إننا نحن المثقفين والمبدعين وأهل الفن اعترتنا مشاعر القلق والخوف بشدة من فوز التيار الديني في انتخابات الرئاسة حرصاً علي مدنية الدولة والابتعاد عن التحول لدولة دينية، وأيضاً للحفاظ علي الكيان الفني والثقافي من سيطرة بعض التيارات الدينية المتشددة والتي تعمل علي فرض قيود تلعب دوراً سلبياً تراجعياً في الدور المنوط للفن والثقافة، ولذا انتابنا عميق الأسي مما سمعناه وشاهدناه عبر القنوات الفضائية والذي تمثل في حالة الهجوم الشرس علي الفنانات المصريات وما يتعرضن له من سب وقذف علي مرأي ومسمع من الجميع دون استنكار أو استنفار من المسئولين، وما زاد من تلك المشاعر المحزنة والمخجلة هو أن تأتي مثل هذه الأقاويل أو الادعاءات علي ألسنة بعض رجال الدين (دُعاة الإسلام)، فهل بعد أن تُظلل الدولة بعباءة حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين -من رأس الدولة وصولاً إلي الكثير من مرافقها العامة والخاصة وهيئاتها وقطاعاتها المختلفة- هو أن يعطي رجال الدين الحق لأنفسهم لاتهام النساء والغوص في أعراضهن، كنا نود ألا يحدث مثل هذا وخاصة بعد تولي الدكتور محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة السابق مقاليد الحكم حتي لا تشوه مثل تلك الأمور الدين الإسلامي الذي هو بريء مما يفعلون. تحرش وترد في الأخلاق وإن كنا نعاني عمليات التحرش الجسدي في الشوارع لتفشي الأخلاق غير الحميدة، فقد أصبح الآن التحرش اللفظي عبر الشاشات وهو ما يجب أن يقف عند هذا الحد وألا نسمح نحن كمجتمع بتكرار مثل هذه الآفات، كما كان الهجوم الذي تعرضت له مدينة الإنتاج الإعلامي والتي أعقبها مزيد من القلق والريبة علي مستقبل الفن في مصر والذي يجعل الكثيرين يفكرون بمنطق "إلي أين نحن ذاهبون؟ "، فرغم ريادة مصر الدائمة للمنطقة في كثير من المجالات ومنها الفنون والثقافة إلا أن ما يحدث الآن يخشي منه الكثيرون. وإن كنا نتفق أو نختلف عن الأسباب أو الغايات سواء للأشخاص أو للدعاة ولكننا ننبذ هذا الأسلوب الذي يعمل علي تشرذم المواطنين وسيطرة مشاعر البغض والكراهية بين بعضهم البعض، فأين مبدأ الحريات التي كنا نعيشها ونادت بها كل القوي السياسية وقت الثورة حيث كان أولها عيش -حرية- كرامة إنسانية ؛فهل أنصار المذاهب الدينية المدعون بالقيام بالثورة ومناصرة مبادئها يكون لهم الحق في إسقاط مبدأ الحرية عن هؤلاء، إننا ننادي ونطالب بالحق في الحرية وعدم العبث بمقدرات الآخرين وألا نمس الحريات العامة والخاصة وأن يكون النقد إن وجد بشكل غير جارح وغير خادش للحياء ويحفظ كرامة وإنسانية من يتعرضون له بالنقد وليس السب. فهل مجرد أن نختلف في النهج أو الأيديولوجيات يستبيح الفرد منا أن يلقي بأبشع الاتهامات والألفاظ الخادشة للحياء وهتك الأعراض علي شاشات الفضائيات التي يراها ويسمعها الملايين في شتي بقاع الأرض لمجرد اختلافات في الرؤي السياسية أو حتي المنظومة الفكرية !! إن ما حدث في الأيام الماضية والتي ألاحظ تكرارها بلا رادع أو تراجع أو حتي اعتذار ممن فعلوا هذا الإثم المستباح لهو إحقاقاً للحق فعل مشين ويبتعد عن دين الإسلام السمح الذي يضع قذف المحصنات من الكبائر وذنب لا يغتفر لصاحبه بدليل قوله تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ يرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ،وقوله سبحانه : "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون"، وأيضاً الآيات الكريمة في قوله عز وعلا : "وَمَن ىَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ ىَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا". وفي الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله تعالي عنهما قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ( وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيسَ فِيهِ اَسْكَنَهُ اللَّهُ ردغة الخبال حَتَّي يخْرُجَ مِمَّا قَالَ ) هل نحن في فوضي؟ ولذا نتساءل هل أصبحت الدولة في حالة فوضي بحيث يقول كل شخص ما يريد بلا وازع أو ضمير؟؟ هل لم يشعر القائم بهذه الفعلة بالندم علي رمي إحدي نساء وطنه بهذه السباب ؟؟ ألم تكن تلك ضمن النساء اللاتي أوصاكم بها خاتم الأنبياء محمد (ص) حين قال : "أوصيكم بالنساء خيراً"؟ فأين هي حرية الرأي والتعبير وحرية العقيدة التي طالما تحدثنا عنها كثيراً؟ إننا نرفض منطق رفض الآخر أياً كان، والدخول في أعماق النفس البشرية وما تطويه بداخلها من حالة إيمانية ومصادرة حقوق الآخرين؛ إن الله سيحاسبنا جميعاً فلا ينبغي أن نتعامل بمبدأ التخوين. وأتعجب حقيقة من الدور المتخاذل للمجلس القومي للمرأة في معالجة تلك القضايا ولذا نناشد السفيرة ميرفت تلاوي رئيس المجلس بإصدار بيانات تناهض تلك الأفكار والادعاءات المسيئة وتناصر المرأة وتحافظ علي كيانها كعضو مؤثر داخل المجتمع لكي يشعر الجميع إيجابياً بالدور المنوط لهذا المجلس في حماية المرأة علي كل الأصعدة والمستويات. كما نرجو محاسبة ومعاقبة كل من يستبيح الحق لنفسه بمصادرة حقوق الآخرين والإساءة إليهم حتي لا نصير في دولة عشوائية هوجاء تستباح فيها الأعراض. والآن بعد تولي الدكتور مرسي مقاليد الحكم بالبلاد فقد حان الوقت أن يثبت سيادته للجميع الحفاظ علي مدنية الدولة وأن يواجه هؤلاء بكل عنف وشدة ولا يسمح لهم بإحداث الوقيعة بين قطاعات الشعب المختلفة تحت شعار الدين وأن يكون الرئيس هو المتصدي لهذا العبث وأن ينفذ وعوده التي وعدنا بها جميعاً أبناء الأمة في تحقيق العدل والمساواة والحرية والحد من الإرهاب الفكري علي الدولة تحت عباءة التيارات الدينية، وألا يتعامل بعض رجال الدين بلا رادع وبلا محاسبة.