من الغريب أن يحدث خلاف بين مواطن مسلم وآخر مسيحي حول قميص محروق ليتحول الحدث ودون مبرر منطقي إلي خلاف بين مسلم ومسيحي!!. حادث دهشور وقبله الكثير من الحوادث يدل بشكل واضح علي غياب المسئولية الوطنية عند البعض من أبناء الوطن نحتاج ضبط النفس والتحلي بروح التسامح والإيمان بأن سلامة الوطن ونموه ووحدة مواطنيه هي أهداف وطنية ينبغي أن نعمل من أجلها وألا نحيد عنها لعل من المثير للقلق والشعور بالخوف، علي حاضر هذا الوطن ومستقبله، أن يشهد المجتمع المصري بين الحين والآخر، بعض الحوادث ذات الطابع الطائفي والتوتر الديني مما يهدد السلم الأهلي وهدوء المجتمع وأمنه، لاسيما وأن المواطنين المصريين يمرون بمرحلة انتقالية حساسة، يحتاجون فيها تأكيد قيمة الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، تلك القيمة المقدسة التي يجب الحفاظ عليها في كل بقعة من بقاع الوطن الذي ننتمي إليه ويضمنا جميعاً. التطييف والواقع أن بعض هذه الحوادث إنما يقع بسبب "التطييف"، ذلك المصطلح الذي سمعته لأول مرة من الدكتور أنطوان مسرة- أستاذ الإعلام بالجامعات اللبنانية، حين شاركت في ورشة عمل بالعاصمة اللبنانية بيروت دارت حول موضوع (الإعلاميون والسلم الأهلي)، نظمها منتدي التنمية والثقافة والحوار وحضرها مجموعة من الإعلاميين من مختلف الاتجاهات والانتماءات. كان الدكتور مسرة يقصد بمصطلح (التطييف) إعطاء طابع طائفي لقضية غير طائفية، وكان يركز بدوره علي الحالة اللبنانية، ولكنه للأسف الأمر الذي يحدث في الواقع المصري أحياناً بين بعض المواطنين الأقباط وبعض المواطنين المسلمين من أبناء الوطن الواحد والذين يُشكلون سوياً ما أُصطلح علي تسميته بالجماعة الوطنية المصرية، يعيشون في وطن واحد ويجمعهم مصير مشترك. إن هناك تطييفاً غير منطقي وغير مبرر يحدث من قبل بعض المواطنين لعدد من القضايا التي لا تحتمل التطييف. فمن الغريب حقاً أن يحدث خلاف أو شجار بين مواطن مسلم وآخر مسيحي حول أحد أمور الحياة اليومية ومعاملاتها من بيع وشراء وخلافه، أو اكتشاف علاقة عاطفية بين طرفين أحدهما مسيحي والآخر مسلم، ليتحول الحدث ودون مبرر منطقي إلي خلاف بين مسلم ومسيحي، وربما يتطور الأمر في بعض الحالات ليصبح خلافاً بين الإسلام من جهة والمسيحية من جهة أخري. ولعل هذا هو ما حدث مؤخراً في دهشور بالجيزة، حين وقع خلاف بين مواطن وآخر، تصادف أن يكون الأول مسلماً والثاني مسيحياً، حيث حُرق قميص المواطن الأول أثناء قيام المواطن الثاني- والذي يعمل مكوجياً- بكيه، ليتطور العراك بينهما ليصبح شجاراً بين مسلمين ومسيحيين، حتي أن البعض أطلق علي تلك الحادثة "فتنة القميص"!! المسئولية غائبة وهذا الحدث، وقبله الكثير من الأحداث، يدل بشكل واضح علي غياب المسئولية الوطنية عند البعض من أبناء الوطن. وهو ما يحتاج منا وقفة مجتمعية وحوار جاد لمنع "حالة التطييف" والتصدي لها بكل قوة وحزم بتطبيق القانون، فضلاً عن اهتمام الحكماء والعقلاء بسرعة التدخل من أجل إعلاء صوت الحكمة، وإعمال العقل بشأن كل ما يدور حولنا من أحداث. إننا نحتاج ضبط النفس والتحلي بروح التسامح، والإيمان بأن سلامة الوطن ونموه ووحدة مواطنيه هي أهداف وطنية ينبغي أن نعمل من أجلها وألا نحيد عنها، وهذا يتطلب إسهامات كل المستنيرين والحكماء من أبناء هذا الوطن الذي يضمنا جميعاً ونعيش علي أرضه من أجل ضمان وطن واحد، ناهض ونامي، تسوده قيم الحب والتسامح والمواطنة والتعاون والعيش المشترك والعمل الجماعي البناء والإيمان بالتعددية والتنوع وغيرها من قيم الاستنارة والتنوير والتحديث. وهنا ينبغي التأكيد علي دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية، في نشر تلك القيم، حيث يأتي أولاً دور مؤسسة الأسرة والتي تمثل بدورها المدرسة الأولي التي يتربي ويتعلم فيها النشء والأطفال، ويكتسبون الكثير من القيم الحياتية. وهناك ثانياً المؤسسة التعليمية من دور حضانة ومدارس ومعاهد وكليات وجامعات، بعناصرها المختلفة وما تحويه من مناهج دراسية وأنشطة متنوعة اجتماعية وثقافية ورياضية وفنية.. الخ. وهناك ثالثاً المؤسسات الإعلامية بمختلف وسائلها من صحف ودور نشر وقنوات تليفزيونية ومحطات إذاعية ومواقع إلكترونية، بما تحمله تلك الوسائل من رسائل متعددة في كافة مجالات الحياة. وهناك رابعاً المؤسسات الثقافية ومنها المجلس الأعلي للثقافة وهيئة الكتاب ودار الكتب المصرية وقصور الثقافة.. الخ، من حيث الإصدارات والأنشطة الثقافية المختلفة التي تقوم بها من ندوات ومؤتمرات ومسابقات. وهناك خامساً مؤسسات الشباب المختلفة ومنها مراكز الشباب بما تحويه وتقوم به من أنشطة رياضية واجتماعية وثقافية متنوعة. وهناك سادساً منظمات المجتمع المدني بما تقوم به من أنشطة اجتماعية وثقافية عديدة. ثم هناك سابعاً المؤسسة الدينية الإسلامية وكذا المؤسسة الدينية المسيحية، لاسيما وأن الخطاب الديني سواء الإسلامي أو المسيحي له تأثير كبير علي المصريين، خاصة أن الدين مكون أساسي من مكونات الشخصية المصرية، ولرجال الدين.. مسلمين ومسيحيين.. تأثيرهم في نفوس المصريين. ولعل هذا الحادث يعيد التذكرة مرة أخري بضرورة إنشاء مركز لدراسات الوحدة الوطنية، يضم مجموعة من الخبراء والباحثين والمتخصصين في علوم التاريخ والسياسة والاجتماع، وأن يقوم بإجراء دراسات عميقة في قضية المواطنة من حيث ماضيها وحاضرها ومستقبلها، وإصدار المطبوعات وإقامة الندوات والمؤتمرات وورش العمل بالتعاون مع الجهات والمؤسسات الحكومية وغيرها من منظمات المجتمع المدني، واقتراح مناهج مناسبة لنشر ثقافة المواطنة في برامج التعليم والثقافة ووسائل الإعلام المختلفة، فضلاً عن تعاليم المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية. المواطنة وفي كلمة، فإنه من الضروري تضمين ثقافة المواطنة ومفرداتها في الخطاب الأسري والتعليمي والإعلامي والثقافي والديني، وذلك حتي تتحول المواطنة إلي ممارسة حية وعملية علي أرض الواقع (الوطن).