كل يوم شرارة طائفية تشتعل ثم تنتقل تحرق قلب الوطن! من صول في الجيزة إلي المريناب في أسوان إلي إمبابة وصولا إلي العامرية في الإسكندرية وأخيرا وأتمني أن تكون آخرا أحداث قرية دهشور التي وقعت مساء يوم26 يوليو الجاري. وتوفي علي إثرها الشاب معاذ محمد أحمد(25 عاما) متأثرا بالحروق التي أصيب بها أثناء مروره بالصدفة قرب موقع الاشتباكات الأسبوع الماضي, وهو مسلسل اللعب غير المسئول الذي يبدأ اجتماعيا ولأسباب واهية وتافهة أحيانا وجادة ومسئولة حينا آخر, ففي أحداث الدهشوري كان اشتباكا بين مكوجي مسيحي ومواطن مسلم أحرق الأخير له قميصه, فتمت الاشتباكات وانتصرت كل جماعة لفئتها ووقع الشاب معاذ بريئا ضحية لشجار تافه! أعقبه هجرة ما يزيد علي مائة أسرة مسيحية لخارج دهشور ونفت عودتها لقريتها عكس ما أشاعه بعض المسئولين! وكذلك نجمت الأحداث التي اشتعلت في الشرقية عن خلافات مالية بين شخصين ونجحت الشرطة في تحجيمها سريعا! كذلك كانت الأسباب وراء أحداث إمبابة تافهة, سقوط أخلاقي لفتاة تركت أهلها في إحدي محافظات هاربة مع سائق ميكروباص عبقري طبعا وهربوا للقاهرة من أقاصي الصعيد لتنقل المشكلة كذلك من شكلها الأخلاقي والسلوكي البسيط إلي فتنة يسقط علي إثرها ضحايا وقتلي لا ذنب لهم, وكذلك كانت في صول والعامرية نتيجة لسلوكيات غير مسئولة يرفضها الإسلام والمسيحية معا! لا شك ان بعض الأسباب الأخري جذرية ومهمة وخاصة ما يتعلق منها بمسألة بناء الكنائس وتنظيم بناء دور العبادة, وقانونها الموحد الذي لم يصدره مبارك رغم مطالبة القوي المدنية والحقوقية به, كما لم ينجح في إنجازه عصام شرف, بعد ضغوط القوي الإسلامية عليه, وكذلك ما يتعلق بمسألة حرية الاعتقاد التي تشمل المتحولين دينيا ومذهبيا علي السواء وكان مهما التمكين لها في ظل الدولة المدنية ولكن القيود والقضبان الأيديولوجية مازالت غير قادرة علي التمكين هذا المبدأ المهم الذي يظل تعليق مسألته جرما اجتماعيا وطائفيا قابلا للاشتعال بين الطوائف المختلف, سواء في ذلك كانت الأسباب عميقة أو عابرة! لكن الغريب المثير عقب كل حادث هو تحول البعض بعدائهم للمقدس الديني, فيتوجه أهل المحلة للكنائس, أو يحتمي بها أهلها, ويزداد الأمر اشتعالا, معبرا عن مشكلة في فهم المصرية كرابطة سياسية ووطنية تجمع بين المصريين قبل الدين وقبل اللون وقبل الطبقة! هل هي مشكلة ضعف الدولة وهشاشة مفهومها المدني قبل وبعد الثورة, وضعف النخب التي تستطيع حماية فكرة المواطنة ورعاية شجرة المصرية لتكون أساسا وبذرة تخرج منه أشجار النهضة المنشودة! فضلا عن ضعف مؤسساتها التي تتحرك كرد فعل لا فعل استباقي واستراتيجي يستطيع معالجة جذور المشكلات لا اعراضها, ويتحرك قبلها لا بعدها, دون التفاف أو مواربة وبمسئولية وطنية تنتمي للوطن قبل أن تنتمي للأيديولوجية أو السلطة! أما انها مشكلة نشاطية عالية لثقافة الكراهية والعنف العشوائي التي غدت حرة تخبط وتدير حياة المصريين, مسلمين ومسيحيين علي السواء, لم تعد هناك أواصر الأخوة والمحبة القائمة علي الصدق, فتشوه كل جميل وبرز كل قبيح, بينما انشغلت روافد المعني بالدروس الخصوصية في المدرسة أو بشكليات العبادة في المعابد, وبالتمييز والتمكين له, فيخرج علينا من يري المواطنة حراما من مرشحي الرئاسة المستبعدين, ويخرج علينا حزب يرفض فكرة أن يكون هناك نائب قبطي للرئيس, ورغم ان سرجون عمل وزيرا للخليفة معاوية بن أبي سفيان, واستعمل عمر الهرمزان.. ويحتكر تيار بعينه وضع الدستور وتم تطييف الانتخابات البرلمانية وجولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية.. فكيف يأتي الشعور بالأمان! قبل أحداث دهشور بيوم واحد صدر تقرير الخارجية الأمريكية بخصوص الحرية الدينية في مصر, والذي أكد علي مزيد من التخوفات فيما يخص أوضاع الأقليات وفي مقدمتها الأقباط في مناخات ما بعد الثورة حيث الانفلات الأمني والانفلات الفكري والانفلات الإعلامي والحزبي والبحث المستمر لدي الكثيرين عن مكاسبهم الشخصية أو مكاسبهم الحزبية دون إعلان لمقولة مصر أولا! فصارت المحاكمات الفيسبوكية والتشهيرية والإعلامية سجالا إعلاميا دائما, لم يعد أحد يثق في أحد, لم يعد لدينا المسيح يعلم الناس المحبة أو محمد عليهما السلام يقول للناس ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء! صار الغضب والعنف العشوائي ومناخات عدم الثقة والفردانية وتحدي كل المؤسسات من الدولة إلي القضاء إلي المسجد إلي الكنيسة والتغول عليها خطرا يستدعي الانتباه واليقظة! حتي لا تحولنا مشكلة مكوجي حرق قميصا لمشكلة كبيرة في الوطن! أو مشكلة خيانة زوجية بين امرأة ورجل ترفضها الأديان كما يرفضهما المجتمع مشكلة كبيرة علي الوطن أن يشتعل بها! انتبهوا يا من توليتم أمور هذا البلد من التنفيذيين ومن تصدرتم لها من السياسيين والإعلاميين, وعلموا الناس الدين كمصدر للروحية والتسامح والمحبة فالفضائل تظل ببقائها إنسانية تراعي التنوع الإنساني فقط!