يري الشاعر والكاتب الصحفي وائل عبدالفتاح أن ضعف المستبد أو الرقيب بصوره المختلفة سوف يحرر المثقف من التبعية، مؤكداً حرية المثقف التي لاحدود لها موضحاً في ذات الوقت أن المجتمع هو من يخوض معركة الدفاع عن حريته والفضاء العام ،هؤلاء ذوو عقول ضيقة وهشة تضع المبدع في تحد جديد. فالرقابة بحسب رأيه أشباح تظهر كل فترة من أجل صناعة نظام طاغية جديد.. «القاهرة» ألتقته فدار الحوار التالي: تكتب الشعر والمقال فهل تعتقد أن الكلمة بصفة خاصة والأدب بصفة عامة مازالا قادرين علي أن يحدثا التغيير المطلوب؟ -لا أستطيع فهم التغيير المقصود فالتغيير مفاهيم مختلفة. البعض يتعامل معه من منطلق أن الكتابة هي الطاقة الثورية التي تحرك الجماهير أو أنها رسالة تنوير أو معرفة عليا. وإحداث تغيير بهذا المعني أعتقد أنه ليس من الكتابة ولايوجد شيء قادر علي إحداث التغيير لكن كلما كانت الكتابة حرة امتلكت القدرة علي تحرير الكاتب قبل تحرير القارئ وأصبحت كتابة حقيقية. كلما كانت حقيقية وليست إعادة تعبير أو اجترار لكلاشيهات تثير التفكير سوف تحدث تغييراً ولكن المهم أن تكون في البداية كتابة تحرر ذاتها حتي من فكرة الرسالة والقدرة علي إحداث التغيير. وهل تعتقد أن الشعر فن ثوري؟ - القول بأن الشعر فن شخصي يتحول من فكرة أنه من السهل تحويله إلي شعار أو يافطة في مظاهرة إلي أنه فكرة شخصية، فكرة أن يخص الكاتب ذاته ونحن شعوب لاتعرف ذاتها, الشعر هو الهروب من القطعان. ذكرت أن كتابة الشعر مثل الدخول إلي الغابة، فكيف تري هذه الغابة؟ الغابة موحشة ومخيفة وجميلة في نفس الوقت بها الجانبان الإيجابي والسلبي.الشعر هو الحياة، أن تدخل إلي هذة الغابة إما أن تموت أوتعيش حياة مختلفة . وأنت بصدد إصدار ديوانك الثالث.. فإلي أين وصلت قصيدتك؟ - ربما تكون قد وصلت لمنطقة أفضلها الكتابة معادل للحياة، هي اللعب وتكسير النمط الدائم .تكسير مانعرفة .جزء منها هو البحث عن السعادة بمعناها الكبير. والقصيدة أصبحت تقترب نحو هذة المحاولات، تسير نحو مزيد من اللعب بمعناه الوجودي. ولماذا اخترت الشعر دون غيره للتعبير عن إبداعك؟ - لأن الشعر به شيء أقرب لشخصيتي وهو التكثيف. حيث أحب التكثيف في الحياة والعلاقات. ربما أكتب رواية لكن فكرة الشعر أنه الطاقة والشعر الحالي لم يعد به النجاح السهل، تعد مغامرة الغابة بنوع آخر. فالشعر الحالي أصبح لدية طاقة أكثر للسرد وليس السرد الحكائي، وأحياناً أشعر بعدم قدرتي علي الحكي المكتمل بينما يملك الشعر القدرة علي ربط الحكايات مع بعضها البعض، كالفرق بين السباحة ووجود مدينة غارقة تحت الماء،الشعر هو أن تجد مدينة غارقة. تكتب قصيدة النثر، فكيف تراها اليوم بعد الجدل الذي أثير حولها كثيراً،هل أثبتت وجودها؟ - هذا الوجود لم يعد مهماً للشاعر مثلما كان من قبل. ليس الجمهور أو التفاعل مع القارئ لكن فكرة أن يكون الجمهور حاضراً لهذه الدرجة والصلات القديمة بين الجمهور لم تعد ذا قيمة للشاعر. لكن هناك أصوات تسللت لقصيدة النثر باعتبارها بوابة سهلة الدخول؟ - أي فن يكسر القواعد يكون لديه مساحة متسعة للدخول لكنه في النهاية يكون بعد ذلك أصعب. وكيف تكتب في هذا الفن الذي يمكن أن يكون سهلاً كتابة وبه موهبة عالية.ومن الطبيعي أن أي فن يدخله أناس عديدون لكن لايبقي إلاالكتابة الخالصة وأيضاً تكون أصعب حيث يتحول الفن من فكرة الحرفية إلي القدرة علي الانفراد ويستطيع الشاعر أن يكون موجوداً بذاته. هل تناولت الثورة في ديوانك الجديد، وما رؤيتك للشعر المصاحب لها؟ رغم عملي بالصحافة والمتابعة إلا أنني أجد مجهوداً كبيراً حيث أعمل كتاباً عن الثورة في مراحلها خلال عام ونصف العالم كما أجد مشكلة حقيقية في كيفية الكتابة عنها وأستغرب من يستسهل الكتابة عن الثورة. وألحظ الكتابة عنها مثل التنقيط في فرح فهناك من يرفع فيه حتي يظهر،لكن كتابة الثورة هي أن تثور أدواتك وتتحرر، تحرير ولو من جهة الذاكرة والمشاعر والعواطف،هناك بعض القصائد التي كتبتها بهذا الإحساس ولاأعرف إذا كان القارئ سيجد بها ثورة أم لا.الثورة كسرت الحواجز التي صنعها الشاعر لنفسه حول هذة العواطف، فلقد كنا راكدين عاطفياً في جهة الصور فجاءت الثورة لتكسر كل هذا الركود ،لم تغير العلاقة بالمدينة فكيف تكون الكتابة بهذا الإحساس وليس عنة. لماذا اتجهت لنشر ديوانك الأول "كُسالي "علي الانترنت ؟ - لم أطبعه ورقياً وتخلصت منه بالطبع إليكترونياً حتي أتجة للديوان التالي وإن كنت قد تمنيت فعل نفس الشيء مع ديوان الغرام ولكني تشجعت فيه حتي أحرر المشاعر كذلك تانجو الأفيال سينشر ورقياً. أخشي النشر فأنا كسول في الحياة. الكسل بما معناه وليس بمعني عدم فعل الشيء. أري أن الكسل أن يكون لك إيقاع غير إيقاع العالم. وقد علمني عملي بالصحافة كيف أصنع مسافة بين الكتابة الخاصة لي. وربما وصلت في الصحافة لدرجة كبيرة من البناء والخبرة أوالاحتراف بينما في الشعر لا. ولكن تجربة الغرام هي التي شجعتني علي النشر فقد شعرت أنها دفقة ولابد أن تنشر كما هي فقررت نشرها في لحظة تهور وكدت أتراجع عنها لكن أحببت تجربة النشر ثم انتقضتها للذهاب لتجربة أخري. لايوجد الديوان الكامل ولكنه النص وهذا النص غير المكتمل هو مايشجعني علي الكتابة. حيث أريد الوصول لحالة الاكتمال. لكن ألا تفكر في إعادة نشر "كسالي " بعدما اختبأت خلف الفضاء الإليكتروني وقد امتلكت جرأة النشر؟ - بالفعل فكرت في النشر بطبعة أحدث ثم أخذت بعض القصائد وقررت بناء ديواني الجديد "تانجو الأفيال" عليها والذي سأنتهي منة بعد كتابي السياسي لكن أستغرب كثيراً عندما يقال عني كاتب سياسي .السياسة هي مادتي حيث تعطيني إحساس أنها مادة بها اللعب والدراما والصراعات والتراجيديا. من أين تستمد أفكارك وماذا عن أهم العوامل التي ساهمت في تشكيل تجربتك الإبداعية؟ - كل إنسان يكوّن ثقافته وخبراته من حياته، لايحاول أن يكون أو يقلد شخصاً آخر.لقد كانت القراءة العنصر الذي يصنع الونس الأساسي لي ويملأ الفراغ مابين التعامل مع العالم والغربة.هذا ماصنعته القراءة وكذلك الذاكرة التي تعمل بشكل يرتب العالم.كما تعلمت من الموسيقي والسينما أكثر من الشعر وكذلك من كتب لاعلاقة لها والإحساس برؤية الموضوع والعالم المختبئ أسفل السطح. هل من هدف أو رسالة معينة تسعي إليها من خلال ماتكتبه شعراً أوسرداً؟ - اللعب بمعناه الوجودي.الكتابة تمنحني هذه المساحة دون أمتلاك أدوات مالية .فكرة التحرر من شروط الجدية ، الإنسان كل سعيه أصلاً في الحياة للعب . مع تصاعد التيار الديني ،كيف تري القلق الذي يساور المبدعين؟ - مشكلة القلق الأساسية هنا أن تصنع حواجز لقد كان المبدع يكسر حواجز الاستبداد السياسي فخاض ضدها العديد من المعارك ولكن أن تظل القضية هي مقاومة الاستبداد !! وأن يظل الخيال مرتبطاً بتكسير الأسوار التي توضع ؟كأنها عملية سيزونية كلما تحطم سور ظهر سور آخر وفي النهاية هم عقول ضيقة ذات أسوار هشة ستضع المبدع في تحد من جديد .الخيال أكبرمن هذه المؤسسات .هناك جنون أن يتصور البعض وضع حد للرقابة .الرقابة موجودة داخل المبدع نفسه وكان من المفترض أن تصنع الثورة عكس ذلك ولكنه لن يكون بحرفية المستبد السياسي وفي النهاية فإن سخافة هذه المعركة أننا نعرف أنها ستنتهي وسوف ينتصر المبدع ولكننا فعلاً لابد أن نخوض الحرب ونحرر الخيال.الرقابة ليست علي العمل الذي ىُكتب وإنما علي الخيال ،الكاتب يصنع الرقابة بنفسه والخيال أن نقاوم الرقابة وهل سنقضي حياتنا نقاوم الرقابة، فمتي سنفكر ومتي نعيش بخيالنا وهنا تكمن المشكلة الحقيقية .الرقابة في الحقيقة هي أشباح تظهر كل فترة من أجل صناعة نظام طاغية جديد والمشكلة أن هذا النظام يصنع مجتمعاً يعيد دور الرقابة ويكون مفاجئاً. حيث يكون مثل القطعان المعزولة التي لاتري الهواء والذي يفسدها حتي وإن كان قليلاً. لقد أصبحت الرقابة ذاتية. الكاتب يحصن نفسة كقارئ من الرقابة فإذا لم يتمكن من النشر ورقياً سيتجه للنت ،لاحدود لحرية المثقف. أخيراً ما السؤال الذي يرافقك؟ - السؤال الحقيقي:هل سيتسع الفضاء الخاص بي ليس فقط بالتغيرات السياسية لكن بالخبرات والعمر ومتي ستتسع هذه المساحة أو تقل؟!