لم يئن الأوان بعد لتقييم شامل لما قدمته لنا مسلسلات رمضان، والحركة الدائبة للنجوم الذين سيطروا هذا العام سيطرة كاملة علي العروض تاركين مساحة صغيرة جدا للنجوم الشابة في تثبيت نفسها وإمكانياتها. ومع ذلك يمكننا حتي الآن أن نلقي نظرة أولية علي «بورصة» نجومنا وأي منهم استطاع أن يفرض نفسه ووجوده ومكانته بين هذا الحيز الفسيح من الممثلين الكبار. يحيي الفخراني يقدم دورا شديد الجدة عليه وقوي التأثير في الخواجة عبدالقادر إن هذا الدبلوماسي الإنجليزي الذي بلغ من العمر عتيا، وأدمن الشراب وحل الظلام في روحه.. وفقدت عينياه ألقها وحركته حيويتها.. انه يداعب الموت بأنامله، غارقا في هوة لا نهائية من اليأس. إلي أن تأتيه فرصة مباغتة تفتح له طاقة من الأمل لم يكن يتوقعها .. لذلك غرق فيها حتي أذنيه، واستطاع أن يحرر روحه من محبسها وأن يمسك بأنامله شعاع الفجر الجديد. خروج عن المألوف الفخراني في هذا الدور بوجهه المليء بالتجاعيد ومشيبته المترنحة وصوته الأجش المذبوح استطاع أن يرسم لنفسه شخصية أخري ويخرج عن نطاق النمطيات التي اعتاد أن يغرقنا بها في مسلسلاته الأخيرة. دور مهم لممثل كفء أبرز امكانيات خفية مدهشة وجديدة لم يكن يتوقعها أحد. عادل إمام في «فرقة ناجي عطاالله» يقدم مروحة متعددة الألوان وتجميعا ذكيا لكل ماضيه الفني مستغلا إلي أبعد الحدود.. جاذبيته المعروفة ونظراته المدهشة التي تعلن بعفوية وعذوبة كل ما تعتمل في أعماقه من تناقضات وحيرة وتساؤلات. إنه في الحلقات الأولي يلعب دورا ثنائي الأبعاد ويلمس قضية التطبيع بذكاء ومرونة تاركا لنفسه مشاهد لا تنسي واضعا امكانياته كلها تحت المجهر. ولكن ذلك لم يمنعه من إعطاء الفرصة لعدد من الوجوه العربية والمصرية كي تأخذ حظها إلي جانبه.. كفادي إبراهيم «اللبناني علي ما أعتقد» الذي يلعب دور رجل المخابرات الإسرائيلي بقوة وإقناع وجدارة مشهودة، وأحمد السعدني الذي يطل علينا بموهبته التي تزداد تمكنا مع الزمن، ومحمد الإمام الذي يتبع خط والده في طريقة تمثيله والذي يبدو أن يوسف معاطي قد رسم له الدور علي مقاسه مدركا كل الإدراك حدود إمكانياته. جمال سليمان يكرر بنجاح شخصية السيد الصعيدي المستبد العادل ويرسم بقوة معالم شخصية نمطية أحالتها موهبته إلي شعلة متفجرة من الأحاسيس المتناقضة الحارة.. مشاهده مع حورية الفرغلي التي ازدادت نضوجا وتألقا وتأثيرا مشاهد لا تنسي.. أعطت هذه الممثلة الشابة حيزا دراميا لعبت فيه بأقصي إمكانياتها فأبدعت وأثرت وخطت لنفسها سطورا جديدة متألقة في مسارها الفني المتوهج. هند صبري في «فرتيجو» كسبت الرهان بما تملكه من عفوية وعذوبة في النظرة وألق في الحركة ساعدها علي اجتياز هذا الدور الصعب بشفافية ونجاح وإن كان العمل نفسه المأخوذ عن قصة أدبية معروفة يفتح بابا واسعا للنقاش والجدل. قصب السبق ليلي علوي في «نابليون والمحروسة» امسكتب بقصب السبق بكلتا يديها.. إنها تبدو لنا شامخة مدهشة شديدة الثقة بنفسها .. تتمتع بحضور لافت جذاب ووجه كسته السنون بكثير من الهيبة والتأثير. لقد بدت لي تحت أنامل العبقري شوقي الماجري وكأنها سالومي في أرويتها السبعة.. تقدم لنا رداء أثر رداء تاركة أياما فريسة الدهشة والإعجاب.. ليلي علوي في المحروسة اثبتت أن عظمة الممثل ليست في عدد سطوره التي يلقيها وإنما في كثافة حضوره وعمق تأثيره. ليلي علوي قد وصلت في دورها الجديد إلي أقصي ما يمكن لممثلة أن تفعله أو تتمناه. سلوي محمد علي التي لا تكف عن ادهاشنا في كل دور تلعبه طورت شخصية «مريم» في مسلسل «كاريوكا» من مجرد ريفية متعاطفة مع الطفلة تحية التي يقع عليها ظلم أخوتها.. إلي رائدة نسوية تحمل في أعماقها ثورة حقيقية لوضعها ومكانتها في المجتمع الريفي الذي تحيا فيه، اطلقت بأدائها صرخة مدوية عن عالم المرأة الريفية وقدرتها علي الثورة بطريقة سلسلة ومقنعة، واستطاعت بحضورها المدهش أن تحيل الشخصية التي لعبتها إلي شخصية محورية لا تنسي. في المقابل بدت لي وفاء عامر مقنعة في مشاهدها التي تدور في السجن خلال التحقيق معها.. كما ظهرت في الحلقات الأولي ولكنها ابتعدت تماما عن الإقناع عندما لعبت دور المراهقة ابنة الثامنة عشرة التي تكتشف عالم الليل وخفايا عماد الدين. لم يساعدها المكياج ولا حجم جسمها وتكوينها الجسدي علي أن تكون المراهقة تحية .. وكان الأفضل لو قامت ممثلة أخري بأداء هذه الفترة الدقيقة من حياة كاريوكا. لكن علينا أن ننتظر القادم وهو كثير وما يمكن أن تفعله وتحققه وفاء عامر من خلال هذه الشخصية المدهشة التي طبعة زمنها بطابع لا ينسي. «ابن موت» كان مفاجأة لي كتابة نقية وسهلة المأخذ وعميقة التأثير من مجدي صابر لقصة معروفة عولجت أكثر من مرة لكن مجدي صابر استطاع أن يعطيها نكهة خاصة مميزة زاد من تأكيدها إخراج سمير سيف المتطور والشديد الدقة تكنيكيا. ويبقي أداء خالد النبوي الذي بدا لي في فيلم «المسافر» تقليدا أعمي لأداء عمر الشريف، رغم أن خالد يتمتع بموهبة مؤكدة ولا يحتاج اقتباس أسلوب غيره كما يؤكد نفسه.. خصوصا أنه وجد نفسه أمام فرصة نادرة ومخرج متميز هو سمير سيف وكاتب ذكي وموهوب هو مجدي صابر. إقناع وعفوية علي عكس «علا غانم» التي طورت نفسها وأسلوبها وبدت لي شديدة الإقناع في تعابيرها العفوية ولهجتها التي يختلط فيها الحزن أحيانا بالنشوة. دور سيحسب لعلا غانم كثيرا علي ما يبدو. كذلك استبدت بي الدهشة وأنا أري أداء «يسرا» في شربات لوز وكأنه ترداد لأداء غادة عبدالرازق أو نادية الجندي في أيام عزها. يسرا أيقونة سينمائية نادرة وليست بحاجة إلي أن تسير علي درب أحد ولعل تجربتها العاثرة مع السبكي.. قد جعلتها تفقد البوصلة الحقيقية التي كانت توجهها، لا أصدق أن نجمة يوسف شاهين الكبيرة وبطلة هذه الأفلام التي لا تنسي .. يمكن أن تخطيء في حساباتها إلي هذا القدر وأن تتيح الفرصة لنجمة شابة هي «صبا مبارك» أن تسرق منها الأضواء وما علينا إلا أن نذكر مشهد صبا مع أبيها وعتابها له.. وقوة أدائها الدرامي .. وصدق مشاعرها لكي نري إلي أي فارق كبير واجهت الممثلتان الكبيرتان كل منهما أسلوبها وطريقتها. «البلطجي» قدم لآسر ياسين فرصة لا تعوض كي يخرج من الإطار الذي يحاول المنتجون أن يسجنوه به وانطلق حرا ليؤكد مقدرته علي أن يلعب شتي الشخصيات مهما تناقضت ومهما اختلفت. ورغم اعتراضي علي تدهور الحوار وابتذاله في كثير من المواقف لا استطيع إلا أن اشيد بأداء آسر وقدرته علي السكون دون أن يفقد الخط الأساسي الذي يميز شخصيته. وفي ظهور صغير في هذا المسلسل لذكي فطين عبدالوهاب ظهور يؤكد الموهبة الحقيقية التي يتمتع بها هذا الفنان الذي لم يأخذ فرصته الحقيقية حتي الآن سواء في التمثيل أو في الإخراج.. «بعد التجربة اليتيمة الوحيدة التي قام بها والتي مازالت محفورة في ذاكرتنا» في عمر بن الخطاب نجوم كثيرة من بلاد عربية مختلفة كل منهم يؤدي هذا الحوار البارع الجميل الذي كتبه د.وليد سيف «الأردني» بألق وعبقرية. ولكن تجدر الإشارة إلي أداء ممثلنا «بهاء ثروت» في دور واحد من الصحابة والذي أضاء بوجهه ومشاعره ونبرات صوته الشخصية التي يمثلها والتي يبدو أنه كان شديد الاقتناع بها. كلمة أخيرة وباقة من ورد أحمر يافع ألقيها تحت قدمي فادية عبدالغني لأداءها المدهش والمؤثر لشخصية بديعة مصباني في مسلسل كاريوكا. درس حقيقي في الأداء وقوة في الشخصية .. حنان غامر في التصرفات .. نظرة عبقة إلي الداخل .. وحضور مدهش في كل جوانب الدور. فادية عبدالغني في دور بديعة وصلت إلي أعلي مقام في مسارها الفني وعليها أن تحصد ثمرات جهد طويل وبارز في عالم السينما والتليفزيون وأن تتمتع بمجد كبير يحق بها وهالة من الضوء الساطع تحيط باسمها. ورد أحمر يافع أيضا أضعها في طريق أروي جودة التي بعد أن حققت هذا التألق المبهر العام الماضي في «المواطن x» تعود مرة أخري تحت إدارة شوقي الماجري في «نابليون والمحروسة» لتثبت نفسها واحدة من أكثر الآمال قوة ومن أشد الوجوه الجديدة موهبة وألقا وأنها حقا «أيقونة من ذهب» سيلمع ضيائها ويشتد خلال الأعوام القادمة كلها.