بات من الواضح أمام كل مواطن مصري أننا نقف الآن علي أعتاب مرحلة جديدة من تاريخ مصر الحديث والمعاصر، وهي مرحلة يتطلع فيها المواطنون المصريون إلي تكوين مصر جديدة.. نامية وناهضة.. تنشد الاستقرار والسلام المجتمعي القائم علي ترسيخ دعائم الحرية ورفع ألوية الديمقراطية، كما تنشد النهوض وتتطلع إلي حضور قوي وواضح علي المستويين الإقليمي والعالمي مثلما كانت في فترات ماضية، لتتواصل مع إنجازات التاريخ وتنقطع عن لحظات الانكسار. إلا أنه من المثير للقلق ومما يبعث علي الخوف، وعلي وجه الخصوص في تلك المرحلة من تاريخ الوطن، أن يشهد المجتمع المصري في الوقت الراهن، بل وفي كل الأوقات، بعض الحوادث ذات الطابع الطائفي والتوتر الديني مما يهدد السلم الأهلي وهدوء المجتمع وأمنه، لاسيما وأن المواطنين المصريين يمرون بمرحلة انتقالية حساسة، يحتاجون فيها إلي تأكيد قيمة الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، تلك القيمة المقدسة التي ينبغي الحفاظ عليها في كل بقعة من بقاع الوطن الذي ننتمي إليه ويضمنا جميعاً. والواقع أن بعض هذه الحوادث إنما يقع بسبب "التطييف"، ذلك المصطلح الذي سمعته لأول مرة من البروفيسور الدكتور أنطوان مسرة أستاذ الإعلام بالجامعات اللبنانية، حين شاركت في ورشة عمل بالعاصمة اللبنانية بيروت دارت حول موضوع «الإعلاميون والسلم الأهلي» نظمها منتدي التنمية والثقافة والحوار وحضرها مجموعة من الإعلاميين من مختلف الاتجاهات والانتماءات. كان الدكتور مسرة يقصد بمصطلح (التطييف) إعطاء طابع طائفي لقضية غير طائفية، وكان يركز بدوره علي الحالة اللبنانية، ولكنه للأسف الأمر الذي يحدث أيضاً في الواقع المصري أحياناً بين بعض المواطنين الأقباط وبعض المواطنين المسلمين من أبناء الوطن الواحد مصر والذين يشكلون سوياً ما اصطلح علي تسميته بالجماعة الوطنية المصرية، يعيشون في وطن واحد ويجمعهم مصير مشترك. إن هناك تطييفاً غير منطقي يحدث من قبل بعض المواطنين لعدد من القضايا التي لا تحتمل التطييف حيث يدل هذا المسلك علي غياب المسئولية الوطنية، فمن الغريب حقاً أن يحدث خلاف أو شجار بين مواطن مسلم وآخر مسيحي حول أحد أمور الحياة اليومية من بيع وشراء وخلافه، أو اكتشاف علاقة عاطفية بين طرفين أحدهما مسيحي والآخر مسلم، مثل حالة قرية صول التابعة لمركز أطفيح بمحافظة حلوان، ليتحول الحدث ودون مبرر منطقي إلي خلاف بين مسلم ومسيحي، وربما يتطور الأمر في بعض الحالات ليصبح خلافاً بين الإسلام من جهة والمسيحية من جهة أخري، مع اهتمام عدد من الحكماء والعقلاء بالتدخل من أجل إعلاء صوت العقل وسيادة روح الحكمة. وإن كان من المهم هنا أن نفكر بشكل جاد في الإجابة عن سؤال: لماذا فكر بعض المواطنين المسلمين من أهل قرية صول بأطفيح علي هذا النحو تجاه مواطنيهم المسيحيين؟! فهو الموضوع الذي أتمني أن يدور حوله حوار مجتمعي علي أن يتسم بالسمو والرقي والرغبة في البناء لا الهدم. فإننا نحتاج إلي إعمال العقل بشأن كل ما يدور حولنا من أحداث، نحتاج إلي ضبط النفس والتحلي بالحكمة، والإيمان بأن سلامة هذا الوطن ونموه ووحدة مواطنيه هي أهداف وطنية ينبغي أن نعمل من أجلها وألا نحيد عنها، نحتاج إلي إسهامات كل المستنيرين والعقلاء والحكماء من أبناء هذا الوطن الذي يضمنا جميعاً ونعيش علي أرضه من أجل ضمان وطن واحد.. ناهض ونام.. تسوده قيم الحب والتسامح والمواطنة والتعاون والإيمان بالتعددية والتنوع وغيرها من قيم الاستنارة والتنوير. ومن الأهمية أن نعمل علي تأكيد وتشجيع قيمة المواطنة، حيث المساواة والمشاركة في الحقوق والواجبات وعدم التمييز بين المواطنين علي كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واحترام القانون وتطبيقه. ولعل الدور المهم هنا فيما يتعلق بالتربية والتنشئة علي قيمة المواطنة ومبادئها إنما يقع علي عاتق جهات عديدة، تقوم بدورها في تشكيل ثقافة المواطنة وتكوين وعي الإنسان/ المواطن بنفسه وبالآخرين من حوله، وفي مقدمة تلك الجهات/ المؤسسات تأتي مؤسسة الأسرة التي تمثل بدورها المدرسة الأولي التي يتربي ويتعلم فيها النشء والأطفال ويكتسبون الكثير من القيم الحياتية. وهناك ثانياً: المؤسسة التعليمية من دور حضانة ومدارس ومعاهد وكليات وجامعات، بعناصرها المختلفة وما تحويه من مناهج دراسية وأنشطة متنوعة اجتماعية وثقافية ورياضية وفنية.. إلخ. وهناك ثالثاً: المؤسسات الإعلامية بمختلف وسائلها من صحف ودور نشر وقنوات تليفزيونية ومحطات إذاعية ومواقع إلكترونية، بما تحمله تلك الوسائل من رسائل متعددة في مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهناك رابعاً: المؤسسات الثقافية ومنها المجلس الأعلي للثقافة وهيئة الكتاب ودار الكتب المصرية وقصور الثقافة.. إلخ، من حيث الإصدارات والأنشطة الثقافية المختلفة التي تقوم بها من ندوات ومؤتمرات ومسابقات. وهناك خامساً: مؤسسات الشباب المختلفة ومنها مراكز الشباب بما تحويه وتقوم به من أنشطة رياضية واجتماعية وثقافية متنوعة. وهناك سادساً: منظمات المجتمع المدني بما تقوم به من أنشطة اجتماعية وثقافية عديدة. ثم هناك سابعاً: المؤسسة الدينية الإسلامية وكذا المؤسسة الدينية المسيحية، لاسيما وأن الخطاب الديني سواء الإسلامي أو المسيحي له تأثير كبير علي المصريين، خاصة أن الدين مكون أساسي من مكونات الشخصية المصرية، ولرجال الدين.. مسلمين ومسيحيين.. تأثيرهم في نفوس المصريين. وفي كلمة، فإنه من الضروري تضمين ثقافة المواطنة ومفرداتها في الخطاب الأسري والتعليمي والإعلامي والثقافي والديني، وذلك حتي تتحول المواطنة إلي ممارسة حية وعملية علي أرض الواقع (الوطن). زين الكلام عند تشكيل الوفد المصري للمطالبة باستقلال البلاد قبل تفجر ثورة 1919م، سأل أحد الأقباط الزعيم سعد زغلول قائلاً له: "وماذا يكون مصير الأقباط بعد نيل الاستقلال؟!"، فأجابه الزعيم بكل ثقة: "إن للأقباط ما للمسلمين من حقوق وعليهم ما علي المسلمين من واجبات".