الحصول علي مقبرة في مصر بات حلما لايقل صعوبة عن الحصول علي شقة.. بل وربما يزيد في ظل الارتفاع الجنوني الذي أصاب أسعار المقابر. ولأن الأموات في مصر درجات مثل الأحياء تماما فإن أسعار المقابر. تختلف باختلاف طبيعة المنطقة التي توجد فيها فهناك المقابر الراقية التي يصل سعر الواحدة منها إلي150 ألف جنيه والمتوسطة التي يتراوح سعرها بين40 إلي50 ألف جنيه وأخيرا الشعبية كالتي توجد في الجبل الأصفر وأبو زعبل ويصل سعرها ما بين20 إلي30 ألف جنيه باعتبارها مقابر أهلية وأملاك دولة غير مصرح ببيعها. وطبقا للعرف في هذه المناطق فإن الأهالي يتملكون المقابر بشكل ودي وبدون مستندات ملكية رسمية وفق ما أكده أعضاء المجلس المحلي هناك. ولأن المقابر في الجبل الأصفر وأبو زعبل التابعتين لمركز الخانكة أرضية من عين واحدة وجد فيها الطامحون مطمعا في غيبه الرقابة لهدمها وتوسعتها لتضم أكثر من عين غير عابئين بحرمة الموتي لتحقيق مكاسب سريعة من ناحية ولصعوبة استخراج تصاريح لبناء مقابر جديدة من ناحية اخري.. وفي ظل هذا الوضع باتت المقابر تداس بالاقدام بعد أن تم استغلال الفراغات بينها لبناء مقابر جديدة دون ترك ممرات تسمح لأهل المتوفي بالمرور عبرها. وفي ظل تعدد الشكاوي من الأهالي توجه الاهرام المسائي إلي هناك للوقوف علي الحقيقة واكتشف أن المقابر لا تختلف في شكلها عن المقابر التي تتوسط القاهرة وهي عبارة عن أحواش قديمة يرجع عمرها إلي أكثر من70 عاما ومفتوحة من مختلف جوانبها بلا أسوار بما يجعلها وكرا للمجرمين والمدمنين علي حد سواء مراوغة في الإجابة ويحكي عبدالله السويسي أحد سكان منطقة أبو زعبل تجربة مع سرقة المقابر قائلا: عندي11 مقبرة9 منها بالطوب اللبن الرملي واثنتان بالطوب الدبش الأحمر موضحا أنه اثناء زيارته في إحدي المرات وجد مقبرة مهدومة وعندما سأل الحارس راوغه في الاجابة وبعد ذلك علم أن إحدي العائلات حاولت الاستيلاء عليها بالاتفاق مع الحارس وبناء علي ذلك توجه إلي الوحدة المحلية وتم تشكيل لجنة فنية ولم يتم حسم الامر حتي الآن وعلم أن هذه المشكلة يعاني منها عشرات الأهالي في المنطقة حيث يتتبع اللصوص المقابر ويهدمونها علي مراحل ويقومون بتوسعتها وبنائها من جديد موضحا انه تقدم بدعوي قضائية لاسترداد المقابر الخاصة به لاسيما وأن جميع أهالي البلدة يعرفون جيدا أن هذه المقابر ملك له وأن خوفه ليس علي المقابر نفسها ولكن علي حرمة الموتي. وتؤكد سيدة السويسي شقيقته أنها اعتادت زيارة المقابر علي فترات متباعدة بعد سرقة واحدة منها منذ سنة وشهرين وأثناء فترة حملها توقفت عن الزيارة وأوصت حارس المقبرة بالحفاظ عليها وعندما عاودت زيارة المقابر وجدت المقبرة مهدومة ومقامة بجوارها مصطبة من البلاط بما يمنع بناء أي مقبرة جديدة ورغم الاستعانة بمجموعة من الشهود لإثبات احقيتها في المقبرة الا أن أحدا لم يهتم وبدأ المتنازع معه يزور المقبرة باستمرار ليثبت انها ملكه وبسؤال حارس المقبرة أمام اللجنة ادعي أنه لايعرف شيئا وهكذا تاهت الحقيقة وضاعت المقبرة 8 آلاف مقبرة ويقول عبدالمنعم مرجان أحد سكان منطقة الجبل الأصفر: أغلب مقابر الجبل الأصفر للشهداء ويصل عددها. إلي8 آلاف مقبرة وكان هناك خفير متطوع لحراسة هذه المقابر وبعد نقله تعرضت المقابر للنهب والسور الذي يحيطها تعرض للهدم فضلا عن عوامل التعرية التي طمست ملامحها وقال إن السارق يبدأ في مراقبة المقابر التي لايزورها أصحابها بصفة مستمرة وتبدأ أعمال الهدم واقامة مقابر العيون ووضع لوحة من الرخام تثبت ملكيته لها ويضيف أن البعض يحاول استبدال اللحد بمقابر عيون لتستوعب أكثر من شخص لتحقيق أرباح من بيعها وكل هذه التعديات تحدث علي مرأي ومسمع من الوحدة المحلية ولا حياة لمن تنادي مؤكدا أن تسليم ادارة الجبانات المقابر للوحدة المحلية خطأ كبير ما يحدث هو نتيجته. وأضاف أن البعض لا يكتفي بالاستيلاء علي مقابر غيره بل يقوم ببيعها ولعدم وجود عقود رسمية يصبح من الصعب التعرف علي صاحب المقبرة الأصلي. شاهد عيان ويقول أحمد أبو السعود موظف بشركة الكهرباء وأحد الشهود في القضية: إن عائلة السويسي دخلت في نزاع مع بعض الاشخاص وحضرت اللجنة الفنية التي عقدتها الوحدة المحلية لتحدد من هو صاحب المقابر الحقيقي وكنت أنا أحد الشهود وطلب رئيس اللجنة الفنية أن يقسموا اليمين وكلاهما أقسم أنه صاحب المقابر وبقي النزاع كما هو دون أن تصل اللجنة إلي الحقيقة. ويؤكد أحمد حبيب أحد أهالي منطقة أبو زعبل أنه علي الرغم من أن أغلب هذه المقابر بلاسندات ملكية إلا أنه جري العرف علي تقسيمها بين أهالي البلد وعندما يحدث تعد يحق للأهالي الاعتراض باعتبار أن ذلك يمس حرمة موتاهم وتقوم اللجنة الفنية بمحاولة إرضاء كل الأطراف ولكن في كثير من الحالات ينتهي الاجتماع بمشاجرة بين الأهالي ولا يصلون إلي حل ويبقي الموقف مجمدا وأشار إلي سوء حالة المقابر وسوء حالة الطرق المؤدية إليها مما أدي لامتناع أهالي المتوفي عن زيارته وهو ما شجع البعض علي التفكير في الاستيلاء علي مقابر الغير لا سيما وان اغلب المقابر عبارة عن أحواش لاتوجد بها أبواب وحراس المقابر لا يتقاضون أجرا محددا مما ساهم في زيادة حالة الفوضي والعشوائية في المقابر. خلال يومين تبني المقبرة ويؤكد سمير عبد السيد أحد المتضررين أنه يمتلك5 مقابر و6 لحود وفي احدي زياراته اكتشف ان احدي المقابر هدمت واقيمت بدلا منها مقبرة جديدة بها أكثر من عينللدفن موضحا انه فوجيء بوجود سيارات للطوب والاسمنت وفي خلال يومين علي الاكثر يتم بناء المقابر وبناء علي ذلك تقدم ببلاغ وحرر محضرا اداريا بتهمة نبش القبور وعندما توجه للوحدة المحلية أخلت مسئوليتها وفي ذات الوقت منحت عائلة الخصم خطابا بترميم المقبرة وتبين من المعاينة انها مقبرة جديدة بنيت بعد هدم القديمة الأصلية وبناء علي ذلك حصل علي قرار بتمكينه من المقبرة مع عدم معارضة الغير. فساد المحلبات ويؤكد كمال عبد الراضي محام أن هذه المقابر كانت أملاكا خاصة وتم دفن مجموعة من الشهداء بها فجري العرف في المنطقة أن يدفن بها الأهالي وكل قطعة أرض تبني عليها مقبرة يعتبرها الشخص انها مدفن العائلة ومن هنا تنشأ الخلافات بين العائلتين نظرا لعدم امتلاك احداهما أي سندات ملكية تثبت صحة كلامها فضلا عن عدم وجود إدارة جبانات بالمنطقة تشرف عليها بشكل مباشر والوحدة المحلية لا تتمكن من السيطرة علي المقابر فيتم استغلال أي لحد وتحويله إلي عين تصل مساحته إلي2*3 متر وبناء علي ذلك تقدم ببلاغ لقسم الشرطة وتم اتخاذ اجراءات التعدي علي الحيازة واستوفي الموكل جميع الشروط التي تثبت أحقيته في المقبرة من تحريات المباحث وشهادة الشهود وحصل علي قرار التمكين ولكن قام أهالي الموكل بهدم التربة التي أقامتها عائلة الخصم فتم تحرير محضر تلف واضرار ضد موكله ومازالت القضية مستمرة. الهروب من المسئولية وفي اثناء جولتنا في مقابر الجبل الأصفر قابلنا عم يحيي أبو العلا تربي وحارس ويبلغ من العمر84 عاما وأكد انه ولد في هذا المكان ويعرف من هو صاحب كل مقبرة وعندما سألناه لماذا لم تحاول أن تقف في وجه من يتعدي علي حق غيره؟ قال وأنا مالي إذا كان أصحابها سايبينها أنا هحافظ عليها وكمان ممكن يضربوني وأضاف أنه شاهد التعديات بعينه ولم يستطع أن يوقفهم كما أن هناك الكثير من المقابر التي تعرضت للهدم. وأكد حلمي محمد شعبان تربي بالمنطقة أن ارتفاع اسعار المقابر أغري الجميع بمسألة التعدي في ظل غياب الرقابة وأصبحت التعديات علي المنطقة أمرا مسلما به والبعض يعتبره حقه خاصة وأن ملاك هذه المقابر ليست لديهم أي أوراق رسمية والوحدة المحلية لم تضع ضوابط محددة للحفاظ علي ملكية كل عائلة في مقابرها. لا سند رسمي ويؤكد عيد السيد البيومي تربي بمنطقة أبو زعبل أن حارس المقبرة يتم تعيينه بمعرفة المجلس المحلي وأن المنطقة تشهد العديد من المنازعات ولا يملك أي طرف من العائلات سندا رسميا يسمح له ببيعها وتتراوح اسعار تكلفة بناء المقابر بين350 إلي450 جنيها للمتر ويصل سعر المقبرة في المنطقة بين30 إلي40 ألف جنيه وارتفاع اسعار المقابر من أهم الاسباب في هذه المنازعات وتقوم اللجنة الفنية بمحاولة للتوصل إلي حل يرضي جميع الاطراف والحل الأمثل لإثبات أحقية العائلة في المقبرة هو تحليل العظام أو من خلال تصريح الدفن اذا كان يحتوي علي مكان الدفن. ويؤكد زغلول الزيادي عضو مجلس محلي بأبو زعبل أن لجنة المقابر هي المسئولة الأولي عن الاشراف علي جميع أعمال المقابر من احلال وتجديد ويتم الاحتكام في المنازعات إلي أحد كبار العائلتين وبناء عليه تقوم اللجنة بتحرير محاضر وتعتمد من المجلس المحلي. اعترافات بالسرقة واعترف الحاج جابر عبد الباسط رئيس المجلس الشعبي المحلي بعمليات السرقة والبيع التي تتم داخل منطقة الجبل الأصفر وأرجع السبب في ذلك إلي زيادة في توافد السكان إلي البلدة بأعداد كبيرة في حين أن المقابر المتوافرة ممتلئة ولا تستوعب عدد سكان المنطقة الذي وصل إلي32 ألف نسمة ورغم أن قانون5 يمنح الوحدة المحلية الاشراف علي المنطقة بمقابرها الا انه لاتوجد ادارة جبانات مختصة وادارة الجبانات في الحي قالت المنطقة خارج كردون اختصاصنا ورغم تقارب مقابر الخانكة مع مقابر الجبل الأصفر الا أن الخانكة تخضع لإشراف من إدارة الجبانات أما الجبل الأصفر فليست هناك جهة رسمية تختص به موضحا أن عمليات الاحلال والتجديد شجعت البعض علي سرقة المقابر ووضع اسماء وهمية عليها للتضليل دون امتلاك أي مستندات رسمية وقال إن المقابر كانت بلا خفير او حارس وعندما عينته الوحدة المحلية كان أول من ساعد علي سرقتها فرغم أن الوحدة المحلية لها سلطات هيمنة وإدارة وتنظيم الا ان قلة الامكانات لا تساعد علي اداء العمل مؤكدا ان عملية ترقيم المقابر كانت مجرد عملية اجتهادية من الأخوة السودانيين مع الوحدة المحلية وهي تعد مهمة تنفيذية لا صلة لها بالوحدة المحلية. وأضاف ان التوتر في العلاقات الاجتماعية بين الأهالي أصبح مستمرا وسيظل طالما لم يجد من ينظم هذه المقابر. الفوضي حاضرة ويؤكد حامد سيد نصر عضو مجلس محلي بمنطقة الجبل الأصفر ان هذه المقابر اثناء انتقالها إلي حكم المحليات حدث نوع من الفوضي فكان أغلبها عبارة عن لحود عرض الواحد منها حوالي60 سم وبدأت الخلافات تدب بين العائلات عند محاولة تحويل اللحود إلي عيون علما بأن العيون تأخذ مساحات أكبر وثمنها اغلي. وأضاف قائلا إنه عندما تقدم الأهالي إلي الوحدة المحلية للحصول علي تصريح هدم اللحد وبناءعيون بدلا منها كان لا يسمح بذلك إلا لمن يملك لحدين حتي تسمح المسافة بالاستبدال وبناء العين أما من يملك لحدا واحدا فلا يسمح له ببناء عين لضيق المسافة مشيرا إلي أن المجلس الشعبي المحلي يعقد جلسة يومي الأحد والثلاثاء اسبوعيا في يوم الأحد يتم عقد اللجان الفنية للفصل في مثل هذه المنازعات وفي يوم الثلاثاء تقدم طلبات الاحاطة من مشاكل مياه وصرف صحي لرئيس الوحدة كما ان أغلب هذه المقابر مقابر جماعية ويرجع تاريخها اكثر من70 عاما مما أدي إلي تلاشي معالمها وصعوبة الاستدلال علي صاحبها الاصلي, وفي هذه الحالة يتم اللجوء إلي شهود من اهالي البلدة وهناك من يلجأ للقسمة في حال وجود لحدين مثلا موضحا انه تم تكليف مجموعة من الأهالي بترقيم المقابرس لإثبات أحقية كل عائلة فيها وتسجيلها في الوحدة المحلية. الوافدون هم السبب ويؤكد اللواء عادل طرفة رئيس لجنة المقابر بمنطقة ابوزعبل ان النزاع بدأ مع توافد مواطنين جدد للمكان حيث سعوا للاستيلاء علي مقابر الأهالي الاصليين والبعض لا يكتفي بذلك بل يقوم ببيعها والبعض الآخر ممن يملكون المقابر لا يكتفون بالمقبرة التي يمتلكونها بل يرغبون في التوسع من خلال الاعتداء علي مقابر الغير ونتيجة لهذه المنازعات يحاول المجلس الشعبي المحلي ان يصل إلي حل يرضي جميع الأطراف. ويضيف قائلا إنه تم الاتفاق مع جمعيات خيرية لدفن اي شخص يتوفي في البلد وفي ظل تزايد اعداد القاطنين بالمنطقة ظهرت التعديات ليس فقط علي مقابر الغير بل وصلت إلي الأراضي الزراعية وطبقا للقانون رقم65 تشترط موافقة عدة جهات منها الصحة والاثار وأغلب الناس لا تفضل الدخول في متاهة الاجراءات الرسمية ويعتدون علي مقابر الغير ولأن أغلب هذه المقابر تم بناؤها بالطوب اللبن فمن السهل تغيير معالمها وفي كل المنازعات يتوجه المجلس الشعبي المحلي إلي المقابر محل النزاع وتتم المعاينة وبناء عليها يتم الحسم في النزاع وفي الغالب يتم اقتسام المقابر واذا تم رفض هذا الحل يبقي الموقف مجمدا ولا يسمح لأحد بأي احلال أو تجديد مؤكدا ان في أغلب الجلسات يتم الأخذ بكلام الشهود للحسم في المشكلة كما أن عمليات الاحلال والتجديد تبدأ بتقديم طلب إلي لجنة المقابر وبناء عليها يتم وضع نموذج للرسم يوقع عليه اربعة جيران لضمان عدم حدوث اعتداء علي الممرات او الشوارع الصغيرة فيما يحاول البعض استغلال عمليات الاحلال والتجديد وبيع المقابر إلي غرباء عن البلدة بما يوازي30 ألف جنيه. مسح للمنطقة وأكد خالد طبل عضو مجلس محلي منطقة ابوزعبل ان أصحاب المقابر لا يعتادون زيارتها بصفة مستمرة ويتصور كل منهم انها تظل ملكا لهم مهما طال الزمن وهذا غير منطقي وأغلب المقابر في مصر عبارة عن احواش مفتوحة. موضحا ان هناك جهودا من المجلس بدأت منذ شهرين لمسح المنطقة وتعيين خفير ثابت عليها حتي يحتكم لرأيه لأنه في الوقت الحالي حارس المقبرة يتغير بشكل دائم لا يسمح للاحتكام برأيه. وبسؤال رمضان الزيني عضو مجلس الشعب عن وضع هذه المقابر أكد ان معظم هذه المقابر مجهول الهوية والوحدة المحلية هي المسئولة عنها باعتبار انه لا يوجد من يمتلك مستندات ملكية لها وقال من يقوم بدفن اي شخص من اهله في المنطقة يعتبرها ملكا خاصا له والدولة غير ملزمة بتقديم البديل في حالة تعدي اي عائلة علي مقبرة عائلة أخري. مسئولية مديرية الصحة وبسؤال عرفة عبدالجواد رئيس مجلس المدينة بمحافظة القليوبية قال: ان مديرية الصحة هي المسئولة الأولي عن هذه المقابر واذا تم بناء اي مقابر بدون تراخيص تقوم المحافظة باصدار قرار بهدمها وفي كل الاحوال نجد معارضة من الأهالي لوجود موتي بها وهنا لابد من تصريح من النيابة لفتح المقبرة مؤكدا ضرورة ان تسلم مديرية الصحة المقابر بحدودها حتي تتمكن المحافظة من متابعتها.