وتدخل في اختيار مباشر مع الميديا والوسائط المعاصرة التي تضفي أبعادا جديدة للصورة وتمنح الفنان مساحات أرحب وأوسع للإبداع. السؤال والإجابة وهو ما حاولت أن تجيب عنه هذه الورشة التي أفرزت معرضا لمجموعة أعمال قائمة علي الاستفادة من الاتجاهات والمفاهيم الفنية الجديدة.. وتوظيف وسائط الميديا العاصرة في تقديم صورة فنية مغايرة، فهل حققت هذه الورشة..؟؟ وهل تعامل معها الفنانون بالجدية الكافية..؟؟ أم أنها فرصة ذهبية أهدرها الجميع..؟؟ فالكرة في الأساس جديدة وجيدة يستكمل بها قطاع الفنون المشوار الذي بدأ منذ أكثر من عام مع فكرة (ماذا يحدث الآن؟) بهدف تحريك المياه الراكدة في المشهد التشكيلي المصري، واعطاء الفنانين فرصة ذهبية للخروج من الدائرة المغلقة والتجريب بكل حرية لكن للأسف أن كثيرا من الفنانين المشاركين لم يجهدوا أنفسهم - ولو قليلا في التأمل والتفكير من أجل تفكيك هذا المفهوم وسبر أغواره.. بل إن معظمهم تعامل مع فكرة الورشة بكثير من الاستهتار واللامبالاة..!. فعندما أتيحت لهم الفرصة ليصلوا بتجربتهم الفنية إلي آخر مدي ممكن تفاجئوا وأسقط في يدهم.. وأصاب بعضهم الاضطراب وداروا في نفس الدائرة المفرغة وأعادوا إنتاج أعمالهم القديمة.. حتي بدا أن تجربتهم تراوح مكانها.. وأن آخرهم هو أولهم..!. مما يلقي بكثير من الظلال والشكوك علي آلية الاختيار التي يشوبها الكثير من المجاملة وعدم الموضوعية وتؤدي إلي افساد مثل هذه الفاعليات والأفكار الجديدة والجريئة والتي لو تم تنفيذها بشكل جيد/ ومحايد/ وموضوعي لأحدثت فارقا، مما يدعو إلي ضرورة مراجعة منهجية الاختيار، فليس كل فنان معروف يكون بالضرورة مناسبا للمشاركة في مثل هذه التجارب النوعية، عندما ينتج الخزاف.. خزفا، والمصور تصويرا، وينتج النحات.. تمثالا، فما أهمية المشاركة في مثل هذه الورشة.. التي من المفروض أن هدفها هو التجريب والتجديد!؟ أم أن هناك مجموعة محدودة ومحددة من الفنانين مفروضين علي الساحة التشكيلية ويجب أن يشاركوا في كل حدث فني سواء كانوا مستعدين له أم لا..؟! فهم نفس مجموعة الفنانين الذين شاركوا في بينالي القاهرة.. وبينالي الإسكندرية وكل المعارض الداخلية والمعارض الخارجية وكأنهم مقررون علينا..! فلماذا لا يوسع قطاع الفنون زاوية الرؤية ويمنح فرصا متساوية لباقي الفنانين ليكشفوا عن طاقاتهم وقدراتهم..؟! - فكرة جديدة أفسدتها سلبية الفنانين تليماتش السادات تليماتش السادات للفنان وائل شوقي.. وهو عمل قديم منفذ عام 2007 يسخر من عملية اغتيال الرئيس السادات الذي اغتالته يد الإرهاب والتطرف الديني عام 1981، وفي محاولة من الفنان لتفكيك هذه الإشكالية الفنية والفكرية لجأ إلي أسلوب السخرية فأعاد تصوير الحدث بطريقته الخاصة حيث استبدل الجنود بالأطفال واستبدل الدبابات والعربات الحربية بالجمال والحمير! مما جعل الحادث المأساوي يبدو وكأنه لعب عيال؟!. وهو أسلوب اعتاد عليه الفنان حيث سبق وأن عالج بنفس الطريقة وقائع الحروب الصليبية وهو العمل الذي فاز بالجائزة الكبري لبينالي الإسكندرية والذي قدم من خلاله نوعا من السخرية من فكرة الحروب الصليبية وغزو الشمال - شمال المتوسط - للجنوب لأسباب دينية/ عقائدية/ اقتصادية.. في تماهي مع ما يحدث الآن تحت دعاوي الحرب علي الإرهاب أو حتي طمعا في بترول المنطقة. مما يطرح علامة استفهام حول فكرة السخرية من أحداث جادة وكبري مستقرة في الوعي المصري والتعامل معها وكأنها مجرد ألعاب (فيديو جيم) فما الغرض من مثل هذه السخرية..؟ ومن هو المستفيد من فكرة التسفيه لوقائع تاريخية تحمل دلالات راسخة في الذاكرة العربية..؟ فلو صنع هذا العمل فنان أجنبي لقامت الدنيا ولم تقعد وكنا اتهمناه بالعبث وتشويه تاريخ مصر! ثم من الذي يدفع تكلفة إنتاج هذه الأفلام- التي تحتاج مصورا ومخرجا وعربات وبشرا وحيوانات.. الخ - أعتقد أن إجابة هذا السؤال ضرورية جدا.. وربما تساعد علي فهم الكثير من الأمور ووضعها في سياقها الصحيح، والسؤال الذي يطرح نفسه ويثير ملايين من علامات الاستفهام وعلامات التعجب هو: لماذا تم قبول هذا العمل القديم ليعرض في ورشة فنية الهدف منها إنتاج أعمال فنية جديدة؟ أم أن الهدف هو المجاملة وملء الفراغ وفقط!. خزفيات عادل السيوي ومن الأعمال التي كنا نتوقع أن تكون أفضل لكنها جاءت مخيبة للآمال والتوقعات هو عمل الفنان عادل السيوي، فرغم أنه فنان متحقق ويمتلك رؤية فنية وفكرية إلا أن مشاركته في هذه الورشة قد أثارت الكثير من الدهشة، حيث اتيحت له فرصة لاكتشاف مناطق جديدة في تجربته الفنية لكنه تعامل معها بنوع من البساطة والاستسهال ولم يأخذها بالجدية الكافية - علي غير عادته - لأنه لو فعل ذلك لأحدث فارقا وجاء عمله بشكل مغاير. فعادل السيوي معروف أنه مصور جيد اعتاد علي التعامل علي مسطح اللوحة.. لكنه في هذه التجربة أراد أن يقدم شيئاً مختلفا بأن يرسم علي بعض الأواني الخزفية سابقة التجهيز- لم يصنعها الفنان - ليستفيد من الفورم المجسم- الدائري للآنية الخزفية، وأن يراجع فكرته السابقة عن مفهوم التكوين المسطح الذي اعتاد عليه والذي يري من زاوية واحدة.. ليقدم تكوينا مغايرا في الشكل والبناء يمكن رؤيته من جميع الزوايا، وهو تحد نوعي لأي مصور مهتم ومهموم بالفن ويعتبره قضية بحثية جديرة بالبحث لتحطيم الأطر التقليدية القديمة واكتشاف أطر جديدة للعمل الفني لكن للأسف أن فنانا بقامة عادل السيوي لم يتأمل كل هذا وتعامل مع الآنية الخزفية الدائرية/ المجسمة علي أنها مسطحة حيث رسم تكويناته كلها من زاوية واحدة من واجهة الإناء وكأنها لوحة مسطحة. جدار العيش حائط في منتصف الساحة مصنوع من الفولاذ الأسود وارتفاعه 12 قدما وطوله نصف طول مربع سكني وهو عمل مفاهيمي بعنوان (القوس المائل) أنجزه نحات أمريكي اسمه (ريتشارد سيرا) richard erra الذي حاول من خلاله إعادة تعريف الفراغ بالنسبة للتعساء من العاملين في المدينة الحديثة - علي حد قوله - ليساعد علي انتزاعهم من قبضة القيم الزائفة التي تروج لها الإعلانات والشركات!. في تماه واضح مع هذا العمل جاء عمل (جدار العيش) للفنان عبدالوهاب عبدالمحسن الذي يتكون من ثلاثة آلاف رغيف، والذي يحاول من خلاله أن يلقي الضوء علي معاناة الناس في سبيل الحصول علي رغيف عيش، وهو عمل يوضح بجلاء كيف يمكن إعادة تشكيل الفراغ.. عبر صنع حالة من الجدلية المتبادلة بين الفراغ والجدار الذي يقطعه والشخوص المتواترة بينهم. وهو عمل مفاهيمي يهدف إلي إحداث نوع من الصدمة والدهشة لدي المشاهد تدفعه إلي البحث والتفكير.. وهو ما تحقق بشكل كبير، حيث أثار العمل الكثير من النقاش والجدل بين الجمهور علي خلفية قضية التعامل الأخلاقي مع رغيف العيش. الجسد والمكيف ومحمد عبلة توجد مسافة واضحة بين العمل الفني.. والتنظير المصاحب له، ويبقي المحك الرئيسي هو كيفية تحويل هذه المفاهيم إلي معادل بصري، وفي هذا السياق جاء عمل الفنان محمد عبلة وهو من الفنانين المهتمين بقضية التجريب في الفن.. لكنه تعامل مع هذه الورشة/ المعرض بمنطق التاجر الذي عندما يفلس يبحث في دفاتره القديمة، حيث بحث في مرسمه عن كل الأعمال الضعيفة التي لم يعرضها من قبل وصنع منها حائطاً فنياً مزدحما.. فرغم أنك تري لوحات كثيرة إلا أنك عمليا لا تري شيئاً من كثرة الزحمة، وربما تكون هي الفكرة التي أرادها.. لكننا كنا نرغب أن يتعامل مع فكرة الورشة بجدية أكبر حتي يقدم لنا عملا جديدة يضاف إلي تجربته الفنية الكبيرة!. ومن الأعمال الفنية الجيدة التي ربما لم يلاحظها الكثيرون جاء عمل ( المكيف) للفنان أحمد فولة الذي علق علي واجهة قصر الفنون وكأنه شيء مشوه، ويبدو أنه وسط الزحام لم ينتبه له أحد وكأن الجميع قد اعتاد علي رؤية القبح والتعايش معه.. وهو بالضبط المعني الذي أراد أن يؤكده الفنان. أما الفنانة مروة عادل التي قدمت عملا يحاول أن يلقي الضوء علي جماليات الجسد النسائي الذي نتعامل معه علي أنه أيقونة محرمة.. بينما لو نظرنا له علي أنه موضوع جمالي/ إنساني لاكتشفنا أشياء أكثر جمالا!