ارتبطت باليسار منذ أكثر من خمسة وستين عاماً. أعطيته وتعلمت منه، لذلك أنا عليم بنقاط الضعف فيه، وبأخطائه، وأُقر بأنه حتي الآن لم يدرك كيف يتعامل مع مجتمع مازال الدين يلعب فيه دوراً مؤثراً في السياسة، وفي الشئون العامة والشخصية، انه خلال سنين طويلة ظل نخبوياً ، علاقته بالجماهير محدودة، وأن اللغة التي يخاطب بها الناس تفتقر إلي الأسلوب الذي يقربهم إليه، انه عاني الانقسامات لسنين طويلة، وأومن أن عليه أن يتقبل النقد حتي من الخصوم، لأن الخصوم سيبحثون عن نقاط الضعف فيه، وهذا كثيراً ما ىُمكن أن ىُفيده. مع ذلك اليسار المصري تيار انتمي ومازال إلي الفقراء والمستغلين من فئات الشعب، فظلت موارده دائماً محدودة مما اعاق نشاطه علي الأخص في هذا العصر الذي يلعب فيه التضخم دورا مؤثرا للغاية في إعاقة أي عمل وسط الناس وهذا علي عكس حركة الإخوان المسلمين التي تُشكل قيادتهم جناحاً من أجنحة الفئات الحاكمة، جناحاً يملك رءوس أموال ضخمة، وبنوكًا تجارية تتعامل مع الرأسمالية الغربية والخليجية، لكن لهذا السبب بالذات رأيي أنه لن تسعي هذه الحركة جديا إلي تغيير المجتمع لتحقق الحرية والعدالة الاجتماعية رغم الاسم التي أطلقته علي الحزب الذي كونته أخيراً إلا إذا تشكلت حركة شعبية واسعة ومنظمة وقوية تستطيع أن تُؤثر علي اتجاهاتها السياسية بحيث يؤدي هذا إلي تغيير القيادات المسيطرة عليها. إن نظرة هذه الحركة إلي العدالة الاجتماعية تقتصر علي الصدقة، علي اقتطاع جزء ضئيل من إمكانياتها المالية والإلقاء بها إلي الجوعي. خاضت حركة الإخوان المسلمين معارك من أجل السلطة دفعت ثمنها، وجنت مكاسبها. أما اليسار فقد حاربته القوي الاستعمارية العالمية والطبقات الحاكمة في كل العهود فدفع ثمن معاركه من أجل التغيير، من أجل مجتمع جديد ينحصر فيه الاستغلال المفروض علي الطبقات الشعبية التي تعمل بعرق جبينها، علي الطبقة الوسطي الدنيا، والطبقات العاملة، في المدينة والريف، وعلي الرأسمالية المنتجة التي لا تُضارب في سوق الاستيراد، أو العملة، أو في احتياجات الشعب الأساسية. في الفترة الأخيرة استطاع اليسار أن يوسع من نطاق نشاطه، أن يضم إلي صفوفه شباباً شاركوا في الحركات الثورية، وهو يعتبر أن التعاون مع كل القوي التي تسعي لانتزاعنا من الأزمة الصعبة التي تُواجه بلادنا مسألة أساسية. إن اتهام اليسار بالعمالة، وتلقي الأموال الأجنبية، بالكفر وبالانفصال عن الأهداف الوطنية هو أحد الأسلحة الأساسية التي استخدمها الاستعمار البريطاني ضده منذ ثورة 1919 حتي تم جلاء الإنجليز عن مصر. إنه اتهام استخدمته المباحث العامة، والمخابرات الأجنبية والدوائر الحاكمة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، واستخدمها أعداء الديمقراطية، لا لمحاربة اليسار وحده وإنما أيضاً لمحاربة الديموقراطية. لذلك كله تساءلت لماذا انبري الدكتور عصام العريان بالذات بشن حملة فيها تكرار لهذه الاتهامات ضد اليسار. أقول بالذات لأنه في حدود علمي، وفي حدود التعاملات التي تمت بيننا بدا لي أنه ينتمي إلي الجناح المتنور نسبياً في حركة الإخوان المسلمين، مما يتناقض مع تصديه لهذه المهمة دون غيره من العناصر القيادية في حزب الحرية والعدالة، أو في مكتب الإرشاد. تساءلت أيضاً لماذا انبري للهجوم علي اليسار علي نحو مفاجئ وفي هذا الوقت الذي أحوج ما نكون فيه لتضافر الجهود، أو علي الأقل للحفاظ علي علاقات من الود والتعامل الإنساني بين مختلف التيارات السياسية حتي نتمكن من مواجهة الأزمة الخطيرة التي تمر بها البلاد. خطر في بالي أن الدكتور عصام العريان ربما يسعي إلي منصب المرشد العام للإخوان المسلمين، وأنه بهذا الهجوم يخاطب العناصر اليمينية المحافظة في مكتب الإرشاد التي ما زالت تتمتع بالنفوذ الأكبر في تحديد السياسات والأمور التنظيمية الخاصة بالجماعة فهو هجوم لا تبرره أي أحداث أو ظروف أو معارك طارئة. إننا في حاجة ملحة إلي تجاوز مثل هذه اللغة في التخاطب بين القوي السياسية المختلفة، أن نقوم بنقد ما فينا من أخطاء، لكن أن يتم هذا بلغة في التخاطب، وأسلوب في التعامل لا يؤدي إلي قيام معارك تُفرق بيننا، معارك نحن في غني عنها لأنها ستُضيف مخاطر جديدة إلي المخاطر التي تُحيط بأوضاعنا في المرحلة الحالية. والدكتور عصام العريان مع آخرين من أعضاء ألجماعة التي ينتمي اليها يستطيع إن أراد ذلك أن يلعب دوراً بناء في هذا الاتجاه نظراً لتأثيره وتاريخه في حركة الإخوان المسلمين.