مصر ودبلوماسية السدود فى دول حوض النيل    ترامب: أتطلع لأن يسفر لقائي مع بوتين عن نتائج إيجابية    إسبانيا تستنجد بالاتحاد الأوروبي لمواجهة الحرائق    انطلاق بطولتي العالم للشباب والعربية الأولى للخماسي الحديث من الإسكندرية    السيطرة على حريق داخل شقة سكنية فى منطقة النزهة    طقس المنيا اليوم.. العظمى 43 وموجة شديدة الحرارة تجتاح المحافظة    تفاصيل استقبال وكيل صحة الدقهلية لأعضاء وحدة الحد من القيصريات    مجلس الأمن يرفض حكومة "الدعم السريع" الموازية ويحذر من تهديد وحدة السودان    محمد سعيد يكتب: «خدامين» الاحتلال    بدائل الإيجار القديم.. فرصة ذهبية قبل الطرد و90 يومًا فاصلة أمام المستأجرين    معروف حكمًا لمباراة الأهلي وفاركو في الدوري    محافظ قنا ووزير البترول يبحثان فرص الاستثمار التعديني بالمحافظة    وداعًا لرسوم ال 1%.. «فودافون كاش» تخفض وتثبت رسوم السحب النقدي    هي الليلة بكام، تفاصيل مطاردة مجهولين سيارة ملاكي لخطف دكتورة وابنتها أمام أعين نجلها بالشرقية    بعد رقصه بالعصا على المزمار البلدي.. وفاة أحد أقارب عروسين بقنا    سعد لمجرد يحيي حفلًا ضخمًا في عمان بعد غياب 10 سنوات    زي الفل وبكرة يوم حاسم، محمود سعد يطمئن الجمهور على صحة أنغام    شقيقة كيم جونج أون تصف مبادرات جارتها الجنوبية ب"الخداع" وتنفي الحوار مع أمريكا    محافظ الغربية يعلن حصول مركز طب أسرة شوبر على شهادة «جهار»    طريقة عمل كفتة داود باشا أكلة لذيذة وسريعة التحضير    سابقة تاريخية، أطفال فلسطين يسلمون ميداليات كأس السوبر الأوروبي    الاختبار الأخير قبل مونديال الشباب.. موعد المواجهة الثانية بين مصر والمغرب    موعد مباراة الترجي ضد الاتحاد المنستيري في الدوري التونسي والقنوات الناقلة    المركز الإفريقي لخدمات صحة المرأة يحتفل باليوم العالمي للعمل الإنساني تحت شعار "صوت الإنسانية"    الجامعة البريطانية في مصر تستقبل الملحق الثقافي والأكاديمي بالسفارة الليبية لتعزيز التعاون المشترك    شيخ الأزهر يدعو لوضع استراتيجية تعليمية لرفع وعي الشعوب بالقضية الفلسطينية    عيار 21 يتراجع لأدنى مستوياته.. أسعار الذهب اليوم الخميس بالصاغة (محليًا وعالميًا)    البحيرة: ضبط المتهمين بقتل شخصين أخذا بالثأر في الدلنجات    تحديد هوية المتهمين بمضايقة فتاة على طريق الواحات.. ومأمورية خاصة لضبطهم (تفاصيل)    نائب محافظ الجيزة تتابع استعدادات استقبال المهرجان الدولي للتمور 2025    رئيس الأركان الإسرائيلي: اغتلنا 240 من عناصر حزب الله منذ وقف إطلاق النار مع لبنان    اختبار في الثبات على المبادئ.. برج الجدي اليوم 14 أغسطس    أبرز أخبار الفن على مدار الساعة.. تعرض ليلى علوى لحادث سيارة بالساحل الشمالى.. نقابة المهن التمثيلية تحول بدرية طلبة للتحقيق لما صدر منها من تجاوز.. والفنانة الكويتية حياة الفهد تدخل العناية المركزة    فوز مستحق.. ريال مدريد يهنئ باريس سان جيرمان بالفوز بكأس السوبر الأوروبي    وزير السياحة يوقع مذكرة تفاهم مع عمدة سراييفو لتعزيز التعاون بين البلدين    رسميًا الآن.. بدء تسجيل رغبات تقليل الاغتراب 2025 لطلاب تنسيق المرحلتين الأولى والثانية (الرابط الرسمي)    ذروة الارتفاع بالحرارة.. نصائح جمال شعبان لتجنب الجلطات    ربة منزل تُنهي حياتها بتناول مادة سامة بقنا    الرياضية: بسبب أمم إفريقيا.. أهلي جدة يسعى لضم حارس سعودي    السفير محمد إدريس: العلاقات مع إفريقيا استراتيجية ويجب تفعيلها    تداول طلب منسوب ل برلمانية بقنا بترخيص ملهى ليلي.. والنائبة تنفي    ما قبل مجازر (الفض).. شهادات لأحياء عن "مبادرة" محمد حسان والمصالحة مع "الإخوان"    حنان شومان: "كتالوج تناول نادر لفقد الزوج زوجته.. وأجاد في التعبير عن مشاعر دقيقة"    صبا مبارك تنشر جلسة تصوير من كواليس "220 يوم".. ونجوم الفن يعلقون    ياسين السقا يكشف تفاصيل مكالمة محمد صلاح: "كنت فاكر حد بيهزر"    أحمد صبور: تحديات متعددة تواجه السوق العقارية.. ومصر قادرة على جذب الاستثمارات الأجنبية    د.حماد عبدالله يكتب: دور الدولة المتعدد فى الإقتصاد الحر !!    في ذكراها ال12 .. "الإخوان": أصحاب رابعة العزة، "قدّموا التضحيات رخيصة؛ حسبةً لله وابتغاء مرضاته وحفاظًا على أوطانهم    العثور على جثة شخص مجهول الهوية مخبأ داخل جوال بقنا    كمال درويش: لست أفضل رئيس للزمالك    حدث بالفن | أزمة نجمة واحالتها للتحقيق ووفاة أديب وفنانة تطلب الدعاء    رياضة ½ الليل| إنجاز فرعوني جديد.. مصر تحصد الذهب.. مكافأة استثائية.. استلام المسار السريع.. وباريس سوبر أوروبا    نجاح فريق طبي بمستشفى النيل في إنقاذ مريضة تعاني من ورم الخلايا العملاقة    زوجي رافض الإنجاب مني لأن لديه أبناء من زوجته الأولى.. فما الحكم؟.. وأمين الفتوى ينصح    ما حكم من يحث غيره على الصلاة ولا يصلي؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى بقناة الناس: المتوفى يشعر بالزائر ويستأنس به    خالد الجندي يوضح أنواع الغيب    خالد الجندي ل المشايخ والدعاة: لا تعقِّدوا الناس من الدين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لقاء مع المخرجة السينمائية الفلسطينية تغريد العزة
نشر في شباب مصر يوم 15 - 11 - 2014


السلام عليكم
وعليكم السلام
هناك، أين ابتسامة تلك الأرض، يولد العازف على أزلية الألم، يكبر القارئ لأنين الوجدان، ينضج الشاهد لصرخات العلم، و يكتب التاريخ وجع الأوطان. تؤكّد الحكاية أن الحزن في الإحساس فعّال، و في وميض الإبداع يمتهن، فيُصقل على قممه الأديب و الموسيقار و من هو قادر على إدارة عمل الفن، ليلمع شهاب من لقّبوها بالمخرجة التي في جعبتها الإلمام، بقضايا حاضرها و الوقوف على كل ما يستحق الاهتمام، لتحرك فينا الكلمة مشهدا و العبارة أغنية، فتفطننا على المقاصد و على أن الحياة تمر بنا عبر موقف و قضية، فشاء القدر أن يعرّفها على أنها فلسطينية، فلسطينية، ذات انتماء و هوية، هي المخرجة السينمائية الفلسطينية تغريد العزة.
أهلا بك سيدتي
أهلا بك
س "حالة عدم الاستقرار التي دائما كنت أعيشها لأنني فلسطينية و لأنه ليس لي بلد، ليس لي هوية"، فلسطين هي أرضنا المحتلّة، لكن هل يجب أن نعاقبها بإرادة معتلّة و آمال مختلّة؟
ج لا، لا نقابل فلسطيننا بالأمل المختل، لكن واقعنا فرض علينا أن نواجهه بخيبة أمل، أنا ولدت في لبنان 1980، هناك رفضوا أن يعطوني شهادة ميلاد تثبت أني ولدت هناك، و بقينا نتجول من بلد إلى بلد دون شيء يشير إلى هويتنا -- حالة من عدم الاستقرار المكاني والوجودي -- ربما أهم شيء يجب أن يوفر للإنسان هو الأمان، و الأمان بالنسبة للإنسان يشكل بيته، و بيتي هو وطني -- فتشكلت الإرادة أن نلتقي على ارض هذا الوطن و نناضل من اجله.
س فلسطين، ابتسامة محلقة من ثغر هذه الحياة، كيف تتشبّث بها المواطنة "تغريد العزة"، و إلى أي مدى تتبنى أعمال المخرجة السينمائية "تغريد العزة" واقع فلسطين و حلمها؟
ج فلسطين بالنسبة لي هي الروح أكثر مما هي حجر وتراب، قد تجذّرت في داخلي منذ حكايات أبي عنها عن دفئها وجمالها، عن طيب أهلها، عن طفولته بها، منذ ذلك الوقت وهي تعيش كالحلم داخلي، أما عن أعمالي الفنية، واقع فلسطين كان يتجلى في أهلها، فأردت أن انزل إلى الشارع وارصد قضاياها الإنسانية، أتحدث عن ما لم يتجرأ احد لمسه والحديث عنه، أنا جئت لأكون صوتاً لمن لا صوت له، و بدأت أعمالي بصوت المرأة الفلسطينية والحديث عن ما يؤلمها كامرأة لها حق العيش كباقي نساء الوطن العربي دون أن نعطيها هالة قدسية أصبحت تقيدها أكثر مما تسعدها.
س "دبلة الخطوبة"، "في رحمي أنثى"، "نصيحة"، "اختيار"، "الفتيات و البحر"، جميعها أعمال تتمحور حول الواقع الفلسطيني بين معاناة و آلام، و خاصة ما يلمّ بالمرأة الفلسطينية و تفاصيل حياتها تحت قبّعة العادات و التقاليد و الممنوعات و المبيحات، إلى أي حد تعبّر المخرجة السينمائية "تغريد العزة" عن فلسطينية الإنسانة "تغريد العزة" كامرأة تشهق أنفاسها واقعا مرير و تزفر دواخلها إرادة للتغيير؟
ج نعم، تنوعت أعمالي بين الوثائقي والدرامي القصير، كلها كانت تحكي واقع المرأة الفلسطينية الإنسانة، لم أرد التحدث كثيرا عن أم الشهيد أو أخت السير، بل أردت أن احكي قصتها، هي قصة ذاتها وإحساسها مع كل ما حولها، ربما جاء اندفاعي الأول لأبدا أفلامي تحكي المرأة الفلسطينية بسبب ظلم واجهته من مجتمع وعادات لم ترحم كوني امرأة، بل كانت اشد مرارة من واقع احتلال، فوجدت أننا محتلون اجتماعيا سياسيا و يزيد الخناق على المرأة الأضعف في نظر المجتمع، وجدت أن نظرية إن تحرر كل بلد هو من تحرر نسائها صائبة لانها هي نصف المجتمع و تربي النصف الآخر، فان لم نصقلها جيدا أوجدت لنا جيلا جاهلا مقيدا معدوماً، لذلك كان لا تنقصني الجرأة لاستمر في التغيير.
س "أنا أحب أن أغيّر في مجتمعي و أحب أطلع بالمرأة من هذه البوتقة التي دائما توضع فيها"، هل تعتقدين أن الإرادة وحدها يمكن أن تحافظ على شعلة الرغبة في الوصول موقدة لتضيء عراقيل الطريق و تساعد على تخطيها و بلوغ الهدف؟
ج نعم، بالإرادة والإيمان بالنفس سوف نحافظ على رغبتنا بالتغيير، والوصل إلى الهدف، نعم، سوف نصل إلى الهدف ليس لان الطريق معبدة لكن لأننا سوف نجتاز كل تلك العراقيل، نحتاج للصبر و الإرادة والوقت، صعوبة الطريق ما يجعل بها نشوة الانتصار، أنا أكون فرحة كثيرا عندما اعرض أي فيلم لي فيكون النقاش حادا وعميقاً و يترك في النفوس العديد من الأسئلة، أكون سعيدة جدا عندما تأتي إحدى الفتيات و تقول لي أنت قدوة لي وأنا الآن قد عرفت ماذا أريد، فالخطوة الأولى للتغيير في نظري أن تشكل جدالا عميقا في ذوات كل إنسان، وهذا الجدال يعني أننا غير مقتنعين بما نحن و إرادتنا للتغير صراع الوجود.
س "حين تنطلق الأحلام من واقع المعاناة، تصبح ياقوت مرصعة في وسام الانجازات، جملة وضعتها فوق سريري أستفيق عليها كل صباح لكي لا أتوقف عن الحلم يوما"، بين الحلم و الواقع كيف يتوازى خفقان نبض المخرجة السينمائية "تغريد العزة"؟
ج الحلم سوف يبقى حلما إن لم نسعى لتحقيقه، الواقع مرير، تحقيق الأحلام فيه صعباً لكن ليس مستحيلاً، أحياناً تكون أحلاما كبيرة، اكبر من واقعنا لكن لن يمنعنا بان نواصل الحلم، حلمت أن أكون مخرجة تحكي واقعها ففعلت، والآن احلم بان اصل للعالمية واحكي أفلاما تحكي واقعا جريئا بأسلوب يحظى بالعالمية، تعرفين حين تحدثتي عن الحلم ذكرتني بقول الشاعر محمود درويش حين قال"الطريق إلى البيت أجمل من البيت" حيث أن الحلم بفي فلسطين ونحن في المهجر كان اكبر من واقعها تماما.
س عملا بقول الشاعر النمساوي البوهيمي "راينر ماريا ريلكه" "ليس لأحد أن يهبك مشورة أو يمد لك يد العون، هنالك طريقة واحدة فقط، اخترق داخلك"، كيف اخترقت الإنسانة "تغريد العزّة" داخلها حتى ولدت المخرجة التلفزيونية "تغريد العزّة"؟
ج نعم ذا صحيح في طريق حياتي لم اطلب يد العون بل وضعت هدفا محددا أمامي، قبل تشكيل الهدف جلست بيني وبين نفسي أياما عديدة، كنت خرجت من تجربة مريرة، سألت ذاتي عدة مرات من أنت وماذا تريدين وكيف ستحققين ما تريدينه؟ وجدت أني لست تقليدية بل امرأة جريئة، قوية وواثقة تبحث عن تغيير واقعها والمضي قدماً، تساءلت هل علي أن أبقى صامتة أو السكوت عن الحق كشيطان اخرس، فنهضت وجمعت أجزائي المتناثرة وقررت أن أسعي للتغير والوقف جنبا لكل مظلوم، و رأيت أن العمل السينمائي والأفلام الطريقة لمحادثة ومخاطبة العقل و الإحساس معاً متوازيا مع رغبتي و قدرتي، إلى أن أكون صانعة أفلام ناجحة، أنا أشكل ذاتي متفاهمة مع نفسي كما يصفني الفتيات في مجتمعي.
س يقول المخرج التلفزيوني العراقي "عباس علي باهض" في تعريفه للإخراج بأنه " عالم تفسير و تأويل و خلق صورة قابلة للتفكير ضمن موجودات المربع أو الفريم"، فإلى أي مدى تراه أصاب في هذا التعريف؟
ج صحيح، هذا ليس تفسيرا للإخراج التلفزيوني فقط إنما تعريفا لكل أنواع الفن، حيث أن الكاتب أو المخرج أو الرسام و لخ هم يصنعون لوحة فنية فكرية عميقة تنبض برسالة يهدفون لتوصيلها لكن العالم، يخرج من إطار الفنان حين يصل للجمهور حيث كل شخص يفسره حسبما يراه وحسبما يتذوقه، لكن أيضا سوف يقرأ رسالتنا حتماً، و كل هذا يخلق للإنسان التفكير والتحليل وليس فقط التلقي كما تعودنا ببعض الشاشات أن نكون شعبا متلقيا لما تريد السلطة أن تمرر لنا، لكن السينما تخطت ذلك لتجعلنا نحلل ونفكر. أتعلمين أن إسرائيل بدأت حربها الإعلامية على فلسطين منذ العام 29 أي قبل تقريبا أربعون عاما من احتلالها الفعلي لفلسطين، كانت تجسد ارض فلسطين بلا شعب، أفلامها الأولى كانت ترسل رسائل للغرب والعالم أن هذا الجزء من العالم بلا شعب وان كان به شعب فهو شعب غائب عن الحضارة، متخلف، بدائي وهي سوف تأتي للنهوض به، لتقنعهم بأهمية الإعلام ومدى تأثيره على المجتمعات.
س "لا ادري كيف تصنع الكلمات باتت تهرب مني تضيع تماما لاني ما عدت أحس بها، ما عدت كالماضي ما عدت أنا"، هل نفهم من إحساسك هذا أنك تتآلفين مع رأي الفيلسوف و الكاتب اليوناني "نيكوس كازا نتزاكيس" عندما قال "إن الكلمات لا يمكنها أبدا أن تخفف عما في قلب الإنسان و تريحه، الصمت وحده قار على فعل ذلك"؟
ج حين يكون الألم عظيماً فليس هناك كلمات تخفف مأساة الواقع إنما الصمت أحيانا يعني الكثير لنا، الصمت أداة إحساس قوية وعميقة، تنبأ عن قلب مجروح.
س متى تصمت "تغريد العزة" و أي الأساليب تعتمدها المخرجة السينمائية "تغريد العزة" لترجمة هذا الصمت"؟
ج أصمت حين يكون الألم بداخلي اكبر من أن يحدث، أصمت أيضا حين أحب فكثيرا لا يكون لدي الكلمات لأعبر عن غزارة مشاعري، أصمت حين أرى أن الصمت هو ردا عميقاً على من يتعدى على أحلامي، أترجمه بالفعل والإصرار للوصول إلى هدفي، أترجمه في أفلامي، فأنت لاتحد الحوار فقط، فأنت تصمت لتحلل تكوين الصورة من ملابس وديكور وموسيقى وألوان وتصمت أيضا حين تخلق لك الصورة صراعا ذاتيا.
س "الصمت هو العنصر الذي تتسربل به الأمور العظيمة"، هذا ما يراه الكاتب البلجيكي "موريس ماترلينك"، من خلال ما تعايشينه من فعل و ردّة فعل هل الصمت يبنيك بنفس قيمة هذا المعتقد أم أنك تجادلين في هذا الاعتقاد؟
ج أنا أوافقه أن الصمت لغة، هناك حكمة تقول"-أول العلم الصمت والثاني حسن الاستماع والثالث حفظه والرابع العمل به والخامس نشره"، لكن نحتاج للحوار أحيانا لتدعيم وتوضيح والوصول إلى تقارب فكري. الصمت لغة العظماء.
س "الصمت لغة العظماء"، فما هي لغة الإخراج حتى يكون عطاءه عظيما؟
ج أيضا الصمت، تعرفين قد بدأت الأفلام بالسينما الصامتة، فكانت وحتى الآن أعظم الأفلام، فقد خلقت مدارس وتعلمنا حتى الآن لغة السينما من السينما الصامتة، يقال إن أردت أن تقييم فيلم إن كان ناجحا أم لا شاهده بدون حوار أي اخفض الصوت وشاهده فإن استطعت فهمه دون أن تسمع الحوار من خلال ما يحيط بالكادر وتكوين الصورة إذن أنت صنعت فيلما قويا بصريا.
س الإخراج هبّة نسيم تحمل ياسمين الإبداع، إلى أي مدى تعتقدين أنك قادرة على تغريد الإبداع؟
ج أنا لازلت حتى لان اعرّف نفسي كصانعة أفلام ولست مخرجة، لان الإخراج يعني لي الكثير، يعني أن تكون مفكرا، يعني أن تكون مدرسة صورية وفكرية، ربما أستطيع أن أقول أني قد حددت أسلوبي السلس الواقعي في أغلبية أفلامي لكني اطمح لان أكون مخرجة سينمائية تصنع الجديد في هذا المجال.
س لو أننا اتبعنا منهاج الفيلسوف اليوناني "هرقليطس" الذي ينهل من فكرته القائلة "لا يوجد هنالك شيء دائم سوى التغيير"، كيف تراوح المخرجة السينمائية "تغريد العزة" بين الديمومة و التغيير لتينع زهرة التجديد في حدائقها؟
ج التغيير لا يعني دائما التجديد، أنا أريد من أفلامي أن تصنع التغيير في مجتمعي من خلال التجديد في أسلوب الفيلم، أسعى لان أعطي نوعا جديد من أساليب الفيلم أو حتى فن الجمع بينهما، هذا ما اطمح إليه، أما عن الموضوعات فانا أجدد وأنوع في موضوعاتي لتحمل كل مشاعر المرأة الفلسطينية لأغوص في أعماقها كما لو أنها تقرأ رواية، ومع كل حرف تتعرض ابتسامتها وانفعالاتها لتقول هذا الحر يحكيني، تغريد تريد أن تحكي فلسطينيات هذا الوطن.
س"رد لي نصف حديقتي و بعض من زهور الليل"، لو أن لنا القدرة على قطف الأزهار اليانعة بين شتات الأوراق المصافحة لأوان السقوط، هل ستطلبين عودة يغيب انتظارها؟
ج أنا إما أن أكون زهرة يافعة تحمل الربيع للجميع أو لا أكون، لا أرضى بأنصاف الأشياء، أو أنصاف الحلول، سأكمل طريقي طالبة ومتمسكة بالعلا.
س "أحيانا لا نعرف معنى للصداقة نراها أنها مجموعة من الجمل الجميلة التي نتملقها حتى نرضي شخصا أمامنا لكننا صدقا أحيانا نتخفى وراء المسميات"، هل نفهم من قناعتك هذه أنك تتآنسين مع المثل القائل "نصف العقل مداراة للناس"؟
ج صحيح، حياتنا مليئة بالوجوه المصطنعة، نحتاج لهذا في عملنا أحيانا أو حياتنا اليومية، لا نستطيع دائما أن نكون نحن ونختار من نحدثه، بل تفرض علينا الحياة التعامل مع كل الناس، لهذا نحتاج التملق والابتسامة المصطنعة تفاديا أن نثير غضب من حولنا وحفاظاً على ماء وجهنا، لكن الصداقة في زمن تعالت به النفوس وأصبحنا لا ندري من صديق أو عدو، أنا إنسانة تلقائية، صادقة، صديقة، صدوقة، إن احتاجني صديق يجدني، يقبل أن يسال لهذا دائما ما أنصدم بالواقع الذي دائما أقول أكيد هناك من يصدقنا لكنني أتفاجأ أن معنى الصداقة قد اندثرت بين الوجوه، نعم نحن نكذب على ذواتنا نصطنع وجوهاً ليست لنا.
س ألا يمكن أن نجد في الصداقة ملامحنا الضائعة؟ ألن تحمل أنفاسها عطرنا و أبجديتنا؟ ألن يحتضن صدرها عاطفتنا بعبير و ابتسامة؟
ج سوف يكون كل هذا إن وجدت يا صديقتي، هذا زمن المصالح، سنجد كل هذا إن كنا صادقين مع ذواتنا قبل غيرنا.
س "الصادق دائما يكون في وضعية الهجوم لذا يكون عصبي أما الكاذب يكون في وضعية الدفاع ويكون يبرر دائما أفعاله مما يحتاج للهدوء"، بين العصبية و الهدوء، بين الهجوم و الدفاع، أين تقف المخرجة السينمائية "تغريد العزّة؟
ج حين أكون على حق تجديني إنسانة هجومية تلقائية حيث يزعجني كثيرا أن يكذب احد أو يتهمني بأشياء لم تحصل فقط ليلبي مصالحه، أما الدفاع فإنني استخدمه حين اكتب فكرة فيلم، حيث أدافع عنها بشراسة وهذا من حق كل مخرج الدفاع عن فكرته، حيث أن الأشياء الغير مقتنعين بها لا نستطيع إقناع غيرنا بها.
س "دائما نرى بالمقالات أو الكتب الأدبية أو الشعر جملة كثيرا ما تتردد" مساحة جنون"جملة جميلة، كانت دائما تعبر عن الامحدود و اللامنطق"، هل إعجابك هذا يعكس قناعتك بقول الفيلسوف اليوناني أرسطو حيث يقول أنه "لم يحدث أبدا أن وجد عبقري ليس به مس من الجنون"؟
ج أتعرفين، هو ليس جنونا، هو بمنطق المجتمع والعادات والتقاليد، هو جنون لأنه خرج عن قوانينهم العرقية، ضد التقييد بقوانين، فرق شاسع بينهما إن أردت التفكير العميق وإيجاد طرق وحلول واكتشافات جوهرية في الحياة عليك أن لا تقيد وتنمط عقلك، بل اترك له مساحات وأفاق واسعة للتأمل والتفكير، هنا تكمن العبقرية، أنا مقتنعة أن الإبداع يأتي من الجنون، لكن هذا لا ينطبق على كل الفنانين حيث لازال يوجد فنانين تقليديين بتفكيرهم وأعمالهم، يعني الفن لا يرتبط بالجنون، إنما هو حرية الذات والعقل والروح.
س "كنت أكره المشي على أرصفة الشوارع لأنها مقيدة بالحديد هنا وهناك، و تراني أحمل عدستي وامشي في وسط زحام السيارات لانطلق حرة هناك أترقب الحقيقة وأحمل قصص الناس هناك"، هل تنظرين للحرية على أنها فرصة ليكون المرء أفضل كما يرى الكاتب الفرنسي "ألبير كامو"؟
ج نعم، الحرية بمفهومها الجميل العميق، ليس كما يفسره الشارع العربي، الحرية لا تكمن بمظهرنا الخارجي، لا تكمن باللباس والعلاقات الجسدية الخ، الحرية هي طريق للإنسانية، هي لا تحدد تفكيرك ولا تجعل القوانين تحدد تطورك، الحرية تعني التأمل، تعني مساحات للذات والتفكير، الحرية تعني أني إنسان لا أتقيد بدين أو طائفة أو حزب أو فكر، هي احترام للذات والآخرين، هي الإبداع، الحرية فن، هي فعلا جاءت لتجعلنا أعظم.
س "روحي تحلق بالأفق كانت تعشق الحياة ومرارتها لكنها الآن تحلق في الأعالي لأنها تخشى النزول إلى تلك الحياة، تخشى أن تكون ضمن تلك الاهازيل التي تروى من تلك الأرض البعيدة"، هل هذا الخوف يعكس ميلاد أم موت الحرية في دواخل المخرجة السينمائية "تغريد العزة"؟
ج هو ميلاد جديد لحرية وتحدي أعمق، لكن به قليلا من الخوف لان يتلوث هذا التحليق أو يقيد بقوانين الأرض، عندما كتبت هذه الكلمات كنت في قمة اليأس، كنت اشعر أنني كلما أنتشل ذاتي واقوي لأصنع تغيير، ما ثورة ما، كنت أنصدم بمن حولي، حيث كنت اسقط ثم ارجع للتحليق من جديد، أرهقني التعب، وفي لحظة ما قررت أن احلق ابعد ما يمكن بعيد عن كل شيء، اتبع طريق ذاتي، الفضاء الشاسع حتى لو لم يصفق لي احد، الأهم أن أكون أنا.
س "اشتقت إليك فعلمني أن لا اشتاق"، متى تقول الفلسطينية "تغريد العزة" ما عدت أشتاق؟
ج أتعرفين يا أمنة أنا من الناس الرومانسيين جدا لا أستطيع أن أعيش بلا حب بلا مشاعر، فاشعر أني دائما بحالة شوق، ربما أخاطب نفسي دائما متى سوف لا تشتاقين؟ كنت أجدني أقول عندما أملك كل شيء.
س تعددت النعوت الواصفة للحب، فمنه من يراه ضرب من الحرب و آخرون يعتقدون في كونه وقود الحياة، و تقولين عنه أنت بأنه "كجروحنا كلما اقتربت من الشفاء تزداد إيلاما"، لماذا برأيك تتباين أوصافه من شخص لآخر؟
ج كأي تعريف أخر، حيث كل إنسان تختلف مفاهيمه عن الآخرين وهذا يرجع لتجاربنا السابقة التي كونت لنا تلك المفاهيم، من الصعب أن تتوحد المفاهيم، أنا اعرف الصدق ليس كما تعرفينه أنت وهكذا، نبني مفاهيمنا في الحياة لواقع تجاربنا بها وطريقة تفكيرنا وتحليلنا للأشياء.
شكرا لك المخرجة السينمائية "تغريد العزة" على حسن تواصلك و إلى اللقاء إن شاء الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.