الإصلاح والنهضة يهاجم الحركة المدنية: تسير خلف "تريندات مأجورة"    أفراح واستقبالات عيد القيامة بإيبارشية الوادي الجديد والواحات .. صور    ارتفاع أسعار الذهب 1% بسبب ضعف الدولار وآمال خفض أسعار الفائدة    إزالة 164 إعلاناً مخالفاً خلال حملة مكبرة في كفر الشيخ    الخارجية الأمريكية تكشف موقفها بشأن مقترح حماس لوقف إطلاق النار (فيديو)    مفاجأة.. صهر زين العابدين بن علي يخوض الانتخابات الرئاسية في تونس    غارة إسرائيلية تدمر منزلا في عيتا الشعب جنوب لبنان    قدم تعازيه لأسرة غريق.. محافظ أسوان يناشد الأهالي عدم السباحة بالمناطق الخطرة    بإطلالة شبابية.. ليلى علوي تبهر متابعيها في أحدث ظهور    الصحة: تكثيف الخدمات الطبية والتوعوية بالحدائق والمتنزهات في شم النسيم    مصطفى فتحي رجل مباراة بيراميدز وفيوتشر في الدوري    بعد فوز ليفربول على توتنهام بفضل «صلاح».. جماهير «الريدز» تتغنى بالفرعون المصري    «رمى أمه من البلكونة».. تفاصيل صادمة في سقوط ربة منزل من الطابق الثامن    ضحايا احتفالات شم النسيم.. مصرع طفل غرقًا في ترعة الإسماعيلية    موعد إجازة عيد الأضحى 1445 للطلاب والبنوك والقطاعين الحكومي والخاص بالسعودية    أرخص موبايل في السوق الفئة المتوسطة.. مواصفات حلوة وسعر كويس    سعر الكيلو سيصل إلى 150 جنيهًا.. نقيب الفلاحين يحذر من مصير الثوم ويكشف الحل    صُناع «شِقو» في ضيافة «معكم منى الشاذلي» الخميس (صور)    ثقافة الإسماعيلية تحتفل بأعياد الربيع على أنغام السمسمية    محمد عدوية يتألق في أولى حفلات ليالي مصر للربيع بالمنوفية    كرة السلة.. الأهلي 18-16 الزمالك.. نصف نهائي دوري السوبر (فيديو)    زيادة في أسعار كتاكيت البيّاض 300% خلال أبريل الماضي وتوقعات بارتفاع سعر المنتج النهائي    صانع الدساتير يرحل بعد مسيرة حافلة، وفاة الفقيه الدستوري إبراهيم درويش    مائدة إفطار البابا تواضروس    طلاب جامعة دمياط يتفقدون الأنشطة البحثية بمركز التنمية المستدامة بمطروح    خاص| مستقبل وطن: ندين أي مواقف من شأنها تصعيد الموقف ضد الشعب الفلسطيني    قبل عرضه في مهرجان كان.. الكشف عن البوستر الرسمي لفيلم "شرق 12"    في 6 خطوات.. اعرف كيفية قضاء الصلوات الفائتة    غداً.. «التغيرات المناخية» بإعلام القاهرة    صحة الإسماعيلية.. توعية المواطنين بتمارين يومية لمواجهة قصور القلب    عضو ب«الشيوخ» يحذر من اجتياح رفح الفلسطينية: مصر جاهزة لكل السيناريوهات    الأهلي يُعلن تفاصيل إصابة عمرو السولية    لسهرة شم النسيم 2024.. طريقة عمل كيكة البرتقال في المنزل    أمينة الفتوى تكشف سببا خطيراً من أسباب الابتزاز الجنسي    المصريون يحتفلون بأعياد الربيع.. وحدائق الري بالقناطر الخيرية والمركز الثقافي الأفريقي بأسوان والنصب التذكاري بالسد العالي يستعدون لاستقبال الزوار    لقاء علمي كبير بمسجد السلطان أحمد شاه بماليزيا احتفاءً برئيس جامعة الأزهر    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    الصحة تعلن إجراء 4095 عملية رمد متنوعة مجانا ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    نانسي عجرم توجه رسالة إلى محمد عبده بعد إصابته بالسرطان.. ماذا قالت ؟    في العام الحالي.. نظام أسئلة الثانوية العامة المقالية.. «التعليم» توضح    التعليم العالي: تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    إصابه زوج وزوجته بطعنات وكدمات خلال مشاجرتهما أمام بنك في أسيوط    في خطوتين فقط.. حضري سلطة بطارخ الرنجة (المقادير وطريقة التجهيز)    المستشار حامد شعبان سليم يكتب :الرسالة رقم [16]بنى 000 إن كنت تريدها فاطلبها 00!    مصر تحقق الميدالية الذهبية فى بطولة الجائزة الكبرى للسيف بكوريا    مفوضية الاتحاد الأوروبي تقدم شهادة بتعافي حكم القانون في بولندا    شاهد.. الفنادق السياحية تقدم الرنجة والفسيخ للمترددين في الغردقة    "كبير عائلة ياسين مع السلامة".. رانيا محمود ياسين تنعى شقيق والدها    لماذا يتناول المصريون السمك المملح والبصل في شم النسيم؟.. أسباب أحدها عقائدي    غدا.. إطلاق المنظومة الإلكترونية لطلبات التصالح في مخالفات البناء    ضبط 156 كيلو لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بالمنيا    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    فشل في حمايتنا.. متظاهر يطالب باستقالة نتنياهو خلال مراسم إكليل المحرقة| فيديو    مفاجأة عاجلة.. الأهلي يتفق مع النجم التونسي على الرحيل بنهاية الموسم الجاري    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية بمركز سمسطا في بني سويف    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    استشهاد طفلان وسيدتان جراء قصف إسرائيلي استهدف منزلًا في حي الجنينة شرق رفح    تعليق ناري ل عمرو الدردير بشأن هزيمة الزمالك من سموحة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع تطوير وإزالة مقابر وسط القاهرة بين المؤيد والمعارض
نشر في القاهرة يوم 09 - 03 - 2010

في مقابر القاهرة والتي بدت من بعيد من أعلي جبل المقطم مدينة هادئة صامتة كئيبة يسكنها الموتي لكن مدينة الموتي المصرية تختلف تماما من الداخل ربما ذهبت عنها وحشة الموت ربما لم تعد بذلك الرعب القديم القائم في النفوس ربما استطاع المصريون أن يتآلفوا معه وأن يعقدوا معه الصداقات وفي هذه المدينة التي تقع بالقرب من وسط القاهرة بأسماء مختلفة مقابر الإمام ترب الغفير الشافعي لم تعد مجرد مقابر لأن المصريين الأحياء قرروا ألا يتركوا موتاهم وأن يسكنوا معهم حتي النهاية في مكان واحد بل في مقبرة واحدة.
وفي أطراف العاصمة هناك قطاع تقطنه الأغلبية العظمي يقطنه الأموات إنها مدينة أو ضاحية تمتد وتستدير مع مدينة الأحياء ما بين شوارعها المزدحمة وتلال المقطم تلك الخريطة المقسمة دروبها تقسيما هندسيا تبين إذا وقفت عند مسجد الجيوشي فوق القلعة من أعلي الحصن الذي قد قذف منه نابليون بقنابله العاصمة الثائرة إنها ليست أرض الجبانة وإن كانت القبور جزءا منها بل هي مدينة مسطحة وحشية اللون لها هي أيضا شوارعها وعلي بيوتها أرقام.
وتعد دراسة موضوع قرافة القاهرة علي جانب كبير من الأهمية وذلك أن الأبحاث الأثرية قد اهتمت بصفة خاصة بدراسة بعض المنشآت المعمارية الباقية في القرافة دراسة أثرية معمارية فنية ولم يتعرض أي هذه الأبحاث لدراسة نشأة القرافة والعوامل المختلفة التي كانت وراء اختيار سفح المقطم قرافة للمسلمين في مصر في الفتح العربي الإسلامي لها إلي نهاية العصر المملوكي بل وحتي يومنا هذا.
ولم تتعرض هذه الأبحاث أيضا لدراسة التطور العمراني للقرافة ومدي ارتباطه باتساع وامتداد عواصم مصر الإسلامية وما صاحب ذلك من نشاط إنساني في مختلف المجالات الدينية والاجتماعية وبعض الجوانب المرتبطة بالأحداث السياسية وغيرها.
مشروع تطوير المقابر
وفي إطار البرتوكول المشترك بين جامعة عين شمس وجامعة بوليتكنيكو - بميلانو - إيطاليا افتتح د. أحمد زكي بدر رئيس جامعة عين شمس سابقا ود. سمير غريب رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري ود. مصطفي متولي رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتخطيط العمراني ورشة عمل حول مشروع تطوير منطقة المقابر في إطار الرؤية المستقبلية للقاهرة الكبري في السنوات القادمة وقد تم وضع خطة تفصيلية للمنطقة تحدد مناطق المقابر والمناطق الأثرية والمناطق السكنية والحرفية حيث تم تقسيمها إلي منطقتين: جنوبية وتشمل مناطق الإباجية والتونسي ومقابر السيدة نفيسة وتحدها عين الصيرة ومنطقة شمالية وتشمل مقابر حي منشآة ناصر والغفير والإمام الشافعي وقايتباي وباب الوزير، كما تم تحديد العدد الفعلي لسكان هذه المناطق والذي بلغ 161 آلف نسمة منهم 40 ألف نسمة في المنطقة الشمالية و21 ألفًا في المنطقة الجنوبية.
ومن ناحية أخري أعلن محافظ القاهرة خلال لقائه مع رواد ملتقي الفكر الإسلامي للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف أنه يتم حاليا دراسة مشروع لنقل المقابر إلي أطراف القاهرة بعد أن أصبحت الآن وسط المناطق السكنية مشيرا إلي أن سكان الوحدات السكنية القريبة من المقابر سينتقلون إلي مساكن حضارية ويتم تحويل مكان تلك الوحدات إلي مساحات خضراء مع الحفاظ علي المساجد والأماكن الأثرية بالمنطقة.
وقد نبه د. أحمد زكي بدر إلي ضرورة مراعاة القوانين المنظمة لنقل المقابر عند التخطيط للمنطقة في حين رفض د. سمير غريب إقامة أي استثمارات عقارية في المنطقة بعد نقل المقابر حتي لا يزيد ذلك من مشاكل المنطقة.
وأوضح غريب أن المنطقة بأكملها مصنفة كمنطقة تراثية منذ العصر المملوكي بالإضافة إلي مقابر الشخصيات السياسية والتاريخية التي يجب أن تسجل طبقا للقانون 144 كما أشار إلي إمكانية أن تتحول المنطقة إلي متحف مفتوح بتطويرها ووضعها علي جدول المزارات السياحية ونبه إلي ضرورة مراعاة البعد الديني والاجتماعي والتاريخي عند التخطيط للمنطقة.
إزالة المقابر للاستثمار العقاري
وعلي الجانب الآخر يضيف د. مختار الكسباني مستشار الأمين العام في شئون الآثار الإسلامية بالمجلس الأعلي للآثار قائلا: إن اقتراح إزالة المقابر سواء كانت رؤية أو فكرة لا يقوم علي أي أسس علمية ولا ينظر إلي طبيعة المنطقة نفسها باعتبار أن الفكرة كانت إزالة المقابر واستثمار الأرض مكانها استثمار عقاري بمفهوم «أن الأمور تباع وكل حاجة بقت الفلوس».
بالإضافة إلي أن مشروع الاستثمار العقاري في هذه المواقع سوف يكون له تأثير سيئ جدا علي القاهرة التاريخية باعتبار «أننا لسنا دولة متقدمة في الصرف الصحي ولا شبكات المياه» وأشار د. الكسباني أن الميل الطبيعي لامتداد هذه المناطق يصب في القاهرة التاريخية وتطور الجبانة الطبيعية المرتبطة بإنشاء مدن مصر الإسلامية بداية من الفسطاط وقرافتها مقابر السيدة نفيسة ثم مرورا بالعسكر والقطائع وقرافتها الإمام الشافعي ثم العصر الفاطمي والأيوبي بدأنا نشاهد القرافة التي تمتد من باطن جبل المقطم وامتدادها الطبيعي لباب الوزير وصحراء المماليك.
ثم أضاف قائلا: لا يجوز أن يأتي أحد أيًا كانت سلطته أو منصبه ويخرج بفكرة إزالة أماكن تاريخية مسجلة ويقترح أن تحل مكانها ناطحات سحاب ضاربا بتراث تاريخي لمدينة وقيم إنسانية لشعب عرض الحائط بالإضافة إلي المردود والتأثير السيئ لهذا المشروع علي المنظومة المعمارية لمدينة القاهرة.
والقاهرة وضعت بمعرفة اليونسكو علي قائمة التراث العالمي وبصفتي عضو اللجنة الوزارية المسئولة عن وضع القاهرة علي قائة التراث العالمي يعنيني كثيرا السمعة الدولية لهذا التراث خارج القاهرة والاهتمام والمحافظة عليه في الداخل ولا أتقبل الفكرة بأي شكل من الأشكال بالتعرض للتراث التاريخي الإنساني داخل القاهرة الإسلامية.
ظاهرة سكني المقابر
ويحدثنا د. محمد حمزة أستاذ العمارة والآثار والحضارة الإسلامية كلية الآثار - جامعة القاهرة قائلا: من المعروف أن كثيرا من الأنشطة بمختلف مجالاتها ومظاهرها قد ارتبطت بالإنسان بالاستقرار في أي مكان ومن هذا المنطلق يمكن القول إن القرافة كانت مأهولة بالسكان أيا كان عددهم وإلا فما تفسير المنشآت العمرانية الكثيرة وما ارتبط بهذه المنشآت من نشاط ديني واجتماعي لا يكون إلا في بلد كبير فضلا عن الأشخاص الذين نسبوا إليها «القرافي» وهناك مجموعة من العوامل ساعدت علي ظاهرة سكني المقابر حديثا وأهمها تفاقم الأزمة السكانية وصعوبة الحصول علي وحدات سكنية من ناحية وطبيعة التركيب العمراني للمقابر المصرية من ناحية أخري إذا تتميز المقابر المصرية بالامتداد الأفقي الكبير علاوة علي التخطيط الهندسي الكامل فشوارعها متسقة ومستقيمة ومتعامدة علي بعضها البعض أي تغلب علي رقعتها الخطة المستقيمة إلي جانب وجود بعض الطرق الممهدة التي تصلها بأجزاء القاهرة وفي الواقع إن هذا القول يبدو منطقيا من وجهة النظر الحديثة فالقرافات مكتظة بسكانها بشكل غير معهود في أي منطقة أخري في العالم بحيث يمكن القول بأن «الحي أخذ يزحف علي الميت ويكاد يطارده».
وتداخلت مدينة الأحياء مع مدينة الموتي بصورة قابضة للنفوس.
ويضيف د. حمزة أن ظاهرة سكني المقابر من وجهة النظر التاريخية أنه استدل مما ورد من المصادر التاريخية ومما هو باق بالفعل من الآثار المادية في القرافة علي أنه كان يقطنها سكان وقد ساعد علي ذلك عدة عوامل أولها العلاقة الأيكولوجية «البيئية» بين القرافة وعواصم مصر الإسلامية فمن المعروف أن القرافة نشأت مع نشأة أول عاصمة إسلامية في مصر وهي الفسطاط ثم تطورت بتطور العواصم وامتدادها فكما أن التطور العمراني لهذه العواصم كان يتجه دائما نحو الشمال الشرقي فإن نفس الشيء حدث للقرافة بحيث يمكن القول إن تطور القرافة قد صاحب التطور العمراني لهذه العواصم ومن ثم أصبحت نطاقا عمرانيا ملاصقا وملازما لتطور هذه العواصم وعلي ذلك يمكن القول إن اتساع وامتداد القرافة ارتبط بالعواصم بحيث أصبحت جزءا لا يتجزأ منها ولنا أن نتوقع في ضوء هذه العلاقة الأيكولوجية أن تختلط المساكن بالقبور في بعض المناطق ويصبح السكن في بيوت بالمقابر أمرا واقعا في ضوء هذه العلاقة.
ومما ساعد أيضا علي سكني القرافة وجود عدد كبير من مزارات الأولياء والزهاد والفضلاء والصالحين مما شجع الناس علي زيارتها والسكن بجوارها حيث أنشأ السلاطين والأمراء المساجد والمدارس والخانقاوات بجوار هذه المنشآت كما أوقفوا عليها الأوقاف السينية وتصدقوا علي أهل القرافة بصدقات وهذا يدل علي انتقال النشاط الديني والاجتماعي إلي القرافة قد خلق من الظروف ما شجع علي الإقامة بها ويؤكد ذلك ما ذكره المقريزي من أن الناس قد كثروا بالقرافة الصغري عندما عمر السلطان صلاح الدين الأيوبي المدرسة بجوار قبر الشافعي.
ويذكر د. حمزة قائلا: ولا يخفي علينا مدي تأثير هذا العامل الديني في ازدياد سكان القرافة وأذكر للدلالة علي ذلك مثلاً واحدا خارج مصر وهو أن مدنا عديدة نشأت حول المزارات والمشاهد الدينية في العراق فمدينة «كربلاء» نشأت حول مشهد الإمام الحسين وكان مشهد الإمام علي بن أبي طالب سببا في إقامة مدينة «النجف» قرب الكوفة وحول قبري الكاظمين موسي الكاظم ومحمد عبدالجواد ظهرت مدينة الكاظمية شمال بغداد وعلي ضفة دجلة اليمني.
حل مشكلة السكان
وتقول د. سهير حواس رئيسة الإدارة المركزية للدراسات والبحوث والسياسات: ما تم داخل ورشة العمل استعراض الدراسات والأفكار المطروحة لرؤي مستقبلية حول مشروع تطوير منطقة مقابر القاهرة ومناقشة الروئ المختلفة بجانب رؤية الجامعة الإيطالية وقبل أن نتعرض لموضوع التطوير أو الإزالة لابد أن نتطرق إلي مقومات المكان وإنجازاته وهل يحتوي علي قيم تستحق الإبقاء عليها ومن ثم نقرر!!
وتقول د. سهير أنا من الذين تحدثوا أثناء ورشة العمل المقامة حول الموضوع عن مشاكل السكان داخل المقابر وأوضاعهم الاجتماعية وحاجتهم إلي الرعاية ودراسة احتياجاتهم والعمل علي حل مشكلة الناس الذين لجئوا لسكني المقابر وإيجاد بدائل سكنية لهم وظاهرة سكني المقابر نوع من أنواع العشوائيات المنتشرة مثل سكني العشوائيات وعزب الصفيح واحتلال أسطح المباني كلها أساليب عشوائية تعبر عن مشكلة قائمة بالفعل وهي مشكلة الإسكان.
أما قضية نقل المقابر فهي تحتاج إلي وقفة مرة أخري والموضوع أكبر من مجرد جهاز أو محافظة أو هيئة! فالمقابر تراث بعمارتها بأحواشها بمنطقتها بسماتها وموجودة ما قبل المماليك ولا يجب وضعها في إطار الشمول والتعميم فهي تمثل تراث المدينة وتعبر عن ذاكرة المكان.
وتتحدث د. سهير عن أن دور الجهاز القومي للتنسيق الحضاري هو الحفاظ علي كل ما هو تراثي وأثري في إطار الحفاظ علي الوجه الحضاري للمدن المصرية والحرص علي المظهر الحضاري ليس بالضرورة إزالة المقابر وفي كل العالم المقابر موجودة ولكن ليس في كل العالم المقابر يسكنها الأحياء من البشر.
فقد أكدت دراسة لوزارة الإسكان أن عدد سكان المقابر وصل إلي حوالي نصف مليون في القاهرة وحدها منهم 1150 أسرة تستأجر أحواش المدافن التي تقيم فيها، فيما أكد تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن 1.5 مليون مصري يعيشون في مقابر البساتين والتونسي والإمام الشافعي وباب الوزير والغفير والمجاورين والإمام الليثي وجبانات عين شمس ومدينة نصر ومصر الجديدة وأشار التقرير إلي أن سكان العشوائيات ومنها مناطق المقابر بلغ حوالي 8 ملايين مواطن موزعين علي 794 منطقة سكنية بجميع أنحاء مصر إلا أن النسبة الكبيرة منها حول القاهرة الكبري بسبب الهجرة للعاصمة بحثا عن العمل.
سبب اختيار المقطم
وقد ذكر د. حمزة أسباب اختيار سفح جبل المقطم قرافة للمسلمين في مصر في الفتح العربي الإسلامي لها إلي نهاية العصر المملوكي وحتي يومنا هذا قائلا: قد جاء في ذكر سبب تسميته بهذا الاسم روايات كثيرة لعل أقربها إلي الواقع الروايات التي تذكر أنه سمي بذلك الاسم لأنه قطعت أطرافه أو تلك التي تذكر أن المقطم مأخوذ من المقطم وهو القطع فكأنه كان منقطع الشجر والنبات وقد أحيل جبل المقطم بهالة من القداسة ووردت بذلك عدة روايات منها أنه عرف بالمقطم نسبة إلي مقطم بن مصرايم بن بيصر بن حام بن نوح «عليه السلام» وكان رجلا صالحا انفرد بهذا الجبل لعبادة الله فعرف به، ورواية أخري تقول إنه عرف بهذا الاسم من أجل مقيطام الحكيم كان يعمل فيه الكيمياء واختصر من اسمه وبمعني ما يدل عليه فقيل له - جبل مقيطام الحكيم، وفي الواقع أنه بالنظر إلي جبل المقطم نجد فيه كثيرا من العيوب والانكسارات الرئيسية وأن مجرد هذا الاسم يدل علي هذا الجبل الذي يبدو للعيان وكله ثنايا وخطوط أفقية متكسرة أو مقطوعة.
والسبب الذي من أجله استعمل المسلمون سفحه قرافة لهم فقد رويت في هذا الصدد روايات كثيرة ذكرها ابن الحكم والكندي ومن نقل عنهما من المتأخرين.
إن الروايات تتفق علي أن الجبل مقدس ومبارك ونبيه الذكر في الكتب السماوية وأنه ينبت فيه غراس الجنة وشجرها وأن من يدفنون فيه يبعثهم الله يوم القيامة ولا حساب عليهم وربما يفسر ذلك من وجه نظر المؤرخين مدي رغبة المقوقس «حاكم مصر قبل الفتح العربي الإسلامي لها» وحرصه علي أن يشتري سفح هذا الجبل بسبعين ألف دينار ولما علم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب «13 - 23ه» - «634 - 644م» بذلك من عمرو بن العاص واليه علي مصر قد أمره بأن يجعل هذا السفح مقبرة للمسلمين لأنهم الذين تتوفر فيهم الصفات السابقة ولما علم المقوقس بذلك غضب وقال لعمرو «ما علي هذا صالحتني» فقطع له عمرو قطيعا نحو بركة الحبش يدفن فيها النصاري.
ومن ناحية أخري فإن سفح المقطم يبعد عن نهر النيل في الغرب وبالتالي يرتفع مستواه فوق مياه الفيضان وعن تأثير الرطوبة والرشح مما يجعل أرض السفح صالحة لدفن الموتي كما ساعد ارتفاع المقطم علي مستوي نهر النيل علي جفاف هوائه.
شخصيات وقيم تاريخية
يتحدث د. محمد حسام الدين إسماعيل - أستاذ مساعد الآثار الإسلامية قسم الآثار - كلية الآداب - جامعة عين شمس - عن أن قضية نقل المقابر قضية حساسة جدا ولا يجوز الحديث عنها بهذه الشمولية فهذه المناطق تحتوي علي أكثر من 40 أثرا مسجلا فالبنسبة للقباب والمشاهد الدينية هناك قبة أخوة يوسف من القرن 6ه وقبة يحيي الشبيه حوالي 545 ه وقبة القاسم أبو الطيب منتصف ق 6 ه ولو تعرضنا لهذه المشاهد بالدراسة سواء لتاريخ أصحابها أو وصفها المعماري سوف تحتاج إلي مجلد أو أكثر لدراستها.
أما بالنسبة للشخصيات والقيم التاريخية التي تمثل تراثًا إنسانيا عظيمًا يستحق الإبقاء عليه وتسجيله ضمن الآثار بدلا من إزالته في مقابل بناء ناطحات سحاب وأمثلة ذلك تربة مصطفي مشرفة باشا وتربة أبو الخير الصوفي وتربة الأستاذ د. حسن عبدالوهاب أستاذ الأثريين والجبرتي وعمر مكرم وابن خلدون في العصر الحديث، يوسف السباعي وعلي لبيب والأميرة شويكار عمة الملك فاروق والملكة ناريمان وجمال عبدالناصر وعبدالحليم حافظ فضلا عن مقبرة شاه إيران والمدفون في مسجد الرفاعي بمنطقة القلعة وغيرهم من الشخصيات التي أثرت في المجتمع المصري وكيانه السياسي والاجتماعي.
يضيف د. حسام الدين قائلا: يبدو أن التقسيم الطبقي لا يسري فقط علي عالم الأحياء بل يمتد إلي عالم الموتي في مقابر القاهرة هناك مقابر لا حد لبساطتها وهذا لفقراء المدينة وهناك أيضا «ترب الصدقة» التي يدفن فيها من لا أهل له أو من لا يملك مدفنا خاصا وهناك أيضا علي الجانب الآخر مقابر الملوك والأمراء وإذا انتقلنا إلي مقابر ملوك العصر الحديث فسنجد أنها أكثر بساطة ولعل الذي يزور منطقة البساتين أسفل هضبة المقطم سيكتشف أن كل بيت مقبرة توضع عليه من الخارج لافتة رخامية مكتوب عليها اسم الميت والذي غالبا ما يكون أحد أفراد الأسرة المالكة في فترة ما قبل الثورة «العهد البائد» أو أحد الباشوات لم تعد المقابر أماكن مغلقة للموتي وأصبح من الطبيعي لمن يزور المقابر الشهيرة بالقاهرة أن يشاهد أسر بأكملها تعيش وسط المقابر وتتخذ من شواهد القبور مناضد لوضع جهاز التليفزيون أو تعليق حبال لنشر الغسيل بين شواهد القبور بل وقد يفرغ أهل أحد الأموات من دفن عزيز لديهم في الصباح ليقام في نفس المكان في المساء حفل زواج لأحد سكان مناطق المقابر.
يصف ديزموند ستيورات مدينة الأموات كما يسميها قائلا: إن الذين ينكرون دوام الصلة بين أهل القاهرة من قبل أربعة آلاف سنة فإن في ميتة الأموات ما يكفي للرد عليهم وكان الرومان يحرقون موتاهم والإغريق يدفنونهم خارج المدن علي قارعة الطريق أما الدين الإسلامي فمن سننه دفن الميت في قبر لا حد لبساطته حتي أنك تستطيع بيدك أن تسويه بالأرض وتنفرد القاهرة من دون بقية عواصم الإسلام بنظامها هذا للمدافن وما يستتبعه من واجبات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.