وزير التعليم: تضمين مبادئ العمل التطوعي بملفات التميز المدرسي (تفاصيل)    جدول التقييمات المبدئية والنهائية للصف الأول الإبتدائي بمحافظة البحيرة    القومي للمرأة يناقش قضايا التواصل والعنف السيبراني    نصيحة وزير الشؤون النيابية لابنته بشأن العمل التطوعي    الرقابة المالية تحذر من الترويج للتعامل في أدوات ومنتجات مالية واستثمارية وتمويلية بالمخالفة للقانون    توريد أكثر 233 ألف طن قمح في الوادي الجديد    ننشر توصيات اجتماع وزراء السياحة بالدول الثماني النامية بالقاهرة    مصر تطلق منصة رقمية لتأهيل الكوادر السياحية وتتبنى الذكاء الاصطناعي في الترويج    الرئيس اللبناني يتسلم دعوة للمشاركة في قمة بفرنسا تبحث قضايا الطاقة    الاتحاد الأوروبى يعتزم الإعلان عن خطة لوقف صفقات الغاز الروسية    الحوثيون: مقتل 4 أشخاص وإصابة 39 جراء غارات إسرائيل على الحديدة    أسطورة إيطاليا يتحدث عن موهبة برشلونة.. طالع التفاصيل    أول رد من الزمالك على غلق القيد 3 فترات    الشرقية: ضبط 25 مركبة توك توك مخالفة بمدينة الزقازيق    تفاصيل حادث طالبة علوم الزقازيق.. الجامعة: قدمنا المعلومات والنيابة تحقق.. فيديو    الإعدام لمتهم بقتل طفل داخل مصلى العيد فى نجع حمادى بقنا    أهالي الإسكندرية يشيعون جثمان الفنان نعيم عيسى وسط غياب الفنانين.. صور    فرقة غزل المحلة تعرض "نساء شكسبير" بالقناطر الخيرية ضمن مهرجان نوادي المسرح    رئيس الجمعية الكورية للمسرح يزور مقر مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي بالقاهرة    كلية التمريض جامعة قناة السويس تنظم ندوة حول المشروع القومي لمشتقات البلازما    وزير قطاع الأعمال يبحث مع رئيس هيئة الرعاية الصحية دعم الصناعة الوطنية والتنمية المستدامة    "الأونروا": 66 ألف طفل يعانون من سوء التغذية في قطاع غزة    تعليم السويس يعلن جدول امتحانات الشهادة الإعدادية    18 مايو.. بدء محاكمة مرتضى منصور في اتهامه بسب خالد يوسف وزوجته    السيسي يؤكد ضرورة التركيز على زيادة احتياطي النقد الأجنبي وخفض مديونية الموازنة    الرئيس السيسي يترأس اجتماعًا اقتصاديًا مع رئيس الوزراء ومحافظ البنك المركزي ووزير المالية    في ذكرى وفاته ال23.. المايسترو صالح سليم حاضر في قلوب الأهلاوية وإرثه يلهم الأجيال    ادعوله بالرحمة.. وصول جثمان الفنان نعيم عيسى مسجد المنارة بالإسكندرية.. مباشر    داليا البحيري تشارك جمهورها مقطع فيديو من زيارتها لأسوان    مركز السينما العربية يكشف عن برنامجه في مهرجان كان السينمائي ال78    أبرز اللقطات من داخل عزاء زوج كارول سماحة | صور    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    تطوير منطقة الكيت كات أبرزها.. تفاصيل لقاء محافظ الجيزة رئيسَ "التنمية الحضرية"    القوات الروسية تستهدف نقطة تمركز مؤقتة للجيش الأوكراني بصواريخ موجهة    محافظ أسوان يترأس اجتماع المجلس الإقليمى للسكان    باكستان تتهم الهند بوقف تدفق مياه نهر تشيناب    زيادة السولار والبنزين تعمق من انكماش أداء القطاع الخاص بمصر بأبريل    البيئة: خط إنتاج لإعادة تدوير الإطارات المستعملة بطاقة 50 ألف طن    وزير الري: خطة وطنية لمراجعة منشآت حصاد مياه الأمطار    كم يوم متبقي حتى عيد الأضحى 2025 ؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 6-5-2025 في محافظة قنا    شوبير: الأهلي استقر على مدربه الجديد من بين خمسة مرشحين    "هذه أحكام كرة القدم".. لاعب الزمالك يوجه رسالة مؤثرة للجماهير    قرار عاجل من التعليم لإعادة تعيين العاملين من حملة المؤهلات العليا (مستند)    وزير الثقافة يطلق مشروع "أهلا وسهلا بالطلبة" بتخفيض 50% للمسارح والمتاحف    مدرب كريستال بالاس: هذا ما يجب علينا تقبله    ضبط (18) طن دقيق مدعم قبل بيعها بالسوق السوداء    فاضل 31 يوما.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    «الداخلية»: ضبط شخص عرض سيارة غير قابلة للترخيص للبيع عبر «فيس بوك»    إيران: نحتاج الطاقة النووية للاستخدام السلمى وعلى الطرف الآخر إثبات حسن نيته    صور حديثة تكشف أزمة بسد النهضة، والخبراء: التوربينات توقفت وإثيوبيا تفشل في تصريف المياه    «الصحة» تستعرض إنجازات إدارة الغسيل الكلوي خلال الربع الأول من 2025    السعادة تغمر مدرب جيرونا بعد الفوز الأول بالليجا منذ 3 أشهر    الزمالك يستقر على رحيل بيسيرو    «العمل» تعلن عن 280 وظيفة للشباب بالشركة الوطنية لصناعات السكك الحديدية    ما علاقة الشيطان بالنفس؟.. عالم أزهري يوضح    تشغيل وحدة علاجية لخدمة مرضى الثلاسيميا والهيموفيليا في مستشفى السنبلاوين العام بالدقهلية    هل يجوز الحديث مع الغير أثناء الطواف.. الأزهر يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الكابوس المصرى" دراما حقيقية من زنزانة إخوانية
نشر في المشهد يوم 03 - 07 - 2015

في زنزانة الذي ظن أنه حكم، أحلام واقعية تتحول إلى "كابوس" يُطارد اليقظة والمنام، وفي المدى صوت حسن البنا مؤسس التنظيم يسخر من واقع جيل الأبناء الذين ساروا على خططه، ( ألم أصارحكم في رسالتي التي حملت عنوان بين الأمس واليوم قائلاً: إن دعوتكم ما زالت مجهولة عند كثير من الناس، ويوم يعرفونها ويدركون مراميها ستلتقي منهم خصومه شديدة وعداوة قاسية، وستجدون أمامكم كثيراً من المشقات وسيعترضكم كثير من العقبات، وفي هذا الوقت وحده تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات. أما الآن فما زلتم مجهولين تمهدون للدعوة وتستعدون لما تتطلبه من كفاح وجهاد. سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم، وستجدون من أهل التدين ومن العلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام وينكر عليكم جهادكم في سبيله، وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذوو الجاه والسلطان، وستقف في وجهكم كل الحكومات علي السواء، وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم وأن تضع العراقيل في طريقكم ) .
يعتدل الذي ظن أنه حكم في زنزانته بينما صوت حسن البنا يتابع تذكيره برسالته القديمه (وسيتذرع الغاصبون بكل طرق لمناهضتكم وإطفاء نور دعوتكم، وسيستعينون في ذلك بالحكومات الضعيفة والأيدي الممتدة إليهم بالسؤال وإليكم بالإساءة والعدوان. وسيثير الجميع حول دعوتكم غبار الشبهات وظلم الاتهامات، وسيحاولون أن يلصقوا بها كل نقيصة يظهروها للناس في أبشع صورة).
30 يونيو كانت الهدف منذ البداية، حسن البنا جهز جنده لها، جاعلاً بداية ظهور وجه الإخوان الحقيقي هو لحظة اصطدامهم مع الشعب، حسن البنا بشّر بذلك في رسالته بين الأمس واليوم، قبل 2013م بقرابة سبعة عقود، قال إنه يعد تنظيمه لمواجهة مصر كلها (شعباً وجيشاً وشرطة وقضاءً وأحزاباً ونخباً فنية وثقافية وأزهراً وكنيسة)، حسن البنا يقول والذي ظن أنه حكم ينفذ، ويهتف من زنزانته (الشرعية. الشرعية).
كان الإخوان يسيرون إلى30 يونيو بخطى واثقة، الذي ظن أنه حكم ومن خلفه مكتب الإرشاد، ومن خلفهم جميعاً خيرت الشاطر، جميعهم لم يرونها ( ثورة على الإخوان)، وإنما هدف أسمى لبداية زمن الإخوان الحقيقي. حيث (سوريا) نموذجا.
وما يؤرق الذي ظن أنه حكم في زنزانته، أن لاعباً نزل إلى الملعب بعد فترة غياب طويلة، هذا اللاعب لم يضعه مكتب الإرشاد في خُططه للاستيلاء على مصر أو حرقها، هذا اللاعب طيلة الوقت موجود كمستهدف للاستخدام وقت الحاجة، يحركه التنظيم بالدين أحياناً، وبالخدمات والوجاهة الاجتماعية أحياناً أخرى، ودائماً بالعطايا التي تبدأ بالزيت والسكر، ولا حد لنهايتها، هذا اللاعب كان (الشعب). صوته يتجسد (عَنْبَرَه) –غناء المساجين في الزنازين- تسري من زنزانة أحد المساجين، يسمعها الذي ظن أنه حكم طنيناً يدوي في أذنيه: الأَوِّلَة ناسْنَا. وسلاحنا من فاسنا. هلال ف حُضْنُه صليب. وإيمانَّا من راسنا
استوعب خطورة المشروع كثيرون كانوا داخل التنظيم، ولكن من قرر منهم ألا يستسلم لإغراءات الحكم وإغواءات السلطة كانوا قلة، ومنهم رجل أخذ موقفه الديني والوطني والإنساني وفارق الحياة قبل أن يجلس مرسي على كرسي حكم مصر، كان ذلك قبل 30 يونيو 2013م بقرابة العام و نصف العام، و تحديداً كان ديسمبر 2011م، وكان الرجل الستيني على موعد مع شمس شتاء في ظهيرة، سحبت يده أحد الكراسي وأجلستني، وجلس مستمعاً بنسائم الحرية الباردة بعد سنوات من طقس سياسي شديد الجفاف! كان الرجل قد غادر الإخوان مستقيلاً بعدما أحاله التنظيم ومعه40 قيادياً للتحقيق بسبب مخالفتهم قرار التنظيم وحضور أحد حفلات الإفطار التي كان ضيفها الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح .
كان الرجل هو المهندس محسن عبد الفتاح القويعي، أول من أسس دعوة الإخون في محافظة البحيرة إبان بعثها الثاني في عام 1971م، قال (كان حلمنا دين جميل يسع كل الناس، ووطن حر يعيش فيه الجميع، ولمّا ربنا أنعم علينا ب25 يناير، ظن قيادات الإخوان إن قوة التنظيم العددية والمالية تغني عن قبول المجتمع له، هيأ لهم شيطانهم إنهم خلاص سيحكموا ويتحكموا، ولكنهم نسيوا أن مصر مش الجماعة، وشعبها مش الإخوان)، تنهد الرجل تنهيدة حارة، خرجت من قلبه الموجوع بفعل عملية أجراها فيه، قال وخيبة الأمل تعجن أحرفه (عشنا حلم جميل مرمطوه ولاد ال...).
وكان أن مر شهران على اللقاء، ولم يتحمل قلب الرجل الذي كان يتسع ببراح دوار حميم لكل عابر، لم يتحمل سقوط أقنعة قادة التنظيم وبسرعة، عجز عن استيعاب وجوه شابة احتضن أفكارها التحررية والانفتاحية على المجتمع، ثم اكتشف أن كل هذا كان ادعاء للاقتراب منه ونقل أخباره إلى قادة التنظيم، أعياه رؤية وجوه فشلت في إدارة وحدات التنظيم تتصدر المشهد المصري كله، وإثر نوبة قلبية فارق واقعنا، ليستيقظ قادة مكتب الإرشاد على الخبر، محافظة البحيرة كلها ستكون في الجنازة، الإخوان يحبونه والقوى السياسية والثورية تثق فيه، وكبار العائلات ورجال الأعمال والتجار، وحتى باعة سوق الخضار يعرفونه ويعرفهم بالإسم، وليس في صالح التنظيم أن ينتشر خبر تركه للجماعة وهي على أبواب انتخابات رئاسية، وكان أن قررت قادة الجماعة أن توفد، واحداً ممن حاصروا الرجل حيا ليواري جثمانه الثرى باعتباره أحد رموز الإخوان، لكن ما في الصدور من غل أكبر من مصلحة التنظيم والقاعدة (لا أحد فوق الجماعة)، وقف محمود عزت (نائب المرشد) يوم 7 فبراير 2012م على قبر الرجل الإنسان ليودعه و يقيم فيه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، (ادعوا لأخيكم فإنه الآن يُسأل)، فدعى نائب المرشد ليؤمن الناس خلفه وقال (اللهم اغفر لعبدك محسن القويعي أن ترك الإخوان).!
وكان أن أمنت جموع الإخوان مخلصة، مؤمنة بأن التنظيم خالد والبشر إلى زوال، واخترقت الكلمات آذان من حضر من بني الإنسان فتأكدوا أن الرجل كان قد ترك التنظيم وأنه كان إنساناً. تصبح (العَنْبَرة) أنيناً يصل إلى أذن مرسي الذي ظن أنه حكم، تماماً كما وصلته رسالة موت القويعي فخطط لاستثمارها:
والتانية. إخوان و كلام ملان إيمان. والكِبْر كيف جَاكُم. والموت على البيبان
في اللقاء الأخير على رصيف شارع طور سينا بدمنهور، كان أكثر ما يخشاه (القويعي) هو ضحايا معركة قادة التنظيم ضد الدولة المصرية، فقد كان رحمه الله يعرف "خيرت الشاطر" من السبعينات، قال (أيام مبارك كان أقصى طموح للشاطر هو أن يصبح المرشد أما الآن فهو يرى مصر قد دانت له ووفق خطة التنظيم القديمة قفز الشاطر على مرحلة إعداد المجتمع ليصل إلى الحكم، إذن فمحطته التالية هي الخلافة) إنها المرحلة التي تعقب مرحلة (الحكومة المسلمة) والتي تسبق مرحلة (أستاذية العالم).
كان ل خيرت الشاطر شيخاً رباه في التنظيم على عينيه، هو محمد صادق العدوي من الرعيل الأول للتنظيم وأحد القادة التاريخيين لبعثه الثاني في الدقهلية، تولى العدوي تأهيل الشاطر حتى صار محل تقدير من كهنة معبد التنظيم (النظام الخاص) أمثال إبراهيم منير ومصطفى مشهور، حيث كانوا يرون فيه رجل التنظيم القادم لما يملكه من قدرات تنظيمية وولاء مطلق، لكن المُربي كان له رأي آخر فما أن بدأ نجم (الشاطر) في السطوع نهاية السبعينات، حتى بدأ الرجل يُصرح بمخاوفه قائلاً (وأخشى ما أخشاه أن يبسط الشاطر نفوذه على الجماعة).
وكان أن نجح (الشاطر) في بسط سلطانه على الجماعة كلها، واحتكر التفاوض باسمها داخلياً ودولياً، ووضع يده على خزائن التنظيم في الداخل ومفاتيحها في الخارج، وصارت كافة قيادات الجماعة تدين له بالولاء، وتأتمر بأمره بعدما أقصى كل خصومه على كعكة التنظيم في تمثيلية انتخابات مكتب الإرشاد 2009م، (عبدالمنعم أبوالفتوح- محمد حبيب) اللذان تقبلا النتيجة وقتها أملاً في رضى التنظيم أو خروج الشاطر من المشهد، كما نجح الشاطر في استقطاب (عصام العريان) وإدخاله إلى حظيرة الشاطر، وباتت الجماعة تُغرد بصوته، ولا فرق في أن يكون هو شخصياً صاحب التصريح عن أن يكون مرسي هو صاحبه أو محمد البلتاجي أو جمال حشمت ممن كانوا ينتمون للتيار الانفتاحي .
وكان أن أصبح ل الشاطر ظلاً في مؤسسة الرئاسة، ظلُ وفيٌ أمين، صنعته وصقلته الآلة التنظيمية في (ساوز كاليفورنيا) بالولايات المتحدة الأمريكية، من العام 1978م وحتى العام 1985م ليعود ساقطاً بالباراشوت التنظيمي على (الوحدة السياسية) للجماعة بالزقازيق، قال الإخوة الكبار للحاج سعد لاشين مسئول المكتب الإداري للإخوان بالشرقية وقتها (إنه أخ عامل، وإخواننا في أمريكاً بيوصوا به خيراً)، هكذا قال (الدكتور الراحل حسن الحيوان) مسئول الوحدة السياسية للإخوان بالزقازيق عندما سألوه عن الأخ الذي لا يعرفونه وطبيعة علاقته بالسياسة وهو دكتور في الهندسة). وكانت هذه الوصية هي باب السعد التنظيمي الذي انفتح للأخ الدكتور محمد مرسي عيسى العياط، حيث توطدت علاقته سريعاً ب(الشاطر)، خاصة مع زواج كبرى بنات الشاطر (زهراء) من أيمن عبدالغني شقيق الدكتور محمد عبد الغني عضو (الوحدة السياسية بالشرقية).
ولسبب كان يعلمه الشاطر، صار مرسي فجأة هو مندوب الوحدة السياسية لإخوان الشرقية في القاهرة، وأصبح عضواً في أمانة القسم السياسي المركزية، وتجاوز مرشحي الإخوان الثلاثة الرئيسيين في انتخابات 1995م ليكون مرشح التنظيم في غير دائرته الانتخابية، ثم يصبح عضواً في برلمان 2000م و يتدخل نائب المرشد وقتها مأمون الهضيبي بنفسه في إدارة أول اجتماع للكتلة البرلمانية للإخوان، ليعلن تكليف الأخ مرسي بأن يكون مسئولاً للكتلة ومتحدثاً رسمياً باسمها، ثم يتم تعيينه مسئولاً للقسم السياسي بالجماعة وعضواً بمكتب الإرشاد المحلي ثم الدولي. ثم يأتمنه الشاطر على التنظيم أثناء سجنه في قضية ميلشيات الأزهر 2006م. حيث يصبح مشرفاً على أهم قطاع جغرافي بالتنظيم (قطاع القاهرة الكبرى) الذي كان يشرف عليه الشاطر بنفسه. وخلال الفترة التي سبقت 25يناير 2011م، استطاع مرسي أن يدير كل الملفات بولاء تام للشاطر، ولم يستطع أبوالفتوح ولا حبيب أن يخرجا بأي مواقف ضد رغبة الشاطر، حتى مقعد الشاطر في مكتب الإرشاد، نجح مرسي في الحفاظ عليه أثناء سجن الشاطر بالمخالفة ل لائحة الجماعة التي تنص على إسقاط عضوية مكتب الإرشاد عن العضو الذي يعجز عن ممارسة مهامه لأكثر من ستة أشهر.
كان أن استطاع مرسي أن يُشعر الجميع في التنظيم وخارجه أن (الشاطر) غير عاجز عن ممارسة مهامه، حتى أنه وبصيغة ما (؟!) وصل إلى توافق مع (جهاز مباحث أمن الدولة) يمنح الشاطر الحق في رحلة أسبوعية إلى عيادة العلاج الطبيعي بمستشفى قصر العيني، وخلالها كان مدير أعمال الشاطر يقف على باب العيادة ليُحدد أدوار الزائرين حسب أهميتهم، والزوار كانوا يتنوعون بين أعضاء مكتب إرشاد و شورى عام و مكاتب إدارية و أقسام نوعية بالإضافة إلى رجال الأعمال. كان مرسي من ضمن الزوار، ومثلهم كان العبد لله.
كان المرشد العام السابق محمد مهدي عاكف يحاول أن يحرر التنظيم من سلطان الشاطر، ولكن (القويعي) كان يرى أن الوقت قد فات إلا بحدوث معجزة، وكانت المعجزة في 25يناير 2011م، ولكن حسب كلام (القويعي) كان للتنظيم وجه آخر غير الذي كان يعرفه عوام أعضائه، إنهم التنظيم الخاص الذي لم يتفكك يوماً، والذي ظل يتمدد حتى صار هو صانع قراره والذي قرر أن يجعل (الشاطر) هو قائد المرحلة بما وافق تطلعاته التي تجاوزت حد الحكم إلى أن يُصبح الخليفة.
والتالته. شاطر. والحِسْبَه بِمساطر. والدين لو بِيِعه. ربك ماهُوشْ ساتِر
وكان أن ارتدى مرسي بدلة الإعدام الحمراء، مستقبلاً بها الذكرى الثانية لثورة المصريين على حكمه وعلى حلم مسئوله خيرت الشاطر في أن يصبح خليفة، ليراجع من أمره ما كان، في فيلم حكم تنظيمه الذي كتب له الشعب المصري نهاية غير سعيدة، فيلم (ليلة سقوط الجماعة) بطولة مطلقة ل (خيرت الشاطر) وأدوار ثانوية ل (مرسي وبديع ) وآخرون تظهر أسماؤهم في آخر التتر، وكومبارسات بالآلاف هم وقود معارك حية وتفجيرات دامية، هم أول من يُضحي به، وآخر من يغنم.
وبالتأكيد سًيُلح علي مرسي البحث في المشاهد عن إجابة لسؤال أساسي حول حقيقة علاقة تنظيمه ب (ثورة 25 يناير 2011م)، إنه السؤال الذي أجابني عنه بنفسه يوم 23 يناير 2011م عصراً، حين استدعاني بصفتي رئيساً لتحرير موقع الإخوان الرسمي (إخوان أون لاين) وقال نصاً بحضور سكرتير المرشد مسعود السبحي (سياسة الجماعة الإعلامية تجاه الدعوة لمظاهرات 25 يناير هي عدم التبني من قريب أو بعيد يعني مجرد متابعة لأننا مش عارفين شوية العيال دول ممكن يورطونا في إيه). هذا هو الموقف الرسمي الذي تم تبليغ قواعد الجماعة به والذي لم يتغير كثيراً يوم جمعة الغضب الأولى حيث كان التكليف هو الخروج في مظاهرات عقب صلاة الجمعة أو وقفات أمام المساجد حتى العصر و تنتهي الفعاليات.
في مشاهد الفيلم يتصاعد الأكشن ليتم اعتقال مرسي فجر 28 يناير 2011م، وكان أن اتصلتُ بالمرشد العام السابق محمد مهدي عاكف لأبلغه الخبر، ضحك بشده وعلق قائلاً (دي باينها قربت يا وله). بالتأكيد مرسي كان على يقين بماهية هذه التي (قربت). وكم كان حريصاً على إن (شوية العيال بتوع ميدان التحرير ما يورطوش الجماعة في شيء) وعلى ما يبدو أن العبد لله كاتب هذه السطور كان من ضمن مَنْ يجب ألا يعلموا شيئاً عن هذه التي (اقتربت) حتى لا يورطوا الجماعة في شيء.
ولم تكن بعيدة مسافة القبض على مرسي، حيث تم اقتحام سجن وادي النطرون وتهريبه، واقتربت فعلاً ساعة التفاوض، ليجلس محمد مرسي بعد هروبه بساعات ومعه محمد سعد الكتاتني وعصام العريان على طاولة نائب الرئيس اللواء عمر سليمان. هكذا صرح الكتاتني بعد الزيارة ب 48 ساعة لقناة المحور، لكنه لم يقل أن الزيارة كانت قبل التي تم الإعلان عنها. وفيها كانت الجماعة قد اتفقت على كل شيء، أولاً بقاء مبارك حتى إجراء الانتخابات الرئاسية في سبتمبر 2011م، مقابل الإفراج عن خيرت الشاطر فوراً، ثم عمل تعديلات دستورية لحين تشكيل لجنة تأسيسية لدستور جديد، حل مجلسي الشعب والشورى وإجراء انتخابات جديدة تشمل أيضاَ المحليات والنقابات و الاتحاد العمالية والطلابية وإطلاق سراح المعتقلين والمحكومين من الجماعات الإسلامية في قضايا عنف، والسماح للإخوان بإنشاء حزب سياسي وإصدار صحيفة وقناة وإذاعة. أعلن الكتاتني ذلك بعدها ب 48 ساعة، لكنه لم يُشر من قريب أو بعيد إلى موافقة الجماعة على بقاء مبارك و على تكليفها لمسئول الميدان أسامة ياسين، بصرف قواعدها من الميدان مساء يوم 1فبراير 2011م.
لكن العيال في ميدان التحرير، ورطوا التنظيم برفضهم إخلاء الميدان، وكانت موقعة الجمل، وبدأت بعدها لقاءات الفندق المطل على نيل القاهرة بالقرب من التحرير بين مرسي وممثلين عن السفارة الأمريكية بصفة أساسية، والقطرية والتركية بصفات داعمة، ثم ممثلين لسفارات غربية عدة بصفة تسويقية. ولم تعد الصفقة مع اللواء سليمان كافية لإشباع نهم الشاطر.
وكان أن سقط مبارك و هتف الملايين، واجتمعت القوى السياسية والثورية تحت سمع وبصر التنظيم في مكتب سفير للسفريات، وقرر الجميع أن يكتبوا أول بيان عن الميدان واختاروني في لجنة الصياغة إلى جوار، من الإخوان الصحفي محسن راضي ومذيع الجزيرة أحمد منصور ومن الجمعية الوطنية للتغيير الدكتور أحمد دراج والإعلامي حسين عبدالغني.
سيتذكر مرسي أن هذا البيان الذي لم يصدر كانت أوامره تجاهه واضحة، (لن يوافق الإخوان على مجلس رئاسي مدني من خمسة سادسهم عسكري، ولا محاكمات ثورية لمبارك). وكانا على رأس قائمة المطالب، هذا البيان لا يزال حبيس أرشيف الدكتور أحمد دراج.
يومها قرر (الشاطر)، أن يكون بطل الساحة الفريد ومفاوضها الوحيد، إنها كلمة قالها حين فاوضته قيادة أمنية قبل 25يناير بيوم على النظر في إطلاق سراحه بعد مرور المظاهرات بسلام، فكان أن ضحك قائلاً (أنا خارج من هنا خارج). وخرج من السجن ليمنح نفسه لقب (يوسف هذا العصر: الشاطر خرج من السجن ليحكم مصر) هكذا دفع للجانه الإعلامية آلاف الدولارات ليسوقوه. ظناً منه أن الشعب يمكن أن يصمت على سرقة الوطن من قبل الإخوان تماماً كما كان صامتاً على سرقة قوته من قبل نظام مبارك.
والرابعه أفلام. ودفاع عن الإسلام. ومصر مش فَرَسَّهْ. ولا ناسها ليها لجام
سيكون على مرسي أن يعطي لنفسه إجابة قاطعة (هل حقاً الإخوان هم أصحاب الثورة) وهو شخصياً كما وصفته صحيفته (الحرية والعدالة) صبيحة يوم إعلانه رئيساً قائلةً (الثورة تحكم). إن مشاهد تتسارع في شريط حكم من ظن أنه حكم، وكلها كان عليه فيها أن يتخذ مواقف أخرى، إن كان يستهدف بقاء التنظيم، أو حتى استقرار الحكم. أو كان يتقي الله في وطن.
كانت الساحة المصرية قبل 25 يناير 2011م، تضم لاعبين أساسيين على اتصال بالإدارة الأمريكية، مبارك ورجاله بصفة رسمية، والإخوان وأذرعهم بصفة غير رسمية، "مرسي" كان صاحب علاقات قديمة، لم تنقطع وحين صار صاحب حصانة برلمانية عام 2000م، كانت ماكينة الرصد الأمريكية تصحبه في جولاته داخل دائرة الزقازيق .
ظن (الشاطر مرسي)، أن كل ما أحدثته 25يناير هي أنها غيرت الكراسي، ليجلس الإخوان في الحكم ويصبحوا هم الطرف الرسمي في الاتصال بالأمريكان، بينما يدخل "مبارك" ورجاله السجون لتصبح اتصالاتهم بالأمريكان غير رسمية !
هذا الظن - وبعض الظن إثم- دفع (الشاطر مرسي) إلى سياسة التفتيت والاختراق، فكان لابد من تفتيت النخب عبر كيانات ثورية كثيرة، يدعم الإخوان بعضها بطريقة غير مباشرة، ويدفعوا لبعض وجوهها بطريقة مباشرة ليصدقوا أنهم نجوم وأصحاب جماهيرية، ويدعموا حتى الخارجين عن الإخوان في كياناتهم ليكون لهم قدم في أصوات معارضيهم، وفي كلٍ لابد من اختراق الجميع ليكون للتنظيم عيون داخلهم، واستعان لهذا الغرض بتكنولوجيا حماس في (التنصت) حتى صار رئيساً فطلب نسخاً دورية من التقارير السرية للتجهيزات الفنية لقطاع (الأمن الوطني) ليكون قادراً على كشف سوءات من شاء حتى ولو شخصية.
لقد استهدف (الشاطر مرسي) في هذا الجزء من السيناريو، أن يتصاعد التفتيت في الشارع المصري، وأن تعلو شعارات التعصب والانحياز ليتحول المواطن في المجتمع المصري بالتدريج من (مواطن مصري) إلى (مصري وثوري أو فلولي، ثم وطني أو حزب كنبه، ثم إسلامي أوعلماني، ثم شيوعي أو ليبرالي) وصولاً إلى مرحلة يصبح التصنيف فيها إنت مع الإخوان فأنت مع الإسلام فأنت (مسلم مصري) في مواجهة كل مصري عدو للمشروع الإخواني الإسلامي والذي هو بلا شك كافر!.
لم يُشرف مرسي بنفسه على تأسيس (ائتلاف شباب الثورة) و(مجلس أمناء الثورة) لمجرد متابعة نمو أهم كيانين بعد ثورة 25 يناير، إنه يشاهد الآن أداءاته المُفرقِة في تلك الأوقات، ليكتشف أنه كان قادراً بقليل من تأجيل أماني الحكم، أن يوفر على نفسه فُرقَةً صنعها، لكن حسن البنا استهدفها من البداية وكان على مرسي أن يُنَفِذ.
والخامسة قَسِّمْنَا. أكل وما قَاسِّمْنَا. والجوع ياواد كافر. والحكم مش سِمْنِه
سيتذكر مرسي الذي حكم، أن مشاهد النهم في فيلم حكمه، كان من الممكن أن يتم الاستغناء عنها، إعمالاً للحكمة العامية (اللي ياكل لوحده يزِّوَرْ)، كان عليه أن ينصح الشاطر بأن مصر عصية على الهضم، لكنهم ظنوا في لقائهم (بديع ومرسي والشاطر) مع المشير طنطاوي واللواء سامي عنان قبل إعلانهم الترشح للرئاسة، ظنوا أن كل ما يشغل الجيش هو سلامة قواده، هكذا أشاع الشاطر، الذي رفض الإنصات لنصائح المشير بعدم االترشح للرئاسة لصالح مصر، أصر الشاطر على أن يكون المرشح، حلم الخلافة على الأبواب وبشارة البنا في مواجهة الدنيا تدنو من التحقق، خرج الجمع الإخواني ليبشروا باقي أعضاء مكتب الإرشاد (لقد اتفقنا لنا الرياسة ولهم القلادة)، ويتدخل في الاجتماع أعضاء في لجنة التنمية الإدارية بالجماعة - اللجنة المعنية بإعداد خطط الجماعة و قياسات الرأي العام الخاصة بقراراتها-، اللجنة أعدت تقريراً أكدت فيه (قياسات الرأي العام ليست في صالح الإخوان حال قرارهم خوض انتخابات الرئاسة، وأجهزة الدولة كلها لن تعمل لصالح التنظيم، وسيكون الإخوان وحدهم في المشهد وهذا ستكون له نتائج كارثية على الجماعة ككل، ولن تحمينا الأجهزة الأمنية). واكتفى الشاطر بأن يُعلق على هذا الاستقراء المخيف قائلاً (ساعتها نبقى ننزل ميليشياتنا تحمي المؤسسات).
كان يمكن لمرسي أن يتدخل في هذا المشهد، أن يكبح طموح الشاطر، أن يؤجل المسير صوب (30يونيو)، لكنه يعلم مثل الشاطر أن (البنا) استهدفها وعليهما التنفيذ.
ولهذا لم يجد مرسي غضاضة من المبادرة بأن يكون (المرشح الاحتياطي) فور أن تلقى اتصالاً من (الشاطر) رغم أنه أبلغ الدكتور محمد عبدالغني أنه لن يستطيع، وبمجرد اتصال الشاطر، كان قد استطاع، وعندما استطاع كان قد ضمن أن يكون هو المنافس الوحيد في مواجهة الفريق أحمد شفيق الذي كان وزيراً في آخر حكومة لمبارك. حتى يضمن أن يمنح نفسه وتنظيمه لقب ثورة لم يشارك فيها ليصبح (أول رئيس من ميدان التحرير) هكذا وصفته (الحرية و العدالة).
ولأن (الشاطر مرسي) كان يستهدف تحقيق نبوءة (البنا) بمواجهة الجميع، دعى لمؤتمر (فيرمونت)، ولبت الدعوة شخصيات لها أوزانها في الواقع السياسي والوطني، وتعهد مرسي أمامهم بأن يصنع حكماً توافقياً يمثل فيه الجميع، تعهد بما ينوي عدم الوفاء به وأقسم على أن يحنث بقسمه، فالهدف أن يتفرق الوطن حول التنظيم المتماسك .
وعندما تتابعت مؤشرات (لجنة الانتخابات المركزية) بالجماعة مشيرة إلى تقدم الفريق أحمد شفيق بفارق ضئيل، قرر (الشاطر مرسي) التكتم على الخبر، على أن يكون الرد لمن بلغهم الخبر (هذا بسبب تزوير تم في بعض محافظات الصعيد، وبسبب تصويت عساكر الشرطة والجيش، وبسبب تصويت الأقباط الذين حرضتهم الكنيسة). هكذا عالج التنظيم الأمر، حتى كان لقاء السفيرة الأمريكية، آن باترسون بقادة الجماعة في مقر الحملة الرئاسية بجوار وزارة الداخلية، وكان الطلب واضحاً (وصلت الجماعة معلومات بأن تزويراً تم في الانتخابات، النتيجة ستُعلن لصالح شفيق وعندها ستشتعل مصر كلها، وعلى أمريكا أن تتدخل للضغط على المجلس العسكري لإعلان النتيجة لصالح مرسي)، وتبع هذا لقاء آخر حضره ممثلون عن الاتحاد الأوروبي، ثم اتصالات تمت مع المجلس العسكري تهدد بإشعال مصر وتطبيق النموذج السوري حال إعلان فوز شفيق، وصدرت الأوامر لقواعد الجماعة في المحافظات بالتمركز في ميدان التحرير وعقد النية على العودة بالأخ مرسي رئيساً أو الشهادة في سبيل الله. وقالها نصاً أحد أعضاء شورى الجماعة (إحنا عارفين إن شفيق ناجح بس هوا ناجح بالتزوير فتزوير بتزوير ينجح الأقوى و إحنا الأقوى).
كان يمكن أن يقبل (الشاطر مرسي) بالنتيجة، وساعتها تكون جبهة الإخوان في مواجهة النظام أكثر اتساعاً فستشمل كل الوجوه التي حضرت مؤتمر (فيرمونت)، ومن يقرر الانحياز إليهم، ولكن هذا يعني العودة إلى ما قبل 25 يناير مع بعض مكتسبات، ويجعل المواجهة (معارضة وحكومة) والبنا أرادها (إسلام و كفر). فكان لابد أن ينجح مرسي وأن يخلف كل وعوده
والسادِسَة انتخابات. وعود على حركات. ووقت الجد تلقى. أبوها السقا مات!
يتقلب "مرسي" على فراشه في الزنزانة، يتذكر أنه كان يستطيع ألا يقطع على نفسه وعوداً يعلم تماماً أنْ لا طاقة له بتنفيذها، وكم من وعود مثلها قطعها مبارك على نفسه خلال 30 عاما، لكنه قرر أن يهتف "أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي"، إن وعوده الآن تطارده أحكاماً قضائية، ومن قبلها غضباً شعبياً، لكنه هو من صنع هذه الغضبة الشعبية، فمحمد مرسي خلال حملته الرئاسية، قطع على نفسه وعداً بحل أبرز أزمات الشعب المصري خلال مائة يوم وهي (المرور: تحقيق سيولة مرورية في القاهرة الكبرى وعواصم المحافظات - الأمن تحقيق الأمن العادل في الشارع المصري وإعادة الثقة والتعاون بين المواطن وجهاز الشرطة- النظافة: إزالة القمامة من الشوارع وإعادة تجميل الأحياء - الخبز: توفير رغيف الخبز الجيد والصحي والمدعوم للمواطن دون عناء - الوقود: توفير كافة أنواع الوقود دون عناء بجميع أنحاء الجمهورية).
سيتذكر "مرسي" هذه الوعود، ومعها جلسته في اجتماع القسم السياسي المركزي للجماعة، في بداية ثورة تونس، قال (مصر ليست تونس، الوضع فيها شديد التعقد والأزمات متشابكة، ومبارك لو بيفهم عمره ما يفكر يورث الحكم لإبنه، حد يورث لابنه خرابة) .
لكنه قطع على نفسه وعود إصلاح ما كان يراه (خرابه)، وخلال أول مائة يوم حكم، وهنا تتجلى حقيقة واحدة أنه هي وعد، كان هدفه هو أن يُخلِف، لكنه سيتخد وعوده لتجبيه كل عضو في دوائر الجماعة ضد الشعب كل الشعب .
"مرسي" سعى لتحقيق وعوده عن طريق حشد طاقة التنظيم الجماهيرية والقاعدية نحو تنفيذ "الوعود" مستخدماً الطاقة البشرية للتنظيم وليس الطاقة الإدارية للجمهورية (الجهاز الإداري للدولة) والأمثلة على ذلك شائعة للعيان و تمثلت في (حملات النظافة - تنظيم المرور - الإبلاغ عن أصحاب النشاط الإجرامي بواسطة ماكينة رصد التنظيم). هذه المشاركة رسَخَت معان عدة في وعي قواعد التنظيم.
صار كل عضو في التنظيم شريكا في الحكم ومُحَركا له ومطالبا بالدفاع عن مُلكه. وآمن كل عضو تنظيمي بأن وعود ال "100 يوم" تتحقق فعلاً بدليل جهده وعرقه وبالتالي فإن كل من يقول غير ذلك "متآمر على حكم د. مرسي الإسلامي وعدو له".
وفي بحر أزمات متعاقبة تحياها كل مصر، وعقب مرور المائة يوم الأولى له في الحكم يخرج مرسي في ذكرى نصر السادس من أكتوبر ليخطب من استاد القاهرة متحدثاً عن تحقيق 70% من وعود المائة يوم ومبرراً عدم تحقيق ال 30% الأخرى بوجود بعض المعوقات الخارجية والتي سوف يتم القضاء عليها سريعاً!.
نسبة ال70 % التي رآى "مرسي" وتنظيمه أنها قد "تحققت" من وعود ال100 يوم، كانت كفيلة بأن تثير حفيظة "الشارع المصري" تجاهه، بالإضافة إلى "خصومه السياسيين" الموجودين بالشارع ووسائل الإعلام، وكان أن دعت القوى "الثورية والشبابية" وبعض الأحزاب إلى "مليونية كشف الحساب" بميدان التحرير ( 12 أكتوبر 2012م ) لإعلان رفض خطاب "مرسي" و اتهامه ب "الكذب" من وجهة نظرهم.
وفي ظل ما ترسخ داخل أدمغة الصف الإخواني من نجاح مرسي، ومن شراكتهم له في الحكم،استصدار مكتب الإرشاد قرارا بضرورة مواجهة معارضي "مرسي" الداعين ل "مليونية كشف الحساب" وكان الهدف (تلقين المتظاهرين درساً حتى لا يحاولوا التفكير مرة أخرى في موجات ثورية ضد مرسي) .
يتذكر مرسي في زنزانته جيداً لقطات هذا اليوم، فلقد أجرى مع تنظيمه أول تجربة عملية لتحقق نبوءة حسن البنا في مواجهة مصر و أهلها، ففي عصر الجمعة ( 12 أكتوبر 2012م ) قامت قواعد التنظيم المحشودة من (قطاع القاهرة الكبرى: القاهرة والجيزة وشبرا الخيمة) و (قطاع وسط الدلتا: القليوبية والمنوفية والغربية وكفر الشيخ) و(قطاع شمال الصعيد: الفيوم وبني سويف والمنيا) بالهجوم على منصة التيار الشعبي وتكسيرها والاشتباك مع المتظاهرين داخل الميدان, الأمر الذي أسفر عن وقوع (110 مصابين) حسب البيان الرسمي لوزارة الصحة. وعادت قواعد الإخوان يملؤها اليقين بأنهم (قاموا بحماية الدعوة المتمثلة في الرئيس) تماماً كما فعلوا عندما تم حشد ذات الحشود ل حماية (مجلس الشعب في أول جلسات انعقاده).
الإخوان في معركتهم المقدسة ضد الشعب هتفوا للشرعية، وأكدوا أنهم حماتها وأن دونها رقابهم (مرسي وراه رجالة) هكذا ارتجت أركان ميدان التحرير، إنهم نفس الرجال الذين ساندوه وهو داخل إلى استاد القاهرة حين أعلن إنجازاته، في يوم الاحتفال بنصر السادس من أكتوبر، ولأول مرة يغيب الجيش المصري عن تصدر احتفالات انتصاره، بينما يجلس من قتلوا القائد المنتصر في مقاعد المحتفلين يهتفون (مرسي وراه رجاله) .
استطاع (الشاطر مرسي) أن يحقق في مشهدين متتاليين (خطاب استاد القاهرة – الاعتداء على متظاهري جمعة كشف الحساب)، الأهداف التي وضعها التنظيم كاملة، (يهمش الجيش في يوم انتصاره) ثم (يؤكد أنه قادر على حماية حكمه). لقد كانت جمعة كشف الحساب بداية لأيام دامية كان على مصر أن تخوضها لتصل إلى نبوءة حسن البنا.
السابعة إبليس. والدم في الكواليس. يا بلدي يا طاهره. دي كلها كوابيس
لم يكتف (الشاطر مرسي) بما أسفرت عنه (جمعة كشف الحساب) من احتقان، كان الهدف غير المعلن الإسراع في سيناريو التصعيد ضد مصر، والرهان الخاسر دوماً (الشعب سيقف مع الجالس على الكرسي). وفي قاعة الاجتماعات الرئيسية بمقر مكتب الإرشاد (المقطم)، طرح (الشاطر) على مكتب الإرشاد يوم ( 21 نوفمبر 2012 م) ضرورة الإعلان عن (تعديلات دستورية تعمل على تحصين قرارات الرئيس وتمنحه صلاحيات تشريعية وتطيح بالنائب العام وتُعجِل بتشكيل تأسيسية الدستور الجديد). ولتمرير هذه الصلاحيات، تم تغليفها بقرارات ( إعادة محاكمة مبارك وقتلة الثوار – تخصيص معاشات استثنائية لمصابي الثورة ) وبهذا يضمن التنظيم تأييد (شباب الثورة) للإعلان الدستوري .
أسقط (الشاطر مرسي) من مخاوفه الجميع، وركز على (دار القضاء العالي حيث "النائب العام" - المحكمة الدستورية العليا)، فكلاهما يملك من السلطة والاستقلال ما يمكنهما من وضع حكم الإخوان في حرج .وكان أن انتهى قرار مكتب الإرشاد إلى ضرورة الاستعانة بقوة التنظيم لمواجهة خصومه – حتى و إن كانوا رجال القضاء – وحتى لا تستغل أية جهة علم التنظيم بقرارات الرئاسة – كان القرار حشد قواعد التنظيم من المحافظات المحيطة بالقاهرة لصلاة العصر بجوار دار القضاء العالي وحصارها تأييداً لقرارات هامة ستصدر عن الرئيس. وتكليف (لجنة المحامين) بالجماعة بحشد أعضائها لحصار المحكمة الدستورية لمنع أعضائها من الدخول وشل عمل المحكمة على أن يتصدر المشهد فيها (أعضاء حركة حازمون) أنصار المحامي حازم صلاح أبوإسماعيل القيادي الإخواني الذي تنصل من التنظيم – ظاهرياً – ليتبنى خطاباً يستقطب به السلفيين.
وبالفعل مع إطمئنان الرئاسة لحصار مكتب النائب العام والمحكمة الدستورية أصدر مرسي إعلانه الدستوري، لُيقرر فيه كل ما اعتمده مكتب الإرشاد، إضافة إلى قرار ب (تعجيل) عمل تأسيسية الدستور لتُنْجِز مشروعه خلال 6 أشهر بدلاً من ال 8 المعلنة في الإعلان الدستوري للمجلس العسكري الذي تولى إدارة البلاد عقب سقوط مبارك.
هذا التعجيل لم تكن تستهدفه لجان التنظيم المتخصصة، فلقد حضر اجتماع مكتب الإرشاد الذي تم فيه اعتماد التعديلات الدستورية ممثلين عن قسمي (السياسي والتنمية الإدارية) وأوصيا ب ( عدم تبني وضع دستور مصري جديد في المرحلة الحالية ) بل إن الذي يدعوا للدهشة أن قسم التنمية الإدارية (اللجنة المتخصصة في وضع خطط الجماعة) طالب مكتب الإرشاد (بمد عمل اللجنة التأسيسية لتضع دستوراً توافقياً يأتي بعد جمع مقترحات من الشارع ومن المتخصصين في كافة المجالات على أن يُكتفى في العام الأول بإعلان لمبادئ عامة تتوافق عليها جميع القوى حتى يتمكن الرئيس من تسيير شئون الدولة ).
هذا ما دعته إليه (اللجنة المتخصصة في وضع خطط الجماعة)، طبيعة المشهد كانت تطالبه بالانصياع للأصوات المتخصصة، لكن هذه الأصوات لم تكن علي دراية بأن خطة البنا الأساسية لا تستهدف إلا تجبيه الجميع ضد جيش الإخوان، وكان ل (الشاطر مرسي) ما أرادا من دستور يؤلب ضدهم. فعقب الإعلان الدستوري انطلقت دعوات من ( القوى الثورية ) للخروج والتظاهر عند قصر الاتحادية للمطالبة بإسقاطه وقابلتها دعوات أخرى لتنظيم الإخوان بالاحتشاد في ميدان التحرير لتأييد قرارات مرسي.
والتامنه دستور. بالبركة يا غَنْدُورْ. وتعيش يا مرشدنا. لمّا يجيك الدور
مشهد آلاف المصريين يفرشون الشوارع حول القصر الرئاسي مساء الثلاثاء 4 ديسمبر 2013م، يتجسد على جدران زنزانة (مرسي)، يحيطه من كل جانب، يحيل الزنزانة إلى فزع دائم، مشهد جربته الذاكره المصرية كثيراً، ويتجسد في الاحتشاد حول سارق الأحذية أمام أحد المساجد، الفزع يومها كان يغلف بيوت الإخوان، وفي بيوت القيادات أصحاب المصالح والبيزنس كان الفزع أشد، اجتمعت الأخوات في بيت أحد أعضاء مجلس الشورى العام بجنوب القاهرة، الشعور المسيطر كان الفزع، والتمتمات حول العودة إلى واقع ما قبل 25 يناير قالتها الأخت زوجة الأخ بوضوح (لا حول ولا قوة إلا بالله، إحنا لحقنا؟ هنرجع تاني للسجون والاعتقالات والزيارات، حرام عليهم، دا إحنا مالحقناش نتهنى) كانت تبكي حقها في ملك رأته يضيع. هذه هي نفس الروح التي سيطرت على رأس (الشاطر مرسي).
يوم الأربعاء 5 ديسمبر 2012 و بينما كان عشرات من المعتصمين ينصبون خيامهم حول قصر الاتحادية معلنين رفضهم ( إعلان مرسي الدستوري ) وسياساته في إدارة شئون البلاد عبر توجهات التنظيم. كان اجتماعاً لمكتب الإرشاد قد انتهى بقرار ( ضرورة فض اعتصام الاتحادية وتلقين الداعين له درساً بعدم التطاول على الرئيس وإيصال رسالة إلى الجيش بأن الجماعة قادرة على حماية رئيسها ولن تتركه وحده يواجه محاولات تشويهه وتسفيه قراراته ). وكان (الشاطر مرسي) قادراً على تجنيب الجماعة ومصر كل القادم، لكن أين المفر من وصية الإمام المؤسس حسن البنا.
بدأت الأمانة العامة للجماعة عن طريق الدكتور محمود حسن أمينها العام في توزيع رسالة على القطاعات الجغرافية للجمهورية ب ( النفير العام ) مستندة إلى ( وجود معلومات مؤكدة عن اقتحام القصر مساءًه ديسمبر 2012م و تواطؤ الحرس الجمهوري ووزارة الداخلية مع المخططين للاقتحام الذي سوف يعقبه خطف مرسي وتهجيره قسراً خارج مصر ثم إعلان هروبه). وطالب التنظيم قواعده بالتوجه للاتحادية لحماية القصر ورفع شعار نشرته صفحات التنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي وتم إرساله عبر الهواتف المحمولة يقول " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُصَلِيَّنْ العصر إلا في الاتحادية " .
إنه يرى نفسه الآن في زنزانته، تجاوز كل الحدود ووضع نفسه في موضع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولمَّ لا وهو حسب رؤيا قصها الشيخ جمال عبدالهادي على إخوانه في مكتب الإرشاد هو "مرسي" الذي جاء الرسول صلى الله عليه وسلم إليه في مكتب الإرشاد فلما حانت الصلاة قال (إمامنا من اليوم محمد مرسي)، بهذا التجرؤ على مقام النبوة كان حشد المغيبين من قواعد التنظيم، مرسي يصدر إليهم أمراً بألا تكون صلاة إلا في الاتحادية، تماماً كما أصدر الرسول صلى الله عليه وسلم أمراً بألا تكون صلاة إلا في بني قريظة، مرسي و أنصاره هم جيش الإسلام في مواجهة أهل مصر (يهود بني قريظة الخونة)!
في زنزانته اليوم يشاهد مرسي أقسى مشاهد فيلم حكمه، عصر الأربعاء حيث بدأت قواعد الإخوان بالتوجه نحو الاتحادية والهجوم على خيام المعتصمين وتمزيقها مما أسفر عن اشتباكات مع معارضي مرسي هناك. ثم تصل إليهم إمدادات الأسلحة، سيارات محملة بالأسلحة البيضاء لقواعد الإخوان لاستخدامها ضد المتظاهرين هكذا قال "سامحي مصطفى" أحد مؤسسي شبكة رصد وعضو تنظيم الإخوان، والذي نشر شهادته عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي " فيس بوك ", ولاقى بسببها هجوماً شديداً من الإخوان و تم تكذيبه ومطالبته بالتراجع عن ما نشره. ومع الساعات الأولى من صباح الخميس 6 ديسمبر 2012 انتهت الاشتباكات بانسحاب الإخوان عقب سقوط 6 قتلى كان أبرزهم الصحفي الشهيد الحسيني أبوضيف, بالإضافة ل 644 مصاب حسب بيان وزارة الصحة. في حين أعلن تنظيم الإخوان عبر مواقعه الرسمية عن سقوط 10 ضحايا منهم 9 من إعضائه وأكثر من 700 جريح.
ونجح (الشاطر مرسي) في البروفة الثانية لإعلان حربهم على مصر وشعبها، واضعاً كل مكونات "تنظيم الإخوان" الظاهرة ( رئيساً وحكومة وحزباً وأحزاب متحالفة) والخفية (القواعد) على أول الطريق إلى (30يونيو) بخطوات كانت بتتابعها تزيد من مساحات المواجهة مع قطاعات جديدة من (الشعب) بعيداً عن (القطاعات النخبوية والثورية) والتي بدأت في الاتساع مع اتساع مساحات الأزمات الناتجة عن نقص في المواد البترولية وانقطاع مستمر في الكهرباء ونقص في السلع التموينية والدوائية وفشل حكومي في مواجهة أيٍ من تلك الأزمات.
يتذكر الذي حكم في زنزانته، أن روائح 25 يناير 2013م حملت إليه أدخنة غضب يلوح مؤذناً بالانفجار القادم في 30يونيو، اشتمها كل عاقل في التنظيم، وانهالت على (الشاطر مرسي) تقارير من لجان وشخصيات داخل التنظيم تحذر من انفجار الموقف. حتى أن البرلماني الإخواني المخضرم على فتح الباب، طلب لقاءً شخصياً مع مرسي بعد 25يناير 2013، هو بالتأكيد يتذكره الآن في محبسه، الرجل أقدم منه في الساحة السياسية (كان برلمانياً من 1995م وكان مرشحاً ليكون رئيس الكتلة البرلمانية في انتخابات 2000 لولا أن الهضيبي حمل مرسي إلى المقعد بالباراشوت) حدثه حول ( لكل مرحلة رجال، والرجولة في المواقف تعني أن يتخذ الموقف الانسب في وقته، وكونه يرى أنه مع تصاعد الأزمة بين الإخوان وكل طوائف الشعب، تكون الحكمة هي إجراء استفتاء على بقاء الرئيس، والكلمة تكون للصندوق، الذي إن قال لك إرحل فلا بُد من التنفيذ، أسلم لمصر وللجماعة)، كان يمكن لمرسي وقتها أن يُفكر، لكن التنظيم لا يربي رجاله على التفكير، وكلما اقتربت من مقاعد قيادته، يكون الانسحاق أمامه أكثر، لم يُلتفت (الشاطر مرسي) لكلام فتح الباب، وأصر على مواصلة المسير بخطى واثقة صوب 30 يونيو، فالتنظيم يحميه، وأمريكا تُبارك حكم الإخوان، هكذا أكد الشاطر ل مرسي قبل أن يسوقا قرار الجماعة بأن يكون لها مرشح رئاسي. والمنافسون في مصر تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، ومن الصعب على الجيش أن يراهن بمواجهة الجماعة، وقادته همْ منْ كَرِّمَهُم ومنحهم القلادات، وظن أنه اشترى ولاء القوات المسلحة ببعض امتيازات، واعتبر قسَم وزير الدفاع أمامه هو بيعة للجماعة .
والتاسعة. جهادية. وعصابة إخوانية. وشعب مالِك جيش. أرضه ماتبقى تِكيه
إن اسوأ مشاهد فيلم الذي ظن أنه حكم، تلك التي يتضمن حوارها ذكر اسم الرئيس عبدالفتاح السيسي، ليس لكونه الرئيس أو وزير الدفاع الذي أقسم أمامه حين جلس على كرسي الرئاسة، وإنما لأنه وضع التنظيم في مأزق الناس قبل قواعده، ويتذكر (الشاطر مرسي) جيداً الحملة الترويجية لشخص الفريق عبدالفتاح السيسي في إعلام الإخوان وبين قواعدهم، بمجرد أن أدى القسم أمام مرسي، موقعي الإخوان الرسمي والحرية والعدالة"، كلاهما نشر تقريراً وصلهم من مكتب الإرشاد حمل عنوان (السيسي وزيراً للدفاع بنكهة الثورة)، حوى ردوداً لكل ما يُشاع حول وزير الدفاع الجديد من شبهات حوله وأسرته في وسائل الإعلام .بل أشرفت المكاتب الإدارية للجماعة على إعداد جلسات وضوح رؤية للصف الإخواني، تُعدد مزايا السيسي، حتى أن الإخوان في أحد القطاعات الجغرافية استعانوا بواحدة من عضوات التنظيم، وزعموا أنها من عائلة "السيسي" وكان أهم مسوغات تعيين وزير الدفاع ( الإيمان – التقوى – الحفاظ على الصلاة – البكاء في الصلاة – المصحف لا يغادر حقيبته) .
كان (الشاطر مرسي) مدركاً تماماً لأن الجيش الذي انحاز للإرادة المصرية في 25يناير لن يتردد أن ينحاز لها من جديد إذا ما الشعب أراد، لكنه كان يسعى إلى تلك المواجهة، وإلا فكيف سيتم تنفيذ ما أراد البنا، فخدع نفسه بإدعاء زائف روجه بين صفوفه عن أن الجيش في جيب (مرسي).
وتكتمل الصورة بمشهد (تمرد)، ويتردد في أصداء زنزانة مرسي صوت الراحل محسن القويعي (مصر مش الجماعة و ناسها مش الإخوان)، فتعمد (الشاطر مرسي) ألا يُشاهد (تمرد) إلا بعين التجاهل، ولا يمكن أن يتصور عاقل أن حاكماً شعبه يغلي ضده، ويكتب خطاباً مدته تزيد عن الساعة والنصف، (خطاب ما قبل 30 يونيو) الذي حمل عنواناً شعبياً (فودة بتاع المنصورة، وعاشور بتاع الشرقية)، كان خطاباً مكتوباً تمت مراجعته في مكتب الإرشاد، والقسم السياسي حذر منه، ورآه قسم التنمية الإدارية، (خطاباً دون مستوى رئيس يحكم دولة مؤسسات ولا يصح أن يصدر عن رئيس)، صوت عاقل كان يتحدث في أصداء وصايا البنا التي تستهدف الحرب.
يسمع مرسي الآن كلماته في هذا الخطاب، كان يمكن أن يغير الخطاب، لكنه لم يفعل، ورصدت آلة الرصد الإخوانية، قائد الجيش، قطعوا لقطات وجهه وتعبيراته منصتاً ومصفقاً، وحملوها إلى (الشاطر مرسي)، وكانت الرسالة قاطعة (تحليل أداءات قائد الجيش تؤكد أن انحيازه ليس لحكم الجماعة ولا بد من اتخاذ إجراءات حاسمة قبل 30 يونيو).
كانت الرسالة بهذا الوضوح، لكن (الشاطر مرسي) قرر أن يُسفه منها اعتماداً على كونها ناتجة عن الحالة الإعلامية لتمرد، ومعتمداً في التسفيه على تقارير المكاتب الإدارية التابعة له والتي تؤكد أن أعداد المشاركين في 30يونيو ستكون ضعيفة ومعتمدة على (بلطجية الحزب الوطني ومجندين وحشود مسيحية تابعة للكنيسة). لكن قسم التنمية الإدارية فاجأه بقياسات أعدها للرأي العام ولبعض المؤسسات بعلاقات شخصية تؤكد أن الوضع خطير و تطالب بضرورة الإعلان عن (وقف العمل بالدستور - انتخابات رئاسية مبكرة)، وكان الرد حاسماً ولأول مرة يعلنها (الشاطر مرسي) في مكتب الإرشاد وفي الاتحادية (على جثثنا ترك الرئاسة).وتم إلقاء التقرير في القمامة، وواصلوا التقدم نحو 30 يونيه، حيث نبوءة البنا تناديهم.
قرر (الشاطر مرسي) أن يدفن رأسه وكل أعضاء تنظيمه في رمال الجماعة، لن يصدقوا كل ما سيدور حولهم، لن يسمعوا إلا أصواتهم، وبالتالي لن تكون هناك ثورة ضدهم، صار في مصر شعبان (الإخوان) و(المصريون).
حتى هذه اللحظة لا يرى (الشاطر مرسي) أن شعباً ثار، اعتبر كل ما حدث في 30 يونيه كان (فوتو شوب) أخرجه خالد يوسف، بهذه الروح يستطيع (الشاطر مرسي) أن يُحققا نبوءة مرشدهم الإمام، ولن يخرج عن صف النبوءة خارج، فكل من واجهوا مرسي بأنه يسير بمصر والجماعة إلى الهاوية، لم يتخلوا عنه، ولم يخالفوه ولم ينتقدوه بل ساروا خلف تنظيمهم ومنهم من كلفه المسير حياته فيما بعد.
كان جميع الإخوان يسيرون بفعل التدافع التنظيمي الذاتي نحو 30 يونيو، مرسي يتذكر في زنزانته ملامحهم جيداً، هم أنفسهم لم يتغيروا منذ عرفهم وعرفوه، كان يراهم يهرولون حوله في جولات الانتخابات بمحافظة الشرقية عام 1995م، ويحملون له مكبر الصوت ليتحدث، ويفسحون أمامه الصفوف، أو يجلسون أمامه مجلس التلميذ من الأستاذ، أحدهم (أحمد فهمي) صار رئيساً لمجلس الشورى بعدما حكم الإخوان، ومثله منْ صار محافظاً مثل المقاولين سعد الحسيني، وسامة سليمان، وهناك منْ صار وزيراً مثل (أسامة ياسين، باسم عودة، محمد محسوب)، ولكن هناك غيرهم آلاف، صدقوا وساقهم تصديقهم (الشاطر مرسي) نحو طريق حدده حسن البنا (الجهاد سبيلنا) للوصول لأسمى الأماني (الموت في سبيل الله أسمى أمانينا)، و بداية الطريق تكون بالجهاد ضد أعداء الدين الإخواني، صنفهم البنا في النبوءة (الشعب - أهل التدين - العلماء الرسميون -الرؤساء -الزعماء - ذوو الجاه والسلطان -كل الحكومات علي السواء). وما كانت مكونات 30 يونيو إلا كل هؤلاء؟ شعب مصر.
قبل أن يُسدل ستار الذكريات في زنزانة من ظن أنه حكم يعود به الزمن لساعة إلقاء السيسي لبيان مهلة ال 48 ساعة عشية 30 يونيو، حيث يظهر شاب من مغيبي التنظيم في ميدان رابعة العدوية، يستفهم من مسئوله الإخواني عن موقف الفريق السيسي. كان هذا المسئول قد عاد لتوه من غرفة القيادة بمبنى مستشفى رابعة، إلتقى كبار الإخوة هناك وسألهم نفس السؤال، ولهذا نقل إجابتهم له حرفياً (السيسي زي الخاتم في صباع مرسي). كَبَّر الأخ في حماس وارتج الميدان بأصوات هتافات مدوية. وصدر العدد الجديد من (الحرية والعدالة) عدد 1يوليو يحمل عنواناً رئيسياً، (دقت ساعة الصفر. الجيش في الشارع لحماية الشرعية)، وفي هذا الوقت كان بعض مسئولي (التنمية الإدارية) بالجماعة قد توجهوا للقاء مكتب الإرشاد مؤكدين (رسالة الجيش واضحة سينحاز إلى الشعب، ولابد من إجراءات فورية لنزع الفتيل، إيقاف العمل بالدستور وإنتخابات رئاسية مبكرة). لكن (الشاطر مرسي) ثار مؤكداً إن الجيش لن يجرؤ على الانحياز للشارع لأنه يعلم أن مصير سوريا ينتظره، والجماعة مستعدة لكنه غير مستعد .
وكان ل (الشاطر مرسي) ما أراد، وامتدت توابع زلزال 30 يونيه لتصل إلى مكتب الإرشاد، وفشلت تحصينات الإخوان المدعومة بمسلحي حماس في حماية قدس أقداس الجماعة، حتى سقط مكتب الإرشاد بإرادة شعبية قبل أن يُلقي (السيسي) بيان عزل مرسي، وانحاز الجيش للشعب، وكان تدخل الشعب المصري، في ساحات المواجهة في الفترة من 30 يونيه وحتى 3 يوليو هو الركيزة الأساسية التي اعتمد عليها الجيش لتأمين الجبهة الداخلية من عمليات فوضى شامله استهدفها (الشاطر مرسي).
وكان أن وأد الشعب مشروع (حسن البنا)، الشعب المصري الذي وصفه بالجهل البنا في رسالته بين "الأمس واليوم" قائلاً (سيقف في طريقكم جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة)، هذا الشعب بكل أمراضه التي ورثها من عقود استبداد وفساد، كان هو عامود خيمة الوطن الذي أبى أن ينكسر في مواجهة عصابات التنظيم، واستطاع أن يثبت أمام العالم قبل جيشه، أنه شعب يستحق جيشاً قوياً يصون له قدره، وتُصبح كلمات القويعي واقعاً يجسده المصريون، (مصر مش الجماعة و ناسها مش الإخوان).
والعاشرة مسك الختام. وشعب عنوان ف الكلام. دستوره مصر بهية. وناسُهْ هُيَّا الزمام
ينقضى ليل الذي ظن أنه حكم، غير أن فيلمه القديم لا ينقطع بثه، مشاهده كلها ترميه بالغباء، وتسوقه لمصير واحد، محكمة ينصبها لنفسه، يُقِر فيها بخطاياه أمام ربه، ويُصدر فيها بيان توبة من كبائر عدة، أدناها الكِبر التنظيمي الذي أورث كفراً بالوطن والشعب، وأعظمها أن ساق أتباعه لتنفيذ وصية إمامه الشهيد في إعلان الحرب على مصر وأهلها، هذا البيان ربما يشفع له أمام خالقه، حتى يقضى الله في أمره أمام القانون. وبغير هذا سيظل 30 يونيه الكابوس المصري الذي يهاجم وعيه في اليقظة قبل المنام.
---------------
* نقلا عن الأهرام .. والكاتب رئيس تحرير إخوان أونلاين السابق
##


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.