- الاعتماد على شهادة الآخرين بأن المرأة مبدعة هو زيفٌ فالشهادة اعترافٌ بحقيقة لا إنشاءٌ لها - الكلمة دواء.. الكلمة نور.. فلا تمنعوا دواءً ولا تحجبوا نورًا - لتكن الحرية فيكون الحق والخير والجمال، ليكن الفضاء؛ فيكون السحاب والودق - كلنا نتجرع كأس المعاناة من الجهل والفقر والمرض، فاكتبى.. واكتبن، واكتبوا - صار الفن وهويته الحرية وكسر القيود، محبوسًا داخل أطر زمنية ومكانية وفنية! - هل قدرات المرأة العقلية أو الإبداعية أقل من قدرات الرجل؟!. أما قبل هاجس شهادة الآخرين بأنك تكتبين هو زيفٌ يا "أسماء"؛ فالشهادة اعترافٌ بحقيقة لا إنشاءٌ لها؛ فهى موجودة وإن أُنكرت كما تنكر العين نور الشمس من رمدٍ أيتها الطبيبة، وتشخيصك للمشكلات متكامل يا "سحر" علمى ومنطقى لكن أين حلوله أيتها الأكاديمية؟ حقًّا يا "عزة"، ستكونين ما تشتهين ما كتبتِ نفسَك، وما دعمت الآخرين لفعل ذلك، أتفق معك يا "كريمة"، فى أن الكتابة ليست ترفًا، وإنما هى سلاح وفأس، وهى أيضًا نهرٌ يغسل أوجاعنا، ويمنحنا القدرة على الحياة كما قلت يا "منال"، نعم يا هيام كلنا نتجرع كأس المعاناة من الجهل والفقر والمرض، فاكتبى.. واكتبن، واكتبوا. التصنيف إطار، والإطار قيد وإن كان ذهبًا؛ لذلك دائمًا ما يفر المبدع من تصنيفه، من وضعه فى قفص من ذهب أو فضة أو هواء. التصنيف إطار، والإطار تحديد أفق، والأفق مجال رؤية؛ لذلك دائمًا ما نحاول أن نضع إطارًا لنرى بدقة ووضوح واتزان. ولقد عانينا وأفدنا من التصنيفات؛ فما الشعر الجاهلى، وهناك شعراء عاشوا على جاهليتهم التى وردت فى مفهوم المصطلح (الجهالة والطيش) وهناك دراسات علمية تثبت لمكة ديانات؛ الحمس والطلس، وشعائر، حتى التعريف ذاته فاسد الإطار إذ حدد الشعر بما قبل الإسلام بمائة وخمسين عامًا.. لكن سطوة المصطلح كسرت عيوبه، وأغض الطرف عنها النقاد والشعراء؛ كى يبقى شيء تعارفوا عليه؛ فصار من الأوابد كالغول والعنقاء والقضاء الشامخ والحياد الصحفى. ولعل متابعتنا للمبدع ونصه تضعنا أمام الإطار الذى تصنعه الأعراف والقوانين والتقاليد والعادات، وأمام المحاولة المستمرة لكسرها؛ فإطار القبيلة حين يكسره إنسان، لا يكسره لأنه غير قادر على الوفاء بموجباته، وإنما لأن هناك موجهات داخلية (سَورة) تدفعه إلى الخروج وتحطيم هذا الإطار (ثورة)، ولعل الشنفرى الأزدى الخارج عن إطار قبيلته المطرود منها، حين يقر بأن خروجه رفضًا وليس عجزًا هو مثال ناصع على ما نقول: وَلَستُ بِمِهيافٍ يُعَشّى سَوامَهُ مُجَدَّعَةً سُقبانَها وَهى بُهَّلُ وَلا جَبأَ أَكهى مُرِبٍّ بِعِرسِهِ يُطالِعُها فى شَأنِهِ كَيفَ يَفعَلُ وَلا خَرِقٍ هَيقٍ كَأَنَّ فُؤادَهُ يَظَلُّ بِهِ المُكَّاءُ يَعلو وَيَسفِلُ (يعرف الشاعر نفسه بالنفى: لست بتافه لا يجيد الرعى ( المهنة الأسمى للعرب) فتعود إبله جائعة من سوء المرعى الذى اتخذه لها راعيها، ومن إهماله لها. وهو ليس جبانًا ملازمًا لزوجته ليس له رأى دون الرجوع لها. وهو ليس ضعيف القلب دائم الخوف كأن قلبه من اضطرابه معلقٌ بطائر يرتفع وينخفض به). هكذا صار الفن وهويته الحرية وكسر القيود، محبوسًا داخل أطر زمنية ومكانية وفنية! وصار على الطائر أن يتحسب لخفقة جناحيه خشية الأسلاك الشائكة، وهكذا وصل بنا الحال نحن الكتاب إلى أن نصنف بعضنا البعض وفق تصنيفات اجتماعية أو سياسية؛ فنرى من يصمون شعر عبدالصبور بأنه شعر أحمر، ومن يصنفون نزار باللاأخلاقى، وهنا مكمن الألم. كطبيبٍ تورط فى عملية جراحية لحبيبته أكتب هذه القراءة، فلا أدرى أين أضع مشرطى ولا كيف؟ الكتابة محاصرة ومريضة بما نحن به مرضى: سيادة الأوابد الاجتماعية؛ فالإبداع عيب، والكتابة حرام، لكن المرض يشتد؛ إذ يزيد العرف الشائه فيمعن فى تقييد بعضنا أكثر، ونحن صامتون أو موافقون. هل المرأة مبدعة؟ هل ما تكتبه المرأة يستحق القراءة؟ لماذا لا تكف المرأة عن الكتابة وتهتم بما خلقت لأجله؟ ولئن ربَت هذه الأضاليل فى مصر عامة، فتوحشها فى الصعيد خاصة مقززٌ موجعٌ ومهينٌ ؛ مقززٌ لأنه امتهان لقدراتٍ وضعها الله فى الإنسان عليه أن يبوح بها فينميها مجتمعه، ميول فطرية علينا أن نحولها إلى قيمٍ، موجعٌ لأننا نقر بأن فى الأدب عيبٌ يقبل من الرجال ولا يقبل من النساء، أو أن الطبيعة اختصت به الرجال فقط وعدا ذلك فهو شذوذٌ صارخٌ، مهينٌ لأنه يحول أن تقف أمام المرآة المستوية وتظل رافعًا وجهك مرددًا هذه الترهات.. إذن فالعملية الجراحية واجبة. هل الأدب عيب وحرام؟ هل التعبير عن همومنا وأحلامنا منقصة؟ هل الوقوف بجانب الحق معرة؟ هل تحويل الصرخة والرغبة والرهبة إلى تعبير راقٍ خطيئة؟ . سأعود إلى بدء الكون: "فى البدء كان الكلمة" سأعود إلى أول ما خلق الله: "القلم" وله قال: اكتب ما كان وما سيكون" سأقف مشدوهًا أمام أول نكاح كوني؛ بين القلم والورقة، فكان كلامٌ.. سأتطلع إلى أول آية: "اقرأ" {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَق}[العلق:1] وإلى آخر آية "..اكتبوه" {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ...}[البقرة:282]، سأقفُ مشدوهًا أمام آراء الأسلاف فى الشعر والفن والكتابة. لظروفٍ ما لم تنبغ فى العالم القديم كاتبات عظيمات كثيرات؛ فهل من هذا من ظهورهن حين تهيأ المناخ، كيف ننظر إلى دور باحثة البادية وبنت الشاطئ وهدى شعراوى وسيزا قاسم ونبوية موسى؟ لماذا نصفق حتى تدمى أيدينا لمارجريت أتوود وسارة برنار وأنجلينا جولى ثم نهاجم بناتنا.. بنات ثقافة العار.. ذلك هو المرض الذى يجب استئصاله اجتماعيًا وفنيًّا. هل قدرات المرأة العقلية أو الإبداعية أقل من قدرات الرجل؟! إن كانت إجابتك بنعم فلا تكمل، وإن كانت بلا فخُذ: هل إن وفرنا الظروف نفسها لكليهما سيتفوق الأفضل؟ لديك إجابتنا؛ إحداهما تضمن لك أن تظل المرأة تحتك، وبها أنت عكس الحياة، والثانية أن تمد يديك لها؛ لأن إرثكما أتاح لك موضع المعاونة، ووضعها خلف حجابٍ. هنا تجدون نيرانًا مقدسة سرقتها مبدعاتٌ أصيلاتٌ منهن من كتبت داخل الإطار، ومنهن من كسرته، ومنهن من ثارت فى وجهه، ربما لم يستطعن كتابة أنفسهن؛ فكيف تكتب امرأة صعيدية عن حلم بلقاء رجلٍ فى وسطٍ يخبئ عوراته بالتلصص والادعاء على الآخرين؟ وكيف تكتب عن هموم زوجة أو مطلقة أو عانسٍ؟! فى احتفالية أمل دنقل الأخيرة بمحافظة قنا، اكتظت القاعة بالشعراء والكتاب والمهتمين، ولم تحضر سوى سيدة واحدة، حضرت بصحبة ابنها، وبدا لى أن مدير الفعالية الشاعر أشرف البولاقى يحاول أن يكسر الإطار بأن جعلها مديرة الجلسة الشعرية، لكن يا أشرف لقد خلت القاعة بعد صعود السيدة للمنصة.. فهل يستطيع كتاب الصعيد أن يكسروا هذا؟ أو أن سلطة المجتمع تخيف من المحاولة. هذا الملف (الذى جمعته مشكورة الشاعرة منال الصناديقي) هو محاولة – محض محاولة – لأن نكسر إطارًا مسيئًا لنا جميعًا؛ هذا الإطار موجودٌ وإن صرخنا بغير ذلك، ثم ماذا إن وجدت المرأة أن كتابتها عيبًا فى نظر المجتمع مثلها مثل الخمر والسرقة وبقية المثالب، ثم وجدت أنها غير قادرة على التوقف عنها، ألا يجعلها هذا تمارس بقية الرذائل؟ وإن توقفت، ألا نحرم بذلك العالم من دوائه. بإيجاز، الكلمة دواء.. الكلمة نور.. فلا تمنعوا دواءً ولا تحجبوا نورًا. أما بعد أنا رجلٌ يؤمنُ بأننا خُلقِنا لنبنى.. وُجِدنا على هذه الأرضِ من أجل المستقبلِ، ماضينا هو زادنا لا صخرة على أكتافنا، ولا وتدٌ يجرنا إليه حبل ارتباطنا به.. حاضرنا هو غرسً ورعى ورى.. لن نصل لشيء إذا ما تحركنا بنصف طاقتنا، إذا ما انحينا اتقاءً لعاصفة لن تجيء، كيف تبدع وأنت سجَّان بالصمت أو بالتجاهل؟ لتكن الحرية؛ فيكون الحق والخير والجمال، ليكن الفضاء؛ فيكون السحاب والودق.. تعبنا من الإبلاس.. تعبنا من القيود؛ فحرروا تُحرروا. - عن وهج الإبداع الذى غادرنى - قراءة موجعة فى ملف قديم جديد - لأكون الذى لم أكنه - المقاومة والوجع والانفجار - نسائم من وجد - لو لم أكن أديبة لوددت أن أكون وأن يكون أولادى اضغط هنا لمشاهدة الملف بالحجم الكامل