في ربط التواصل فيما كتبته المرة السابقة وما سوف أكتبه هذا العدد وفيما كتبته سابقاً ولاحقاً خوفا من أن تكون اللغة قد انحرفت بالمبادئ والأسس في مفهوم الإبداع وتلاحقه مع الزمن .كان من المفروض أن أشرح الفرق بين الفن والإبداع أولا لكيلا يتم خلط بين الاثنين فكلاهما يحتاج الي الكثير من الفواصل الأساسية لفهم الاثنين مع تحديد مهمة الإبداع اولا بعيداً عن الافراط في ملامح أخري كثيرة لم تكن في الموضوع . وقبل أن أبدأ حديثي هذا عن هذا "المعرض" بعنوان "العمارة بأيدي النحاتين" وهو ظاهرة كبري في فهم الحداثة الفنية الجديدة ... و يمثل ظاهرة حية لمفهوم الإبداع التي تتمثل في هولاء النحاتين الذين خرجوا من كل العوائق في فهم النحت بشكل عام بعيداً عن التقليد الأعمي لظواهر الفن سواء كان قديما أو حديثا ... ولكن الظاهرة الحقيقية في هذا المعرض هو الغوص في قضية الابداع "وقضية" الإبداع الفني الذي يبعد عن تفاصيل ما يقال عنه "الحكي" او الحكاية التي كانت سائدة في الفن القديم وهو يقال عنه الجديد ... واعتمد وأعلي ربط الفن بالقواعد العلمية المثيرة ... بل تعدتها إلي "حكي" جديد طبقاً لنظريات الفن الحديث . ولذلك لابد لنا من ادراك مفهوم "الابداع في القرن الحديث" فالإبداع الحديث هو الفن الذي يخرج عن نطاق التقليد الضيق للإبداع بل يخرج الإبداع عن هذه التقاليد الصماء التي تعطل الإبداع في جوهره وهذا ما رأيت ملامحه في هؤلاء الفنانين كنماذج لشباب النحاتين المصريين : النحات هشام عبدالله يعمل مدرسا للنحت في كلية التربية النوعية ببنها ويشارك في الحركة الفنية ... منذ اوائل التسعينات ... وقد شارك في العديد من دورات المعرض أوائل التسعينات وشارك في سيموزيم النحت وفي المعرض العام وحصل علي العديد من الجوائز بمشاركته في سيموزيم اسوان للنحت الدولي . ويمتاز الفنان النحات هشام بالكثير من الخبرات... التلقائية والمحددة بأبعاد المجسم من حيث هو المنطلق المحدد في اتجاهاته المتعددة... والتي تتميز بعناصر الدائرة والخط ... أي أن جميع رسوماته عبارة عن تشكيلات هندسية موزونة داخل الميزان الهندسي المحدد بالابعاد الميتافيزيقية، التي تدخل في الشكل بالدائرة... أي أن اساس الشكل لديه هو الدائرة ومشتقاتها . وإذا كان الفنان المعماري هشام قد مزج الدائرة بملحقات حولها فهو أجاد في دخول الدائرة ومشتقاتها الي جوهره الأول المحدود بالدائرة . ولاشك قد برع الفنان هشام في تحقيق الغاية المنشودة في قرص الدائرة الملفوف حول نفسه بايجاد صور اخري من التكامل في دوائر معمارية متأصلة بالدائرة كما برع في إيجاد وسيلة حميمة بين الدائرة والدوائر الأخري في إيجاد حلم حلم به الفنان في محاولة إيجاد الربط بينهما في توافق يقترب من الوفاق الطبيعي بين الشكل الدائري الملفوف حول نفسه وخروج مجسمات هندسية تحول بين الفهم السليم للتشكيلات الفلسفية التي تعبر عن روعة المفهوم التكاملي بين الشكل المضاف والشكل الطبيعي النابع من الشكل ... وبذلك يكون الفنان قد جمع بين الدائرة ومشتقاتها في حدود الدوائر المتلاحمة. الفنان عصام درويش هو من الفنانين القلائل الذين يشكلون الفراغ الحتمي او الطبيعة بمفهومه والوقعي حيث يجتمع شكله مع الطبيعة وعناصر أخري تتكامل مع بعضها في إطار وحدة متكاملة والتصاقها مع الطبيعة التي تدور حولها وأكثر أعماله تمثل "حوائط" تعبر عن ثقل هذا الصخر المترامي في الطبيعة التي تتحد مع الطبيعة أو تحدد شكلا جديداً مع الطبيعة لاينفصل عنها مهما كان الأمر ... حتي يتوحد مع الحياة الجديدة المكون في الطبيعة والفنان عصام درويش يكون الطبيعة مراعيا السماء والأرض الميحطة بنا مهما كان الأمر وهنا الفنان يضع نفسه بين الطبيعة المحكومة والإبداع البشري . وعصام درويش بين التلاصق الهرمي الناتج من اعماله الأولي المكونة لشكل هرمي مدرجاته في اعلاه واسفله صامدا صمود التاريخ الذي صنعه الانسان في مهد التاريخ المصري القديم بمخلوقاته البعيدة عن الطبيعة مكونا إنسانا جديدا لها . الفنان النحات طارق الكومي النحات المبدع بينه وبين الطبيعة وقد عرفته منذ زمن ليس بالبعيد وهو نحات مبدع حين ادرجته في مدمار الفن والطبيعة وقد حصل علي كثير من الجوائز في حق الإبداع وعندما علمت بدخوله في هذا الحقل المترامي "من النواحي الإبداعية" والمتكررة أدركت انه يقوم بعمل عظيم في عمل الحلقة التي أمامي مبصرا له تكامله اولا مع الآخرين الذين يعرضون معه في هذه الحقبة الزمنية من الوجود الإنساني والفنان طارق الكومي هو أولا فنان من النحاتين المعروفين في حقل التجربة النحتية التي تملؤه فخرا بجملة اعماله الاخري القديمة ... ولكن ما ادركته ان انتماءه الي هذه المجموعة الفكرية التي أنا بصدد الكتابة عنها هو اعجابي بهذه المجموعة المنطلقة في حيز هذا الفراغ .. ولايسعني الا أن أحدد الدور الملقي علي الفنان طارق الكومي فهو ملقي عليه قضية الابداع الفني كمرحلة من أهم المراحل ... في تحديد هذه الصفة الابداعية الجديدة لهذا العصر خوفا من نضوب الحركة الفنية بالاهمال والتيبس وخوفا من ان تصاب بالفخر الابداعي وبغير الابداع فالابداع لدينا هو المنطلق الوحيد للابداع المطلق البعيد عن الفنون القديمة التي كانت غير قادرة علي تحديد ابداع جديد يعيد لنا نظرة جديدة وبعيدة عن كل ما هو قديم وغير قادر علي ابداع جديد.