ع ازدياد الأحكام القضائية المثيرة للجدل، منذ ثورة 25 يناير وخاصة في القضايا المتعلقة بالرؤساء السابقين "حسني مبارك و محمد مرسي" ورجالهما، والقضايا المتعلقة بشباب الثورة والقضايا المتعلقة بالتظاهر بدون تصريح مسبق والقضايا التي صدر خلالها أحكام جماعية بالإعدام لعشرات بل ولمئات الأنفس دفعة واحدة.. انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة نقد أحكام القضاء، ومعها انتشرت عبارة أخرى تردد ذكرها بشدة وبثقة تامة بأنه: لا تعليق على أحكام القضاء وفي ضوء المبدأ القانوني بأنه "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص قانون"، وهو ما تبناه الدستور الجديد في المادة 95.. فإن الثقة التي يتحدَّث بها هؤلاء الأشخاص تجعل المرء يعتقد بوجود نص قانوني يقضي بأن: يعاقب بالسجن كل من علَّق على حكم قضائي... ولأن هذا النص، بلا شك، لا وجود له، لذا، فالسؤال هو: ما مصدر تلك العبارة إذًا؟ مصدرها، في الواقع، غير موجود لا في القانون ولا الفقه ولا أحكام القضاء المصري. كل ما في الأمر هو أن مجلس القضاء الأعلى كان قد أصدر، في 23 سبتمبر 2007، بيانًا حذَّر فيه من التعليق على أحكام القضاء وحدد عدة معايير وأسس، ليس لها أي أصل قانوني أو قضائي أو فقهي، للتعليق على الأحكام.
تأويل لنصوص قانون العقوبات يجرِّمُ قانون العقوبات المصري بموجب المادة (133) إهانة "محكمة قضائية أو إدارية أو مجلس أو أحد أعضائها" إذا كان ذلك "أثناء انعقاد الجلسة"، ويجرم بموجب المادة (184) إهانة أو سب "المحاكم"، ويجرم بموجب المادة (186) كل من أخل "بمقام قاض أو هيبته أو سلطته في صدد دعوى" بإهانته أو سبّه، ويجرم بموجب المادة (187) سب أو إهانة القضاة بنشر أمور من شأنها التأثير في الفصل في الدعوى. وبالنظر لتلك النصوص نجد أن تجريم "التعليق" على أحكام القضاء يحتوي على تأويل وتلفيق صريح لنصوص قانون العقوبات، فالقانون بشكل صريح لا يجرِّم "التعليق" ولا "النقد" ولكنه يجرم "الإهانة" و"السب" وعلى الرغم من أن محكمة النقض كانت قد قضت في أحكام قديمة صدرت في الثلاثينات وحتى الستينيات بأن النقد المباح هو إبداء الرأي "دون المساس بشخص صاحبه" أمثلة: الطعن رقم 248 لسنة 8 ق، 10\1\1938، والطعن رقم 2032 لسنة 33 ق، 17\11\1964 فأولاً: هل التعليق أو النقد يتضمن بالضرورة إهانة أو سبًا أو مساسًا بالقضاة؟ بالتأكيد.. لا. ثانيًا: ألم يتطور مفهوم الحرية عموما، وحرية التعبير خصوصًا، في العالم كله وفي مصر على الأخص على مدار نصف القرن المنقضي بشكل يجاوز ما ذهبت إليه أحكام محكمة النقض؟ بالتأكيد.. نعم.
التعليق على أحكام القضاء حق للمواطنين كافة على عكس ما يتم التسويق له من رجال السلطة وداعميهم عن عدم جواز التعليق والنقد بشأن أحكام القضاة، فإن الأمر ليس أن القانون لم يجرِّم هذا الأمر فحسب، بل أن الدستور والقانون في واقع الأمر قد كفلا حق التعليق والنقد لكل مواطن بخصوص الأحكام القضائية وغيرها بلا استثناءات. نص "المادة 65" من الدستور: حرية الفكر, والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول, أو الكتابة, أو التصوير, أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر. هو نص واضح وصريح ومكفول في الدساتير السابقة وأكدت عليه المحكمة الدستورية العليا في أكثر من مناسبة.. أمثلة: الطعن رقم 4 لسنة 7 ق دستورية عليا، والطعن رقم 2 لسنة 16 ق دستورية عليا.. وهو نص مطلق غير مقيد بأي استثناء لا بعدم تناول أحكام القضاء أو غيرها. هل تعلم ان الشخص الوحيد الذي يمنعه القانون ان يعلق علي قضيه منظوره أمامه قبل او بعد الحكم هو القاضي نفسه؟!
القاضي المرتشي جنسياً تلقت هيئة الرقابة الإدارية بلاغًا قدمته سيدة سورية ضد القاضي "رامي عبد الهادي"رئيس محكمة جنح مستأنف مدينة نصر؛ تتهم القاضى بطلب رشوة جنسية من ثلاثة من بنات أختها مقابل إنهاء قضيتهن المنظورة أمامه فى دائرته.. وقدمت مع البلاغ تسجيل صوتي أول لمكالمة مع إحداهن وتبين من خلاله مساومة القاضي لهن لإقامة علاقة جنسية مقابل إخفاء أهم أوراق القضية ومن ثم الحكم ببرائتهن.. وما كان من الرقابة الإدارية سوى الإتفاق مع السيدة وبنات شقيقتها على الموافقة على طلب القاضي الذي إتفق معهن عبر مكالمات أخرى هاتفية مسجلة بموعد ومكان تنفيذ طلب القاضي بإقامة علاقة جنسية معهن. تم ضبطه متلبساً بالواقعة في إحدى قرى الساحل الشمالي وتم عرض الأمر على مجلس القضاء الأعلى، الذي قرر رفع الحصانة عنه من أجل التحقيق معه في نيابة أمن الدولة العليا، وقد طالب وزير العدل المستشار "أحمد الزند" القاضى استقالته نظير عدم حبسه بعد أن اتفق مع رئيس هيئة الرقابة الإدارية على هذا الأمر..إلا أن القاضي رفض الإستقالة حالماً في براءته, معللاً على بطلان الإجراءات الإدارية في التسجيل له وضبطه متلبساً.. فما كان من رئيس هيئة الرقابة الإدارية سوى تسريب تفاصيل الإتهام للإعلام.. كي تصبح قضية رأي عام.. كي لا تتم "الطرمخة" على الفضيحة موضوع القضية. لا تعليق على رشاوى القضاة على درب النائب العام الراحل المستشار "هشام بركات" يسير القائم بأعمال النائب العام المستشار "على عمران" كما جرت العادة في القضايا التي يكون المتهم الرئيسي بها أحد ضباط الشرطة كانت المعاملة بالمثل عندما يكون ولأول مره قاضي هو المتهم الوحيد في القضية فيأمر النائب العام بحظر النشر رغم أن القضية رقم 540 لسنة 2015 المعروفة إعلاميًا بواقعة رشوة رئيس محكمة جنح مستأنف مدينة نصر.. رغم أن القضية شبه منتهية والمتهم معترف بارتكاب للواقعة, ويعلل فقط على الخطأ الإداري في الإجراءات.. ولا أعلم كيف سيؤثر الحديث في الإعلام على سير القضية.. إلا إذا كان سبب حظر النشر هو أن ينسى الناس الفضيحة موضوع القضية.
بالعودة ل"عدم التعليق على أحكام القضاء" والتأمل في فضيحة الرشوة الجنسية لقاضي طلبها من أجل تبرئة متهم أو إفساد قضية بإخفاء بعض أوراقها.. تجد أنه طالما شاءت الأقدار بأن نعلم بتفاصيل واقعة كهذه فمن المؤكد أن عشرات الوقائع المماثلة التي لم يتم السماع عنها أو لم يتم القبض على أصحابها قد حدثت ولكن ستر الله على أصحابها من الفضيحة, سواء كانت الرشوة جنسية أو مالية أو خدمية. القاضي.. إبن رجل مهم تخرّج اللواء أركان حرب "أحمد عبد الهادي صادق" في الكلية الحربية وترقى داخل الجيش المصري حتى تولى منصب رئيس أركان المنطقة الغربية العسكرية (إحدى المناطق الأربع العسكرية للجيش المصري ويقع مقرها بمرسى مطروح)، وفي 19 يناير 2007 تولى قيادة المنطقة، وأصبح عضواً في المجلس العسكري مع اللواء "عبد الفتاح السيسي" مدير المخابرات الحربية.. وفي 11 أغسطس 2009 عيّن مديراً لإدارة الشرطة العسكرية، وعُيّن في العام 2011 مديراً لإدارة المشاة في الجيش المصري. تشير الأنباء الواردة من مصادر موثوقة داخل وزارة العدل بأن اللواء "أحمد عبد الهادي" يضغت على الوزارة لتلجأ لحفظ القضية وقبول تراجع القاضي "رامي أحمد عبد الهادي" عن الإستقالة التي أجبر على تقديمها رغماً عنه كبادرة لمحاولة تهدئة الرأي العام.
العقوبة القصوى للقاضي المرتشي إذا كانت جريمة الرشوة مخلة بالشرف عند الموظف العام وعقوبتها تصل إلى السجن المشدد لعشر سنوات.. فإنها عند القاضي لها منظور أخر.. فتصبح الرشوة تجاوز يعاقب عليه القاضي بالنقل إلى محكمة أدنى من الدرجة التي عليها.. وإذا وصل الأمر للإعلام وأصبحت القضية رأي عام.. يتم إجبار القاضي على الإستقالة لفترة وليست الإقالة, ومن حقه العوده من الإستقالة وفقاً للقانون خلال عام. أرجو ألا ينتظر أحد للقاضي عقوبة أكثر من الإستقالة لمدة عام فقط.. لأن القضاة في مصر لا يخطئون.. وإن أخطأوا لا يعاقبون.. لأنهم ينتمون لسلطة فوق القانون.