خرجت أزهار على دراجتها وقت العصر خالية البال، تستشعر جمال الربيع وقسوته. وحين وصلت لحيث تستريح كل مرة وتخرج منها الطفلة زهرة لتسألها فتجيب، ظهرت تضحك وتقول " رحتى ليلة الحكى من غيرى!" فردت أزهار قائلة " كنت معى طوال الوقت! من صفق وصفر إذن؟" " قولى لى، المرة السابقة تحدثتى كثيراً عن شهرذاد وشهريار، وكيف عالجت شهرذاد الذكية الجميلة عقدة شهريار بالحكايات وكأنها معالج نفسى حتى شٌفى قلبه وتوقف عن قتل النساء.لكنى لم أسمع شيئاً عن زوجة شهريار التى كانت أصل كل تلك المشكلة. الحق أننى لم أجد لها حتى إسماً فى أى كتاب. أليس هذا غريبا؟" سحبت أزهار نفساً عميقاً وردت "لماذا خانت زوجة شهريار؟ سؤال من ضمن أسئلة كثيرة أقف أمامها فى الحياة ولا اجد لها إجابة إلا فى التخيل.هل كانت تعيسة وهى التى لديها ما تشتهيه الأعين؟ غيرمتحققة فى حياتها هى الملكة المتوجة ؟ غيرراضية فى فراشها وهى زوجة الذكر الفحل؟ هل كانت وحيدة وهى المحاطة بالخدم والحشم؟ وحيدة بمعنى أن نفسها وروحها وانوثتها بكرُلم يلمسهم أحد ولا حتى شهريار الذى ربما كان يسحق إنسانيتها بذاته المتضخمة ؟ هل كان يهب لها الهدايا؟ أكيد.فقط هل كانت ترضيها؟ أليس من الوارد انها كانت تريد الهدية الاعظم والتى لم تنلها قط: شهريار نفسه.فهمه الحقيقى لها؟ هل كانت فعلا تحصل على ما تحلم به؟ أليس من الجائز انها كانت تحلم بسماءٍ واسعة و صحراءٍ للصيد؟ أو ربما برحلات ترى فيها الدنيا ؟ أليس من الجائز أنها كانت تتوق لأن تجد نفسها حقاً ولا تعرف أين فهى غير موجودة بين العطور والأسرة ولا الحرملك و لا مع الزوج الذى لا ياتى وإن اتى أتى غازياً و ليس محباً؟ أليس من الممكن انها يئست ولم تجد طريقاً إلى أى نور فألقت بنفسها فى حلكة الظلام؟ ربما تاهت وهى تحاول أن تعثر على نفسها.أقول ربما، وهل كان بإمكانها أن تطلب الطلاق.مِن مَن ،الملك؟ ومن هو العبد الأسود الذى إمتلكها؟ هل كان ذلك الانسان الذى يعرف فى أعماقه انه عبد ويراقب تقلبات روحها وحيرتها و يفهمها لأنها مثله؟ يعرف فى أى وقت من الشهرهى وكيف يعاملها؟ يفهم خريطة وجهها فى كل ساعات اليوم؟ يتعلم بصبر كيف يشعر ويحس بما تحس به لا لشئ سوى أن يفهمها حقاً كموضوع قائم بذاته وليست من اكسسوارات القصر؟ هل أدرك انه لابد أن ينصت لتلك المساحة الخرساء بداخلها والتى بداخل كل منا ؟تلك المساحة التى تزيد وتنقص حسب جنسنا وموقفنا العمرى ومكانتنا الاجتماعية؟ هل تعلم هذا لأنه مثلها يقول كلاماً غير مسموع ؟ أم كان من الأصل موهوباً؟ هل سمع العبد كلامها الصامت وفهم رغباتها؟ هل فعل كل هذا بحب أوحتى بخبث أو يأس فانفتحت بين اصابعه مثل وردة مكتملة النمو عطشى لإكتمال دورة حياتها بالقطف؟ هل كان لها عبداً فى حبه فسيّدته على نفسها و ملكّته زمام امرها؟ هل الخيانة طبع أصيل فى نفس المرأة أم تدفعها لها احباطات متراكمة وعجزها عن التعبير؟ لاادرى.ربما.من الجائز.الشئ الاكيد انه لن يرحمها احد،لا التاريخ ولا الحكايات. تناول قصتها أصلاً مريب، التعاطف معها كإنسان غير مقبول، محاولة تخيلها إضاعة للوقت. هى رمز للخيانة وإنتهى الأمر." -"كيف إذن يمكن تجنب ظهور أخريات مثلها؟" وكاننا عرفنا مشكلتها لنعرف الحل يا زهرة! لكن دعينى أعلمك شيئاَ.لا تتركى الصمت يبلعك أبداً.فى صمت الإنسان الداخلى تتشكل الغابات وهناك قد تجدى الببغاء الملونة أو ثعابين الأناكوندا القاتلة. صمتت زهرة أمام كل هذه الأفكار، ورحلا وهما يفكران فى الغابة ووحوشها. من العدد المطبوع من العدد المطبوع