محافظ أسوان يشهد حفل التخرج السنوي لمدارس النيل المصرية الدولية    أسامة الأزهري: وجدان المصريين السني رفض محاولة المد الشيعي    مدبولي مهنئا السيسي بعيد الأضحى: أعاهدكم على استكمال مسيرة التنمية والبناء    «التعليم» تحدد حالات الإعفاء من المصروفات الدراسية لعام 2025 الدراسي    عضو لجنة الرقابة الشرعية: فنادق الشركات المقدمة للخمور تنضم لمؤشر الشريعة بشرط    12 يونيو 2024.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    أسعار الذهب اليوم الأربعاء 12 يونيو 2024    البورصة المصرية تطلق مؤشر الشريعة "EGX33 Shariah Index"    محافظ الغربية يتابع مشروعات الرصف والتطوير الجارية ببسيون    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح العام الأولي لشركة «ألف للتعليم القابضة» بقيمة 515 مليون دولار في سوق أبو ظبي للأوراق المالية    محافظ الفيوم يوجه بتشكيل لجنة للمرور على كافة المصانع    إسرائيل تهاجم لجنة تحقيق أممية اتهمتها بارتكاب جرائم حرب في غزة    أ ف ب: لجنة تحقيق أممية تتهم إسرائيل و7مجموعات فلسطينية مسلحة بارتكاب جرائم حرب    الكويت: أكثر من 30 حالة وفاة وعشرات الإصابات في حريق جنوب العاصمة    رئيس الوزراء اليوناني: تيار الوسط الأوروبي لديه الزخم للتغيير بعد انتخابات البرلمان الأوروبي    اليونيسف: نحو 3 آلاف طفل في غزة يواجهون خطر الموت أمام أعين عائلاتهم    أيمن يونس: الموهبة في الزمالك بزيادة.. ولدينا عباقرة في المدربين    سر البند التاسع.. لماذا أصبح رمضان صبحي مهددا بالإيقاف 4 سنوات؟    بيراميدز يرد على مطالب نادي النجوم بقيمة صفقة محمود صابر    خلال 24 ساعة.. تحرير 562 مخالفة لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    تشديدات أمنية مكثفة قبل بدء أولى جلسات محاكمة سفاح التجمع| صور    إصابة 34 راكبا إثر انقلاب أتوبيس برأس سدر    الذروة 3 أيام.. الأرصاد تحذر من موجة حارة تضرب البلاد في عيد الأضحى    مناسك (6).. الوقوف بعرفات ركن الحج الأعظم    والدة طالب الثانوية الذي مُنع من دخول امتحان الدين ببورسعيد: «ذاكروا بدري وبلاش تسهروا»    ماس كهربائي.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في العمرانية    حسام حبيب يُهنئ شيرين وخطيبها ويهديها أغنية    أفضل أدعية يوم عرفة.. تغفر ذنوب عامين    توقيع بروتوكول تعاون ثنائي بين هيئة الرعاية الصحية ومجموعة معامل خاصة في مجالات تطوير المعامل الطبية    رئيس إنبي: لم نحصل على أموال إعادة بيع حمدي فتحي.. وسعر زياد كمال 60 مليون جنيه    ترتيب مجموعات أفريقيا في تصفيات كأس العالم بعد الجولة الرابعة    بايدن يدرس إرسال منظومة صواريخ باتريوت إلى أوكرانيا    تفاصيل مشاجرة شقيق كهربا مع رضا البحراوي    تعرف على التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات اليوم بالسكة الحديد    بدأ مشوار الشهرة ب«شرارة».. محمد عوض «فيلسوف» جذبه الفن (فيديو)    طفرة تعليمية بمعايير عالمية    وزير الأوقاف يهنئ الرئيس السيسي بعيد الأضحى المبارك    دار الإفتاء: يجوز للحاج التوجه إلى عرفات فى الثامن من ذى الحجة يوم التروية    "مقام إبراهيم"... آيةٌ بينة ومُصَلًّى للطائفين والعاكفين والركع السجود    مصطفى مدبولى يهنئ الرئيس السيسى بعيد الأضحى المبارك    احذري تعرض طفلك لأشعة الشمس أكثر من 20 دقيقة.. تهدد بسرطان الجلد    وزير الصحة: تقديم كافة سبل الدعم إلى غينيا للتصدي لالتهاب الكبد الفيروسي C    أفلام عيد الأضحى تنطلق الليلة في دور العرض (تفاصيل كاملة)    موعد مباراة سبورتنج والترسانة في دورة الترقي للممتاز والقنوات الناقلة    نقيب الصحفيين الفلسطينيين: موقف السيسي التاريخي من العدوان على غزة أفشل مخطط التهجير    ماذا يحدث داخل للجسم عند تناول كمية كبيرة من الكافيين ؟    استشهاد 6 فلسطينيين برصاص إسرائيلي في جنين بالضفة الغربية    هيئة الدواء: هناك أدوية ستشهد انخفاضا في الأسعار خلال الفترة المقبلة    «الزمالك بيبص ورا».. تعليق ناري من حازم إمام على أزمة لقب نادي القرن    عاجل.. تريزيجيه يكشف كواليس حديثه مع ساديو ماني في نهائي كأس الأمم الإفريقية 2021    زواج شيرين من رجل أعمال خارج الوسط الفني    الفرق بين الأضحية والعقيقة والهدي.. ومتى لا يجوز الأكل منها؟    الكويت: ملتزمون بتعزيز وحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتنفيذ الدمج الشامل لتمكينهم في المجتمع    خلال 3 أشهر.. إجراء عاجل ينتظر المنصات التي تعمل بدون ترخيص    نقيب الصحفيين الفلسطينيين ل قصواء الخلالى: موقف الرئيس السيسي تاريخى    عصام السيد يروى ل"الشاهد" كواليس مسيرة المثقفين ب"القباقيب" ضد الإخوان    بالفيديو.. عمرو دياب يطرح برومو أغنيته الجديدة "الطعامة" (فيديو)    حظك اليوم| الاربعاء 12 يونيو لمواليد برج الميزان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصرى اليوم
نشر في المصري اليوم يوم 16 - 04 - 2014

ما بين «الصقور»، الذين انتهجوا التطرف والعنف طريقًا لفرض قناعاتهم مستلهمين مبادئ واجتهادات سيد قطب، و«الحمائم»، الذين حاولوا التجديد برؤية حسن البنا «الدعوية»، تباينت سياسيات الجماعة، فكان الاتجاه يسود على حسب التيار الذي يسيطر على مكتب إرشاد الجماعة.
«أستاذية العالم».. الفكرة الجنونية التي تبنّتها الإخوان رغم اختلاف طرق تنفيذها، فمهما اختلف المتحكمون بمكتب الإرشاد تكون فكرة السيطرة على العالم أجمع الهدف الأسمى، مستخدمين الدين عباءة يتخفون داخلها.
تستعرض الكاتبة سوزان حرفي في الفصل الثالث من دراستها «العائلة والسياسة في جماعة الإخوان.. قراءة في شبكة العائلات الحاكمة»، تأثير العائلة المسيطرة في الجماعة على إدارة التنظيم، وكيفية صعود أصحاب الفكر المتشدد «مرجعية سيد قطب» وتحكمهم في تلابيب الجماعة.
«الفصل الثالث
الخلية العقدية: التمكين والسقوط
استعرضنا في الفصل الثاني كيف خدمت الظروف المتمثلة في مخاصمة السادات لسياسات عبد الناصر باستحضار جماعة الإخوان وإعادتها للنشاط، وكيف ملأ شباب الجامعات فراغ الجماعة على مستوى الكوادر، وكيف واتتهم الفرصة لفرض توجهاتهم على نشاط الجماعة بدعم مرشد الإخوان آنذاك عمر التلمساني.
وكيف أدى ذلك للمشاركة العامة عبر هؤلاء الشباب بداية من انتخابات الاتحادات الطلابية ثم البرلمانية والنقابية لاحقًا، وسعى التلمساني لتطبيق الآلية ذاتها في اختيار قيادات الجماعة، وأعتقد أنه بذلك يعمل على تمكين توجه المشاركة العامة والانفتاح على المجتمع في فكر ورؤية القواعد، وأنه بذلك يحاصر رؤية النظام الخاص التي تصطدم ورؤيته الشخصية.
فالتلمساني أحد دعاة المشاركة في المحيط العام، ولذا ضم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح لمكتب الإرشاد عام 86 ليكون أصغر عضو انضم للمكتب، كما أوكل للأستاذ مختار نوح إدارة ملف النقابات المهنية مبتدأ بنقابة المحامين، فيما بدا أن الجماعة تتجه لتكون جزءًا من الدولة الحديثة، تتعامل مع الأفراد وليس مع الكيانات الصلبة الجامدة، ويتم تصعيد الأفراد طبقًا لمبدأ الكفاءة والاستحقاق.
إدارة التنظيم.. من العائلة إلى الخلية العقدية العائلية:
مع بداية الدراسة كان الاعتقاد أن حكم العائلة مرتبط بسيطرة رؤية التنظيم على الجماعة، لكن بالبحث في أسماء قيادات الجماعة في مراحلها المختلفة، ومع تتبع العلاقة بين هؤلاء المسؤولين تأكد أن «العائلة المسيطرة» يمثل نظام إدارة على مدار تاريخ الجماعة بغض النظر على الرؤى الحاكمة.
كان الاستثناء الذي خرج عن قاعدة حكم العائلة ولاية المرشد عمر التلمساني، ولذلك أسباب موضوعية وأخرى داخلية خاصة بالجماعة، فالمواجهة مع نظام جمال عبد الناصر أدت لتوقف نمو التنظيم وجفاف منابع التجنيد، ثم جاء إحياء الجماعة بدماء شباب الجامعات الناشط، وجعل تحركهم داخل الجماعة بدافع المشاركة المجتمعية.
ثم جاء هروب شيوخ وشباب الرؤى التنظيمية المنغلقة مع أحداث سبتمبر 1981 ومقتل السادات لتترك الساحة خالية أمام الشباب للحركة الحرة، مع دعم التلمساني فهو ذو شخصية منفتحة على المجتمع، وتقديره للكفاءات ساعد على نمو الجماعة في اتجاه نظام مدني حديث، يعتمد على قوة الفرد لا على كتلة التنظيم أو العائلة في التصعيد.
كانت هذه الحقبة يمكن أن تأخذ الجماعة في طريق بناء نظام ديمقراطي حديث، لولا عودة الهاربين قبل انتهاء عام 1986، واسترداد نفوذهم على خيوط التنظيم قبل وفاة التلمساني، وهو ما استشعر خطورة رؤية النظام الخاص على الجماعة، ومال لآليات العمل الديمقراطي والمشاركة العامة التي حققت للجماعة نجاحات متعددة في المحيط العام، فسعى لتكريس هذه الآليات داخل الجماعة وتبناها كآلية للتصعيد داخل الجماعة.
وكان حسن البنا اعتمد الاختيار الشخصي لمكتب الإرشاد، ولم يتم إجراء انتخاب المكتب إلا بعد أزمة أحمد السكري في 1947، وبعد مكتبين إرشاد تاليين عاد التعيين أو الاختيار كآلية لمكتب الإرشاد، واستمر الوضع على ذلك حتى طلب المرشد عمر التلمساني بعمل لائحة جديدة للإخوان، وإقرار انتخاب مكتب الإرشاد، معتقدًا أنه يضيق بذلك على نفوذ رجال النظام الخاص داخل التنظيم.
لكن الآلية في حد ذاتها لا تعني شيئًا إن لم يمهد الطريق لها، ولا أدل على ذلك من أنه بعد خمس سنوات فقط وفي مكتب الإرشاد لعام 1995 طغت أشد الرؤى محافظة على مكتب الإرشاد عبر الانتخابات، حيث صعد كل من الدكتور محمود عزت والمهندس خيرت الشاطر ليتخذا مكانهما بجوار مصطفى مشهور رجل النظام الخاص، إبراهيم منير تنظيم 65، صبري عرفة تنظيم 65، محمد هلال تنظيم 65، والشيخ محمد عبد الله الخطيب تنظيم 65، ومحمد بديع تنظيم 65 حيث دخل المكتب عام 93، جمعة أمين تنظيم 65، مأمون الهضيبي تنظيم 65، محمد مهدي عاكف النظام الخاص، محمود غزلان زوج أخت الشاطر، محمد مرسي رجل الشاطر ومحمود سعيد، وبهذا غلبت الرؤية المحافظة المؤمنة بالنواة الصلبة على رأس الجماعة، وعلى إدارتها، وأمسكوا بمفاتيح التنظيم بين أيديهم إداريًا وتنظيميًا.
وهنا لابد من ذكر تفسير المهندس أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط عن تحكم رجال النظام الخاص في التنظيم، وكيف تركوا أصحاب رؤى المشاركة السياسية يمارسون نشاطهم في المحيط العام، بل وشغلوهم بهذا الوجود العام و«كمنوا هم في الذرة» ليتمكنوا هم من مفاصل تنظيم الجماعة، مع تحييد وعزل قيادات هذه الرؤى عن التواصل مع شباب أو كوادر الجماعة، وهكذا انتصر رجال النظام الخاص على من عداهم، بل ولفظ التنظيم كل المخالفين معهم بعيدًا عن مراكز القيادة، بل وخارج الجماعة بأكملها.
ويمثل مكتب 95 المنحنى الأخطر في مسار الجماعة، حيث سار باتجاه تعميم رؤية النظام الخاص واجتهادات سيد قطب على جسم الجماعة، وتحكم شيئًا فشيئًا في منافذ الجماعة وهيكلها، وامتلك مفاصل التصعيد والاستبعاد، وقام بتمهيد السبل لتسود رؤيته ورجاله عبر تسكين كوادره في المواقع المفصلية داخل التنظيم، حتى كانت السيطرة الكاملة على الجماعة بالاستحواذ على مكتب الإرشاد، فتم تصعيد سعد الكتاتني ومحمد عبد الرحمن وأسامة نصر ومحي حامد وسعد الحسيني في العام 2008.
كما تم استبعاد كل من الدكتور محمد حبيب وعبد المنعم أبو الفتوح من المكتب في ديسمبر 2009، فكانت السيطرة الكاملة والغلبة للتيار المتشدد الذي اقتسم الرؤية والتنظيم والحكم مع خلال خلية عقدية تربطها روابط عائلية.
ومع تولي الرئيس محمد مرسي السلطة، وصار الحكم عبر شبكة عائلية تمتد بحلقاتها لتربط الأفراد والعائلات المسيطرة على التنظيم والتمويل والحكم، ومع استعراض أسماء المسؤولين داخل مؤسسات الحكم وخاصة الرئاسة بدا أن التكتل العائلي صاحب النفوذ الأكبر، ومن خرج من الشبكة العائلية لم يخرج من شبكة أضيق وأكثر إحكامًا مفاتحيها التنظيم الدولي وشراكة رأس المال.
فنحن أمام منظومة اقتصادية تحولت إلى سسيوسياسية ترسم وتحدد مسار السلطة داخل التنظيم، وانعكس بشكل واضح على السلطة والدولة، حيث اقتصر توزيع السلطة على دائرة صغيرة وضيقة لا تتناسب وحجم وانتشار جماعة الإخوان، ولا يعود ذلك لافتقاد الجماعة للكفاءات، لكنه جاء تطبيقًا لرؤية قادة الإخوان في تمكين الخلية التنظيمية التي ينتمون إليها.
بذلك تجمعت السلطة في أيدي رجال المال والإدارة الداخلية للتنظيم، ولم يقتصروا على هذه العلاقات الاقتصادية والإدارية، وإنما سعوا في اتجاه تقويتها عبر المصاهرة فيما بينهم لتصبح الجماعة ومصر أثناء حكم الإخوان أثيرة عدد محدود جدًا من عائلات تتحكم في الجماعة وسلطة الحكم معًا.
معالم في الطريق... سيطرة بعد انحصار:
ذكر حسام تمام في كتابه «الإخوان المسلمون: سنوات ما قبل الثورة» أن أفكار الجماعة لم يكن لديها الانتشار الذي تحظى به الجماعات اليسارية داخل مصر آنذاك، وأنها لا تملك من المخزون الأيديولوجي ما يسمح لها بالانتشار الاجتماعي الفكري، ولذا سعى حسن البنا ومن بعده مكاتب الإرشاد الواحد تلو الآخر إلى اللجوء والانتشار الاجتماعي غير الفكري، أي عن طريق الحركة والتكوين العائلي بالزواج والمصاهرة.
قراءة حسام تمام هذه تفسر أيضًا سبب الاهتمام بأفكار سيد قطب، فهو يعتبر أول منظر أيديولوجي بالمعنى الفكري داخل الإخوان، فقطب لم يقم بتأصيل أفكار ورؤية النظام الخاص فقط، لكن الخطورة أتت من غياب تنظير مقابل أو مخالف يحمل نفس القوة، فكان من الطبيعي أن يتم تلقف كتاباته وتبنيها من قبل مجموعات من الجماعة الأم، بعضها خرج ليشكل جماعات موازية، والبعض الآخر لم ير في فكر قطب ما يتعارض مع الإخوان، ووجد فيها تعبيرًا وطريقًا لما يؤمن به وصولًا لتحقيق الهدف النهائي للإخوان من أسلمة الواقع وأستاذية العالم.
ولم تتمكن رؤية «دعاة لا قضاة» من الوصول لنفس الأثر الذي تركته كتابات واجتهادات قطب، وقد يرجع ذلك لأنها أتت كرد على قطب، ولم تكن تعبيرًا عن رؤية متكاملة أو اجتهاد شامل، ولم تصل لمستوى التأصيل لرؤية للإخوان وهدفها النهائي، كما أن دعاة لا قضاة كان يحمل على المجتمع كما حمل قطب، وجاء الاختلاف في اللغة وأيضًا في طريقة التعامل أو علاج هذا المجتمع، فدعاة لا قضاة يعترف ضمنيًا ببعد المجتمع عن الإسلام، ولكنه يرى أن دور الجماعة هو الدعوة.
وترى انتصار عوض السبكي في دراستها «ملامح تكوين النخبة داخل جماعة الإخوان المسلمين» أن الجماعة منذ أن تأسست على يد البنا وإلى محنة الصدام مع سلطة يوليو انفردت بكونها المعبر عن تيار الإسلام الشعبي المعارض، إلى أن ظهر فكر وإنتاج سيد قطب التي حاولت نخبة الإخوان السيطرة عليه ومحاصرته وهم في السجون، لكنه نجح في اجتذاب أعداد متزايدة من الشباب مما أدى إلى انحصار الفكر التقليدي للبنا وانتشار فكر سيد قطب، وسعت نخبة الحرس القديم من تجديد خطها وخطابها الفكري لتصفية هذه الاتجاهات وحصارها.
لكن تحالف «مشهور وعزت وبديع وعاكف والشاطر» أحيا القيادة الروحية لسيد قطب، فبعد انتصار مرحلي ل«دعاة لا قضاة» جاء الحسم لصالح «معالم في الطريق»، حيث سيطرت أفكار قطب على عقول التنظيم، ليتحول التاريخ والواقع، فبعد تقدم أفكار الهضيبي في الجيل الأول من العائلة والجماعة، عاد الجزء المتشدد والأكثر محافظة في عائلة الهضيبي في جيلها الثالث لينتصر لرؤية قطب، بل وغابت رؤية حسن الهضيبي وخرج أعضاء العائلة الأقرب لرؤيته خارج الجماعة والتنظيم على السواء.
حسابات رأس المال والتنظيم:
عرفت مصر في العقد الأخير من حكم الرئيس حسني مبارك ومع صعود نجم ابنه جمال على الساحة السياسية ما عرف بتزاوج السلطة برأس المال، حيث تمتع رجال الأعمال بنفوذ ضخم عبر مصاهرتهم مع أهل الحكم، مما أثر على توجيه التشريعات وصنع القرارات بما يخدم رأس المال.
وهو ما آلت إليه جماعة الإخوان، فبعد ثمانين من نشأتها في الإسماعيلية بنفر من صغار الموظفين والحرفيين رقيقي الحال، سرعان ما بدأت الجماعة تغزو قطاعات من البرجوازية الصغيرة، ومع زيادة الإقبال عليها تنكر حسن البنا للفقراء وحدد جمهوره المستهدف، ووضع من بين شروط الانضمام للإخوان ضرورة وجود عمل يتكسب منه الأخ، ولذلك عرفت الإخوان بأنها جماعة الطبقة الوسطى.
وعمل حسن البنا على تقوية الروابط بين أعضاء جماعته عبر تعاليمه ورسائله لهم، وتوجيههم للتشارك في المشاريع الاقتصادية والنسب حتى يصبح من المستحيل تفكيك الجماعة، ليمتد الإخوان إلى جذور الوطن مكونين عائلات لا حصر لها، وتمتلك الكثير من العزوة والمال كسلاح.
واكبت سنوات المواجهة مع نظام عبد الناصر ثم الهروب من غضبة السادات في خريف الغضب، فترة انتعاش لم يسبق له مثيل في دول الخليج، حيث ارتفعت أسعار البترول وقفزت الدخول لتشكل تراكم سريع ومتجدد، وانفتح الاستثمار في البنية التحتية والعلمية والمجتمعية، مما جعل دول الخليج التي ضمت إخوان مصر سوقًا رائجة، واندمج الإخوان بمؤسسات هذه الدول واستثماراتها الضخمة، مما مكن الجماعة من تحقيق تراكم رأسمالي غير مسبوق.
هذا التراكم الرأسمالي جاء من اشتراكات الأعضاء ومن التبرعات والهبات والاستثمارات، وأصبحت الجماعة مصدرًا لخلق طبقة من رجال الأعمال كلفوا بإدارة واستثمار هذه الأموال بعيدًا عن ملاحقة الأنظمة الحاكمة، وساعدهم توجه تبني دول الخليج ثم مصر لنظام السوق الحر، وهو نظام يتفق مع رؤية الجماعة وطبيعة الاقتصاد، ويمنحهم حرية حركة في الاستثمار وبالتالي زيادة رؤوس الأموال.
وفي دراسة استقصائية عن سمات «الرأسمالية الإخوانية» أعدها مركز «النيل للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية» أكدت أن بعض الإخوان يمتلكون «إمبراطوريات مالية صغيرة» لا يقل رأسمال الواحدة منها عن خمسمائة مليون جنيه إلى جانب إمبراطوريات أكبر في الخارج يبلغ رأسمالها مليارات الدولارات.
تضخمت الأموال بالخارج مع وجود قيادات وشيوخ النظام الخاص بالخارج يتابعون تحرك الجماعة وشبابها في الداخل بعيدًا عن رؤيتهم، فكان منهم أن تحركوا لبناء التنظيم الدولي على أساس رؤيتهم التنظيمية، فهو قفزة في اتجاه مجلس الخلافة، وهو بنك مركزي لإدارة الأموال التنظيم بعيدًا عن الملاحقة، وهو أيضًا ديوان الخارجية الموكل إليه الاقتراب من العالم ومخاطبته.
التنظيم الدولي في قصر الرئاسة
التنظيم الدولي للإخوان أسسه رجال النظام الخاص وتنظيم 65 أثناء هروبهم من مصر، وتم تدشينه في ثمانينيات القرن العشرين، وتكمن أهمية التنظيم الدولي وخطورته في أنه صوت الجماعة في الخارج، والمحافظ على الروابط أعضاء الجماعة في الدول المختلفة فيما بينهم وبين التنظيم الأم، وهو أيضًا المتحكم في إدارة صناديق أموال الجماعة خارج مصر.
لم يكن حسين القزاز مسؤول الإخوان في الولايات المتحدة، وعصام الحداد مسؤول الإخوان في البوسنة والهرسك وحدهما من سكنا القصر الرئاسي من أعضاء التنظيم الدولي، فالأسماء التالية هي تستعرض الدائرة الضيقة التي أحاطت بالرئيس محمد مرسي وحاصرته داخل قصر الرئاسة حتى إسقاطه:
الدكتور «أيمن أحمد علي» مدير إدارة الإعلام بالرئاسة والمتحدث الرسمي باسمها، بعد أن كان مستشار الرئيس لشؤون المصريين في الخارج، وعضوًا باللجنة التأسيسية للدستور 2012 عن المصريين بالخارج، من مواليد الزرقا بمحافظة دمياط، حصل على بكالوريوس الطب جامعة القاهرة عام 1991، سافر لألمانيا ثم قضى ست سنوات في أوروبا الشرقية ودول البلقان، يشغل الأمين العام لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، شغل سكرتير العام المساعد لاتحاد طلبة المنظمات الإسلامية في أوروبا وعضو مؤسس لاتحاد الشباب الأوروبي المسلم، ورئيس مؤسسة «طيبة» للإغاثة في ألمانيا، وهي المنظمة التي تم إغلاق فرعها في البوسنة عام 2002، وأدرجت على أنها منظمة إرهابية طبقا للكاتب «هيلد بارك بيكر» في مجلة «سيخرهايت هوتيه» 2006.
الدكتور «محي حامد» عضو مكتب إرشاد تنظيم الإخوان عام 2008، ومستشار الرئيس المعزول محمد مرسي للتخطيط والمتابعة، ومنسق أعمال الهيئة الاستشارية، انضم لجماعة الإخوان في أواخر السبعينيات أثناء الدراسة الجامعية بكلية الطب جامعة الزقازيق، وتم تكليفه بمهمة الأمين العام المساعد لشؤون المكاتب الإدارية، وعضوًا في الأمانة العامة لجماعة الإخوان، تم اعتقاله قرابة 12 مرة وكانت أبرزها قضية تنظيم الشرقية، وقضية سلسبيل عام 1992، وذكر في التحقيقات التي أجريت معه بعد سقوط نظام الإخوان «إنه كان مسؤولًا عن شعبة التنظيم بالمكتب» وعن علاقته بالدكتور محمد مرسي قال: «مرسي كان ينتمي للشعبة التي كنت أترأسها، وعلاقتي به طيبة حيث كنا في زنزانة واحدة أيام حكم مبارك»، يقول الدكتور عبد الستار المليجي عضو مجلس شورى الإخوان المستقيل «إن حامد تربى على يد محمود عزت ومعروف عنه ميوله القطبية الواضحة» وقال سامح عيد القيادي السابق بالتنظيم: «إن حامد قطبي النزعة الفكرية، وقريب من خيرت الشاطر، وأحد أعمدة التنظيم الدولي المسؤولين عن توفير الأموال المطلوبة للتنظيم داخل مصر وتمويل الأنشطة، ومنها الانتخابات البرلمانية والرئاسية».
الدكتور «أحمد عبد العاطي» مدير مكتب رئيس الجمهورية، المنسق العام للحملة الانتخابية للشاطر ثم لمرسى، كان مسؤول طلاب الإخوان على مستوى العالم، والأمين العام السابق ل«الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية»، وهو شريك الشاطر بشركة «الحياة للأدوية» ومسؤول فرعها بالجزائر خلال مدة هروبه من حكم بالسجن في قضية ميليشيات الأزهر، وحصل على براءة بعد تسليم نفسه وإعادة محاكمته بعد الثورة.
وذكر «جورج إسحاق» القيادي في حركة كفاية فرح «أحمد عبد العاطي» على ابنة خيرت الشاطر حينما كان أبويهما في السجن قائلا «أثرت في كثيرًا رسالة الشاطر التي قرأتها ابنته الكبرى على الحضور.. ويبدو أن الإخوان أصبحوا يظنوا أنهم دفعوا ضريبة الوصول للسلطة، فلا يرون أزمة في انفرادهم بها دون شريك».
المهندس «أسعد الشيخة» نائب رئيس ديوان رئيس الجمهورية، وهو ابن أخت الدكتور محمد مرسي، وشريك الشاطر في شركة «إم سى آر للمقاولات» و«مصر للمقاولات»، شارك الشيخة في إدارة شركة «الحياة للأدوية» مع أحمد عبد العاطي وقت هروبه من حكم بالسجن خمس سنوات في قضية «ميليشيات الأزهر» المتهم الرئيسي فيها خيرت الشاطر، وعاد لمصر بعد أحداث 25 يناير ليصدر عنه عفوًا من القضاء العسكري.
الدكتور «محمد محمود حافظ» شريك كل من الشيخة وعبد العاطي والمتهم أيضًا في قضية مليشيات الأزهر، عضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة، ظهر ملازمًا لمرسي في كل تحركاته منذ فوزه بالانتخابات الرئاسية، وثالث ثلاثة شركاء أعمال وتنظيم وداخل قصر الرئاسة.
الرئيس ورجاله: من يحكم...؟!
في 31 مارس 2012 أعلنت جماعة الإخوان الدفع ب«خيرت الشاطر» مرشحًا لها لانتخابات الرئاسة تحت شعار «النهضة إرادة شعب»، جاء إعلان الترشح مخالفًا لموقف الجماعة المعلن منذ فبراير 2011 بأنها لن تشارك بمرشح في هذه الانتخابات، بل إن الجماعة أقالت دكتور عبد المنعم أبو الفتوح عندما أعلن نيته الترشح في نفس الانتخابات سابقًا بحجة أنه خالف موقف وقرار الجماعة..!
وتم الإعلان في ذات اليوم عن استقالة الشاطر من عضوية مكتب الإرشاد الذي يشغل فيه منصب النائب الأول للمرشد محمد بديع، وفي يوم 5 أبريل تقدم الشاطر بأوراق ترشحه للجنة العليا لانتخابات الرئاسة، بتأييد 277 نائبًا في مجلسي الشعب والشورى، وفي 7 أبريل أعلن حزب الحرية والعدالة عن ترشيح محمد مرسي رئيس الحزب مرشحًا احتياطيًا للشاطر..!
الدكتور محمد مرسي ظهر في الجماعة أوائل التسعينيات، وكان ضمن مرشحي الإخوان للانتخابات البرلمانية عام 1995 ولم ينجح، لم يعرفه العامة داخل الجماعة وخارجها إلا بعد فوزه بمقعد في مجلس الشعب عام 2000، واندهش الكثيرون عندما تم اختياره متحدثًا باسم الكتلة البرلمانية للإخوان وهو لا يملك تاريخًا أو ثقلًا سياسيًا أو تنظيميًا معروفًا بالجماعة، وأصبح عضوًا بمكتب الإرشاد بالتعين، وفي 30 أبريل 2011 اختاره مجلس شورى الإخوان رئيسًا لحزب الحرية والعدالة.
اشتهر الدكتور محمد مرسي داخل الجماعة بأنه أحد رجال الشاطر داخل التنظيم، فعند دخول المهندس خيرت السجن كان طبيعيًا أن يخلفه في الأشراف على قطاع القاهرة الكبرى نائب المرشد الأول الدكتور محمد حبيب، لكن هيثم أبو خليل المستقيل من الإخوان يؤكد أنه تم حجب الأمر عن حبيب لتلافي تأثيره المباشر على هذا القطاع المهم، وتم إسناد الإشراف للدكتور محمد مرسي أكثر رجال الشاطر ولاءً داخل التنظيم ومصدر ثقة الشاطر وعزت فتم تفويضه بالصرف والحركة تحت متابعتهما.
الأمر نفسه تكرر حدوثه عندما تم استبعاد المهندس خيرت الشاطر من قبل الهيئة العليا المشرفة على انتخابات الرئاسة، فالشاطر لم يصدر له حكمًا برد الاعتبار ليباشر حقوقه السياسية، والعفو الذي صدر له من المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعدم استكمال محكوميته في القضية المعروفة بميليشيات الأزهر غير كاف ليخوض السباق.
فأعلن الحزب والجماعة في بيان مشترك «أنه إدراكًا من جماعة الإخوان المسلمين، وحزب الحرية والعدالة، بخطورة المرحلة وأهميتها، فإن الجماعة والحزب يعلنان أنهما ماضيان في المنافسة على منصب رئاسة الجمهورية، من خلال مرشحهما الدكتور محمد مرسي، بنفس المنهج والبرنامج، بما يحقق المصالح العليا للوطن ورعاية حقوق الشعب».
وأصبح مرسي رئيسًا للجمهورية، وجاء الفريق الرئاسي من مستشارين ومساعدين وسكرتارية ليحتل مكانه داخل القصر، وبنظرة سريعة على هذه الأسماء السابق ذكرها في الفصل الثاني والثالث من هذه الدراسة، نجد أنهم حصرًا لا يفارقون صفة أنهم رجال الشاطر وشركائه سواء في مجال الأعمال أو الإحالة للمحاكمة، وأنهم جميعًا أعضاء التنظيم الدولي أو التنظيم الحديدي المسيطر على الجماعة انطلاقًا من أفكار سيد قطب.
وأنهم لم يكتفوا بأن يكونوا خلية عقدية تجمعهم الرؤية والوسيلة والهدف، بل تم توطيد العلاقات الاجتماعية والاقتصادية فيما بينهم عبر المشاركة في إدارة أموال الجماعة، وعبر النسب والتصاهر فيما بينهم لإحكام غلق الحلقة حولهم، وإحكام السيطرة الكاملة على إدارة جموع الإخوان وعلى سلطة الحكم في مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.