بعد توليه الوزارة فى حكومة أحمد شفيق 2011، آخر حكومات عهد مبارك، لمدة أيام قبل أن يقدم استقالته، ويعتزل العمل السياسى والثقافى العام، عاد الدكتور جابر عصفور (مواليد 1944) ليتصدر المشهد، ويترأس المؤسسة الثقافية الرسمية، ويتولى حقيبة الثقافة فى وزارة إبراهيم محلب التى حلفت اليمين القانونية أمام الرئيس عبد الفتاح السيسى الثلاثاء الماضي. عصفور من الشخصيات الثقافية المثيرة للجدل، هناك شبه إجماع على دوره كأكاديمى وناقد مرموق ومفكر بارز، لا أحد يستطيع أن يشكك أو يتشكك فى هذا الدور ولا الإنجاز العلمى والنقدى والفكرى الذى حققه عصفور عبر رحلة امتدت لأكثر من نصف القرن، ترك فيها ما يقرب من ال 25 كتابا فى النقد والدراسة الأدبية والفكر التنويري، عدا ترجماته ودراساته التى تشهد برسوخ علمه وتوهج عقليته النقدية. أما علاقته بالسلطة واشتغاله بالعمل الإدارى فى مؤسسات الدولة الثقافية، فكانت محل «خلاف» و»نقد» بل «اتهام» بممالأة السلطة والعمل على تدجين المثقفين وإدخالهم «حظيرة الدولة»، بل اعتبره البعض فى ارتفاع لنبرة الهجوم بأنه كان «مفكر السلطة» ومبرر سياساتها والمنظر الفكرى لها، خاصة خلال العقدين الأخيرين من حكم مبارك بكل ما كان فيهما من فساد وتردٍ على كل المستويات. عندما قبل عصفور الاشتراك فى وزارة أحمد شفيق الأولى فى حمية وتوهج الأيام الأولى لثورة 25 يناير، قوبل بعاصفة من المعارضة الجارفة من جموع المثقفين، وظل عصفور خلال الأيام القليلة التى تولى فيها الوزارة يتقلب على «جمر النار»، حتى قدم استقالته التى لم تكن مقنعة بالنسبة لكثيرين واعتبروا أنها جاءت متأخرة وبعد انقضاء أسبابها بأوان. أما قبوله الوزارة الآن فى حكومة محلب الجديدة فيبدو أنها تحظى بدرجة أقل من المعارضة، بل هناك شبه إجماع على القبول «صمتا» بوزارة عصفور، و»السكوت علامة الرضا» كما نقول فى المأثور المصرى الدارج، خاصة مع الرأى الذى يذهب إلى أن عصفور مطمئن لموظفى الوزارة الذين عانوا طوال ثلاث سنوات، وذلك بحكم خبرته الإدارية ومعرفته بآليات العمل بالوزارة. كما أن من المؤكد أيضا أن ثورة يناير غيرت من فكرة الثقافة ذاتها، بعدما أكدت تجربة حكم الإخوان المريرة أن «الثقافة» الوطنية أولوية حقيقية، فى حين أن الوزارة ذاتها لم تعد بالأهمية التى كانت لها فى الماضي، كما بدا واضحا وذا قناعة لعديد من المثقفين والمعنيين بالعمل الثقافي. والسؤال الذى طرحه غير واحد بأشكال وتنويعات عدة: هل يستوعب عصفور هذه المتغيرات بحيث يستطيع أن يغير منظومة العمل الثقافى القديمة التى كان جزءا منها بل منظرا لها فى احيان كثيرة؟ وهل بإمكانه فعلا أن يتبنى سياسة ثقافية جديدة تقلص من دور الدولة فى الثقافة لصالح شراكة حقيقية مع المجتمع المدنى لا تقوم على احتكار المنتج الثقافى أو على استعمال المثقف لصالح سلطة الدولة فى وقت يشيع فيه الحديث عن استعادة هيبة الدولة وبحيث لا تكون هيبة المثقف ضحية لهيبة الدولة؟ هل هو قادر على ترجمة تصريحاته عن الاعتماد على الشباب بطريقة جدية على نحو يمكنه من إنجاز التحدى الاكبر مادام ارتضى المنصب وقبل به وهو تكوين كادر ثقافى جديد يستوعب مهام الثقافة فى المرحلة الانتقالية؟ أسئلة مشروعة تبحث عن إجابات لها فى الأيام القادمة!