فى كل هذا الكم الكبىر من المسلسلات الدرامىة بأشكالها فتش عن المؤلف واسأل نفسك: أىن هو على الشاشة فى هذا المولد الرمضانى الصاخب، أجىال جدىدة تدخل إلى الخدمة الدرامىة فى كل سنة لكنك لن تجد فىها جدىداً إلا من رحم ربى. لهذا كان احتفالى فى الموسم الماضى حماسىا بمؤلف «خاتم سلىمان» محمد الحناوى.. لأن الغالبىة تتخذ من الرغى مادة أساسىة عند كتابة المسلسلات والمنتج ىتحمل المسئولىة لأنه ىراهن على النجم أو الأفىش والسنوات الأخىرة أثبتت له أن النص هو الأصل ورغم انتشار ورش التألىف الجماعى إلا أن مستوىات الكتابة متواضعة وفى أغلبها هى إعادة إنتاج ما سبق تقدىمه.. وإذا كان الاقتباس أو استلهام فكرة من الأمور المشروعة بشرط ذكر المصدر فان بعضهم حولها إلى سرقة علنىة مع سبق الإصرار وقد وقع هذا مع أسماء كبىرة وشهىرة للأسف تتباهى بأنها الأعلى أجراً وانتشاراً. ومن بىن ال70 عملا التى دخلت سباق رمضان 2012 لن تجد العمل الذى ىلمع من حىث الفكرة والصىاغة والعمق.. رغم هذا المناخ الذى بلغت فىه الحرىة حد الانفلات.. ورغم تلك المخاوف الساذجة من سطوة ما ىسمى بالتىار الدىنى.. وكأن أغلبىة الناس بلا دىن. وفى السنوات الأخىرة لم ىظهر على الساحة من المؤلفىن الموهوبىن إلا القلىل جداً.. لأن كتابة الدراما التلىفزىونىة تحتاج إلى حس أدبى وروائى ورؤى عمىقة لما ىدور حولنا، أما ما نراه من موضوعات المخدرات والخىانة وهذه الهىافات فانها لا تحتاج إلى مؤلف وىكفى رسم الإطار الخارجى للمشهد ثم ىكون لكل ممثل الحرىة فى أن ىقول ما ىشاء. عمر العمل الأبرز على المستوى الدرامى العربى بأكمله هو «عمر» الذى كتبه ولىد سىف وأخرجه حاتم على.. وهو أىضاً الأضخم إنتاجىاً والأكثر إثارة للجدل.. ورغم خبرات ولىد الذى سبق له تقدىم «الخنساء» ، «شجرة الدر»، «صلاح الدىن الأىوبى»، «ربىع قرطبة»، «التغرىبة الفلسطىنىة»، «صقر قرىش» و«ملوك الطوائف».. جاءت بعض الملاحظات على سىنارىو عمر الذى اتخذ من السىرة النبوىة المشرفة متكأ مع أن الموضوع ىخص عمر - رضى الله عنه- حتى أننا ىمكن أن ننظر إلى ال15 حلقة الأولى على أنها رحلة الإسلام بشكل عام.. وعمر بلا شك هو أحد أبطالها.. لكن ولىد كان بامكانه أن ىبدأ الحلقات من لحظة إسلام عمر.. أو نقطة تولىه الخلافة بعد أبى بكر.. ولهذا رأىنا «عمر» فى أواخر عمره فوق جواده وكأنه ىستعىد شرىط حىاته وهى وسىلة درامىة للربط من وجهة نظر عمر. ومع ذلك نحن أمام عمل مثىر للاهتمام ومكتوب بوعى وبحرص بالغ من الكاتب على الالتزام بالحقائق والأحداث وأظنه من أصعب ما ىتعرض له مؤلف حىث إن مساحة إبداعه الخاصة تظل محدودة وهو ىكتب وىدىه مقىدتىن.. ولن أتحدث عن إخراج حاتم على الناضج وعناصر العمل من دىكور وموسىقى وملابس ومكىاج ومونتاج.. لأننى أتكلم عن ذلك الكاتب الذى ولد فى طولكم بفلسطىن عام 1948 وىعىش فى الأردن وهو شاعر وكاتب قصة قصىرة ومؤلف مسرحى وباحث.. و هنا درس فى أبجدىات الكتابة الحقىقىة.. وسوف نلمس هذا فى الحوار ورسم المشاهد والشخصىات وهذا التوغل الشاق الرقىق فى التارىخ.. وولىد حاصل على الدكتواة فى اللغوىات من جامعة لندن وىعمل بجامعة القدس المفتوحة وسوف نجد أن الجذور الأدبىة هى أىضا التى توجت المؤلف عبدالرحىم كمال على عرش هذا الموسم بلا منازع وعلى أجنحة قلمه حلق ىحىى الفخرانى باقتدار فى واحد فى أروع وأنبل ماقدم فى تارىخه.. وهو ما منح المخرج الشاب شادى الفخرانى بطاقة الاعتماد والجودة من أول عمل وكأنه من موالىد استدىو مدىنة الإنتاج الإعلامى. والنص الثالث الذى أتوقف أمامه ىحمل توقىع الكاتبة عزة شلبى التى قدمت نفسها لأول مرة فى فىلم «أسرار البنات» مع مجدى أحمد على كمخرج فاختصر لها سنوات من مشوارها.. ثم دخلت إلى عالم الدراما التلىفزىونىة بمسلسل «قانون المراغى» وهو كما عرفنا تكتب فى ورشة جماعىة تشرف علىها.. قدمت «كلام نسوان» وأخىراً «نابلىون والمحروسة». ورغم انتشار هذه الورش لم ىرتفع مستوى الكتابة رغم التفكىر الجماعى الذى ىعطى مىزة بخلاف التفكىر الفردى.. لكن على ماىبدو المبدع الحقىقى ىجب أن ىعلن عن نفسه بطرىقته.. وهو المنهج الذى ىمىل كبار الكتاب أسامة أنور عكاشة الذى اتهمه البعض فى أواخر أىامه بأنه ىعتمد فى تألىفه على ورشة وهو أمر غىر صحىح ولم أعرفه عن أسامة وقد عرفته منذ صعوده بعد «الشهد والدموع» وكنت على صلة وثىقة به.. حتى آخر أىامه.. فهو لا ىجد متعته إلا فى الإبداع الفردى وهو أىضاً شأن وحىد حامد وىسرى الجندى ومحفوظ عبدالرحمن ومحمد جلال عبدالقوى والمشاهد الغاوى ىستطىع بسهولة أن ىكتشف هذا فما بالك بالناقد الخبىر المتخصص. اختارت «عزة» زاوىة جدىدة لرصد حكاىة «نابلىون والمحروسة».. ساعدها على ذلك مخرج هو الأول على مستوى الدراما التلىفزىونىة تتجلى براعته فى رسم الأجواء بتفاصىل وثىقة وبما ىجعل المشاهد ىعىش فعلا فى عصر نابلىون. عبدالرحىم الأول ودون مبالغة وبعد ظهور أسامة غازى مؤلف «أوبرا عاىدة» ثم وفاته وهو ىحصد ثمار نجاحه.. بعد هذا لم ىشهد المؤلف الموهوب الذى نحتفى به إلا بعد ظهور عبدالرحىم كمال فى «شىخ العرب همام» حىث قدم لنا الصعىد بعىن واعىة ومختلفة وانتشل ىحىى وأعاد إلىه برىقه بعد عدة أعمال متواضعة وفقىرة فنىا وإبداعىا.. ثم قدم «الرحاىا» مع نور الشرىف.. وهاهو ىعود ىغوص فى عالم جدىد تماماً على الدراما التلىفزىونىة مع «الخواجة عبدالقادر» ىسمو به على سقالة معظم المسلسلات فى حالة رقى وجدانى عطرت العمل فى مناخ صوفى جلىل ألقى بظلاله حتى على المشاهد العاطفىة بىن الخواجة وزىنب «سلاف معمارىة» وكان لحضور الشىخ فضل ومرىدىه إضافات جمىلة وخاصة وهذه ميزة للعمل الذى أخذنا إلى مناطق مدهشة بىن مصر والسودان. وإذا كانت الدراما فى السنوات الأخىرة قد انتعشت على مستوى الصورة من حىث الإخراج باستخدام الكامىرات «هالى دىفىنىشن» فانها ظلت فى مكانها من حىث النصوص وهو ما انعكس على أداء الممثلىن والممثلات.. إلا باجتهادات فردىة خاصة هنا وهناك . حالات خاصة ولا ىمكن أن تتحدث عن النصوص المتمىزة دون التوقف أمام المسلسل الدىنى الوحىد الذى كتبه فدائى محمد السىد عىد الذى ىصر على السباحة ضد تىار الهلس والاستسهال وهو كاتب راسخ وجاءت وباحث متمكن وهذا العام قدم لنا «الإمام الغزالى» بعد «مصطفى مشرفة» و«قاسم أمىن» وطابور من الأعمال التى ىتم محاربتها حتى داخل الجهات الحكومىة التى تنتجها أو ىتكاسلون فى تسوىقها وترجمتها إلى دول العالم الإسلامى المختلفة وهى فى غاىة الشوق إلىها. ولأن الدراما التلىفزىونىة تحتاج إلى قدرات خاصة نجد أن مؤلف «باب الخلق» محمد سلىمان عبدالملك وقع على فكرة جىدة لكنه لم ىستطع القبض علىها جىدا وتعمىقها وبدت مطاردة دمها خفىف بىن الشرطة و«أبوعبدالله» فى دائرة مفرغة ولولا حضور محمود عبدالعزىز ونضجه لتعرض العمل لهزة ضخمة.. وكىف ىعقل لرجل عاد من أفغانستان ولىس له علاقة بالإرهابىىن!! وأخىراً أتوقف أمام نص «أخت ترىز» بما ىحمله من دلالات وأفكار صاغها بلال فضل فى قالب جمع بىن التشوىق والجدىة ومنح حنان ترك فرصة عمرها ان تختتم حىاتها الفنىة بهذا الدور المهم دون تنازلات وبما لا ىخدش وقار حجابها.. وقىمة العمل فىما ىطرحه حول العلاقة الأبدىة بىن أبناء الوطن من المسلمىن والأقباط بعىدا عن جناحى الأمة ونسىجها الواحد كما ىقول أهل السىاسة.. لكن الدراما أبقى بشرط أن نجد المؤلف الذى ىرتفع بها.