رمضان في مصر هو شهر معاد للسينما بكل المقاييس. ربما للازدحام الطبيعي لجدول المواطن المصري خلال اليوم الرمضاني، أو لارتباط الشهر التاريخي بصناعة الدراما التليفزيونية التي تجعل الكتلة الأكبر من حجم التلقي الدرامي المحدود بالأساس تتجه تلقائيا إلي متابعة المسلسلات التليفزيونية. إذا أضفنا لذلك حقيقة كون هذا الموسم التليفزيوني موسما استثنائيا نظرا للعدد الكبير من نجوم الشباك السينمائيين الذين قرروا اللعب في المضمون والاتجاه للشاشة الصغيرة، وحقيقة أخري تتعلق بتغير أجندة اهتمامات المصريين بشكل عام لتنحو إلي السياسة أكثر بكثير مما كانت عليه من قبل، فالنتيجة النهائية هي أننا سنقضي شهرا كاملا خاليا من السينما سواء في القاعات التي يتعمد أصحابها عدم عرض أي أفلام جديدة خلال الشهر، أو في ساحات النقد والنقاش الفنية التي تدير ظهرها للشاشة الكبيرة مؤقتا حتي يحين موعد العودة مع انطلاق موسم عيد الفطر. الواقع السابق قد يكون عامل ظلم لبعض الأفلام التي بدأ عرضها التجاري قبل شهر رمضان بقليل، والتي وجد أصحابها أنفسهم مستبعدين من المنافسة سريعا مع بدء الشهر، وحتي عند عودة المنافسة فسينشغل الجمهور بأفلام موسم عيد الفطر الأحدث. هذه المعادلة ستظلم تحديدا فيلم "غش الزوجية" للمخرج أحمد البدري والمؤلف لؤي السيد، والذي كان مرشحا لو عرض في موسم طبيعي لتحقيق إيرادات أكبر مما حققها. تصنيف فبطل الفيلم رامز جلال لا يمكن وصفه بأنه نجم شباك من التصنيف الأول، واسمه وحده غير كاف لتحقيق إيرادات مرتفعة بشكل تلقائي، لكنه قادر دائما علي جمع الحد الأدني من الأرباح الذي يكفل له الحصول علي تمويل لفيلمه التالي. هذا الوضع كان قابلا بشدة للتغيير مع "عش الزوجية" الذي ينتمي لنوعية قليلا ما تتواجد في شباك التذاكر المصري، وهي الأفلام التي تجمع إيرادات متصاعدة أو شبه ثابتة بناء علي السمعة الطيبة التي تحققها بين الجمهور، في اختلاف كبير عن الصورة التقليدية لسلم الإيرادات التنازلي المعتمد علي جمع أكبر قدر ممكن من الأموال خلال أول أسبوعي عرض. وعلي مدار الثلاثة أسابيع الماضية كان أول تعليق يأتي من معظم مشاهدي الفيلم هو أنه عمل مضحك جدا، وهي سمعة كانت كفيلة بالطبع في ظل السوق السينمائية المصرية أن يحافظ الفيلم علي إيرادات أسبوعية شبه ثابتة تقدر بحوالي المليوني جنيه، وهو رقم جيد جدا بالنسبة لبطل الفيلم كان مرشحا للزيادة لولا بدء الشهر الكريم. لاحظ هنا أن التقييم "التجاري" للفيلم وحركته صعودا أو هبوطا في جداول الإيرادات لا علاقة لهما بالتقييم "الفني"، فآخر عنصر يمكن أن يؤثر في شباك التذاكر المصري هو مدي جودة العمل السينمائية أو التقديرات النقدية له، وتبقي السمعة المتعلقة بقدر التسلية والإضحاك مع اسم النجم البطل دائما هي المعايير الحقيقية للنجاح الجماهيري. وهي معايير يمكننا أن نقول بضمير مستريح إن فيلم "غش الزوجية" قد استوفي الكثير منها علي الرغم من المشكلات الفنية التي يعانيها. الإمتاع الأمريكي الفيلم يعتمد في سعيه لتحقيق الهدف الإمتاعي علي النموذج الأمريكي لفيلم الكوميديا الرومانسية، وهو النموذج الذي صار خلال الألفية الجديدة الأكثر شيوعا بين كتاب السينما المصريين المحبين لاستلهام النماذج الدرامية الغربية؛ ربما لمتطلبات إنتاجية تجعله الأصلح للنقل طبقا لحجم الإنفاق المتواضع علي الفيلم المصري بالمقارنة بنظيره الأمريكي، أو لسبب ثقافي هو وجود رابط مشترك بين شكل وطبيعة العلاقات الرومانسية في العالم كله بما يتيح تمصير بعض الحكايات الغربية إلي صورة قابلة للحدوث في إطار المجتمع المصري. ونموذج فيلم الكوميديا الرومانسية الأمريكي يعتمد في بنائه علي دراما تصاعدية من ثلاثة فصول، يدور فصلها الأول عادة حول طريقة التعارف بين رجل وامرأة يبدوان للوهلة الأولي أبعد ما يمكن عن التناغم أو الوقوع في حب بعضهما البعض لينتهي الفصل بما يجبرهما علي دخول علاقة تبدو فاشلة قبل أن تبدأ. ثم يأتي الفصل الثاني الذي نشاهد فيه التتابعات الكوميدية لهذه العلاقة المستحيلة لينتهي بتغير موقف البطلين من بعضهما داخليا بصورة تظل غير معلنة. قبل أن يبدأ الفصل الختامي والذي تتعرض فيه علاقتهما لمحنة أو اختبار حقيقي يضعها علي المحك ليكتشفا أنهما بالفعل يحتاجان لبعضهما؛ ليستنتجا ومعهما الجمهور قيمة ما تتعلق بالحب ويخرج الجميع سعداء بانتصار الحب وإعلاء قيمه. النموذج السابق ينتهجه صناع فيلم "غش الزوجية" بصورة شبه كاملة في الفصلين الأول والثاني من العمل. فنتعرف علي شخصية حازم (رامز جلال) ابن مدير الشركة الذي يحب تصوير الإعلانات ويستغل جاذبيته وذكاءه في إقامة علاقات نسائية تدعم أعمال شركته، والذي يجبره والده (حسن حسني) علي الزواج بسلمي (إيمي سمير غانم) لاعبة كرة القدم الكارهة للزواج من أجل الحصول علي موافقة والدها مدير البنك (يوسف فوزي) علي منح الوالد قرضا ينقذه من الإفلاس. التناقض الواضح للشخصيتين وصعوبة تصور نجاح زواجهما الذي قام علي الخداع من الطرفين يدفعان الحكاية نحو الفصل الثاني الأكثر إثارة للضحكات. عيوب مصرية أزلية وإذا تغاضينا عن الضعف المنطقي في الحدث المفجر للحكاية برمتها، والذي جاءت فيه موافقة الشاب فيه علي الزيجة بصورة أيسر من أن تحدث في الواقع بالنسبة لشاب مثله من المفترض طبقا لبناء شخصيته أنه قادر علي إيجاد حلول أخري لمشكلة والده المالية، وهي مشكلة تمصير أزلية يمكن التغاضي عنها باعتبارنا بصدد عمل كوميدي يعتمد بالأساس علي المبالغات وعدم الالتزام بالمنطقية الكاملة، فإن عيوب التمصير المعتادة تظهر بوضوح تام في فصل الفيلم الثاني قبل أن تبلغ ذروتها في الفصل الختامي. فالمنطق الدرامي يفرض علي كل من البطلين أن يحاول بقدر الإمكان الحفاظ علي نمط حياته الذي يرتاح إليه والذي أجبر علي تغييره رغما عن إرادته، وهو ما تقوم به سلمي بإصرارها علي عدم اقتراب زوجها منها بل وادعائها أمام والديها أنه عاجز جنسيا للتخلص منه. لكن علي النقيض تجد تصرفات حازم الذي يستسلم تماما لحياته الجديدة قاصرا طموحه علي إقناع زوجته بممارسة الجنس معه، وهو أمر سيصبح مقبولا في المستقبل عندما يكتشف حبه لها، لكنه يظل خارج نطاق المنطق تماما في المراحل الأولي للزواج، والتي ينسي صناع الفيلم فيها تماما علاقاته النسائية السابقة، قبل أن يعودون لتذكرها مع مطلع الفصل الأخير باستخراج شخصية لم تظهر سوي في مشهد وحيد ببداية الفيلم وإعطائها قيمة درامية مرتفعة بشكل مفاجئ باعتبارها عشيقة حازم التي تظهر لتهدد الوئام المتصاعد بينه وبين زوجته. الضربة الدرامية القاضية ويأتي الفصل الأخير للحكاية بمثابة الانهيار الكامل لأي سلامة منطقية للدراما، فيتحول الصراع بين البطلين إلي صراع بين شخصيتين لا علاقة لهما بمن شاهدناهما طوال أحداث الفيلم، وتنقلب أزمة الزوج فجأة لكونه فاشلا لم يحقق شيئا في حياته بالرغم من أننا شاهدناه في البداية عبقريا في مهنته، وهناك بالطبع فارق كبير بين الفشل وعدم الالتزام لم ينتبه المؤلف له. وتكتشف البطلة حبه المكتوم لها عبر صور تجدها علي هاتفه يفترض أنه قد صورها لها أثناء تسجيل هدف شاهدناه في الفيلم بينما كان حازم يحتفل به ولم يكن قط يلتقط هذه الصور! ولا يقتصر الأمر علي عيوب التمصير الدرامية، بل تتضاعف المشكلات عندما يقرر المؤلف لسبب ما أن يضيف انقلابا دراميا ختاميا علي طريقة أفلام التشويق الأمريكية يفترض أن أزمة القرض قد حُلت قبل الزواج بأيام وأن الوالد قد ترك اللعبة تكتمل ليصلح من أخلاق ابنه. علي الرغم من أن التفكير البسيط سيقود المشاهد للتأكد من استحالة حدوث كل هذه التبعات لو لم يكن البطل ووالده مؤمنين بضرورة إتمام الزيجة، بل إنه حتي لو افترضنا السلامة المنطقية فالأمر خارج بناء شخصية الأب الذي ظهر هو الآخر مستهترا فخورا بتصرفات ابنه لتكون النتيجة النهائية فيلما مسليا في نصفه الأول، الذي ظهر المخرج أحمد البدري فيه بصورة أفضل بكثير مما رأيناها منه في أعمال سابقة، فعلي الأقل قام بسرد حكاية مترابطة ومنطقية، قبل أن ينهار في النصف الثاني ليعاني كل عيوب التمصير ويزيد عليها صناع الفيلم خللا جديدا ناتجا عن إعادة "أمركة" العمل، وكأنهم قد رفضوا أن "يكملوا جميلهم" بصناعة فيلم مسل ومتماسك دراميا بما يوازي سمعته الجيدة بين مشاهديه.