هوامش وعدت نفسي أن أترك جابر عصفور لأيامه الأخيرة بعد أن أقيل من وزارة الثقافة، وأشيع أنه دخل العناية المركزة، قلت إن الفارس يغمد سلاحه فورا حين يرى الخصم في حالة هزيمة، ولا هزيمة تستحق الرثاء وإغماد السيوف أكثر من هزيمة المرض.وكان جابر عصفور قد نكل بي، وأنهى انتدابي بشكل تعسفي من أكاديمية الفنون على خلفية مقالات كتبتها عن فساد وزارة الثقافة في صحيفتي "المشهد" و"البوابة "لكن ها هو عصفور بخير،ويعود للكتابة في الأهرام، بل ويظهر نفسه كما مسيح جديد، أو كفارس نبيل فعل كل ما عليه، ثم يعلن أنه مستريح البال لما قام به من منجزات. وها أنا أجدني مضطرة أن أعود مرة أخرى لأساءل ذلك المثقف الذي تخلى عن كونه مثقفا، ووقف على يمين السلطة، ليس حين تولى الوزارة مرتين عقب ثورة 25 يناير 2011، وعقب ثورة 30 يونيه 2013، بل وقف جابر عصفور على يمين السلطة، وتبنى خطابها ، ودافع عن قناعاتها منذ أن تولى فاروق حسني قبل خمسة وعشرين عاما أو يزيد كرسي وزارة الثقافة. منذ ذلك الحين وأصبح عصفور مهندس الحظيرة ومهندس الفساد طوال ربع قرن، وها هو يكتب في الأهرام يوم الثلاثاء الموافق 31 مارس 2015 صانعا من نفسه نبيا. يبدأ عصفور مقاله كالتالي:"اسمح لى أن أخاطبك بهذه الصفة، وأن أبدأ عودتى إلى الكتابة فى "الأهرام" العزيزة التى أبعدنى عنها حبى لك ووفائى بوعد قطعته على نفسى للسيد رئيس الجمهورية. وبما أننى حققت وعدى للرئيس، وحققت كل ما التزمت به معك رئيسا للوزراء، وعدت إلى منصبى الذى لا يعلو منصب عليه، وهو الأستاذ الجامعى الكبير (فى السن)، فسوف أكمل عامى الحادى والسبعين فى هذا الشهر (مارس)، وأحتفل به مع أحفادي، هادئ البال، مستريح الضمير، راضيا بما حققته من وعود وعدت بها، وما أنجزته على امتداد شهور طويلة مرهقة فى منصب لم أسع إليه، بل كلفتمونى عبئه ومسئوليته، ثقة منكم ومحبة واحتراما مني".ترى ما الذي حققته يا دكتور، لن أقول قبل خمسة وعشرين عاما، ولكن على الأقل ما الذي حققته أثناء توليك لوزارة الثقافة الفترة الماضية؟ هل تحويلك العمل الثقافي لمجرد بروتوكولات ومؤتمرات صحفية وشو إعلامي تعده إنجازا؟ هل تنكيلك بالمخالفين لك في الرأي، ورفعك القضايا ضد منتقديك وإنهاء انتداب من يفكر أن يوجه لك انتقادا تعده انجازا؟ هل تعيينك لبعض الموظفين رغم مخالفة ذلك لقانون العمل ولتعليمات جهاز التنظيم والإدارة تعده إنجازا؟ هل إبقائك على كل الفاسدين في الوزارة والتجديد لهم، وإبعاد كل الشرفاء تعده إنجازا؟ تدعي أنك مثقف تنويري، وأنك قمت بما ينبغي عليك أن تقوم به، بل تقول نصا:"وهاأنذا قد حققت للرئيس ما وعدته، وأرسلت إليه المنظومة الثقافية الجديدة للدولة كما وعدته ووعدتك، مع إحدى عشرة مذكرة تفاهم بين وزارة الثقافة وغيرها من الوزارات المعنية بالوعى الثقافى للأمة" إن المنظومة الثقافية التي وضعها السيد يس أحد أهم رموز مثقفي مبارك لا تذهب بمصر إلى أي وعي ، ولا إلى أي تنوير، فلو قمتما فعلا أنت والسيد يس وبقية مثقفي عصر مبارك بما يجب أن تقوموا به ما وجدنا أنفسنا في هذه اللحظة الحرجة من هيمنة الفكر الظلامي على المجتمع، بل من هيمنة الفكر التكفيري الذي يغتال ابناءنا، فهذه الأفكار التكفيرية الظلامية نمت وترعرعت في أثناء قيامك برحلة التنوير التي لم تحدث أبدا. وها أنت تدعي غير ذلك. يسترسل جابر عصفور أنه لم يتنكر لمواقفه"الفكرية والثقافية المنشورة فى كتبى ومقالاتي. ولذلك كان لابد أن يرضى عنى قوم، ويسخط آخرون، ويرانى بعضهم الأخير خطرا لابد من إزاحته. ولم يكن يعنينى شيء من ذلك، فقد كان الأهم أن أكون حريصا على الكفاءة والنزاهة، عدوا للفساد والترهل، نصيرا لكل فكرة شريفة، منحازا إلى الشباب فى كل الأحوال" وهذا ما لم يحدث أبدا، بل على العكس من ذلك فقد غطى على الفساد الذي هندسه، وتنكر لكل كفاءة.يواصل عصفور رسالته الطويلة إلى رئيس الوزراء ، ويرى أنه:" عمل شحاذا لثمانية أشهر، أستغل احترام الوزراء لى لكى أستعين بهم ماليا لكى أكمل بعض مشروعات وزارة الثقافة. ولم أجد سوى الرئيس الذى لجأت إليه لكى يعفى الوزارة من نصف دينها فى مشروع بناء متحف جمال عبدالناصر، وتوسلت إليك لترى متحف الجزيرة وتنقذ كنوزه، ولم أنجح فى أن أذهب وإياك لنفتتح قصرى ثقافة حلايب وشلاتين، فالاقتصاد ومشاغله الموجعة يصرفك عن الثقافة، وعن هوان ميزانية وزارتها" لكن هذا ينافي تماما تصريح الوزير الحالي بعد الواحد النبوي الذي صرح أمس أن وزارة الثقافة لديها فائض ميزانية يصل إلى 220 مليون جنيها يجب أن تصرف قبل 30 يونيه القادم. من العدد المطبوع من العدد المطبوع