قد يتعجب البعض من السؤال نفسه فهو خارج الصورة كوننا لا نختار من تكون السيدة الأولى بقدر ما "نختار" زوجها. ولكن في الوضع المصري الحالي، يرى البعض أن اختيارهم لم يكن للزوج بالأساس وهو ما يجعل الرئيس المنتخب وزوجته بالنسبة لهم خارج الصورة. ولكن خارج مساحات الرفض والتأييد الموضوعية والأخلاقية تدخل مصر كما حدث من أيام الثورة في مرحلة كاشفة وبوضوح فج عن حالة الطبقية المترسخة في المجتمع والتي ساعدت عقود الفساد والإفساد على بنائها وتثبيت أركانها. عاشت مصر لعقود في وضع فاسد يحصل فيه البعض على الأشياء ليس لجدارة أو استحقاق ولكن لعلاقات ومكانة ومعارف. وفي وضعية الفساد، كان من الطبيعي أن يحصل المواطن العادي على فرص أقل، وعندما يحصل عليها فإنه يحصل على جودة أقل. فنحن لا نحصل على نفس فرص التعليم أو الصحة، وهو ما يعني بالضرورة أن فرص الصعود الاجتماعي ليست متساوية. ورغم أن الاختلاف هو سيد الأشياء، إلا أن المشكلة الأساسية في حالة مصر وفي حالة أي دولة مشابهة حيث الفساد هو القاعدة، أصبح الصعود مرتبطًا بالضرورة بالطبقة؛ فالطبقة تعبير عن كل الأشياء. أصبحت الأموال وسيلة لخدمات بجودة أعلى، وحياة مختلفة، وفرص عمل في أفضل الأماكن. بالمقابل، أصبح الفقر وضعًا تقليديًّا لخدمات أقل، وفرص رقي محدودة، وفرص قليلة للغاية -أن وجدت- للحصول على وظيفة محترمة تسمح بعملية ارتقاء اجتماعي جيد. من ينكر تلك الوضعية يعيش في عالم مختلف ويحاول الهروب من الواقع الذي نعرفه وعشنا فيه ونعايشه طوال عقود. في كل مكان ستجد من جاء قافزًا لمنصب معين أو وظيفة مهمة بحكم علاقاته وشبكة اتصالات أسرته، تلك الوضعية التي تمنحه من البداية فرص أكبر وأكثر تنوعًا. ولكن المشكلة لم تكن فقط في وجود الوضعية المادية لحالة الفساد والإفساد. كانت المشكلة الأكثر عمقًا هي في ترسيخ حالة "الأفضلية" لدى الجميع. من يملك الأشياء يرى أن لديه "حقًّا" في الحصول على ما هو أفضل، ومن لا يملك الأشياء مقتنع بأنه أقل، وأن غيره من الملاك لديهم "الحق" في الحصول على الفرص الأفضل بحكم ما لديهم من خبرات وقدرات. الثروة رتبت فرص تعليم أفضل وتحولت إلى دائرة لترسيخ الثروة والمكانة. والفقر رتب فرص أقل في التعليم والعمل والترقي الاجتماعي ورسم دائرة مكانة صعبة التجاوز. نسبيًّا ظلت مساحات معينة خارج تلك الدوائر، مساحات يمكن للفرد الوصول إليها أحيانا عبر التعليم أو لاعتبارات وعوامل أخرى. وظل التعليم لدى بعض القطاعات هو الوسيلة والفرصة الأكثر احترامًا للخروج من تلك الدوائر، فأصبح بإمكان من يتقدم تعليميًّا أن يصبح أستاذًا جامعيًّا، أو يحصل على فرص تعليم وعمل في الخارج، وبالمجمل أن يخرج من تلك الدوائر الطبقية القائمة كجزء من حالة الفساد القائمة. ولا يعني ما سبق أن كل من وصل لمكانات عليا لم يكن جديرًا بها، ولكن يعني أن الأسس التي يفترض أن تحكم عملية الصعود نفسها مثَّلت جزءًا من الفساد نفسه حتى لو استنكر من حصل على فرص تلك الحالة. فالفجوة القائمة في جزء منها تعبير عن حالة الفساد ودورها في توزيع الخدمات والفرص. عندما حدثت الثورة بدأت بعض صور الطبقية في التسرب "بفرح" و"سرور" غريب للغاية، والغرابة تتمثل في حجم الاحتفاء الذي حصلت عليه في تجاوز لمعناها الطبقي. انتشرت قصص عن "الفقراء"، "البيئة"، وأصحاب الملابس التي تعبر عن التهميش في المجتمع وكيف أنهم يُفضِّلون الوقوف في الصفوف الأولى والموت لحماية "أبناء الناس"، الأفضل تعليمًا والأكثر ثروة لأن مصر تحتاج للفئة الثانية بأكثر ما تحتاج للفئة الأولى. وانتشرت قصص إعطاء "بواقي" الطعام للفقراء خارج المطاعم بوصفها عملاً إنسانيًّا عظيمًا يجب أن يعمم. وانتشرت قصص الشباب الذين يرتدون ملابس "غريبة" ويثبتون شعرهم مستخدمين "جيل" من أجل أن يظهرون في مكانة غير مكانتهم فيأتي شكلهم النهائي معبرا عن حالة التشوه..... تلك القصص وغيرها لم تحظَ لدي شخصيًّا بأي تقدير أو سعادة فكل ما عبَّرت عنه هو فجوة المجتمع وفجوة الرؤية. عبَّرت في خطابها والكلمات التي استخدمتها لوصف جزء من أبناء المجتمع على النظر لهم من أعلى. فدور الأنسان وأفضليته للوطن ليس لها علاقة بتعليمه أو ثروته، فالوطنية لا ترتبط بالثروة ولا بما يعطيه الوطن من فرص لمواطنيه. أما بواقي الطعام فظلت في إطار الإحسان والتصدق بأكثر من أن تكون تعبيرًا عن تقديم مساعدة حقيقة أو فرصة صعود وترق؛ لأن من يرغب في المساعدة عليه إيجاد طرق لتعليم الصيد وليس إلقاء جزء من السمكة بعد أكل ما يفضله منها!! وصلنا لانتخابات الرئاسة واستمرت حالة الطبقية الفجة التي يرفض البعض الاعتراف بها. وجد البعض في الطبقية فرصة لتقييم وتصنيف المرشحين وتاليًا لانتقاد الرئيس المنتخب وأسرته. ووجد البعض في الملابس وبعض السلوكيات العادية أسباب كافية للهجوم والرفض. ظهرت عملية الرفض من خلال مقولات تهكمية على كيف يتم استخدام كلمة "رئيس" أو "سيدة أولى" على الرئيس المنتخب وزوجته وهم خارج تلك الصورة النمطية التي عشناها سنوات. وتحدث البعض عن "شكل" مصر الدولي عندما يمثلها الرئيس المنتخب وحرمه. وتحدث البعض بسخرية أكثر تجاوزًا عن السيدة الأولى بشكل خاص كونها "بلدي" ولا تصلح لتمثيل صورة ومكانة المرأة المصرية، ولأنها -وفقا لهم- تعبير عن الرجعية والتخلف. وضع البعض تلك المقولات في مساحة الهجوم المستمر على الإسلاميين وما تمثله المرأة فيما يطلق عليه أدبيات الجماعات الإسلامية وتهميش المرأة. وطرحت تساؤلات عن كيفية التعامل في المناسبات الدولية التي يفترض فيها للسيدة الأولى أن تقوم بمصافحة رجال، متحدثين عن الإحراج الذي سيحدث عندما تمتنع السيدة الأولى عن المصافحة بسبب انتمائها الإسلامي. تلك بعض "الانتقادات" المقدمة حول السيدة الأولى أو أم أحمد كما تفضل، ويظل السؤال هل نستحقها بالفعل كسيدة أولى؟ وهل حدثت ثورة فعلا؟ والإجابة أننا لا نستحق بعد؛ لأننا لازلنا نتعامل بكتاب مبارك في الحكم والتقييم، ولازلنا نقيم الفرد حسب ثروته وطريقة استخدامه للشوكة والسكينة حتى وإن استخدم تلك الشوكة والسكينة للحصول على حقوقنا وإراقة دمائنا! ولعل الوقوف قليلًا أمام ما تحقق لمصر من سيدات أولى يمثل جزءًا من القضية، ولكنه يتجاوزها لأن المسألة لا يفترض أن تكون ملابس أحد ولكن ما يقدمه من أفكار وما يقوم به من أدوار. والسؤال ألم تأتِ تلك "الشياكة" السابقة من أموال الشعب المصري؟ ألم تكن تلك الفرص التي أتيحت لهم على حساب ما يفترض أن يحصل عليه المجتمع ككل؟ وألم نرَ الوزراء رجال الأعمال الذين تم الدفاع عنهم على أساس أنهم أصحاب مال وبالتالي لن يكون هناك فساد في عهدهم فأصبح بعضهم جزءاً من منظومة الفساد المترسخة. نقل عن السيدة أم أحمد أنها تشعر بصعوبة الوضع، فإن قامت بأدوار كسيدة أولى سيتم انتقادها ومقارنتها بسوزان مبارك تدخلاتها المرفوضة، وإن ابتعدت عن المشهد سيتم انتقادها والتأكيد على أنها تعبير عن سياسة الإخوان في تهميش المرأة... تلك الحالة التي عبرت عنها أم أحمد تعبر عن توصيف حقيقي لما نحن فيه. فالبعض لا يهمه أن ينجح الرئيس المصري المنتخب بقدر ما يهمه أن يفشل الإسلاميون في السلطة حتى وإن كان على حساب ثورة مصر وحقوق شعبها، والبعض لا يهمه إلا الحفاظ على الشكل ليس دفاعًا عن صورة مصر بقدر ما هو دفاع عن صورة الطبقة التي تعود على وجودها والتعايش معها. ولا يدافع عن الطبقة من ينتمي للفئات العليا فقط، فهناك من يدافع وربما باستماته عنها من قبل المظلومين والمهمشين. فوجود فساد وطبقية في جزء منه "تبرير" سهل تسويقه للنفس وللآخرين، ومن شأنه أن يريح الشخص ويسهل عليه الرضاء بوضعه بدلا من الكفاح لتغييره أو التعب للحصول على وضعية أفضل. ويبقى السؤال ما هي قيمة الملابس عندما تعبر عن نفس مريضة وروح لا ترى في الإنسانية إلا طريقة أكل وشرب وارتداء ملابس غالية حتى لو كانت من حقوق ودماء الشعوب؟! ألم يتعظ أحد بأن نهاية مبارك وعددًا لا بأس به من رموز حكمه في السجن بالفعل وبعضهم هارب وبعضهم في انتظار محاكمة أفضل مما سبقها؟! ألم تكن ملابسه أفضل؟ وألم يضع اسمه على بدلة يمكن أن يحل ثمنها مشاكل عشرات الأسر المصرية؟! ما هي قيمة الإنسان بدون النظر لإعماله، وهل يفترض أن نرفض الطبيب الجيد الذي يمكن أن يقدم لنا العلاج الشافي، أو المهندس العالم بأبجديات علمه والقادر على بناء مبانٍ قوية؛ لمجرد أن ملابسهم أو طريقة حديثهم لا تعجب البعض، ولا تتفق مع تصورهم لما يفترض أن يكون عليه أصحاب المكانة! ما هي قيمة الإنسان بالمجمل إن نظر لإنسان آخر ورأى ملابسه فقط فتحولت لحاجز بينه وبين رؤية أخلاقياته وأعماله؟! وما هي قيمة الثورة إن لم تعترف بوجود الطبقية التي تحكم الجميع والتي تمثل جزءًا من نظام يفترض القضاء عليه؟! أعتذر للسيدة أم أحمد، وأعتذر لكل سيدة مصرية تشبهها أو تقترب منها "شكلًا" لأن البعض لازال يفكر عبر الطبقية. أعتذر منهم؛ لأنه على الرغم من أدوارهم المتعددة ودورهم في دعم ومساندة أسرهم يتعامل البعض معهم على أنهم تعبير عن الرجعية، وأنهم لا يمثلون المرأة المصرية. وأظل أطرح السؤال هل نستحق أم أحمد وأعرف أننا لم نرتقِ بعد للقبول بها أو بغيرها ممن لا يسير على تصور البعض الطبقي "للبشر"!