ الإفرَنج
تغوصُ تحتَ الموجْ“
(أمل دنقل، الأعمال الشعرية الكاملة، مکتبة مدبولي، القاهرة، ط3 ،1987)
وفي التراث العربي الإسلامي، صنّف عبد السلام المساوي التراثيات العربية والإسلامية المستدعاة في شعر أمل دنقل بحسب الأقسام التالية:
أ – الشخصيات: حيث إن الشاعر استدعى في أعماله شخصيات بعينها يرى أنها معبِّرة عمّا يختلج في صدره، من مثل ( أبو نواس وأبو موسى الأشعري وزرقاء اليمامة وقطر الندى وصلاح الدين وغيرهم كثير(علي عشري زايد، ”استدعاء الشخصيات التراثية“).
ب – استدعاء الأحداث التاريخية: كحرب البسوس وغيرها.
ج – الأساطير والخرافات: فنجده يستدعي أسطورة ”زرقاء اليمامة“ في قصيدة کاملة هي ”البکاء بين يديّ زرقاء اليمامة“ وملحمة سالم الزير المقترنة بحرب البسوس في ديوان کامل هو: ”أقوال جديدة عن حرب البسوس“. کما يستلهم القصص والحکايات الخرافية في کتاب”ألف ليلة وليلة“ في قصيدة معنونة ب ”حکاية المدينة الفضيّة“ ويستحضر بعض الشخصيات من هذا الکتاب کشخصيات شهريار، وشهرزاد، وبدر البدور.
د – استدعاء التراث والمأثورات: إن الشاعر يرجع إلى الکثرة الهائلة من المأثورات الشعرية القديمة والحديثة، وينتقي منها أبياتاً وعبارات تساعد في رفد قصيدته بأبعاد نفسية اجتماعية وجمالية ملحوظة. ففي بعض الأحيان يورد الشاعر تلك النصوص من دون تحوير أو تغيير أساسي في الأصل، مثل ما نشاهده في قصيدة ”البکاء بين يديّ زرقاء اليمامة“ على لسان الزباء.
” تکلَّمي… تکلَّمي
فها أنا على الترابِ سائلُ دمي
وَهوَ ظمىءٌ… يطلبُ المزيدا
أسائلُ الصَمتَ الذي يخنقني:
ما للجِمال مشيهاً وئيداً
أجندلاً يحملنَ أم حديداً“.
وهو هنا يوظّف البيت الذي رُوي عن ملکة تدمر وهي الزباء
”ما للجِمال مشيُها وئيداً أجندلاً يحملنَ أم حديدا“.
وهناك كثير من المصادر التراثية التي لجأ إليها دنقل في أعماله، منها التراث الشعبي والتراث الأجنبي، مع التفاوت بينها من حيث الكثرة والقلّة في أعماله. فهو كان يرى أن التراث العربي أولى وأفضل لملائمته للبيئة التي كان قد نشأ فيها ولقربها ومشابهتها ومشابهة المعاناة التي كان يعانيها الإنسان العربي على مرّ العصور.
أمل دنقل في منظار النقد
الشاعر الليبي صالح قادربوه، الذي بدأ بقصيدة التفعيلة وتحوّل لاحقاً إلى قصيدة النثر متحمّساً، رأى أن ” شعر أمل دنقل فنّياً ليس قوياً جداً، لكن تأثير الإيديولوجية في شعره ساحر، وتلك مفارقة ومفاجأة، لكن الأهم هو بقاء أثره في أجيال بعيدة. ولكي يكون هناك نقد موضوعي لجملة ما كتب، تجدر الإشارة إلى أنه كان صارماً مع الظلم، وعلينا أن ننهج نهجه فنكون صارمين تجاه ما يكتب .لقِّب دنقل بأمير شعراء الرفض أو شاعر الرفض، وذلك نتيجة أعماله الثورية الرافضة للقمع على أشكاله. فقال عنه جابر عصفور في هذا السياق ” كان أمل دنقل في تصوّره للمستقبل يؤمن بأنه لن يصنع المستقبل إلّا الشباب؛ لذلك كان موجوداً مع الشباب الذي خرج في مظاهرات إلى ميدان التحرير في العام 1972 لمطالبة الرئيس الراحل السادات بالحرب على إسرائيل فكانت قصائده يردّدها هؤلاء الشباب. وكان موقف أمل دنقل من عملية السلام سبباً في اصطدامه في الكثير من المرّات بالسلطات المصرية، وبخاصّة أن أشعاره كانت تقال في المظاهرات على ألسن الآلاف“. ويرى عصفور أيضاً أن ديوان أمل دنقل الثالث ”العهد الآتي“، هو من أنضج دواوينه، لأن العهد القادم- بحسب ما قال أمل دنقل- لا فائدة فيه، والعهد الذي مضى قد مضى، والعالم الذي نعيشه لا ينفع وإنما العالم الذي نتطلّع إليه سوف يأتي، ومن ثم كان دنقل يكتب للعهد الآتي أي المستقبل.
أمل دنقل هو صاحب الكلمة المعبّرة عن السلام العادل إذاً. الكلمة التي تأبى ضياع حقّ المظلوم، أو سرقة ثورته أو دمه لأيّ سبب من الأسباب.. وقصيدته ”لا تصالح“ هي القصيدة التي تحضر بقوّة في كلّ أزمة يعيشها العالم أو الأمّة العربية نتيجة الظلم والدكتاتورية أو استعمار الشعوب.
ومن هنا نستطيع أن نقول إن توظيف الرموز والعناصر التراثية يساعد على تخفيف الغنائية والذاتية في الشعر العربي المعاصر ويبتعد بالقصيدة من البيان الخطابي والتعبير المباشر، كما نجد دنقل يشدّد في استخدامه للتراث على توظيف التراث العربي والإسلامي واستمداد الشخصيات والرموز التراثية منه هادفاً إلى إيقاظ الحسّ القومي والوطني وتربيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.